كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية
القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون
تابع الباب الثالث:( في العمران السياسي ) في الدولة العامة والملك والمراتب السلطانية
الفصل الرابع والثلاثون
مراتب الملك والسلطان وألقابهما
السلطان راع لله على الناس لذا يحتاج إلى من يعاونه
السلطان في نفسه لا يستغني عمن يعاونه في حياته الشخصية ، وبالتالي فهو أحوج إلى من يساعده في الحكم . وطبقا لإيمانه بالثيوقراطية ( الدولة الدينية ) يقول ابن خلدون يعزّز رأيه : ( فما ظنك بسياسة من استرعاه الله من خلقه وعباده ).!. فالسلطان عنده وكيل عن رب العزة فى التصرف فى الناس.!
صفات الأعوان
والأفضل للأعوان أن يكونوا ذوي قربى من أهل النسب أو الولاء القديم .
أعوان القلم وأعوان السيف
ويستعين في ذلك بقلمه أو سيفه أو رأيه أو معارفه أو حجابه عن الناس . وقد يوجد ذلك كله في شخص واحد ، أو في عدة أشخاص ، وقد يتفرع كل واحد منهم إلى فروع كثيرة فالقلم يتفرع إلى قلم الرسائل والصكوك والإقطاعات والمحاسبات والسيف يتفرع إلى صاحب الحرب وصاحب الشرطة وصاحب البريد أي التجسس وصاحب الثغور .
والوظائف السلطانية تندرج تحت الخلافة التي تضم الدين والدنيا وحيث يتعلق الحكم الشرعي بها جميعا ، ويتكلم الفقيه في مراتبها وشروطها.
وأهم الوظائف السلطانية (1) الوزارة (2) الحجابة (3) ديوان المالية (4) ديوان الرسائل والكتابة (5) الشرطة (6) قيادة الأساطيل .
الوزارة : هي أم الوظائف السلطانية ، لأن اسمها يدل على مطلق الإعانة .
وظائف السلطان تدور حول أربعة أشياء
(1) الحماية وأسبابها من الجند والسلاح والمسئول عنها هو الوزير في الدول القديمة بالمشرق ، وفي عصر إبن خلدون في المغرب .
(2) مخاطبة ومراسلة البعيد وتنفيذ الأوامر ، وهذه مسئولية الكاتب .
(3) جباية المال وإنفاقه ، وضبط الإيرادات والمصروفات ، وهي مسئولية الوزير في المشرق في عهد إبن خلدون .
(4) الحاجب الذي يحول بين الناس والسلطان .
أرفع الوظائف
وأرفع هذه المناصب هو الحماية العامة ، حيث يقتضي صاحب هذا المنصب أن يشارك السلطان في سلطته . وإما ما كان خاصا ببعض الناس أو بعض الجهات مثل قيادة الجيش ، أو ثغر أو النظر في السًكة (العملة ) فإن صاحب هذا المنصب يكون تابعا لصاحب السلطة العامة ، أو الحماية العامة .
طبيعة الوظائف في دولة المسلمين الأولى
وبعد الإسلام والخلافة ذهبت تلك الوظائف مع نظم الملك القديمة ، إذ كان النبي يستشير ، وكان أبوبكر من أبرز مستشاريه حتى كانوا يسمونه الوزير ، وكانت نظم الجباية بسيطة وكانوا يستخدمون من يعرف الكتابة والحساب من الموالي ، وكان الحاجب الذي يحول بين السلطان والناس محظورا .
تغير الوظائف بعد الدولة الأولى
فلما انقلبت الخلافة إلى مُلك كان الحُجاب أول ما تم تنفيذه خشية الإغتيال كما وقع مع معاوية وعمرو خشية أن يحدث لهما ما حدث لعلي وعمر ، فاتخذا الحجاب .
وعندما تعقدت أمور المُلك ظهر المشير أو المستشار في أمور القبائل والعصبيات وأطلق عليه اسم الوزير ، وبقي ضبط حسابات الدواوين في الموالي وأهل الذمة ، وكان هناك كاتب يختص بأسرار السلطان ، وهو دون الوزير ، وظل الوزير عالي الشأن في الدولة الأموية تتناول سلطاته كل الشئون .
الوزير في العصر العباسي الأول
وارتفع شأن الوزير أكثر بتعاظم الحضارة ، وأصبحت مرتبته ظاهرة ، وكان له أن ينوب عن الخليفة في الحل والعقد ، وأن يباشر ديوان الحسابات والرسائل وسجلات وخاتم السلطان ، أي جمع الوزير بين السيف والقلم ، حتى لقد تلقب الوزير جعفر بن يحيى البرمكي بالسلطان في خلافةالرشيد ، ولم يخرج عن نفوذه إلا الحجابة أو القيام على باب الرشيد . ثم كان الوزير يستبد بالخليفة ، أو يسترجع الخليفة نفوذه من الوزير وعندما كان يستبد الوزير بالخليفة يحتاج منه إلى إستنابة ليكون حكمه شرعيا .
ومن هنا إنقسمت الوزارة إلى وزارة تنفيذ حين تكون السلطات كاملة للخليفة وتنحصر مهمة الوزير في تنفيذ أوامره ، ووزارة تفويض حين يستبد الوزير بالأمر .
الوزارة في العصر العباسي الثاني
وبعد تحكم الموالي العجم في الخلافة العباسية لم يتلقبوا بألقاب الخلفاء واستنكفوا أيضا من لقب الوزير ، والوزراء تابعون لهم ، فاختاروا الإمارة والسلطان . وأصبح المتغلب على الخلافة إسمه أمير الأمراء أو السلطان أو ما يختاره له الخليفة من ألقاب ، وانحصر لقب الوزير فيمن يقوم على خدمة الخليفة العباسي . واختص إسم الأمير بالقائد الحربي وكان صاحب النفوذ الأكبر.
الوزارة في الدولة المملوكية
كانت الوزارة قد أصبحت رتبة ناقصة ، فترفع عنها أمراء المماليك ، فاقتصرت على النظر في جباية الأموال . أما صاحب النفوذ التالي للسلطان فهو نائب السلطنة الذي ينظر في الأحكام وفي الجند . وبقي اسم الحاجب في مدلوله ، والدويدار هو الذي يقف بالوفود أمام السلطان ويعلمهم الآداب السلطانية " الاتيكيت " ويتبعه كاتب السر والمشرف على البريد .
الوزارة في دولة بني أمية في الأندلس
أصبح للوزارة أربعة ميادين ، لكل ميدان منها وزير إختص بوظيفة ، فوزير للمالية ووزير للمرسلات ، ووزير للمظالم ووزير للثغور والحراسة الحربية . وجعلوا لهم مجلسا للوزراء ، ويجتمعون فيه ، وهناك وزير منهم يكون صلة بينهم وبين السلطان ولقبه الحاجب ، وهو أعلى منهم منزلة . وبمرور الزمن ازدادت سلطة الحاجب ، حتى كان بعض ملوك الطوائف يحمل لقب الحاجب .
وفي الدولة الفاطمية
وقلدت الدولة الفاطمية الأمويين في الأندلس ، بعد فترة من البداوة .
في دولة الموحدين
وهكذا الحال مع الموحدين ، إلا أنهم جعلوا الوزير حاجبا للسلطان .
الحجابة
كانت في الدولتين الأموية والعباسية مجرد حاجب يعلوه الوزير ، وهي كذلك في الدولة المملوكية حيث يكون نائب السلطنة أعلى من الحاجب .
أما في الدولة الأموية بالأندلس فقد كان الحاجب واسطة بين السلطان والوزراء, وأعلى قدرا من الوزير . ثم حين إستبد الموالي بالدولة كان المستبد يحمل لقب الحاجب ، مثل المنصور بن أبي عامر وأبنائه ، وبعد أن تم لهم الملك إستمروا يحملون لقب الحاجب ، ويقال لأحدهم أنه الحاجب وذو الوزارتين ، أي الذي يحجب السلطان عن العامة والذي يجمع بين السيف والقلم ، ثم أصبح المختص بديوان المالية يسمى في عصر إبن خلدون بالوكيل . ولم يكن يوجد لقب الحاجب ووظيفته في دول شمال أفريقيا ، وربما كان موجودا لدى الدولة الفاطمية في مصر ولكن بدرجة أقل .
فدولة الموحدين لم يكن فيها من وظائف سوي الوزير ، وكان في البداية كاتبا يختص بأمور السلطان ، ثم أضيف له ديوان المالية ، ثم عظم شأنه بعد ذلك .
أما بنو حفص فكانت الرياسة لوزير الرأي ويعرف بشيخ الموحدين ، وله النظر في الولايات والعزل وقيادة الجيوش ، وهناك وزير الأشغال المختص بالأمور المالية ، وكان من بين الموحدين أهل السلطان ، واختص ديوان الرسائل بالأسرار ، ولم يشترط في صاحبه أن يكون من الموحدين ، لأنهم لم يكونوا من أهل الكتابة . واحتاج السلطان إلى حاجب يشرف على أحوال قصره وبيوته ، وأضيفت للحاجب حمل خاتم السلطان على السجلات ، وبعد أن إنعزل السلطان عن الشعب أصبح الحاجب واسطة بينه وبين الناس بما فيهم أصحاب المناصب ، ثم أصبح الحاجب يقود الجيوش, وأصبح صاحب الرأي والمشورة ، وبهذا تحكم الحاجب في السلطنة .
وعلى العكس من ذلك في دولة بني مرين ، فلا أثر لإسم الحاجب لديهم ، بل كان الوزير هو قائد الجيش ، وكان صاحب القلم من المتخصصين في الرسائل ، أما حاجب السلطان فكان إسمه المزوار ، وهو رئيس المتصرفين على باب السلطان ، وهو الذي ينفذ عقوبات السلطان ويباشر السجون .
وفي دولة بني عبد الواد لم تكن تلك الوظائف مميزة بسبب بداوتهم ، وكان الحاجب أحيانا هو خادم السلطان في بيته ، وقد يكون كاتب الدولة .
والحاجب في دولة المماليك من الأمراء ، ويقوم بتنفيذ الأحكام بين الناس ، ويتبع نائب السلطنة الذي يباشر التولية والعزل ، والحاجب يقوم بتنفيذ أوامر النائب . وللحاجب أن يحكم فقط في العوام والجند عندما يلجأون إليه ، وهو يجبر من يأبي الإنقياد للحكم . أما الوزير فهو المشرف على جباية الأموال وتصريفها ، وله التولية والعزل في الموظفين التابعين له . والمعتاد أن يكون الوزير من الأقباط الذين تخصصوا في الحسابات . وقد يتولاها أحد الأمراء المماليك .
ديوان الأعمال والجبايات : ديوان المالية
هو حفظ حقوق الدولة في الدخل والخراج ، وتقدير المصروفات حسب القوانين والقرارات الديوانية . ويرى إبن خلدون أن ديوان كلمة فارسية الأصل ثم أصبح يطلق على كتاب الحسابات من الدخل والمنصرف .
بداية الدواوين في دولة المسلمين
ويوجد ديوان المالية عندما تتوطد أمور الدولة حربيا وسياسيا ، والخليفة عمر هو أول من وضع الديوان ، وقيل أن ذلك باشارة من خالد بن الوليد أوالهرمزان الأمير الفارسي الأسير في المدينة ، وأول تدوين للديوان قام به عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل وجبير بن مطعم ، فكتبوا أسماء العسكر على ترتيب الأنساب بدءا من بني هاشم ، وكان ذلك سنة 20هـ .
تعريب الأمويين للدواوين
وبقى ديوان المالية على ما كان عليه بالفارسية في إيران والعراق ، وباللاتينية في الشام وبالقبطية في مصر يقوم بذلك نفس الموظفين ، إلى أن جاء عصر عبدالملك بن مروان وازداد احتكاك العرب بالحضارة والمهارة في الكتابة والحساب فأمر عبدالملك والي الأردن بنقل ديوان الشام إلى العربية فأكمله خلال سنة ، وانتهى توظيف الروم في ديوان الشام . أما في العراق فقد أمر الحجاج بن يوسف كاتبه صالح بن عبدالرحمن بنقل ديوان العراق من الفارسية للعربية ، ففعل ذلك بنفسه وكان يكتب بالعربية والفارسية .
صلة الدواوين بسياسة الملك
وكتب الأحكام السلطانية تبحث أحكام هذه الوظيفة وشروط من يتولاها ، ويركز إبن خلدون هنا على صلة هذه الوظيفة بطبيعة المُلك ، أي من الناحية السياسية ، ويرى إبن خلدون أن ديوان المالية ( الأعمال والجبايات ) هو الركن الثالث للملك ، فالملك يحتاج إلى الجند والمال والرسائل ، والأعوان في كل منها ، وفي دولة الموحدين كان " صاحب الأشغال " هو الذي يتولى ديوان المالية ، وكان يتولاها غالبا أحد عصبة السلطان . وفي دولة بني حفص وفدت إليهم جاليات أندلسية كان منها من يتقن هذه المهنة فتقلدها ، وحين إستبد الحاجب بالنفوذ أصبح صاحب ديوان المالية تحت إمرته . وفي دولة بني مرين تولى هذه الوظيفة رجل بين السلطان والوزير ، وكان خطه أو توقيعه نافذا في صحة الأوراق والحسابات . وفي الدولة المملوكية توزعت هذه الوظيفة بين أكثر من مسئول بسبب عظمة الدولة وإتساعها . فناظر الجيش هو صاحب ديوان العطاء ، والوزير هو الناظر في ديوان الجباية العامة ، ومعه أحد الأمراء يتابعه ، وناظر الخاص هو المشرف على أموال السلطان وإقطاعاته .ويشرف عليه أحد الأمراء إذا لم يكن من المماليك ، ثم هناك الخازن لأموال السلطان وهو يشرف على ناظر الخاص .
ديوان الرسائل والكتابة
وظيفة توجد في الدولة المتحضرة
ترتبط هذه الوظيفة بتقدم الدولة وحضارتها ، لذا لا توجد في الدول البدوية والبدائية ، وقد تأكدت الحاجة إليها في الدول الإسلامية بأهمية اللغة العربية وفصاحتها ، ولما دخل اللحن وأفسد السليقة العربية صارت الكتابة صناعة يتعلمها ويحسنها من يريد التوظيف بها ، وصارت وظيفة الكتابة رفيعة الشأن في الدولة العباسية .
طبيعة عمل الكاتب
والكاتب يصدر السجلات ويكتب عليها إسمه ويضع عليها خاتم السلطان ، وهو ختم منقوش فيه إسم السلطان أو شارته ، ويغمس في طين أحمر مذاب بالماء يسمى طين الختم ، ويطبع به على طرفي السجل عند طيه وإلصاقه . يشبه الشمع الأحمر الآن .
ثم صارت السجلات تصدر بإسم السلطان ثم يضع الكاتب عليها علامته ، وهذه العلامة على قدر صاحبها ، وقد يلغيها من هو فوق الكاتب ، ويضع علامته دليلا على ذلك ، وكان يحدث ذلك مثلا عندما إستبد الحاجب بالأمر في الدولة الحفصية .
التوقيع
والتوقيع من وظيفة الكتابة ، وهو أن يجلس الكاتب بين يدي السلطان في مجلس الحكم ، وحين يصدر السلطان حكما يقوم الكاتب بتسجيله بأفصح عبارة وأوجز لفظ ، لذا لابد أن يكون بليغا فصيحا ، وقد إشتهر جعفر البرمكي في التوقيع على الشكاوى بين يدي الرشيد ، ويرمي بالشكوى إلى صاحبها ، فكان أصحاب البلاغة يتنافسون في محاكاته وفي شراء الشكاوي التي يوقع عليها .
شروط الكاتب القائم بالتوقيع
ويشترط في الكاتب صاحب التوقيع أن يكون من أهل المروءة والحشمة والعلم والبلاغة ومن صفوة المجتمع ، حتى يستطيع أن يعرف آداب الملوك وما يدور في مجالسهم ويعكس ذلك في تعلقياته أو توقيعاته .
الدولة البدوية أو العسكرية تجعل أهل الثقة متحكمين في أهل الخبرة من الكتاب
وإذا كانت الدولة عسكرية بدوية فتسيطرعصبية السلطان على كل شئ من الأموال والعساكر والرسائل ، ولكن يحتاج المسؤول عن الأموال إلى معرفة الحساب ، كما يحتاج المسئول عن الرسائل إلى معرفة البلاغة ، وحين تضطر الدولة العسكرية إلى تعيين آخرين من ذوي الخبرة في هذين المنصبين فهي تجعلهما تحت سيطرة أهل العصبية من الدولة ، ومثلا فإن الدولة المملوكية العسكرية جعلت الأمير المملوكي الداودار – أي حامل الدواة – هو المسيطر على صاحب الإنشاء ، وكان في العادة من غير المماليك .
ملاحظة : رأى ابن خلدون ينطبق على دولة العسكر فى عصرنا .
شروط الكاتب كما جاء في نصائح عبدالحميد الكاتب
وأورد إبن خلدون كتاب عبدالحميد الكاتب الذي ينصح فيه الكُتاب ، وقد كان عبدالحميد أشهر كاتب في الدولة الأموية .
ومن الشروط التي نوه بها عبدالحميد أن يكون الكاتب حليما في موضع الحلم مقداما في موضع الإقدام محجما في موضع الإحجام مؤثرا للعفاف والعدل ، كتوما للأسرار وفيا عند الشدائد ، عارفا بكل فنون العلم متفقها في الدين عارفا بكتاب الله تعالى والفرائض ومتعمقا في اللغة العربية وأسرارها والشعر العربي وأيام العرب ، وأن يستفيد من خبرة الشيوخ فى الكتابة ، وأن يراقب الله عز وجل في تعامله مع الناس ، وأن يكون متواضعا حليما رفيقا في عمله وأن يبتعد عن الدناءة والنميمة والإستكبار والغرور والوقوع في الزلل والإسراف والترف .
وهذه النصائح الأخلاقية مطلوبة لكل إنسان في حياته وعمله ، وليست مختصة بالكتاب وحدهم .
الشرطة
هي وظيفة مرؤوسة تتبع قوة الدولة الحربية ، ويتحكم في رئيس الشرطة القائد الأعلى للحرب ، ورئيس الشرطة في شمال أفريقيا يطلق عليه اسم " الحاكم " ، ولقبه في الأندلس " صاحب المدينة " وفي الدولة المملوكية يطلق عليه " الوالي " .
الشرطة في الدولة العباسية
وتحددت وظيفتها في الدولة العباسية, في إثبات التهمة على المجرم ، ثم تنفيذ الحكم عليه بعد نطق القاضي بالحكم ، وكان يتم قهر المتهم على الإقرار بالجريمة إذا إستوجبت ذلك المصلحة العامة . وأحيانا كان من مسؤوليته تطبيق الحدود كلها ، وتقلد وظيفة الشرطة كبار القواد . ووظيفة الشرطة كانت تشمل في حدودها العوام والمشبوهين ، ودون أصحاب الطبقات العليا.
ملاحظة : ابن خلدون لا يرى مانعا من التعذيب للمتهم ، وفقا لثوابت عصره.
الشرطة في الأندلس
يقولإبن خلدون " ثم عظمت نباهتها في دولة بني أمية في الأندلس ، ونوعت إلى شرطة كبرى وشرطة صغرى ، وجعل حكم الكبرى على الخاصة والدهماء ، وجعل له الحكم على المراتب السلطانية .. وجعل صاحب الصغرى مخصوصا بالعامة " .
الشرطة في دول شمال أفريقيا ومصر
ولم تكن عامة في دولة الموحدين ، وفي البداية لم يكن يتولاها إلا رجال الموحدين ولم يكن لهم التحكم في أهل المراتب السلطانية . ثم فسد وضعها وتولاها من لايستحق . وفي دولة بني مرين تولاها أتباع السلطان . وفي الدولة المملوكية والأيوبية قبلها كانوا يتخيرون لها أصحاب الشدة والصلابة .
قيادة الأساطيل
يرأسها قائد القوات الحربية وتحت سيطرته في أغلب الأحوال ، وتخصصت دول شمال أفريقيا بهذه الوظيفة لوقوعها على البحر المتوسط جنوبا في مقابل الفرنجة في شماله . وسبق للأوربيين من الرومان والقوط أن قهروا سكان شمال أفريقيا على الساحل وأقاموا لهم مدنا ساحلية مثل قرطاجة وسبيطلة وجلولاء ومرناق وشرشال وطنجة .
وبعد الفتح الإسلامي لمصر خاف عمر على المسلمين من ركوب البحر ونهاهم عنه ، ثم أذن لمعاوية بذلك بعد أن إستقر سلطان العرب في الفتوحات .
وبذلك قامت الصناعات البحرية للسفن والأساطيل على طول السواحل الإسلامية من الشام إلى الأندلس ، وفي عهد عبدالملك أقام الواليحسان بن النعمان ترسانة في تونس وبعد ذلك فتح أسد بن الفرات صقلية في عهد زيادة الله الأغلبي .
وبعدها كانت الأساطيل الإسلامية الفاطمية والأندلسية تهاجم وتخرب الموانئ الأوربية ، وكان أسطول عبدالرحمن الناصر مائتي مركب ، ونحوها في الدولة الفاطمية ، وتحول البحر المتوسط إلى بحيرة إسلامية عربية وتملك المسلمون جزر البحر الأبيض مثل ميورفة ومنورفه وسردينية وصقلية وقوصره ومالطة وكريت وقبرص . وكان الفاطميون في تونس يهاجمون جنوة وينهبونها ، وافتتحمجاهد العامري الأندلسي سردينية سنة 405 ثم إستعادها أصحابها في نفس العام . وبنو الحسن ملوك صقلية التابعون للفاطميين إعتادوا الإغارة على سواحل أوربا الجنوبية مما حصر الأساطيل الأوربية في السواحل الشمالية الشرقية للبحر المتوسط .
ثم أصاب العرب الوهن ، وضعفت الدولة الفاطمية والأندلسية فاستعاد الأوربيون جزر صقلية وكريت ومالطة . ثم تجاوزوا ذلك إلى إحتلال الموانئ العربية في الشام وأقاموا لهم الممالك والولايات الصليبية ، واحتلوا بعض المدن الساحلية في شمال أفريقيا مثل طرابلس وقابس وصفاقس . ووضعوا عليها الجزية ، وتملكوا المهدية التي كانت عاصمة الفاطميين في تونس . إلا أن الأساطيل الإسلامية في الساحل المغربي ظلت محتفظة بقوتها وقد سيطر عليها عبدالمؤمن ، وبلغت مائة سفينة بين المغرب والأندلس .
ولما توطدت دولة الموحدين في القرن السادس الهجري في المغرب والأندلس أقاموا أسطولا قويا قام بقيادته أحمد الصقلي ، وقد كان مسلما من جربة التونسية ولكن أسره الأوربيون وبيع في صقلية وتربى لدى ملكها وصار من قواده . ثم إنقلب عليهم وهرب إلى تونس حيث كان الوالي من الموحدين ، فألحقه بالخليفة يوسف بن عبدالرحمن فعينه قائدا للأسطول فأبلى بلاء حسنا في جهاد الأوربيين ، وبلغ الأسطول في عهده أوج عظمته .
وبعد هزيمة الصليبيين في حطين وإستعادة صلاح الدين لبيت المقدس تتابعت الأساطيل الصليبية تهاجم موانئ مصر والشام حيث كانت الأساطيل هناك ضعيفة ، فأرسل صلاح الدين الأيوبي إلى السلطان المغربي أبي يعقوب المنصور من دولة الموحدين يطلب منه أن يقطع أسطوله الطريق على السفن الصليبية ، وكان رسوله عبدالكريم بن منقذ ، وكتب الرسالة إليه القاضي الفاضل ، إلا أن الرسالة خلت من مخاطبة سلطان المغرب بلقب أمير المؤمنين ، فنقم أبو يعقوب ولم يجبه إلى طلبه .
وهكذا تخصص المغرب وشمال أفريقيا بالأساطيل ، بينما لم تهتم بها مصر والشام . وعندما ضعفت دولة الموحدين واستولى الأسبان على أكثرية الأندلس تملكوا الجزر الغربية من البحر المتوسط وسيطرت أساطيلهم على البحر المتوسط بينما تضاءلت الأساطيل الإسلامية ، ويقول إبن خلدون ،" فمن المشتهر بين أهل المغرب عن كتب الحدثان ( التنجيم) أنه لابد للمسلمين من الكرة – الإنتصار – على النصرانية وافتتاح ما وراء بلاد البحر من بلاد الفرنجة ، وأن ذلك يكون في الأساطيل ". فهل تحققت أمنية إبن خلدون ؟ !!