عرض مقدمة ابن خلدون:الباب الثانى:(ف 1 : 13) : البدو والحضر والعصبية

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠١ - سبتمبر - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب ( مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية )

القســــــم الأول : عـرض مقدمــــــــــة إبن خلــــــــــــدون

                                     البــــاب الثانــــــي    

 في أساس علم العمران وبدايته في العمران البدوي والأمم الوحشية والقبائل                                     الفصل الأول :  

في أن أجيال البدو والحضر طبيعية

النشاط الاقتصادي أساس الإختلاف بين الريف والحضر

     إختلاف الأجيال باختلاف طريقتهم في كسب المعاش ، لأن إجتماعهم يكون للتعاون على كسب المعاش الضروري قبل الكماليات ، ومنهم من يحترف الزراعة ، ومنهم من يحترف الرعى. والمزارعون والرعاة يحتاجون إلى البداوة والصحراء .

تحول القرية إلى مدينة وتحول الريف إلى حضر

     ثم إذا إزدهرت أحوال المزارعين والرعاة آثروا الدعة ومالوا إلى إدخار الزائد عن الحاجة وتوسعوا في البيوت وأقاموا المدن والحواضر . ثم إذا ازداد الترف بالغوا في التأنق في الطعام واللباس والمساكن والآلات التي تساعد على راحتهم في بيوتهم . وهؤلاء هم الحضر وتلك هي الحضارة ، وتعني ( الحاضرون من أهل البلاد والأمصار) ، وهنا تظهر حرفتا الصناعة والتجارة . وتكون مكاسبهما أكثر من مكاسب أهل الصحراء . وهكذا فأجيال البدو والحضر طبيعية ، والبدو مقصود بهم أيضا أهل القرى بالإضافة إلى أهل الصحراء ، حيث تشابه الفريقان في شمال أفريقيا في عهده ( أي إبن خلدون ).

                                             الفصل الثانــي

                                 في أن جيل العرب في الخلقة طبيعي

البدو والريف لا يحتاجون إلى الكماليات

     البدو يعيشون على المعاش الطبيعي  من الزراعة والرعي والضروري من الأقوات والملابس والمساكن دون إهتمام بالكماليات ، والمزارعون يقيمون في القرى  والجبال وهم عامة البربر والأعاجم .

نوعية الحيوان تحدد درجة التحضر لدى الرعاة ومدى تنقلهم

      والرعاة ينتقلون حسب الكلأ والمياه ، وإذا كانوا رعاة أغنام وبقر فلا ينتقلون كثيرا ، مثل البربر والترك والتركمان والصقالبة ، أما رعاة الإبل فهم أكثر وأبعد في التنقل ، فالإبل أصعب  الحيوانات ، فاضطر رعاتها إلى الإبتعاد بها ، فكانوا أشد الناس توحشا ، وذلك ينطبق على العرب ( الأعراب ) وقبائل زناته بالمغرب ، والأكراد والتركمان والترك بالمشرق . إلا أن العرب أكثر توغلا في الصحراء وأشد بأسا وذلك لأنهم تخصصوا في الإبل فقط ، وغيرهم يرعى الشاة والبقر مع الإبل . وهكذا فجيل العرب طبيعي ، لا بد منه في العمران .

                                             الفصل الثالث

                         البدو أقدم من الحضر ، والبادية أصل العمران

الأساس هو الحاجات الضرورية لدى البدو

    البدو يقتصرون على الحاجات الضرورية ، وأهل الحضر يعيشون على الترف والكماليات ، والضروريات أقدم من الكماليات ، فالضروريات أصل والكماليات فرع . فالبدو أصل المدن والحضر ، لأن الضروري أول مطالب الإنسان ، فإذا حصل عليه طلب الكماليات ، والبدو يهاجر إلى الحضر فإذا وصل إليه عاش في دعة ، أما الحضري فلا يذهب للصحراء إلا للضرورة . والدليل أن أول من يسكن مدينة ناشئة  هم البدو الأغنياء . وتتفاوت الأحوال داخل البدو وداخل الحضر ، فهناك قبيلة أعظم من قبيلة ومدينة أروع من مدينة .

                                           الفصل الرابع

                               البدو أقرب للخير من أهل الحضر

مقارنة بين البدو وأهل الحضر

     النفس إذا كانت على سجيتها تكون سريعة التأثر بالخير أو الشر ، واستدل  بحديث " كل مولود يولد على الفطرة ". وإذا تأثر بالشر أو بالخير فإنه يلتزم بأحدهما ويبتعد عن الآخر . أما أهل الحضر فقد تلونت نفوسهم بالملذات والترف فانهمكوا في الترف وتظاهروا بالفواحش. وأهل البداوة لا يعرفون الشهوات إلا في الضروري ، لذا كانوا أقل وقوعا في الشر من أهل الحضر ، وكانوا أسهل في علاجهم من أهل الحضر . ولأن الحضارة هي نهاية العمران وغاية الشر فالبدو أقرب للخير من أهل الحضر .

رأي إبن خلدونفي أن الحياة في الصحراء ليست ارتدادا للخلف

     ورد إبن خلدون  على حديث  البخاري الذي يذكر أن النبيأذن لسلمة بن الأكوع في سكن البادية ، بأن ذلك خاص بسلمة ، وقد ورد في ذلك الحديث أن الحجاج بن يوسف إعترض على سلمة حياته في البادية وقال له : إرتددت على عقبيك .. ورأى إبن خلدون أن قول الحجاج إنما كان احتجاجا على سلمة أنه ترك السكنى في المدينة  فقط  ، وأن مشروعية الهجرة كانت لمناصرة النبي وليست لذم البدو .

                                                   الفصل الخامس

                                  البدو أقرب للشجاعة من أهل الحضر

    لأن أهل الحضر تعودوا الراحة والترف حيث يدافع عنهم الحاكم وجيشه ، فأصبحوا كالنساء والأطفال في اعتمادهم على الوالدين . أما البدو فقد توحشوا في القفار واحتاجوا للدفاع عن أنفسهم بأنفسهم فهم يحملون السلاح ويتوقعون الشر فصارت لهم الشجاعة خلقا . وأهل الحضر إذا صاحبوا البدو أصبحوا محتاجين لحمايتهم .

                                                الفصل السادس

 معاناة أهل الحضر للأحكام ( أي التحكم ) مفسدة للبأس فيهم ، ذاهبة بالمنعة  ( أي العزة ) فيهم

كلما إزداد قهر الحاكم لأهل الحضر إزدادت ذلة الرعية  

       لأن أهل الحضر خاضعون للحاكم وأعوانه ، فإذا كان الحاكم عادلا مترفقا أصبح الإعتزاز بالنفس طبيعة لهم . أما إن كان الحاكم قاسيا فإن ذلك يجعلهم مقهورين . وشدة عقاب الحاكم تجعلهم أذلاء ، أما إذا اقتصر على التأديب والتهذيب وبالتدريج تربوا على الخوف والإنقياد بدون الإذلال .

هذا لا ينطبق على البدو أو الصحابة وينطبق على الطلبة الذين يتعرضون للضرب

     ولهذا  فالبدو أشد بأسا من الخاضعين للحكم في المدن الذين يرتضون الظلم ولا يقاومونه ، وتجد ذلك في طلبة العلم الخاضعين لشيوخهم ، ولا ينطبق ذلك على الصحابة حيث لم يكن تعليمهم صناعيا وإنما كان بتأثرهم بتعاليم الدين في الترغيب والترهيب . فظلوا متنعمين بالبأس والشجاعة ، وقد قال عمر : من لم يؤدبه الشرع فلا أدبه الله ، أي لا يخشى المؤمن غير الله .

       ثم صار الشرع علما وصناعة مع تكوين المدن والأمصار فانتهت الشجاعة بتحكم السلاطين وتربية علماء الدين ، وأصبح الضرب وسيلة للتعليم والتأديب ، وقد نجا من ذلك البدو بينما عانى منه أهل الحضر ، ولذلك قال محمد بن يزيد أنه لا ينبغي للمؤدب أن يضرب الصبي أكثر من ثلاثة أسواط .

                                               الفصل السابع

                       في أن سكنى البدو لا يكون إلا للقبائل أهل العصبية

الحاكم في الحضر يمنع إعتداء الناس على بعضهم أو إعتداء الغير عليهم ، وشيخ القبيلة يفعل نفس الشئ معتمدا على عصبيته القبلية

     النفس البشرية مجبولة على الشر والخير معا ، والشر أقرب إليها من الخير إذا  لم يتمسك الإنسان بالدين ، والأكثرية تقع في الشر والعدوان . إلا أن أهل الحضر يمنعهم من الاعتداء والظلم على بعضهم البعض سطوة الحكم ، إلا إذا جاء الظلم من جانب الحاكم نفسه . وأما البدو فإن شيوخهم يمنعون عدوان بعضهم على بعض ، وفي الحضر يقوم الحاكم بحماية المجتمع من الخطر الخارجي ، وفي البدو يعتمدون على أنفسهم في صد الخطر عن القبيلة .

العصبية أساس حماية القبيلة وتماسكها ، لذا لا يسكن الصحراء إلا أصحاب النسب الواحد

    ومن هنا تتجلى أهمية العصبية والقرابة في الدفاع عن القبيلة لأنهم أهل نسب واحد فيتراحمون فيما بينهم ويتناصرون على عدوهم ، ولا يوجد ذلك لدى أصحاب الأنساب المختلفة ، ولذلك لا يسكن الصحراء إلا أصحاب النسب الواحد لأنهم أسرع في حماية بعضهم .

والعصبية أساس في سكنى القبيلة في الصحراء وفي حماية الدعوة الدينية أو السياسية

    وإذا كان ذلك مطلوبا في السكنى فإنه أيضا يحتاج إليه في كل أمر يتم فرضه على الناس من نبوة أو إقامة ملك أو دعوة . إذ يتحتم هنا القتال لما في طبائع البشر من العناد ، ولا بد في القتال من وجود العصبية القائمة على القرابة والنسب .

                                                  الفصل الثامن

                          العصبية تكون من الإلتحام بالنسب أو ما في معناه

      صلة الرحم طبيعية في البشر ، وتجعل الإنسان يدافع عن أهله وقبيلته ، خصوصا إذا كان النسب قريبا ، والحلف والولاء قريب من النسب ، واستشهد إبن خلدون بحديث  " الولاء مثل لحمة النسب " ، وحديث : " تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم " ، وإذا كان النسب بعيدا تعرض للنسيان ولم يعد مؤثرا في التناصر .

                                                  الفصل التاسع

      النسب الصريح يوجد لدى العرب المتوحشين  في قفار الصحراء وأمثالهم من الناس

الســــبب

     لأنهم يعيشون في شظف ومشقة مع الإبل ، وينتقلون معها في بطون الصحراء بعيدا عن العمران ، فتباعد ما بينهم وبين غيرهم ، لذلك لا يختلطون بغيرهم وتظل أنسابهم نقية ومحفوظة وصريحة ، وكان ذلك في قبائل قريش وكنانة وثقيف وأسد وهذيل وخزاعة الذين إبتعدوا عن ريف العراق والشام .

     أما عرب التلال والوديان الخصبة من حمير وكهلان مثل قبائل لخم وجذام وغسان وطئ وقضاعة وأياد فاختلطت أنسابهم وتداخلت ، ولذا قال عمر : تعلموا النسب ولاتكونوا كنبط السواد إذا سئل أحدهم عن أصله قال من قرية كذا.

     وحدث الإنتماء إلى الموطن بعد الفتوحات فكان يقال جند قنسرين ، جند دمشق ، وانتقل ذلك إلى الأندلس ، ولا يعني ذلك أن العرب تركوا النسب ، ولكنهم صارت لهم علامة أخرى مميزة بالمكان إلى جانب النسب .

     ثم اختلط العرب بالعجم وضاعت الأنساب وتراخت العصبية وتلاشت القبائل

                                                    الفصل العاشر

                                              كيف يقع اختلاط الأنساب

     يقع الإختلاط في الأنساب عندما يتداخل نسب فرع من قبيلة داخل فرع آخر ، أو عن طريق الحلف بين قبيلة وأخرى . وتختلط الأنساب بسبب المجاورة والمخالطة أو يفر أحدهم إلى قبيلة فلا يلبث أن يحمل أبناؤه نسبها . وفي كل الأحوال ينسى الناس النسب الأول بطول الزمان ويذهب أهل العلم به فيخفى على الأكثر ، ومازالت الأنساب تسقط من شعب إلى شعب ويلتحم قوم بآخرين في الجاهلية والإسلام والعرب والعجم ، وانظر إختلاف الناس في نسب آل المنذر ، وانتساب عرفجة بن هرثمة إلى بجيلة وليس منهم . وقد رفضوا أن يوليه عمر عليهم وقالوا إنه لزيق .

                                             الفصل الحادي عشر

                الرياسة تنحصر في نصابها أو نسبها المخصوص من أهل العصبية

    في داخل كل حي أو بطن أو قبيلة توجد أنساب خاصة أشد تماسكا من النسب العام المشترك للقبيلة أو البطن أو الحي . مثل أهل البيت الواحد أو أبناء الأب الواحد . والرياسة تكون في نصاب واحد منهم ، ولأن الرياسة تكون بالقوة والتغلب وجب أن تكون عصبية هذا النسب الخاص أقوي من غيرها ، وتنتقل الرياسة داخل هذا العنصر الأقوى من هذا النسب الخاص وفروعه .

                                               الفصلالثاني عشر

                            الرياسة على أهل العصبية لا تكون في غير نسبهم

العصبيات تكون رئاستها داخل الفرع الأقوى الأصيل فيها

     الرياسة بالتغلب والقوة ، وهذا لا يكون إلا بالعصبية ، وفي داخل القبيلة الواحدة،  لا يمكن أن تدين العصبيات الأخرى لفروع القبيلة إلا لعصبية فرع أقوى تكون أصرح نسبا ، وهذا لا يتم لمن يلتصق بالقبيلة ، خصوصا وأن الرياسة تنتقل في بيت واحد يتوارثها الأبناء عن الأجداد.

إدعاء البعض الإنتساب لنسب شهير

    وكثير من الرؤساء للقبائل يصلون أنسابهم بالإدعاء إلى بعض القبائل والشعوب طلبا للشهرة ، وهم بذلك يطعنون في أنسابهم وفي رئاستهم ، من ذلك ما يدعيه أهل زناته أنهم من العرب ،وإدعاء أولاد رباب من زغبة أنهم من بني سليم ، وإدعاء بني عبدالقوي بن العباس بن توجين أنهم من ولد العباس بن عبدالمطلب ، وإدعاء أبناء زيان ملوك تلمسان أنهم من ولد القاسم بن إدريس الهاشمي , وقد أنكر يغمراسن  بن زيان هذا النسب ، وقال بلغته الزناتية أنه نال الدنيا والملك بسيفه وليس بهذا النسب ، وإدعاء بني سعد بن يزيد من زغبة أنهم من ولد أبي بكر الصديق ، وإدعاء شيوخ رباح أنهم من نسل البرامكة ، وأمثال ذلك كثير .

                                           الفصل الثالث عشر

    البيت والشرف والأصل في الحقيقة لأهل العصبية ، ويكون لغيرهم بالمجاز وليس بالحقيقة

الحسب في النسب والعصبية معا ، وفي مجتمع البدو

    البيت يعني أن يكون الرجل في نسبه من أشراف مذكورين ، ويحمل هذا الشرف  بانتسابه لهذا البيت وأولئك الآباء . والناس في نشأتهم وتناسلهم معادن ، والحسب راجع إلى هذا النسب إذا كان شريفا .

      وفائدة الأنساب في العصبية والمناصرة وحماية أهل النسب الواحد ، وهنا تزداد الفائدة بكثرة الأشراف في النسب ، وتزداد بذلك العصبية والمناصرة . وتقل العصبية بتفاوت البيوت في الشرف . والمفتقرون للنسب في الأمصار لا يكون لهم بيت إلا على المجاز ، وأن ادعوا ذلك فهو من قبيل الزخرف والمباهاة.       

الحسب والعصبية لا يجتمعان في الحضر

    والحسب في أهل الحضر أن يكون رب البيت قدوة في الأخلاق الحسنة وفي التعامل مع الناس ، مع إيثار السلامة ما استطاع . وهنا يختلف الأمر مع التعصب للقبيلة أو النسب ، إلا أنه يطلق مفهوم الحسب في أهل الحضر على المجاز وليس حسبا على الحقيقة حتى لو صح ذلك لغويا .

     وقد يكون للبيت شرف بالعصبية والأخلاق الحسنة ، ثم ينسلخون عنه بالإستقرار في الحضر والإختلاط بالأوباش ، فتضيع العصبية والقدوة ، ولكن يبقي في نفوسهم الفخر بذلك الحسب القديم ، ويحدث ذلك لمن أقام من العرب والعجم لأول مرة في الأمصار ، كما يحدث لمن إنقطع نسبهم بالحياة في الحضر . وبنو إسرائيل هو المثل الواضح لذلك الوسواس بالفخر بالنسب القديم مع حياتهم الذليلة بين الأمم وسطوة الدول والحكام . فقد كانت فيهم النبوة والملك والكتب السماوية مع العصبية والقوة ، ثم ضربت عليهم الذلة والمسكنة واستعبدتهم الأمم والدول . ومازالوا يقولون هذا هاروني ، هذا من نسل يوشع ، هذا من عقب كالب .

خطأ إبن رشد في حصره الحسب في النسب فقط

    ويرى إبن خلدون أن الفيلسوف إبن رشد قد أخطأ في كتابه " الخطابة " فيما ذكره عن الحسب وحصره في النسب فقط دون العصبية التي تحافظ على المهابة . ويعلل خطأ إبن رشد في أن إبن رشد عاش في جيل وموطن لم يعرف العصبية ولم يعرف صلتها بالحسب .

اجمالي القراءات 44246