كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية أصولية تاريخية
فصلتمهيدي : إبن خلدونبين التاريخ والتأريخ
ثالثا : تفاصيل حياته العملية في مصر من قدومه حتى وفاته ( 784-808) (24عاما)
مشاركة إبن خلدونفي القضاء المملوكي
1 ــ نظام القضاء بالذات هو أبرز ما يعبر عن طبيعة النظام الحاكم ومدى صلاحه وفساده ، وذلك بغض النظر عن الشعارات المرفوعة ، فالهدف من أي نظام سياسي هو تحقيق الأمن والعدل ، وهما مرتبطان . وإذا كان الحكم ظالما مستبدا في الناحية السياسية فلا تنتظر من القضاء العادي الذي يحكم بين الناس أن يكون عادلا . لأن الفساد السياسي لاينتج إلا ظلما على كل المستويات السياسية والإجتماعية.
والنظام المملوكي العسكري أبرز مثل على ذلك ، فهو فاسد على المستوى السياسي – شأن كل الأنظمة الإستبدادية في العصور الوسطى ، إلا أنه حاول أن يزين وجهه القبيح بلافتة القضاء الشرعي الذي يحكم بالشريعة وعن طريق قضاة الشرع ، وكان من قضاة الشرع صاحبنا إبن خلدون ، وكانت تجربته حافلة برغم أنه لم يتحدث عنها إلا أقل من ثلاث صفحات ، ولكن عبقريته كشفت الكثير مما أخفاه القضاة المصريون المؤرخون الذين يتمتعون بالاحترام مثل إبن حجر العسقلاني والعيني والفقهاء مثلالسخاوي ، وإن كان المقريزي في تأثره بشيخه إبن خلدون قد انتقد في ثنايا تاريخه وخططه نظام القضاء الشرعي.
2 ــ وحيث أن منهجنا في هذا الكتاب هو متابعة ماكتبه إبن خلدون بالتعليق عليه من واقع السائد في العصر المملوكي ، فأننا نتوقف معه في موضوع القضاء ، ثم بهدف آخر هو التوضيح لمن يهمه الأمر. إن من الخطأ الفظيع أن نرفع شعارات التطبيق للشريعة ونحن لاندري شيئا عن ماهية الشريعة المرادة وكيفية تطبيقها ، فالمثل يتضح هنا خلال سنوات عصر إبن خلدون في القاهرة عن التطبيق العملي للشريعة .
3 ـ وحتى ينتظم القول في هذا الموضوع الشائك فإننا نحدده بثلاثة محاور ، نمر عليها سريعا ، وهي طبيعة نظام القضاء ومجتمع القضاة في عصر إبن خلدون المملوكي ( والعصر المملوكي كله بالطبع ) والفترات التي تولى فيها إبن خلدون منصب القضاة ، وكيف حاول الإصلاح وكيف انتهي به الحال.
ونحاول ترتيب الأحداث وفقا للمصادر التاريخية المختلفة وتحليلها .
فساد النظام القضائي
1 ـ في البداية نقول إن نظام القضاء يحتاج إلى سلطة سياسية يتم في إطارها تعيين القاضي ، ثم قاض يحكم بقانون ويعاونه جهاز إداري ، أي سلطة وقاض ، وقانون وجهاز معاون ، ونلتقط من عصر إبن خلدون المملوكي ( سنوات إقامته في مصر 784: 808) ملامح ذلك النظام القضائي بأعمدته الأربعة .
فالسلطان المملوكي هو الذي يملك وحده تعيين القضاه الأربعة ، حيث يختص القضاء الشرعي بالحكم بين الناس ، دون الأحكام السياسية والعسكرية . وأساس التعيين في الوظائف دينية أو ديوانية كتابية أوسياسية ، هو " البذل والبرطلة " أي الرشوة ، بالإضافة إلى المحسوبية والتوارث للوظيفة ، وأسباب فرعية أخرى يأتي في ذيلها الكفاية والأمانة ، وقد يحدث نادرا أن تأتي الوساطة والمحسوبية في اختيار موظف كفء أمين ، وهذا ما تحقق في تولية إبن خلدون لمنصب القضاء ، حين توسط له الأمير الطنبغا الجوياني لدى السلطان برقوق . هذا لأن السلطان برقوق بالذات إشتهر بأخذ الرشوة أكثر من غيره من السلاطين . وفي هذا يتفق إثنان من أكبر المؤرخين في عصر برقوق ، وهما المقريزي وأبوالمحاسن ، وكانا صديقين تتلمذ أحدهما وهو أبو المحاسن على الآخر ( المقريزي) ودافع أبوالمحاسن عن برقوق إلا أنه قال فيه " كان يحب جمع المال ، ومكروها بسبب ذلك ، وعنده طمع مع تستر في ذلك " [1] . أما المقريزي فقد انطلق يعدد مساوئه ومنها أنه حدث في أيامه " تجاهر الناس بالبراطيل فلا يكاد يلي أحد وظيفة ولا عملا إلا بمال ، فترقى للأعمال الجليلة الأراذل ، وفسد بذلك كثير من الأحوال ، وكان مولعا بتقديم ( أي بترقية ) الأسافل وحط ذوي البيوت ( أي الأشراف والأعيان )، واشتهر في أيامه ثلاثة أشياء قبيحة : إتيان الذكران ، حتى تشبه البغايا لبوارهن بالغلمان لينفق سوق فسوقهن ، وذلك لاشتهاره بتقريب المماليك الحسان لعمل الفاحشة فيهم ، والتظاهر بالبراطيل التي يستأديها ، واقتدى الولاة به في ذلك حتى صار عرفا غير منكر البته ، وكساد الأسواق وقلة المكاسب لشحة وقلة عطائه ، وبالجملة فمساوئه أضعاف حسناته ، وكان متخلقا بكثير من أخلاق القردة شحا وطمعا وفسادا" [2] . أي اتفق من دافع عن برقوق ومن هاجمه في إثبات حبه " للبرطلة " أو الرشوة في التعيين للمناصب .
فكيف كان رأيبرقوق في أولئك القضاة الذين كان يختارهم بالرشوة؟
يروي المقريزي أنبرقوق قال بالتركية لمن حوله : إن القضاة ما هم بمسلمين ، مما جعل بعض القضاة يغضب من ذلك ، وكانبرقوق وقتها لم يصل للسلطنة بعد ، وإن كان متحكما فيها تحت لقب الأمير الكبير ، وكان ذلك سنة 783هـ . ويعلقالمقريزي على ذلك بقوله " وهذا أيضا ما تجدد من الحوادث القبيحة ، وهو أن الأمير الكبير (برقوق) صار يقع في حق القضاة والفقهاء مع خاصته فتضيع أقدارهم عند الأمراء والمماليك ، بعد ماكانوا يرون السلطان وأكابر الأمراء يبالغون في إجلال القضاة والفقهاء ، ويرون أنهم بهم عرفوا دين الإسلام وفي بركتهم يعيشون ، وحسب أعظمهم قدرا أن يقبل يد الفقيه والقاضي ، فانقلب الأمر وانعكس الحال، حتى كثرت وقيعة الأمراء والمماليك فيهم ، لما لقنوا من الأمير الكبير ، ثم تزايد الحال بحيث صار الفقهاء في أخريات الدولة الظاهرية برقوق وفي الدولة الناصريةفرج ومابعد ذلك ينزلون من أهل الدولة منزلة سوء ، ويتكلم فيهم أقل الغلمان وأراذل الباعة بكل قبيح ، عقوبة من الله لهم لامتهان العلم وخضوعهم في طلب الدنيا ، ولاقدرة إلا بالله " [3]. وفي النهاية يأس برقوق من إصلاح نظامه القضائي ، فكان أن تصدى بنفسه للقضاء ، يقول أبوالمحاسن " كان يتصدى للأحكام بنفسه ، وينزل يومي السبت والثلاثاء للأسطبل السلطاني للحكم بين الناس ، ولم تكن عنده الدعوى لمن سبق ، ولو كان عنده ، بل يقول له : حتى نسمع كلام خصمك مايقول فيك هو أيضا " [4] .
أي كانبرقوق فيه نوع من الحرص على العدالة ، مع حبه للرشوة وحكمه الإستبدادي ، وكان من مظاهر ذلك اختياره لإبن خلدون قاضيا دون أن يأخذ منه رشوة ، وتفضيله لإبن خلدون على غيره من دافعي البرطلة ، وهم كثيرون ، واحتماله لمشروع إبن خلدون الإصلاحي بعض الوقت .
ولكي نعرف صعوبة الإصلاح نلتفت إلى العنصر الثاني من المنظومة القضائية وهي القاضي ، فكيف كانت أحوال القضاة والعلماء في ذلك الوقت ؟.
ونعطي أمثلة تاريخية من مؤرخين عاشوا هذه الفترة
في موضوعات الرشوة في مجتمع القضاء والعلماء ، يذكر قاضي القضاء فقيه ومؤرخ عصره إبن حجر العسقلاني أنهم عزلوا إبن البلقيني عن القضاء وأعيد إبن الصالحي بعد أن دفع إبن الصالحي ما يزيد على (6) آلاف دينار ،وكانشمس الدين القرشي قاضي العسكر وجيها عند برقوق ، وكان مقبول الشفاعة عنده ، مع جهله ، وكان يرتشي على قضاء الأشغال ويخدم السلطان بذلك ، وقاضي القدس بدر الدين التدمري لم يكن محمود السيرة في قضائه ، ويقضي لمن يدفع له بما يوافق غرضه ، وكان يترك الصلاة ويكثر من ازدراء غيره ، وقلما ذكر أحدا بخير . وكانأبو العباس الحمصي قاضي دمشق قبيح السيرة متجاهرا بأخذ الرشوة ، أما إبن عباس الصلتي قاضي غزة وبلعبك وحمص فقد كان مشهورا بالجهل وسوء السيرة وأخذ الرشوة ، وكان إبن عمر الإسكندراني يرتشي في الإذن بالإفتاء ، ويعطي الإذن بالفتوى لمن ليس بأهل للفتوى طالما يدفع الرشوة . وفي مقابل ذلك كله إشتهر بعضهم بالأمانة ، ولم يكن قاضيا أو مفتيا ، وإنما كان شاهدا ، فقيل في نافع الفيشي أنه كان مشهورا بالإحتراز في الشهادات أي بالدقة والأمانة في الشهادة أمام القضاة ، فكان يقصده الناس للشهادة ، ونصل إلى موقع إبن خلدون في ذلك ، ونجده في ترجمة على بن يوسف الدميري المالكي المتوفي 803، وكان متخصصا في الفقه المالكي كإبن خلدون ، واقترض أموالا ليدفعها رشوة كي يتولى القضاء المالكي بدلا من إبن خلدون لأنه كان يكره إبن خلدون جدا [5] . هذا كله من مصدر تاريخي واحد هو أنباء الغمر ، وهناك أمثله أكثر على الرشوة [6] من مصادر أخرى .
ونعطي أمثلة سريعة لفساد القضاة
فقد تخاصم قضاة حلب الأربعة ، وتشاجروا وأمسكوا بذقون بعضهم ، فبعث نائب (أي والي) حلب بخبرهم إلى السلطان سنة 786، ثم جاء للسلطان برقوق من كل منهم شكوى في الآخرين يتهمهم بالفسق ، فقال برقوق " لايحل تولية الفساق " وعزلهم جميعا .
وفي سنة 807 وصل الشيخ عبدالعزيز البغدادي من القدس فاتهم الشيخ الباعوني بأنه قطع عليه الطريق ونهب ما معه من القماش والورق والمستندات ، فاتهمهالباعوني بالشكوى الكيدية ، نظرا للعداوة بينهما ، فأثبت القاضي المالكي ثبوت العداوة بينهما ، وعليه رفض الدعوة ، وحكم بتعزير أي عقوبةالبغدادي ، فرجع البغدادي إلى بغداد حيث تولي قضاءها .
ومات فجأة شهاب الدين الزركشي سنة 788 وكان أمين الحكم بالقاهرة ، وكان في حوزته أموال للأيتام تزيد على 300 ألف درهم وجدوه قد أنفقها وأضاعها ، وباعوا تركته فلم تكف ، ونفس الحال مع جمال الدين الحصني القاضي الذي استودعته امرأة أمانه عنده فخان الأمانة وأنكرها ، وثبتت خيانته فضربه الحاجب المملوكي وأوقع عليه غرامة ، فباع أملاكه ليسدد الأمانة والغرامة ، وعزلوه من القضاء . وكان جمال الدين المغربي قاضي القضاة يتنقل بين حماه وطرابلس وغيرهما في المناصب وكان سيء السيرة واشتهر بالطيش ، وكان يعاقب بالتعزير كبار القوم ، وثبت عليه الفسق . وفي سنة 804 عزلوا الأخنائي عن قضاء الشافعية في دمشق لأنه استولى على الأوقاف والأموال ، وجاء الناس إلى النائب المملوكي أفواجا يشكونه وتعرض للعقوبة و"البهدلة " عند نائب السلطنة بدمشق . وتكرر نفس الحال في العام التالي سنة 805 مع شمس الدين الحنفي قاضي الحنابلة في دمشق ، لأنه أفسد أوقاف دمشق وباع أكثرها " بالطرق الواهية " وكان في بدايته خياطا في نابلس ثم توصل بالرشوة إلى القضاء ، ثم انتهى أمره بأن صحب تيمورلنك الذي دمر دمشق وتعاطي معهم الأمور المنكرة ، حسبما يقول إبن حجر .
واشتهر بعضهم بالجهل والحمق مثل القاضي أمير غالب قاضي الحنفية الذي انتزع وظائف التدريس الحنفي مع فرط جهله وقلة دينه ، ويقول عنه إبن حجر " يحكي عنه في أحكامه أشياء تشبه ما يحكى عنقراقوش وأطمّ حتى أنه حلًف امرأة ادعت ( مع أن اليمين على من أنكر وليس على المدعي ) ثم حكم على المدعي عليه أن يدفع لها ما حلفت عليه ، وكان مسرفا على نفسه ( أي في المعاصي ) ، وقدمت له قصة ( أي شكوى ) فيها اتهام لشخص يسمى " أسد " فكتب " إن كان حيوانا وحشيا فلا يحضر".
ولاننسي بالطبع أننا ننقل هنا عن إبن حجر ، وهو قاضي للقضاة ولاشك أنه يتأثر في التأريخ لعصره وأقرانه بمشاعره الشخصية وميوله السنية السلفية ، ولكننا مع فهم لغة العصر وخباياه نستطيع أن نتعرف على ما بين السطور ، ونضرب مثلا لتحامل إبن حجر على أحد قضاةعصره ، يقول عن الشيخ يوسف الملطي الذي تولى القضاء الحنفي في ربيع الآخر سنة 800 " أنه قرب الفساق واستكثر من استبدال الأوقاف ، وقتل مسلما بنصراني ، واشتهر بأنه كان يفتي بأكل الحشيش وبوجوه من الحيل في أكل الربا ، وكان يقول : من نظر في كتاب البخاري تزندق "[7]
والواضح أن ذلك الملطي اكتسب عداوة إبن حجر لأنه اجتهد وقال بآراء تخالف عصره ، وبعض إجتهادات صحيحة ، مثل أنه يقتل المسلم إذا قتل نصرانيا ، وأن في البخاري ما يسئ للنبي عليه السلام ، وليس كل الربا حراما ، لأن ربا التجارة مباح بشرط أن يكون عن تراض وألا يكون أضعافا مضاعفة ( آل عمران 130، النساء 29) . ومن هنا من حقنا أن نتشكك في ما قاله عنه من إتهامات .
ويرتبط بذلك سهولة الاتهام بالتكفير فيما بين العلماء والقضاة ، وما يلزم التكفير من إتهام بالردة ، ومحاكمة ، وكتابة محاضر بأنهم ضبطوا عليه أن قال كذا وكذا ، ويمكن تأويل ذلك إذا كان كفرا صريحا أو شطحا صوفيا طالما يرضى عنه القضاء ، ويمكن تحميل الإجتهادات العادية أو الإختلافات المذهبية بتخريجات تصل بالمتهم إلى الردة وربما القتل ، وكان ذلك شائعا في العصر المملوكي . ونرصد منه خلال هذه الفترة ( 784- 808) بعض الحالات السريعة إخترناها من تاريخ إبن حجر " أنباء الغمر ":
1- سنة 797 إتهموا الشيخ مصطفي القرماني بالوقوع في نبي الله إبراهيم وحوكم ، وحكم القاضي المالكي بكفره وضرب عنقه ، فتدخل الأمراء وحولوا القضية للقاضي الحنفي فحكم بضربه وتعزيره وأعاد إليه إسلامه!!
2- طرد الأمير يلبغا السالمي بعض الفقهاء من خانقاه سعيد السعداء طبقا لشرط الوقف فأغضب أولئك الفقهاء ، وأفتى بعضهم بكفر يلبغا السالمى , فشكاه الامير يلبغا إلى السلطان ,وانتهى الأمر بضرب الفقيه الشيخ 39عصا على قدميه !!
3- يقولإابن حجر عن الشيخ أبي عبدالله الكركي أنه كان مقربا للظاهر برقوق وقال عن الكركي " اجتمعت به وسمعت كلامه ، وكنت أبغضه في الله تعالى .. ووقع بينه وبينإبن النقاش وقائع ، وكتبوا عليه محضرا بأمور صدرت منه ، منها ما يقتضي الكفر ،ولم يتمكنوا من القيام عليه لميل السلطان إليه " . أي كان إبن حجر من أعمدة محاكم التفتيش وقتها .
4- وقال عن محمد الكلائي الشاذلي الصوفي " بدت منه ألفاظ منكرة فيها جرأة عظيمة على كتاب الله ، وضبطت عليه أشياء مستقبحة فامتحن مرة " (أي عقدوا له مجلس تأديب وعقاب )
وقد شارك إبن حجر في إتهامه في ذلك المجلس أمام الشيخ سراج الدين البلقيني قاضي القضاة ، فأرسل إليه وعاقبه ومنعه من الكلام على الناس ، فأقام بعدها قليلا ومات سنة 801.[8] أي كان الترصد للخصوم على أي لفظ ليقيموا لهم محاكم تفتيش .
ومع هذه النوعية من العلماء لا يمكن أن يستقيم نظام قضائي سليم ، خصوصا وأن برقوق مذ كان كبير الأمراء لا يثق فيهم ولا يعتبرهم مسلمين . ولذلك فأنه حين فقد صبره أعلن في القاهرة يوم الجمعة 16 رمضان 789" من كانت له ظلامة فعليه بالأسطبل السلطاني يوم الأحد والأربعاء " أي دعا المظلومين للتقاضي أمامه لأنه رأى أن القضاة لا يقومون بمهمة العدل ، ورأى أنه – وهو الظالم الأكبر – أكثر شفقة على الناس منهم . لذا فتح أسطبل القلعة أو ما يعرف بالمصطبة – ليجلس يقضي بين الناس . وبقدر ما ابتهج المظلومون ارتعش القضاة والأعيان الظالمون ، يقول إبن حجر في التعليق على هذا الخبر " وحصل للناس حصر ، خصوصا الرؤساء وصار من شاء من الأراذل أن يهين الأكابر فعل " ويقول المقريزي " فداخل أعيان الناس من ذلك خوف شديد ، واجترأ أسافل الناس على الأكابر " [9] . أي كان المظاليم هم الأسافل والأراذل .
وحيث أنه لا أمل في الإصلاح فقد تكرر نفس السيناريو من فساد القضاء و حتى لجأ السلطان قايتباي بنفسه لاستعراض القضاة والنواب وغيرهم ، وعزلهم ، ثم تصدر بنفسه للقضاء بين الناس ، وذلك ما حكي تفاصيله فيما بعد المؤرخ القاضي إبن الصيرفي في كتابه " أنباء الهصر بأبناء العصر " وكان ذلك سنة 876هـ.
وبعد فساد السلطة وفساد القضاة ،هل ننتظر الصلاح من الجهاز المعاون للقاضي ؟ وهم الموقعون والشهود . والموقع هو الكاتب وما يتبعه ، والشاهد هو الذي يكتب شهادته الرسمية ، أي يمثل ختم النسر في عصرنا ، وكان من المعتاد أن تعين الدولة الشهود في حوانيت لهم ، ويشهدون على العقود والقضايا ، وتعتبر شهادتهم رسمية ونافذة . ويقول إبن خلدون عنهم أنه كان الصالح مختلطا بالفاجر من الشهود، والقضاة لا ينتقدونهم حيث يعلمون صلاتهم بالأمراء المماليك ، لأن أولئك الشهود والموقعين كانوا يعلمون المماليك القرآن ويؤمونهم في الصلاة ، ويتظاهرون أمامهم بالتقوى والتدين . ومن هذا الطريق كان المماليك يتوسطون عند القضاة لتعيينهم في وظيفة الشهادة والتوقيع ، ثم بعد التعيين لايجرؤ القاضي على انتقادهم بسبب تلك الصلة بالمماليك ، وبذلك فشا التزوير والتدليس بين الناس ، وكان منهم خبراء في الكتابة والتوقيع وكتابة الدعاوي والشكاوي والعقود ، وقد خدموا الأمراء بهذه الخبرة في أمورهم الديوانية والحسابية ، كما استخدموا هذه المهارة في التمويه على القضاة ، وقد يستخدم بعضهم مهارته في الحيل الفقهية ليجعل الحق باطلا والباطل حقا في العقود والأملاك والأوقاف ، مما يجعل الفساد يتطرق إليها .[10]
وفي النهاية لم يكن في النظام القضائي – الشرعي – قانون محدد. وحتى الآن لايوجد قانون محدد للشريعة . وإنما آراء ووجهات نظر مختلفة وتلك العقبة الأساسية ، فالعصر كان عصر تقليد للأئمة السابقين المختلفين ، ولايستطيع أحد الخروج على آراء الأئمة السابقين باجتهاد يخدم عصره ، ثم إن معظم الفتاوي السابقة صيغت في شكل أحاديث ، ومالبث أن أصبحت مقدسة ، ويحرم إنتقادها أو الخروج عليها . أي أن الإطار التشريعي الموجود ـ حتى الآن ـ ليس إلا آراء فقهية متعارضة في كل موضوع . ولايمكن التوفيق بينها ، كما لايمكن التوفيق الآن بين آراء الفقهاء المعاصرين في أي موضوع ، وشواهد العصر المملوكي ـ وعصرنا- تؤكد ذلك في كل مناسبة ، والنتيجة أن القاضي كان يلعب دورين معا ، أن يكون مُشرّعا يعطي فتوى أو قانونا في الموضوع ثم يكون قاضيا يحكم في القضية المطروحة أمامه بالفتوى أوالقانون الذي اخترعه ، وهذا القاضي يجمع في شخصه القانون والتشريع والقضاء ، أي يجمع بين السلطتين التشريعية والقضائية معا . هذا القاضي المملوكي ـ كما شهدنا- من الأمثلة السابقة كان راشيا مرتشيا جاهلا فاسقا خائنا للأمانة .. في أغلب الأحوال ، فكيف يكون عادلا بعد ذلك ؟ وهو مطالب بتعويض ما دفع من رشوة للوصول إلى المنصب ، ثم هو مطالب بقبول الوساطات والشفاعات من الأكابر في القضايا المطروحة .
ونرجع إلى إبن خلدون الذي فوجئ بتعدد المذاهب في مصر ، وقد أتى من منطقة يسودها المذهب المالكي وحده ، فيقول عن أهل الفتوى من العلماء أنهم كانوا متعارضين يفتون جزافا ، ومنهم الجاهل ومنهم فاقد الأهلية ، والخصم القوي يحصل على ما يريد من فتوى أو قانون ، فتتعارض الفتاوي والقوانين ، خصوصا مع تعدد المذاهب واختلافات المفتين . ثم إذا أصدرت فتوى أو قانون بعد حكم قضائي فإن الضرر يتعاظم ، ويصبح الإنصاف متعذرا في هذه الأحوال [11].
هذا هو المناخ الذي عمل فيه إبن خلدون قاضيا . وهذا هو المناخ الذي أراد إبن خلدون إصلاحه والقضاء على مفاسده . فمن منهما الذي قضي على الآخر ؟ إبن خلدون أم النظام القضائي المملوكي ؟
إبن خلدونقاضيا :
بعد وصوله لمصر اتصل اإبن خلدون بالأمير المملوكي الطنبغا الجوياني الذي سعى له في لقاء السلطان برقوق . وبفضل الجوياني تصدر للتدريس في الأزهر ثم في المدرسة القمحية ، وبفضله أيضا إختاره السلطان برقوق قاضيا للقضاة المالكية بعد عزل عبدالرحمن بن خير المالكي ، وقرئ تقليده بالقضاء في المدرسة الناصرية في (بين القصرين) على العادة ، وكان ذلك يوم الأثنين 19 جمادي الآخر سنة 786[12] ، ومن الطبيعي أن نتصور إبن خلدون وقد انفعل بهذا الإستقبال الحافل له في القاهرة بعد معاناته في حياته السابقة وتلك العناية التي أحيط بها ، حيث أجاب السلطان برقوق رجاءه وأرسل يرجو سلطان تونس بإرسال أولاد إبن خلدون إلى مصر ، ثم أعطوه الجرايات أو المرتبات ، والوظائف ، ثم في النهاية كان تكريمه بوظيفة قاضي القضاء المالكي ، ومن هنا كان عزم إبن خلدون على أن يثبت للسلطان برقوق همته في القيام بمنصبه .
لذا يقول إبن خلدون في تاريخه أنه عزم على العدل في القضاء لاتأخذه في الله لومة لائم ، وأن يساوي بين الخصمين وأن يأخذ الحق للضعيف ، وأن يعرض عن الشفاعة والوساطات ، وأن يتأكد من سماع البينات ويتأكد من عدالة الشهود. ولذلك طرد الكثيرين من الشهود والموقعين ، وعاقب الشهود الزور بعقاب موجع ، ولم يلتفت إلى أصحاب الفتاوي وآرائهم فيما يقضي به [13]
أو على حد قول السخاوي – وهو مؤرخ ساخط دائما – أن إبن خلدون " فتك في كثير من أعيان الموقعين والشهود" وصار يعزر ـ أي يعاقب- بالصفع ويسميه الزج ، فإذا غضب على إنسان قال : زجوه .. فيصفع حتى تحمر رقبته "[14] ومن نماذج القضايا التي ذكرها إبن حجر لإبن خلدون أن بعضهم قال عن أكمل الدين البابرتي وهو أحد كبار الشيوخ المحترمين في عصره ، وكان قد مات حديثا وقتها أي سنة 786، قال عنه " لارحم الله أكمل الدين شيخ الخانقاه الشيخونية " فحكم إبن خلدون بتعزيره بالحبس . وأتهم لدى إبن خلدون إثنان بالتزوير في وثائق وقف في محاولة لبيع العقار الموقوف ، وثبت لدى إبن خلدون التزوير ، فعزرهما ومنعهما من وظيفة التوقيع ، هما تاج الدين بن الطريف وعز الدين الطيبي ، فقال إبن العطار في هذه الواقعة :
سمم الطيبي بتزويره وظن إبن خلدون لم يرقب
وما ساقه الله إلا لأن يميز الخبيث من الطيب [15]
ولم يكن لإبن خلدون لأن يستمر في منصبه ، إذ تكاثرت المكائد ضده حتى فكر في الإستقالة ، لولا أنه خاف غضب السلطان ، ثم أصدر السلطان قرار عزله يوم السبت 7 جمادي الأولى 787.
ويقول زميله إبن حجر يعلق على ولايته القضاء (الأولى) " باشر القضاء بقوة وشدة وخروج على العادة ، وعائد الخليلي وغيره من الأكابر فلم تطل مدته" ولنتأمل كلمات إبن حجر ، ومعناها الايجابي أن إبن خلدون لم يضعف ولم يتهاون ، وخرج بذلك عن مألوف القضاة ، ولم يقبل وساطات الكبار في القضاء. ويقولأبوالمحاسن في نفس الموضوع "باشره- أي القضاء ـ بحرمة وافرة وعظمة زائدة ، وحمدت سيرته ، ودفع رسائل أكابر الدولة وشفاعات الأعيان ، فأخذوا في التكلم في أمره ، ولازالوا بالسلطان حتى عزله " [16]
ونرجع إلى إبن خلدون وهو يحكي موقفه الرافض لفقهاء الفتوى وماقدموا به ضده من حرب بالاشاعات ، وكيف دسوا له عند السلطان يتظلمون منه ، فلم يصغ السلطان إليهم . وظل ماضيا في طريقه ، ثم حاول القضاة إثناءه عن هذا الطريق وأن يتابعهم في مراضاة أعيان وأصحاب الجاه وقبول وسائطهم ، أو أن يدفع القضايا تلك إلى غيره من القضاة ، فرفض ، فاتفقوا ضده مع الشهود والموقعين ، ثم أثاروا ضده الخصوم واشتكوه للسلطان ، فعقد السلطان مجلسا للنظر في ذلك ، ودافع إبن خلدون عن نفسه وتبين للسلطان أمرهم ، إلا أنهم لم يسكتوا ، إذ أثاروا عليه كبار الأمراء واتهموه بالعظائم من التهم ، فكثر الشغب عليه من كل جانب ، ووافق ذلك غرق السفينة التي تحمل أهله فاعتزم الزهد والتخلي عن المنصب ، ولكنه خاف غضب السلطان ، ثم أدركته الرحمة – كما يقول – بأن قرر السلطان عزله ورد الوظيفة إلى صاحبها السابق [17] عبدالرحمن بن خير .
ويذكر السخاوي أنه " عندما تولى القضاء تنكر للناس بحيث لم يقم لأحد من القضاة لما دخلوا للسلام عليه ، مع إعتذاره لمن عتبه عليه في الجملة " [18] وطبقا لثقافة العصر فإن الناس هنا هم العلماء والقضاة ، والواضح أنهم أتوا إليه ليسير على منهاجهم فلم يحترمهم ولم يجبهم إلى ما أرادوا . وبالتالي كان مصيره العزل في 7 جمادي الأولى سنة 787 .
وضاق صدر برقوق بالقضاة وعرفنا كيف اضطر إلى أن يتصدي بنفسه للقضاء بين الناس مما أخاف القضاة والعلماء وسائر الظالمين من أن يشكوهم الأراذل المظلومون ، وكان ذلك بعد عزل إبن خلدون بعامين ، أي في رمضان 789 ، وبعدها مباشرة في شوال 789 وصل الخبر إلى السلطان برقوق بثورة مملوكه منطاش فانشغل بهذا الموضوع الذي تطور إلى درجة هزيمة جيش برقوق . ثم اضطر برقوق إلى الفرار ، ثم إلى أن سلم نفسه ، وأرسلوه إلى الأردن محبوسا ، وخلا الأمر للأميرين منطاش ويلبغا الناصري فاختلفا ، وانتصر منطاش الذي اعتقل رفيقه يلبغا الناصري ، وبعث رسولا إلى برقوق ليقتله ، ولكن أعوان برقوق في الكرك أنقذوه وأطلقوا سراحه ، وعاد برقوق بجيش استطاع به هزيمة منطاش ، ورجع للسلطنة ثانيا في 14صفر 792.
وفي فترة الفتن هذه ( 789-792) ارتفع نجم إبن خلدون في الوظائف التعليمية كما سبق ، وأفتى بكفر برقوق لإرضاء منطاش . واستحضره يلبغا الناصري في قضية شيخ العرب إبن سبع ( في رجب 791) حيث اختلف القضاة في الحكم عليه ، وعقد يلبغا مجلسا للنظر في أمره ، حضره إبن خلدون الذي قال ليلبغا الناصري " يا أمير أنت صاحب الشوكة وحكمك نافذ " فحكم يلبغا بحقن دمه وإطلاق سراحه ، وكان هذا الكلام من إبن خلدون مما يوافق هوى يلبغا الناصري [19].
وبعد عودة برقوق للسلطنة كان قلبه مشتعلا بالحقد على كل من ثار عليه أوخانه . وقد عاقب الجميع أو على حد قول المؤرخ أبي المحاسن " ولازال يتتبع غرماءه وأعداءه واحدا بعد واحد إلى أن أفنى خلائق بالقتل " [20] . ولم يكن منتظرا منه أن يولي إبن خلدون القضاء بعد ماحدث منه ، إلا أنه عندما مات القاضي ناصر الدين بن التنسي سنة 801 قاضي المالكية وكان إبن خلدون معتزلا بقريته " إقطاعه " في الفيوم إذ بالسلطان برقوق يستحضره بالبريد ليتولى قضاء المالكية ، وجدير بالذكر أن الشيخ شرف الدين الدماميني أحد مشاهير الفقهاء في العصر عرض على السلطان برقوق سبعين ألف درهم ليتولى القضاء ، ولكن ردها السلطان ، وولى إبن خلدون، وكان ذلك يوم 15 رمضان 801. ويقول المقريزي " فشرع في عرض الشهود وأغلق حوانيت إستجدت بعده ، وهذه ولايته الثانية بعد ما أقام معزولا نحو خمس عشرة سنة " [21] أي أن إبن خلدون سار على سياسته الثابته ، في طرد الشهود المنحرفين وإغلاق حوانيتهم ، ويذكر إبن حجر أن إبن خلدون إكتشف تزويرا في إحدى القضايا ، وكان بطل التزوير أحد الشيوخ المشهورين فحكم بإبطال الوصية وأطلق الشهود من الحبس بعد ذلك [22] .
ثم مات السلطان برقوق ليلة الجمعة 15 شوال 801هـ ، وظل إبن خلدون قاضيا حتى عزلوه يوم الخميس 12 محرم 803هـ ، بعد أن عرض نور الدين الدميري المالكي رشوة ليلي القضاء مكان إبن خلدون ، وانتهزها فرصة للكيد لإبن خلدون بعد عزله ، إذ اتهمه بتهم شنيعة في أحكامه القضائية . إذ كان يكره إبن خلدون [23]
وهكذا وبعد عزله مباشرة تعرض إبن خلدون لمحنة قاسية بعد أن بلغ السبعين من عمره ، إذ لفقوا له تهمة وقبضوا عليه بإهانة شديدة حتى أحضروه أمام الحاجب أقباي ، وقد أساء عليه الحاجب القول وأهانه ، وفي النهاية ظهرت براءته وأن التهم ملفقة لا أصل لها ، وأن أحكامه القضائية كانت سليمة [24] ، وكانت تجربة فاصلة في الفترة الباقية في حياة إبن خلدون ، إذ أدرك بفكره الثاقب أن الحياة السياسية دخلت بعد الإستقرار الأخير في سلطنة برقوق – في فترة قلاقل حيث يتنافس الأمراء فيما بينهم لكي يصل الأقوى منهم للسيطرة على السلطان الصغير الناصر فرج بن برقوق حسب العادة . وفي فترة الإضطراب هذه ليس له أن يتحدى التيار ، بل يستسلم له طلبا للأمن في سنوات عمره الباقية بعد السبعين ، وأن يمارس نفس الحياة الساقطة التي يحياها شيوخ عصره ، ولذلك إستجاب للسلطة المملوكية بعد عزله وصحب الحملة التي خرجت للقاءتيمورلنك ، وربما فكر إبن خلدون في أن يلحق بتيمورلنك ويبدأ معه فصلا جديدا من حياته ، ولكنه رأى الأفضل له في هذا العمر أن يعود للإستقرار في مصر كما كان وبطريقة " دارهم مادمت في دارهم .. وارضهم مادمت في أرضهم ".
ومن هنا ندخل على ظاهرة غريبة في تاريخ إبن خلدون القضائي ، وهي كثرة توليه – بل سعيه – للقضاء ، وكثرة عزله عن القضاء شأن الفقهاء الآخرين . فقد سعى في تولى القضاء للمرة الثالثة فتولاه يوم السبت 3 رمضان سنة 803 ، ثم عزلوه عن القضاء في 24 رجب 804 ، ثم تولى القضاء يوم الخميس 26 ذي الحجة 804 وعزلوه يوم الإثنين 7 ربيع الأول سنة 806 ، وتولى القضاء في 11 شعبان سنة 807 وعزلوه في 26 ذي القعدة 807 أي نفس العام . ثم تولى القضاء في 16 رمضان 808 كما يقول المقريزي أو في شعبان في روايةإبن حجر . فظل فيه أياما إلى أن مات فجأة يوم الأربعاء 26 رمضان 808، وله من العمر ستة وسبعون عاما وخمسة وعشرون يوما . ومن كثرة التكرار في العزل والتولية فإن تلميذه المقريزي كان يهمل أحيانا بعض سنوات التولية والعزل ، وكان يحدث إختلاف بين المؤرخين المعاصرين له في تحديد الأيام والشهور [25].
وفي هذه المرحلة الأخيرة من حياته القضائية كان إبن خلدون شخصا آخر ، إذ استكثر من أتباعه من النواب أي القضاة ، والموقعين والشهود ، يقول السخاوي " عكس ماكان منه في أول ولايته ، وكان ذلك مما شنع عليه به " وقال آخر عنه " إنه في ولايته القضاء " يقصد الولايات الأخيرة " تبسط بالسكن على البحر " أي على النيل " وأكثر من سماع المطربات ومعاشرة الأحداث ، وتزوج امرأة لها أخ أمرد ينسب للتخليط " أي الجنون . " فكثرت الشناعة عليه ، ومع ذلك أكثر من الإزدراء بالناس، حتى أنه شهد عند الإستادارالكبير بشهادة فلم يقبله ، مع أنه كان من المتعصبين له " ، " وأنه باشر في أواخر مراته بلين مفرط وعجز وخور بحيث أنه سمع بعض نوابه وهو راكب بين يديه يتلو حين رؤيته " وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له " فلم يرد [26] .
وبهذا يكون إبن خلدون في نهاية عمره القضائي والإنساني قد هبط إلى المستوى العادي للقضاة في عصره ، أي حاول أن يهزم عصره ، فهزمه عصره ، أي أنه فشل في مهمة الإصلاح القضائي في مصر ، كما فشل من قبل في حياته السياسية المضطربة في تونس والمغرب والأندلس . إلا أنه نجح في الأبقى ، وهو مؤلفه الضخم في تاريخ العبر ، وخصوصا كتابه الأول من هذا التاريخ ، والمعروف بمقدمة إبن خلدون ، وهي التي اخترع فيها علم العمران المسمى خطأ بعلم الإجتماع .
[1]- أبوالمحاسن : المنهل الصافي المرجع السابق 3/336.
[2]- السلوك للمقريزي 3/618: 619.
[3]- السلوك ، نفس المرجع 7/448 .
[4]- أبوالمحاسن : المنهلل الصافي 3/336.
[5]- ابن حجر : انباء الغمر : بالترتيب: 5/77، 2/272 .206، 5/224، 265 ،3/171 ، 2/310 ، 4/305
[6]- على سبيل المثال : السلوك للمقريزي 3/454 ، وحوادث أول صفر 784، 28صفر784 .
[7]- أنباء الغمر : بالترتيب 2/162 ، 5/225 ، 2/271، 3/359، 3/186، 5/5 ، 116 – ,2/109، 4/347.
[8]- أنباء الغمر : بالترتيب 3/241، 248: 249، 412، 4/92.
[9]- أنباء الغمر 2/249، السلوك 3/566.
[10]- تاريخ ابن خلدون 7/453: 454.
[11]- تاريخ ابن خلدون 7/453: 454.
[12]- السلوك 3/517، أنباء الغمر 2/158، الضوء اللامع للسخاوي 4/146.
[13]- تاريخ ابن خلدون 7/453.
[14]- الضوء اللامع 4/146
[15]- أنباء الغمر، 2/162: 163.
[16]- أنباء الغمر 2/158.
[17]- ( تاريخ ابن خلدون 7/455.)
[18]-السخاوي ، الضوء اللامع 4/146.
[19]- السلوك 3/636 ، 637 أنباء الغمر 2/329.
[20]- المنهل الصافي : ترجمة برقوق 3/319 ، تحقيق نبيل عبدالعزيز
[21]-. السلوك 3/933.
[22]- أنباء الغمر 4/23.
[23]- السلوك 3/1027، أنباء الغمر 4/305.
[24]- انباء الغمر 4/323 الضوء اللامع 4/146، والملاحظ أن تلميذه المقريزي تجاهل هذه الحادثة
[25]- على سبيل المثال : السلوك 3/1059، 1088، 1116، 1149 . 4/15، 24 . أنباء الغمر 5/15 ، 22، 132، 224، 295.
[26]- الضوء اللامع 4/ 146: 147