ثقافة فن الروايس تحت المجهر الجزء الثاني
مقال حول الحاج بلعيد بصفته عميد الجيل الاول من فن الروايس
مقدمة
يصعب لاي باحث تحديث تاريخ ظهور فن الروايس في الجنوب المغربي غير ان بدايات القرن الماضي عرفت دخول وسائل التسجيل الى بلادنا بفضل الحماية الفرنسية حيث ان فن الروايس قد استفاد كثيرا من هذه الوسائل الحديثة انذاك حيث اخذ جل الروايس وقتها يسجلون على الاسطوانات الحجرية اغانيهم الحاملة لهموم مجتمعنا المغربي انذاك و الحاملة لمضامين دينية تعكس مدى تسمك الامازيغيين بدينهم الاسلامي و بقيمهم المحافظة بمعناها الايجابية و السلبية ...
ان ثقافة فن الروايس هي عبارة عن ثقافة تقليدية بكل تفاصيلها الدقيقة كالملابس و الالات الموسيقية مثل الرباب الامازيغي و لوطار و الناقوس الخ و يلبس الرايس أي قائد المجموعة و هو كذلك مغنيها الجلباب التقليدي المعروف في اواسط المجتمع المغربي بوجه عام حيث ان هذا اللباس يعبر عن الاصالة المغربية الحقيقية حيث نلبسه في الاعياد الدينية و مناسباتنا العائلية بمعنى ان فن الروايس هو ابن هذه الارض العظيمة بتاريخها الطويل و باسهاماتها المتعددة في الحضارة الانسانية ..
الدخول الى صلب الموضوع
يعتبر الحاج بلعيد علامة فارقة في تاريخ الاغنية المغربية التقليدية لان فن الروايس هو يتمثل جزء اساسي من الاغنية المغربية التقليدية الى جانب الانماط الموسيقية الاخرى سواء الاصيلة منها او الدخيلة مثل الطرب الاندلسي كما شرحته في المقال الاول حيث الى متى سنظل نتجاهل هذه الحقائق التاريخية ؟ و الى متى سنظل نسمي فنوننا الامازيغية فلكلورا شعبيا بينما نسمي الطرب الاندلسي بالاصيل ؟
ان الحديث عن مدرسة الحاج بلعيد الاصيلة هو حديث طويل بالاعتبار ان هذا الرايس صادف ظروف سياسية صعبة للغاية مثل وقوع المغرب في ايادي الاستعمار الاجنبي و انطلاق المقاومة المغربية من الجبال و من السهول منذ ما قبل التوقيع على عقد الحماية عام 1912 و ظهور ما يسمى بالحركة الوطنية سنة 1930 الخ من هذه الظروف التاريخية مما جعلت مدرسته تنفرد بخصوصيات يمكننا ان نسميها بالغارقة في تقاليدنا الامازيغية الاسلامية حيث انه حاول عبر قصائده ايصال رموز و معاني سامية من وحي مجتمعه المتشبث بالاسلام كدين و كاخلاق و كمبادئ حيث كما هو معلوم فالامازيغيين اسسوا نظامهم المجتمعي يراعي مقاصد الشريعة الاسلامية و يراعي في نفس الوقت ضرورات العصر و أنظمة الامازيغيين الديمقراطية .
ولد الحاج بلعيد نواحي اقليم تزنيت في القرن 19 الميلادي حيث نشا يتيم الاب و ذهب المسجد لتعليم كتاب الله تعالي مثل جميع اطفال بادية سوس انذاك غير ان ظروف عائلته الاجتماعية لم تسمح له باستكمال دراسته فاتجه نحو الرعي في الحقول حيث هناك اكتشف موهبته في عزف على الناي ثم انطلق نحو احتراف الغناء عبر مراحل متعددة حتى وصل الى مرحلة التسجيل في فترة الثلاثينات بعد استفتاء العلماء و الفقهاء حول جواز التسجيل بالاعتبار ان الحاج بلعيد كان يجالس اهل العلم الشرعي من طبيعة لان منطقة سوس تحتضن العديد من المدارس الدينية او المدارس العتيقة كما تسمى عندنا ..
ان الحاج بلعيد اسس مدرسته الفنية على تراكم اجدادنا طيلة قرون من تشبثهم بالاسلام و اجتهادهم في جعله يتناسب مع سياقهم الاجتماعي و الثقافي.
و من هذا المنطلق اهتمت مدرسة الحاج بلعيد بالدين الاسلامي باعتباره انسان متدين و صوفي كما اعتبره جل الباحثين ..
و كما انتقد احوال المجتمع الفرنسي الاخلاقية من خلال رحلته الشهيرة الى باريس حسب تصوره كامازيغي مسلم انذاك و له قصيدة حول شرب الخمر و حول رحلته الحجازية الخ من قصائده الدينية و الحاملة لارشاداته الهادفة الى الاسهام في زرع قيمنا الاسلامية المغربية في نفوس مجتمعه المتدين اصلا و في نفوس الاجيال القادمة بمعنى ان الحاج بلعيد يمثل هرم الاغنية الدينية الامازيغية في ذلك الجيل الى جانب اسماء اخرى في فن الروايس لان امارك ن لدين او الاغنية الدينية لدى الروايس هي تعبير سامي لمدى اهتمام امازيغي الجنوب المغربي بالاسلام كمنظومة اخلاقية تم تاسيسها انطلاقا من الذات الهوياتية و ليس انطلاقا من المشرق العربي ابدا .
اذن اهتمام مدرسة الحاج بلعيد بالدين و بالوطنية ليس غريبا او مستغربا بل هو شيء طبيعي للغاية بحكم طبيعة هذا المجتمع المتدين و المعادي للاستعمار و قيمه التغريبية مما سيجعل العاقل و المؤرخ يكذبان افكار اصحاب ايديولوجية الظهير البربري في الصميم حيث ان الفنون الامازيغية عموما و فن الروايس خصوصا ساهمت في مقاومة الاستعمار من خلال الاستغلال الايجابي للشعور الديني لدى الناس ليعرفوا ان الاستعمار هو شيء غير مرغوب به في ارضنا الحرة و انهم مسلمون عليهم الدفاع عن شرفهم و عن عرضهم دون انتظار اية نصائح او اية مشاريع ايديولوجية من قبل التيار السلفي المعادي اصلا لقيم الامازيغيين الحقيقية..
و توفي الحاج بلعيد سنة 1945 تاركا وراءه اغانيه الخالدة الى اليوم بفضل اعادة اذاءها من طرف المجموعات العصرية الامازيغية حيث كان المرحوم الفنان عبد العزيز الشامخ من الاوائل الذين اعادوا اذاء هذه الاغاني الخالدة في اواخر سبعينات الماضي باسلوب عصري لان انذاك لا يوجد أي اهتمام بالثقافة و اللغة الامازيغيتان من طرف السلطة اطلاقا .
تحرير المهدي مالك