( ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون )

آحمد صبحي منصور في الجمعة ١٤ - أغسطس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

قال : يقول الله جل وعلا : ( ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون : (78) القصص  )  وهى تتناقض مع عذاب المجرمين فى الآخرة مثل قوله جل وعلا : (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ (41) الرحمن    )

 قلت :آية (( ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون ) هى عن المساءلة . أما آية ((يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ ) فهى عن العقاب فى الآخرة .

قال : لا يزال هناك تناقض ، لأن عقاب المجرمين فى الآخرة يعنى مساءلتهم وحسابهم أولا ، وهذا جاء فى قوله جل وعلا عن المجرمين : (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً (53) الكهف   )

قلت : قوله جل وعلا (( ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون  ) هى عن المساءلة فى الدنيا ، ولا علاقة لها بالمساءلة الأخروية يوم الحساب ، حيث سيؤتى بكل فرد للمحاسبة والمساءلة أمام رب العزة .

قال : سأتفق معك على أن آية (ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون  ) هى عن المساءلة فى الدنيا فقط . اليس هنا ظلم ؟ كيف لا تكون هناك مساءلة فى الدنيا للمجرمين بينما تكون المساءلة لغيرهم من الأبرياء والمستضعفين ؟

قلت : قوله جل وعلا : (ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون  ) ليس هذا تشريعا ، بمعنى أن الله جل وعلا لا يأمر ولا ينهى هنا ، وإنما فقط يضع توصيفا لما يحدث فى الدنيا من ظلم . وهو ظلم مرفوض . الله جل وعلا يأمر بالعدل والاحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى والظلم . هذا هو التشريع بالأمر والنهى . أما قوله جل وعلا (ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون ) فقد جاء تعليقا فى سياق قصة قارون .

قال : حتى لو كان هذا تعليقا ألا يتناقض هذا التعليق مع ما حدث مع قارون نفسه ؟ ألم يؤاخذ الله جل وعلا قارون بذنبه فخسف به الأرض ؟ ألم يقل جل وعلا عنه وعن عاقبته (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ (81) القصص)  )، ألم يعاقب الله جل وعلا فرعون وقومه ومن يسير على دأبه وسنته وطريقته ؟ ألم تقرأ قوله جل وعلا : ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) آل عمران ) ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) الانفال )    ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54) الانفال ). ألم يؤاخذ الله جل وعلا الأمم التى أهلكها قبل فرعون : ( أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ) (6) الانعام) ( أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) (100) الاعراف )

قلت : أنت تخلط ثانيا بين المساءلة الدنيوية  والعقاب سواء فى الدنيا والآخرة ،   .  

قال : ولكنهم جميعا مجرمون  طبقا لقوله جل وعلا :( فَلَوْلا كَانَ مِنْ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنْ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ (116) هود) ( أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (37) الدخان) (  قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلاَّ آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) الحجر)

قلت : أكرر ما قلته  :  أنت تخلط ثانيا بين المساءلة الدنيوية  والعقاب سواء فى الدنيا والآخرة ، المساءلة فى الدنيا تختلف عن العقوبة . هذه مرحلة وتلك مرحلة أخرى . المجرم فى عنفوانه وعتوه وطغيانه لا يستطيع أحد مساءلته، هذه مرحلته الأولى  ، ثم يأتيه العقاب فى المرحلة التالية ، فلا تخلط هذا بذاك .

قال : سأتفق معك فى أن جبروت المجرم يحول بينه وبين المساءلة . فكيف تتحقق عقوبته مع هذا الطغيان وذاك الجبروت ؟  

قلت : كان هذا بتدخل الاهى كما حدث لفرعون وقارون وغيرهم طبقا للآيات الكريمة السابقة ، وهو الاهلاك الكامل للظالمين . بعد فرعون جاء الاهلاك الجزئى ، فالله جل وعلا يترك الظالمين يصارع بعضهم بعضا ويُهلك بعضهم بعضا ، وهذا ما جاء فى قوله جل وعلا يحذرنا (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65) وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (66) لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (67) الانعام  ). أو يوجب القتال فرضا لوقف جبروت الطغاة الظالمين.  

قال : هل هذا هو معنى ( دفع الله للناس )  

قلت : نعم . يقول جل وعلا : (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)الحج  ) (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ (251) البقرة )، وهو سبب فرض القتال لايقاف المجرمين الطغاة .

قال : نرجع الى قوله جل وعلا (ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون  ). كيف نقرؤها فى واقعنا الراهن ؟

قلت : قوله جل وعلا (ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون  ) توصيف مذهل ومعجز للمجرمين   

قال : كيف ؟ أعطنى أمثلة واقعية  

قلت : تخيل نفسك فى زنزانة تتعرض للتعذيب هل تستطيع أن تسائل من يقوم بتعذيبك ؟ والمساءلة تعنى سلطة المحقق الذى يحاسب من موقع القوة ؟

قال : مستحيل . لا أستطيع سوى الصراخ وإستجداء الرحمة  

قلت : المستبد الشرقى من عبد الناصر الى صدام حسين الى القذافى والملك السعودى ومن على شاكلتهم هل يستطيع أحد من بلادهم أن يسائلهم ويحقق معهم ؟

قال : مصير من يفعل ذلك هو الاتهام بالخيانة ودخول السجن ، إن لم يكن الاعدام . حتى مجرد النصيحة الخانعة لولى الأمر فى السعودية تعتبر جريمة ، وهم يقولون هناك ( الشيوخ أبخص ) يعنى الأعلم ، ولا يجوز نصحهم .  

قلت : هؤلاء الفراعنة هم المجرمون الحقيقيون فى عصرنا . وفى كل عصر يوجد فيه مستبدون يسيرون على دأب فرعون فهم مجرمون

قال : أُلاحظ أنك دائم الهجوم على المستبد الشرقى ،

قلت : هذا بسبب تجربتى المريرة فى الدعوة الى الاحتكام الى القرآن الكريم والاصلاح السلمى والتأكيد على ان الاسلام هو دين الحرية الدينية لكل فرد والديمقراطية للشعب والعدل والسلام والرحمة وحقوق الانسان . المستبد الشرقى يزعم الانتماء الى الاسلام بينما هو باجرامه  يرفض الاسلام ويعاقب من يُظهر حقائق الاسلام ، لأن حقائق الاسلام تُظهره على حقيقته مجرما لا يستطيع أحد مساءلته .  

قال : فماذا عن المستبد الغربى ؟

قلت : المستبد الغربى لقى مصيره ، كما حدث لهتلر وموسولينى ومن سبقهم من طغاة أوربا . الغرب حارب حربين عالميتين من أجل القضاء على الاستبداد ،  الرئيس فى الغرب هو رئيس السلطة التنفيذية فقط ، وهو مع إدارته ( خدم للشعب ) وليسوا ( جهات سيادية ) الرئيس الغربى يتعرض للعزل والمساءلة والمحاكمة ، حدث هذا فى أكبر قوة فى العالم ، فى أمريكا مع الرئيس نيكسون حين تجسس أتباع له على خصومه فى ( ووتر جيت ) فآثر الاستقالة هربا من الاتهام بالخيانة أمام الكونجرس . وتعرض الرئيس كلينتون الى مأزق بسبب علاقته بمونيكا . وخرج من الموضوع بصعوبه برغم نجاحه الفائق رئيسا لأمريكا .

قال : يعنى انهم فى نظرك غير مجرمين ؟

قلت : ما أقصده أنهم طالما يتعرضون للمساءلة فهم أبرياء الى أن تثبت عليهم تهمة الفساد والاجرام . وممثلو الشعب فى الكونجرس هم الذين يسائلونهم . وأسألك أنت : هل تتخيل مجلسا نيابيا فى مصر أو غيرها يسائل ويعزل ويعاقب الرئيس ؟

قال  :  هذا يحدث .. فى الاحلام فقط .. 

اجمالي القراءات 13041