القاموس القرآنى : إفك ، أفّاك ، يؤفك ، تؤفكون ، يؤفكون

آحمد صبحي منصور في السبت ١٨ - يوليو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة

1 ـ الإفك أساسا هو الافتراء فى الدين الأرضى ، والذى يمارسه أربابه وشيوخه وأئمته . والأفاك هو ذلك يحترف الاضلال فى الدين بتكذيب آيات الله وإفتراء أحاديث وأقاويل بديلة ، أى إذا كان القرآن وحيا من الله جل وعلا لخاتم المرسلين فإن أحاديث الإفك والافتراء يوحى بها الشياطين لأوليائهم . وأرباب كل دين أرضى ( يأفكون ) أى يخدعون بوحيهم الشيطانى أتباعهم ، لذا فهؤلاء الأتباع ( يؤفكون ) أى يُخدعون ، ويقال لهم ( متى تُؤفكون ) أى الى متى يظل أئمة الافك يخدعوكم ويأفكونكم .

2 ــ ويطلق ( الإفك ) ايضا على الإفتراءات الكاذبة العادية حين تنتشر .

ونعطى مزيدا من التفصيلات

أولا : ( إفك)

1 ــ مشهور فى القرآن الكريم ما يُعرف بحديث الإفك ، وهو إشاعات كاذبة شاعت فى المدينة فى بداية إستقرار المهاجرين فيها ، من نساء ورجال ، ومنهم فقراء إستضافهم الأنصار ، ووجدها المنافقون فرصة لتعكير هذا الجوّ الرائع المُفعم بالايثار والتكافل والكرم فأشاعوا أكاذيب مفتراة عن علاقات محرمة بين فلان وفلانة ، فنزلت آيات سورة النور بتشريعات عقابية وإجتماعية ، وسورة النور من أوائل السور المدنية ، وفيها يقول جل وعلا : (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنْ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ)النور:11 ، 12).

2 ـ  والشيطان الذى أوحى للمنافقين بحديث الإفك ينهشون به شرف المحصنات المؤمنات ما لبث أن أوحى بحديث الإفك الى ابن إسحاق أول من كتب السيرة النبوية للخليفة العباسى المهدى ، وتقربا اليه ملأ هذه السيرة بما يحبه العباسيون ، وكانوا يكرهون عائشة بسبب قيادتها لموقعة الجمل ضد ( على بن أبى طالب ) وكان عبد الله بن عباس ( جدُّ ) الخلفاء العباسيين فى هذه الموقعة مع ابن عمه (على بن أبى طالب ) ، وكان هناك عداء معروف بين ابن عباس من ناحية وعائشة وابن أختها عبد الله بن الزبير من الناحية الأخرى ، الى درجة ان ابن الزبير عندما رفض بنوهاشم ــ بزعامة ابن عباس ـ مبايعة ابن الزبير كان على وشك إحراق بنى هاشم فى مكة لولا أن تم إنقاذهم فى آخر لحظة . تقرب إبن اسحاق للخليفة العباسى بحديث إفك آخر إختلق فيه ( غزوة ) لم تحدث هى غزوة بنى المصطلق ، وإفترى فيها المشهور فى التراث بحديث الإفك ، عن إتهام عائشة فى شرفها . ونقل البخارى ما كتبه ابن إسحاق وجعله حديثا مطولا ، زاعما أنه رواه من فلان عن فلان .وقد ناقشنا هذا بالتفصيل فى كتابنا ( القرآن وكفى ).

3 ــ الله جل وعلا هو خالق كل شىء ، ماعدا شيئا واحدا هو ( الإفك ). هذا الإفك هو صناعة ابليسية . أنظر الى قبر مقدس يحج اليه المحمديون متضرعين متوسلين ، يطلبون المدد من مدفون تحت القبر تحول الى تراب،وقد لا تكون جثته موجودة فيه أصلا مثل القبور المقدسة المتعددة المنسوبة للحسين وأخته زينب .  ومع ذلك يعتقدون بحياة صاحب القبر ، وتخيل لو خرج اليهم صاحب القبر شبحا يفتح ذراعيه لولوا منه فرارا ولامتلأوا منه رعبا . العقل المجرد يأبى تقديس القبور ويرفض التوسل بميت أصبح ترابا. ولكن الدين الأرضى يُعادى العقل ويحظر عليه التجول ومناقشة الأساطير الدينية ليبتلع الانسان إفك الشيطان . والله جل وعلا يجعل الأنصاب صناعة شيطانية : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) المائدة ) . الشيطان هو الذى يُقنع أولياءه من أئمة التشيع والتصوف والسنة وغيرهم بأن المدفون الذى أصبح ترابا يملك المدد والنفع والضرر. ويُشيع أولئك الأئمة هذا الإفك المُختلق . إذن نحن أمام شىء مصنوع مخلوق من أساطير الشفاعات والمعجزات للاولياء والقديسين ، تمثل تجارة مربحة لأئمة الدين الأرضى ، يقول جل وعلا عن تلك الالهة الموتى المخلوقة من أساطير وأوهام :( وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21) النحل ). هذا هو الإفك المخلوق الذى يختلقه الأفاكون ، وقد قالها ابراهيم عليه السلام إنهم يخلقون إفكا : (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً )العنكبوت:17).

4 ــ والأمم السابقة كانت تعبد الأنصاب والأوثان والأصنام ، تجسيدا للبشر المقدسين . وحين أهلك الله جل وعلا تلك الأمم بسبب تكذيبهم للرسل فإن آلهتهم المزعومة لم تنقذهم من العذاب والإهلاك ، يقول جل وعلا :( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنْ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (27) فَلَوْلا نَصَرَهُمْ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)الأحقاف:28 ). إعتقدوا فى الإفك وآمنوا به وصدقوه ، ثم عند الهلاك إستغاثوا بهم فلم يجدوا من ينقذهم ، أى حاق بهم إفكهم .

5 ـ ومن إفك الكافرين العرب أنهم نسبوا لله جل وعلا الملائكة وجعلوها بنات لله ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا . يقول جل وعلا : ( فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمْ الْبَنُونَ (149) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ (150) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (151) وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (152) أَاصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ (153) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (154) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (155) الصافات).

6 ـ والشيطان صانع الإفك الذى يزين لأتباعه الباطل ويوهمهم أنه الحق ،هو أيضا يقلب لهم الباطل حقا ، فالقرآن الكريم نزل بالحق يحمل الحق : (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ )(105)الاسراء)، ومن إفكهم أنهم إتهموا القرآن بالإفك :(وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً)الفرقان:4). (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْراً مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ)الأحقاف:11).

 

وإتهامهم للحق القرآنى بأنه إفك جاء ضمن إتهامات أخرى للرسول عليه السلام ، وكان هذا ردهم حين يُتلى عليهم القرآن :(وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ)سبأ:43 ).

ثانيا : أفاك وليس (آفك )

1 ــ ( إفك ) هو المصدر . الفعل الماضى ( أفك ) بفتح الهمزة وكسر الفاء . واسم الفاعل هو ( آفك ) مثل ( ضارب )على وزن( فاعل ). وهناك صيغ مبالغة من (فاعل ) منها فعيل وفعول وفعّال ، ومثلا فصيغ المبالغة لاسم الفاعل ( ضارب ) ، هى ضريب وضروب وضرّاب...الخ . بالتطبيق على الفعل ( أفك ) لا نجد فى القرآن إستعمال اسم الفاعل ( آفك ) ، بل يوجد إستعمال ( أفّاك ) وهو صيغة مبالغة على وزن(فعّال). والمعنى المراد أن ( الأفّاك ) هو الذى يُبالغ فى الإفك من حيث الكم ومن حيث الكيف . وعلى سبيل المثال فإن الشيطان يوسوس للبشر جميعا ، ولكن تركيز الوسوسة يحول الوسوسة الشيطانية الى وحى شيطانى ، وبالتالى يكون ولى الشيطان أفّاكا ، صيغة مبالغة من ( آفك )، أى يتخصص فى الإفك وفى الافتراء على الله جل وعلا . ونعطى أمثلة:

2 ـ هناك وحى إلاهى ، كان ختامه القرآن الكريم الذى نزل به جبريل على قلب خاتم النبيين: ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) الشعراء ). هذا الوحى الالهى لم تتنزل به الشياطين : ( وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (210) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (211) إِنَّهُمْ عَنْ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (212) الشعراء ). يقول جل وعلا عن الوحى النقيض ــ وحى الشياطين ــ أنه يتنزل على كل أفّاك أثيم من أرباب الديانات الأرضية بالأحاديث الضالة المُضلة والفتاوى السّامة ، كما يتنزل الوحى الشيطانى على الضالين من الشعراء . يقول جل وعلا : ( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ (223) وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ (226) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (227) الشعراء ).

3 ـ نلاحظ أن الله جل وعلا إستعمل لفظ الماضى فيما يخص الوحى الالهى ، (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (193)) أى هو ماض إنتهى ، وباكتمال القرآن نزولا انتهى الوحى الالهى ، فلا رسول لله جل وعلا بعد الكتاب الخاتم وبعد موت النبى الخاتم . أما الوحى الشيطانى فهو مستمر باستمرار غواية الشيطان الى قيام الساعة ، لذا يأتى التعبير بالمضارع : (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ (221) تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) يُلْقُونَ السَّمْعَ.) .

4 ــ أصحاب هذا الوحى الشيطانى هم أعداء الأنبياء الذين نزل عليهم الوحى الالهى، يقول جل وعلا : (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31) الفرقان ) (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) الانعام )

5 ـ المحمديون يؤمنون أن السُّنة وحى ، وأن أحاديثهم وحى . وعجيب أمر هذا الوحى بأحاديثه المتضاربة والتى تحتاج الى البشر لروايتها بالعنعنة والى التمحيص والتصحيح ، ثم يستمر هذا الوحى ( المزعوم ) عبر القرون ، بلا نهاية . هذا هو الإفك بعينه .  

6 ــ والأفّاك صيغة مبالغة من الآفك ، وهو أيضا موصوف بالأثيم (على وزن فعيل)(تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (222) الشعراء). لم يقل ( آثم ) وإنما ( أثيم ) .

7 ـ وهذا الأفّاك الأثيم  يرفض الايمان بحديث الله جل وعلا فى القرآن وحده لأنه يؤمن بالأحاديث الشيطانية ويعتبرها وحيا الاهيا. ويقول جل وعلا عن آيات القرآن الكريم بإعتبار أنها حديث الله وحده ولا إيمان ألا بالله جل وعلا وحده إلاها ، ولا إيمان إلا بحديثه جل وعلا فى القرآن وحده :( تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) الجاثية ) ، يقول جل وعلا بعدها يتوعّد كل أفاك أثيم : ( وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) الجاثية ). هذا الأفاك الأثيم يرفض الاستماع للقرآن ، وإذا علم منها شيئا إتخذها هزوا .وينتظره عذاب أليم مهين.

ثالثا : يأفك

1 ــ عن مهارة السحرة فى قصة موسى يقول جل وعلا : (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) الاعراف) ومع انه سحر عظيم إلا أنه أيضا إفك ، يقول جل وعلا :(وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ)الأعراف:117)  (فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ)الشعراء:45) . هو إفك وهو أيضا كيد ، يقول جل وعلا : (فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) طه ). هنا إستعمل للفعل ( يأفك ) بمعنى يصنع كذبا يوهم به الناس ، ويسيطر به على أعينهم بحيث يقنعهم أن الحبال والعصىّ تحولت الى ثعابين . هذا نموذج للخداع الآفك .

2 ــ لذا لا نستغرب على المخدوعين أتباع الديانات الأرضية أن يؤمنوا بهذا الإفك الخدّاع ، إذ يتهمون الرسول بأنه هو الذى يخدعهم ، أو ( يأفكهم ) وهذا ما قاله قوم عاد للرسول هود عليه السلام:(قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا) الأحقاف:22 ). آلهتهم ( إفك ) يؤمنون بالإفك ويعتبرون الحق إفكا ، وهنا منتهى السيطرة الشيطانية التى تقلب الحق باطلا والباطل حقا.

رابعا : يؤفكون تؤفكون : أنواع المأفوكين المخدوعين بالدين الأرضى

1 ــ المشركون الذين يؤمنون بالله جل وعلا خالق السماوات والأرض ، ثم يؤمنون بألوهية بشر مخلوق مثلهم لا يخلق . وفى الحوار الالهى معهم يتكرر سؤاله جل وعلا لهم : الى متى تؤفكون ، والى متى يؤفكون ؟ أى الى متى تظلون مخدوعين ؟ والله جل وعلا يستعمل الفعل المضارع لتأكيد إستمرارية الخداع باستمرارية الغواية الشيطانية . يقول جل وعلا : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّا يُؤْفَكُونَ) العنكبوت:61 ) (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) الزخرف:87)، (إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنْ الْحَيِّ ذَلِكُمْ اللَّهُ فَأَنَّا تُؤْفَكُونَ)الأنعام:95)، (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلْ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّا تُؤْفَكُونَ) يونس:34)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)فاطر:3 ). اساس الإفك والخداع هنا عدم إيمانهم بآيات الله جل وعلا : (ذَلِكُمْ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّا تُؤْفَكُونَ ( 62 ) كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (63))غافر)

2 ـ المنافقون  (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمْ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)المنافقون:4)

3 ـ من يعتقد أن لله جل وعلا إبنا وولدا : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمْ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)المائدة:75) (وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمْ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)التوبة:30)

4 ـ منكرو اليوم الآخر : يقول جل وعلا عن الوعد باليوم الآخر :(إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (5) وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (6) وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (8) يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (9) الذاريات ). أى يتم خداع المأفوكين حتى يكذبوا بيوم الدين . وعند البعث يتصور أولئك المجرمون أنهم لبثوا ساعة ، لأنهم ماتوا يحملون الايمان بهذا الافك ، أو كذلك كانوا يؤفكون فى حياتهم الدنيا ، فماتوا مخدوعين بهذا الافك وبُعثوا وهم يحملونه فى نفوسهم ، يقول جل وعلا : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ)الروم:55).

ودائما : صدق الله العظيم .

اجمالي القراءات 21979