بعد الاتفاق النووي بين إيران والعالم الغربي، ترتفع همسات القلق في أغلب دول منطقة الشرق الأوسط، مما تتوقع أن يترتب على هذا "الصلح" الإيراني مع العالم، من زيادة مقدرة إيران على مد أياديها لدول المنطقة، في ظل صمت أو تواطؤ واتفاق أو صفقة مع الغرب. هو بالتأكيد قلق له ما يبرره ظاهرياً، خاصة وفق ما هو سائد الآن من سياسات الدول العربية عامة والخليجية خاصة، سواء تلك المعلنة أو السرية. لكن الحقيقة تحت السطح المتوتر، أن مشكلة دول الشرق الأوسط ليست بالدرجة الأولى مع إيران، لكنها مع شعوبها ومجتمعاتها المتحللة المتفسخة، ومع نظمها منتهية الصلاحية. نعم إيران تمارس الإرهاب، لكنها تفعل ذلك من خلال الشروخ التي يحدثها الإرهاب السعودي الوهابي في مجتمعات المنطقة. . يوم تتوقف السعودية وأثرياء الخليج عن دعم الإرهاب، لن يجد الإرهاب الإيراني منفذاً له للمنطقة. تتعامى عمائم الخليج عن حقيقة أن أقليات سورياً والعراق من مسيحيين ودروز وأكراد وغيرها، تقف الآن جنباً إلى جنب مع التشكيلات العصابية الإيرانية، في مواجهة الإرهاب الوهابي الوحشي، وكأنها "تستعين على النار بالرمضاء"، في عملية اختيار بين السيء والأكثر سوءً.
رغم التأثير الانغلاقي والانكفائي الذي يترتب على الهوس الديني، لا ينبغي أن نتجاهل أو نستهين بالعقلية الإيرانية البرجماتية، والتي قد تتجه نحو العالم بعد أربعة عقود لعبت فيها دور "محور الشر".. . قانون الحياة هو البقاء للأصلح. فرغم ظلامية حكم ملالي طهران، إلا أن معدن الإنسان الفارسي يختلف تماماً عن خليط الشعوب المسماة عربية. لذا من المتوقع أن تنحسر موجة الهوس الديني، وإيران تقف على قدميها، فيما مازالت الشعوب العربية منطرحة على وجهها. مشكلة إيران الجعجعة والتهديدات والحروب الإعلامية، لكن لو فرضت على السعودية ذات العقوبات والحصار الذي فرض على إيران، لما وجدنا داعش وأخوتها.
أرى وجاهة في وجهة نظر أوباما في الاتفاق النووي مع إيران، فهو إن لم يكن مفيداً لن يضر. وعلى أسوأ الفروض سيؤجل الإشكالية خمسة عشر عاماً، تكون إيران عندها محل إدانة قانونية دولية.
أظن أن إيران يمكن أن تلعب مع الغرب دوراً محورياً في تحديد مستقبل المنطقة لعدة عقود قادمه، إذا ما قامت تدريجياً بخلع رداء الراديكالية، والتحقت بالعالم المتحضر الساعي فقط وحصرياً للتنمية ورفاهية الشعوب، وتمد يدها لكسر شوكة الإرهاب الوهابي. وقد تختار التلاعب كما يقول المثل عن "ذيل الكلب"، وهنا ستستمر إيران ومعها شعوب المنطقة في دوامات الحصار والفوضى والصراعات العبثية.