فاطمة تاباعمرانت جوهرة نادرة في النضال الامازيغي
مقدمة مطولة
ان رمضان هو شهر العبادة و العمل الصالح حيث ان ثقافتنا الامازيغية الاسلامية في اطارها العلماني المغربي لا يمكن اختزالها في بعد دون اخر حيث كان اجدادنا الامازيغيين يحبون الدين و الحياة الدنيا بكل مظاهرها الطبيعية و الفنية لدرجة ان اجدادنا الامازيغيين تركوا لنا فنون اصيلة للاستفادة و الاستمتاع الايجابي من خلال اجتماع الامازيغيين كعائلات محترمة حول فنان امازيغي ما في مكان يسمى عندنا باسايس داخل بوادينا الامازيغية ...
ان فن الروايس كنموذج للفنون الامازيغية الاصيلة بالمغرب قد اعطى الشيء الكثير لهويتنا الام منذ قرون عديدة عموما و خصوصا منذ بدايات القرن الماضي من خلال ظهور اول وسائل التسجيل و الاسطوانات الحجرية التي كانت ظاهرة فريدة من نوعها في ذلك السياق اي فن الروايس هو احد اعمدة الفنون الاصيلة ببلادنا لقرون عديدة كما قال الاستاذ الصافي مؤمن على اثر تكريم احد رموز فن تيروسا او فن الروايس سنة 1991 من طرف احدى الجمعيات الامازيغية .
ان هذا الفن بالنسبة لي بصفتي باحث متواضع في ثقافة تيروسا لا يستحق اطلاقا هذا الاطار الفلكلوري التي وضعته الدولة منذ الاستقلال الى حدود الان بحكم ان فن الروايس يختزل تاريخ طويل من التجارب الاجتماعية و من البعد الديني الضخم لا غبار عنه من طرف الباحثين و المستمعين لكنه ظل كانه غير موجود اصلا بسبب ايديولوجية الظهير البربري كما شرحته في كتابي الجديد مطولا غير ان البعض لا يريد ان يفهم حتى من داخل مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الامازيغية لان منذ سنة 1956 قامت الدولة بفصل تام بين الامازيغية و الاسلام على المستوى الرسمي .
و كما يختزل هذا الفن الاصيل النضال الامازيغي و الحاضر بالقوى الان عبر فنانة اختارت ان تكون صوت الامازيغيين الهوياتي منذ 1991 من خلال حضورها في احدى دورات جمعية الجامعة الصيفية باكادير..
و منذ ذلك الحين دخلت هذه الفنانة الى هذا العالم المعروف بمشاكله و تضحياته الجسيمة في سبيل تحقيق مطالب الامازيغيين الثقافية و الهوياتية انذاك حيث كم من رجل ضحى بحياته من اجل وصولنا الى هذا المستوى الرفيع .
و يشرفني ان اكتب مرة اخرى عن هذه الجوهرة النادرة في النضال الامازيغي في موقع اهل القران المتواجد في الولايات المتحدة الامريكية بالاعتبار ان فاطمة تاباعمرانت كانت منذ شهور موضوع الساعة بعد تصريحات ابن سوس الاستاذ ادرس لشكر الكاتب الاول للاتحاد الاشتراكي كحزب يدعي الحداثة و الكونية منذ عقود من الزمان حيث ان هذه التصريحات تعبر عن مدى جهل اغلب النخب السياسية بالخصوصيات الفنية في منطقة سوس منذ الازل لان هذا الحزب المحترم كان بالامس القريب يطالب بمنع تعدد الزوجات بينما اليوم يعتبر هذه الجوهرة النادرة مجرد شيخة بمفهومها القدحي لدى عموم مجتمعنا دون اية اعتبار لمسارها الفني و النضالي....
ان فاطمة تاباعمرانت منذ سنوات خلقت جدلا عميقا في مجتمعنا من خلال شجاعتها و اقدامها على طرح سؤال شفوي بلغتنا الامازيغية في قبة البرلمان يوم 30 ابريل 2012 حيث اثار هذا السؤال بالامازيغية ردود فعل مختلفة لكنها اجتمعت كلها في الاعتبار ان هذا الحدث التاريخي له ما بعده من اجراءات اولها هو الاسراع باخراج القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للغة الامازيغية انذاك .
من هي فاطمة تاباعمرانت حقيقة؟
ان فاطمة تاباعمرانت هي بنت البيئة الامازيغية بايجابياتها و بسلبياتها حيث ناضلت منذ طفولتها من اجل الصبر على وفاة والدتها عنها و هي طفلة ذات ثلاثة سنوات ثم الصبر على معاملة زوجة والدها القاسية معها ثم الصبر على زواجها المبكر الخ من معانات تاباعمرانت مع محيطها العائلي مما جعلها تعرف معنى الصبر و تحمل الشدائد و التفكير نحو المستقبل من خلال احتراف الغناء او امارك كحلم كان يراودها منذ طفولتها و لهذا اختارت الهروب
من ظروفها العائلية نحو المجهول بالنسبة لها حينها.
ان اغلب الرايسات الحاليات عيشن في نفس هذه الظروف تماما غير هذه الاخيرة اذت بهن الى احترافه الغناء كمهنة شريفة بالنسبة لي حيث هناك من يعتبر انها غير شريفة خصوصا ذوي الفكر السلفي الدخيل على بيئتنا الامازيغية الاسلامية ..
ان الرايسة فاطمة تاباعمرانت بدات مسارها الفني منذ سنة 1983 حيث اشتغلت لدى فرقة المرحوم الرايس جامع الحامدي ثم لدى فرقة المرحوم الرايس سعيد اشتوك المعروف بمدرسته الفنية تفتح امامك ابواب الطبيعة باشجارها و طيورها الجميلة .
و سجلت فاطمة تاباعمرانت اول شريط غنائي لها سنة 1985 بتعاون مع الرايس مولاي محمد بنفقيه الذي ربما اعتزل الميدان الفني منذ سنوات التسعينات .
و انذاك كانت تاباعمرانت تحب الاستماع الى الروايس امثال المرحوم الحاج محمد البنسير و الى المرحوم الفنان الكبير العموري امبارك الخ من رموز الاغنية الامازيغية حينها .
و التحقت تاباعمرانت سنة 1988 بمدرسة البنسير الواقعية حيث استطاعت استيعاب خطاب و توجهات هذه المدرسة في الدفاع عن الثقافة الامازيغية و الشعر الديني الاساسي لدى معظم الروايس الكبار...
ادا كانت وفاة البنسير تعتبر فاجعة كبيرة على صعيد الاغنية الامازيغية بشكل عام و على صعيد جمهوره العريض فمدرسته النضالية لم تموت بل استطاعت انتاج العديد من الروايس في المستوى حيث ان بعضهم حملوا مشعل القضية الامازيغية طيلة عقد التسعينات الى اليوم مثل الرايس احمد اوطالب المزوضي و الرايسة فاطمة تاباعمرانت باعتبارهما مدرستان ساهمتا اولا في جعلي شخصيا اعي هويتي الام منذ طفولتي في عقد التسعينات و ساهمتا كذلك في ادخال مصطلحات جديدة على فن الروايس و هي مصطلحات امازيغ و تامزيغت و تامزغا الخ من هذه الاخيرة التي تعبر عن التاريخ و الحضارة بشمال افريقيا عوض المصطلحات المعروفة لدى العامة مثل الشلوح الخ.
اذن ان انطلاق الرايسة تاباعمرانت في نضالها الامازيغي كان نتيجة لوفاة البنسير و بداية علاقاتها مع الجمعيات الامازيغية التي ساهمت في تاطيرها و محو اميتها حيث ذكرت في مجموعة حواراتها مع وسائل الاعلام انها تعلمت القراءة و الكتابة على يد الاستاذ عبد الواحد رشيد الذي هو مراسل الاذاعة الامازيغية الرياضي حاليا.
و تزوجت زواجها الثاني في سنة 1996 من السي حسن كريم الذي يعمل في المجال الفني حسب ما سمعته .
ان هذه الجوهرة النادرة حاولت عبر قصائدها النضالية منذ البداية توعية الامازيغيين المتواجدين في المدن و في البوادي بان هناك هوية جميلة تتوفر على حروفها الاصيلة تيفيناغ و تتوفر على تاريخها الضارب في القدم بينما السلطة و بعض الاحزاب المعروفة كانوا في ذلك الحين اي في بدايات التسعينات يجتهدون في طمس هذه الحقائق من خلال تزوير تاريخنا و اختراع عدة اكاذيب مثل اكذوبة الظهير البربري الخ بمعنى ان تاباعمرانت كانت صوت يدافع عن شرعية السؤال الامازيغي داخل المجتمع منذ اوائل التسعينات الى الان عبر دخولها الى المجال السياسي مباشرة بعد ترسيم الامازيغية سنة 2011 حسب اختيارها السياسي المحترم كسيدة حرة لان الاحزاب السياسية ببلادنا حسب رايي المتواضع هي لم تنطلق من تاريخنا السياسي بل انطلقت من الشرق او من الغرب....
ان مدرسة فاطمة تاباعمرانت الاصيلة لم تخرج عن اجماع اغلبية الروايس في انتاج الشعر الديني باغراضه المعروفة و مواضيعه المتداولة بين الروايس الى اليوم غير ان من واجبنا كباحثين ان نحلل شعر تاباعمرانت الديني الغزير من حيث المواضيع و القضايا مثل قضية المراة و القيم الاسلامية المغربية الخ من هذه المواضيع النابعة من هموم مجتمعنا.
اننا سنأخذ موضوع المراة و موضوع القيم الاسلامية في شعر تاباعمرانت الديني في هذا التحليل المتواضع حيث ان فاطمة تاباعمرانت لم تنطلق من واقع غريب او من ايديولوجية دينية دخيلة الينا بل انطلقت من واقعنا المغربي و من فهمنا الوسطي للاسلام لمناقشة قضية المراة ببلادنا العزيزة و المعروفة تاريخيا باسماء للنساء ساهمن في بناء حضارتنا المغربية قبل الاسلام و في العصر الاسلامي مثل زوجة امير المسلمين يوسف بن تاشفين زنيب النفزوية التي شاركته في حكم الدولة المرابطية الخ من اسماء الامازيغيات استطعن ترك الشواهد الصريحة مفادها ان المراة عندنا حرة بمفهومنا الوسطي.
ان تعاطي تاباعمرانت مع قضية المراة هو تعاطي ديني واضح لكنه يتناسب مع بيئتنا الاجتماعية حيث كانت تدعو النساء الى محو الامية الابجدية خصوصا في البوادي عبر قصيدة اواخر التسعينات شرحت للمجتمع الواقع القائل ان اغلبية الرجال يتركون زوجاتهم في البوادي ثم يذهبون الى عملهم داخل الوطن او خارجه و قد يستغرق غيابهم عن زوجاتهم سنة او اقل من ذلك.
و في الماضي كانت وسيلة التواصل بينهم هي الرسائل عن طريق البريد غير ان هناك مشكلة تتمثل في الزوجة التي لا تعرف القراءة و بالتالي فانها مجبرة للذهاب الى فقيه المسجد لمعرفة مضمون رسالة زوجها حيث ان هذه الرسالة قد تضمن على اسرار حياتهم الزوجية و اسرار البيت الخ .
و لهذا السبب دعت تاباعمرانت النساء الى تعلم القراءة سنة 1999 من اجل الخروج من الجهل الى النور .
ان القيم الاسلامية في شعر تاباعمرانت الديني هي كثيرة مثل ذكر اسماء الله الحسنى و مدح خاتم الانبياء و المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ثم ترسيخ الانتماء الى الاسلام كدين الاغلبية من المغاربة منذ 14 قرنا من الجهاد و الاجتهاد المساير مع روح العصر و مع خصوصياتنا الهوياتية .
و من هذا المنطلق شنت فاطمة تاباعمرانت هجوما عبر قصيدتها الرائعة بابا يوبا ضد دعاة الفكر السلفي الدخيل علينا حيث انهم اخذوا يقتلون تقاليدنا و مواسمنا الدينية او انموكارن الخ من عاداتنا الاسلامية المغربية ان صح التعبير لان أي شعب في عالم اليوم لا يمكنه العيش بدون تراثه الثقافي و اللغوي امام العولمة الآتية من الغرب او من الشرق على حد السواء.
و تريد تاباعمرانت من خلال هذه القصيدة اخبارنا بان هناك خطر حقيقي مازال يهدد ثقافتنا الام تحت غطاء الدين الاسلامي الذي ظل وسيلة لقمع السؤال الامازيغي و تعريب المحيط بشكل قسري .
من خلال استجواباتها العديدة مع الاذاعات الوطنية او القنوات التلفزيونية عبرت فاطمة تاباعمرانت عن اراءها باسلوب راقي يظهر مدى وعيها الاكاديمي و الثقافي بمقارنة مع بعض الروايس الذين لا يحسنون الكلام و خصوصا امام الكاميرا ربما السبب راجع الى عامل السن او عامل امية بعضهم او عامل تهميش الروايس تلفزيونيا لعقود طويلة.
و من بين اراء تاباعمرانت الشخصية رايها حول ضرورة حفاظ الفنانات الامازيغيات على ملابسهن التقليدية لان مجتمعنا يتميز بنوع من الوقار و الاحترام و هذا الراي حسب نظري المتواضع ينطلق من قيمنا الاسلامية و الداعية الى الستر و احترام الجمهور العريض الخ من هذه الضوابط الاخلاقية في مجتمعنا المحافظ اصلا .
و نستطيع القول ان مدرسة فاطمة تاباعمرانت الاصيلة لا تريد للفن الامازيغي ان يسلك طريق التمييع و غياب المضمون الشعري و الحامل لهموم المجتمع الحقيقية..
و هذا لا يعني ان تاباعمرانت ترفض فن المجموعات العصرية الامازيغية انما ترفض ان يتحول الفن الامازيغي الى التجارة و الى اشياء اخرى ستساهم دون شك في تشويه هذا الفن و خلع صفة الاصالة عنه كما جرى لدى العرب الان من التمييع و الهبوط في المستوى القيمي حيث انني احب الاستماع الى جيل الرواد مثل عبد الحليم حافظ الخ و كما احب الاستماع الى الموسيقى الغربية خصوصا جيل الثمانينات...
.و خلاصة القول ان فاطمة تاباعمرانت وصلت الى قلوب عشاقها بمختلف الشرائح الاجتماعية و العمرية بفضل مدرستها الاصيلة التي تقاوم سهام اعداء الامازيغية الذين حاولوا و سيحاولون تحطيم مقامها المحترم لدى جمهورها العريض داخل الوطن و خارج حدوده حيث ان هذه الجوهرة النادرة ستبقى منبعا للحكمة و الالتزام بما يحمله هذا المصطلح من معاني عميقة في تاريخ المغرب الحقيقي..
اتمنى حقيقة ان ندرك جميعا اننا نتوفر على فن اصيل يستحق منا كشباب مزيدا من البحث الاكاديمي و الجامعي لان فن الروايس يمثل الاصالة و الحضارة الدينية لهذا الشعب منذ قرون طويلة...
المهدي مالك