القاموس القرآنى : الخزى

آحمد صبحي منصور في الأربعاء ٠٨ - يوليو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

معنى الخزى : هو التعرض لفضيحة شنيعة بما يجعل الشخص يشعر بالعار، نفهم هذا من قصة لوط عليه السلام ، حين جاءه بعض قومه يريدون الفسق بضيوفه ، وهو وهم لا يعلمون أنهم ملائكة ، فقال لهم يرجوهم : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) هود ). خاف لوط عليه السلام من فضيحته أمام ضيوفه ، خاف من الخزى ،  وهو الذى يستشعره أى شخص فى مكان لوط عليه السلام الذى قال لهم : (إِنَّ هَؤُلاءِ ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ (69) الحجر) هنا ارتباط الخزى بالفضيحة .

نوعا الخزى: المؤقت والمؤبد  

الخزى عقوبة يوقعها رب العزة بالكافرين ، وبالتالى فهى نوعان : خزى مؤقت فى الدنيا إذا تاب الشخص عن كفره ، وخزى مؤبد يستمر من الدنيا الى الآخرة إذا مات على كفره وظلمه وضلاله.

أمثلة للخزى المؤقت :

1 ـ هناك عذاب دنيوى يوقعه رب العزة بالظالمين لعلهم يتوبون ويرجعون ، يقول جل بصيغة التأكيد المغلّظة: ( وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ الْعَذَابِ الأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) السجدة ). وما نراه من مصارع الظالمين خير شاهد على هذا ، هم فى صراعهم وتنافسهم يتساقطون بالمرض والخسارة والإغتيال والسجن ، هم يعذب بعضهم بعضا ، ويعذبون أنفسهم بأعمالهم ، ترى هذا فى صراع الحكام مع منافسيهم ، ومع الأثرياء بعضهم بعضا ، ومع المجرمين وداخل عصابات المافيا ، والجماعات الارهابية التى تشترك فى الوهابية وتختلف وتتقاتل. هذا العذاب الدنيوى يكون لهم خزيا فى الدنيا، يكفى أن تتذكر  خزى صدام فى القبض عليه ،ومبارك فى محاكمته ،والقذافى وهو بين الثوار ،وبن على فى هروبه ، وعلى صالح فى جروحه ، وقبلهم شاه ايران وعيدى أمين . كلهم كان ملء السمع والبصر يحتل الإعلام بطغيانه ، ثم أصبح ضحية أمام الاعلام العالمى كله . وبموت أحدهم بلا توبة مقبولة من الله جل وعلا يكون خزيه ممتدا الى الآخرة ومؤبدا فى جهنم .

2 ـ الخزى يلحق بمن يقع فى الكفر القلبى الاعتقادى ، كمن ينسب لله جل وعلا شريكا أو ولدا وسيكون فى الخزى مؤبدا فى الجحيم  إذا لم يتُب ، يقول جل وعلا : ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) المائدة ). إن ماتوا على هذا الشرك العقيدى فلا مجال للغفران مطلقا : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )(48)(116)النساء)  

3 ـ يلحق الخزى بالكافرين المعتدين بسلوكهم إن لم يتوبوا ، قد يعنى الخزى هزيمة الكافرين المعتدين كقوله جل وعلا : ( أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمْ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ )(14)التوبة ) .فإن كفُّوا وتابوا غفر الله جل وعلا لهم ونجوا من الخزى: ( قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (38)) الأنفال )،

4 ـ ومثلهم البٌغاة الذين يقطعون الطريق ويقتلون الآمنين ، كما تفعل داعش فى عصرنا ، يقول جل وعلا عن عقوبتهم ، وكونها خزيا لهم فى الدنيا بالاضافة الى عذاب عظيم فى الآخرة : ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) المائدة ). يسقط هذا العقاب ويزول هذا الخزى لو تابوا بلا مقاومة ،يقول جل وعلا : ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34) المائدة )

5 ـ الخزى يلحق بالمنافقين إذا ماتوا بلا توبة ( يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (62) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (63) التوبة ). وسيكونون فى الدرك الأسفل من النار. إلا إذا تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله جل وعلا وأخاصوا دينهم لله جل وعلا :( إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (145) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (146) النساء )

أمثلة من الماضى للخزى المؤبد فى الدنيا والآخرة

1 ـ خزى الاهلاك فى الأمم السابقة

يقول جل وعلا عنهم ( كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمْ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمْ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26) الزمر ). ونعطى أمثلة :

قوم نوح كان الملأ المستكبر من قومه يتندرون عليه وهو يصنع السفينة، فيرد عليهم يخبرهم بما ينتظرهم من عذاب وخزى : ( وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39)هود ). الخزى هنا أن النبى نوحا عليه السلام والمؤمنين معه كانوا آمنين فى السفينة وهم يرون  الملأ المستكبرين المترفين من قومهم تأخذهم أمواج كالجبال ، يستغيثون دون جدوى حتى الموت غرقا.

قوم عاد استكبروا وتبجحوا ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فصلت ) فعوقبوا بعذاب أهلكهم وكان خزيا لهم :( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (16) فصلت) الخزى هنا أن النبى هودا والمؤمنين رأوا المستكبرين تحملهم الريح وتلقى بهم كأعجاز نخل خاوية ،هذا ونفس الريح لا تمسُّ المؤمنين بضرر. واستمر هذا العذاب أو هذا الخزى اسبوعا ، يقول جل وعلا : (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) الحاقة )

وأهلك الله جل وعلا ثمود،وانجى النبى صالحا عليه السلام والمؤمنين معه ، من الخزى أى العذاب الذى وقع بقومه ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) هود). الخزى هنا أن النبى صالحا  والمؤمنين معه رأوا الملأ من قومهم تأخذهم الرجفة يرتعشون حتى الموت  (فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) الاعراف )أصابتهم صاعقة فأخذوا يرتجفون حتى الموت فى الوقت الذى نجا فيه صالخ والمؤمنون : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18) فصلت ). تأمل وصف الصاعقة ب ( الهون ) أى الاهانة .!

 النبى شعيب حذّر قومه من نفس المصير الذى حاق بالأمم السابقة قال لهم : (وَيَا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (89 )هود ). كالعادة رفض الملأ المستكبر متمسكين بثوابتهم وما وجدوا عليه آباءهم ، فآذنهم بأن يرتقبوا هلاكا يكون لهم خزيا : ( وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (93)هود ) .ونزل بهم الهلاك ، وأنجى الله جل وعلا شعيبا والمؤمنين معه  ( وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتْ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) هود )أخذتهم الرجفة التى هلكت بها من قبل ثمود :( فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الاعراف ).

قوم يونس كانوا افضل حالا ، عارضوا متمسكين بثوابتهم ، ولكن لما رأوا إرهاصات العذاب والخزى سارعوا بالتوبة : ( فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98) يونس ).

 وتأسيسا على ما حدث من إهلاك السابقين وحالهم عند الخزى يقول جل وعلا  عن العرب المعاندين للرسول محمد عليه السلام : ( وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) طه )

عنصر الخزى هنا أن السادة المستكبرين الملأ المترفين المتنعمين يقع بهم العذاب أمام أعين المؤمنين المستضعفين ، يحاولون الهرب فى أسوأ حال فيأخذهم الهلاك ، ويقع بهم العذاب وحدهم دون أن يصيب المؤمنين بأذى ، يقول جل وعلا يصف فى صورة حية نابضة بالحركة ما كان يحدث للاكابر المتمسكين بالثوابت ، وهم ينزفون ويصرخون حتى الموت ( وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (14) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ (15) الأنبياء )

2 ـ وانتهى عصر الاهلاك العام بغرق فرعون ، وجاء عصر الاهلاك الجزئى لمن يقع فى فى تكذيب آيات الله ، مثل من يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضه ، يطبق منه ما يعجبه و ينكر ما لايعجبه : (  أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (86)البقرة ). وهذه عادة سيئة للملأ فى كل زمان ومكان الذين يستحبون الحياة الدنيا ومن أجلها يكفرون باليوم الآخر بسبب تمسكهم بما وجدوا عليه أسلافهم وآباءهم.

ومنهم الذين كانوا يؤمنون ظاهريا ثم يسارعون الى الكفر فى عهد خاتم النبيين عليهم جميعا السلام ، فيحزن الرسول عليه السلام ، وكان لا يملك سوى الحزن ، إذ ليس فى الاسلام عقوبة الردة التى إخترعها فيما بعد أئمة الدين الأرضى السُّنّى ، وكانوا سماعين للكذب آكالين للسحت شأن أئمة الأديان الأرضية ، وقد توعدهم الله جل وعلا بالخزى فى الدنيا والعذاب العظيم فى الآخرة . نفهم هذا من قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنْ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنْ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ )(42) المائدة )

وكان من قادة قريش بعد هجرة المؤمنين الى المدينة ـ من منع من بقى من المؤمنين فى مكة من دخول المساجد ، وأخافهم  ، فتوعد الله جل وعلا اولئك المعتدين بخزى فى الدنيا وعذاب عظيم فى الآخرة ، قال جل وعلا : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) البقرة ). والملاحظ هنا عمومية الخطاب ، فلم يأت هنا لفظ قريش أو مكة ، وإنما جعل رب العزة جل وعلا الأمر عاما يتوعد كل من منع مساجد الله جل وعلا أن يذكر فيها إسمه . ولقد عانينا من نظام مبارك الذى إعتقل أفرادا من أسرتى وبعضا من أهل القرآن بسبب أنهم يصلون فى بيوتهم بسبب هجرهم لمساجد الضرار والأذى الذى كانوا يلاقونه من القائمين على تلك المساجد الضرار . ورأينا مبارك فى خزيه فى المحكمة يخفى خزيه بنظارة سوداء ، يرقد ذليلا وضيعا محمولا على كرسى متظاهرا بالمرض ليستدر عطف الناس .!!

 وممّن ينتظره الخزى فى الدنيا وعذاب الحريق فى الآخرة أولئك الذين يجادلون فى آيات الله بغير علم ،وينكرها تمسكا بثوابته وما قاله أسلافه وما وجد عليه آباءه ، وهو يجادل متعجرفا ليضل الناس عن سبيل الله ، يقول جل وعلا : ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) الحج ), يقول جل وعلا : ( وَمِنْ النَّاسِ)، أى حيث يوجد ( ناس )  ( فمن الناس ) هذا الصنف . ولو أردت أن تعرفه فعليك بشيوخ الفضائيات ، شيوخ الأديان الأرضية . تأملهم جيدا وتدبر ما يقوله جل وعلا عن الخزى الذى ينتظرهم فى الدنيا وعذاب الحريق الذى أعده لهم رب العزة يوم القيامة .

الخزى فى الآخرة :

 بإيجاز يقول جل وعلا عمّن يموت كافرا : ( وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2)التوبة ). الخزى فى الآخرة افظع : (وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى )(16) فصلت) ، حيث لا تخفيف ولا إمهال ولا مهرب ولا مخرج ولا توبة ولا فرصة أخرى ولا موت ، بل عذاب ابدى وخزى خالد . وخزى الكافرين فى الآخرة له مراحل :

1 ـ الخزى يوم البعث : وجهاء الدنيا أصحاب المواكب والترف والنعيم سيبعثون بوجوه يغشاها السواد والذل يراهم الفائزون الذين ينجون من هذا الخزى والذُّل  ، يقول جل وعلا : (  لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنْ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) يونس ). هنا يكون الخزى للكافرين عند البعث ، ينظرون لأنفسهم وينظر اليهم المؤمنون الذين يسعى نورهم بين أيديهم وأيمانهم وقد أنجاهم الله جل وعلا بهذا النور من الخزى الأسود الذى حاق بالكافرين ـ يقول جل وعلا يدعونا للتوبة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) التحريم ). يوم البعث يكون البشر فريقين : فريق نجا من الخزى بالنور من حوله ، وفريق يحمل سواد الخزى والذل أمام الجميع ، يقول جل وعلا :( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) آل عمران ) (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)عبس ) ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25) القيامة ). فى مقدمة من تسود وجوههم أئمة الكفر ودُعاته الذين يجترون الأحاديث الضالة يكذبون بها على الله ورسوله ، ويزعمون أنها وحى، بل يتبجحون فيقولون أن هذا الوحى المزعوم هو الذى يفسّر القرآن وهو الذى يكمل القرآن ، أى يعلو على القرآن . يوم القيامة سيكون هؤلاء الكاذبون مسودة وجوههم : ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) الزمر ) . أُنظر الى شيوخ الأديان الأرضية وما حولهم من هالات الاستكبار ، وتخيلهم وهم ينظر اليهم من يعرفهم وقد إسودت وجوههم . ولذا فإن ابراهيم عليه السلام دعا ربه جل وعلا فقال : ( وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) الشعراء)

2 ــ الخزى فى لقاء الله جل وعلا : حين يسألهم رب العزة عن آلهتهم المزعومة التى كانوا يدافعون عنها ، والتى أسندوا اليها أكاذيب التحكم فى مُلك الله وفى يوم الدين ، والتى أخذوا التقديس الواجب لله جل وعلا وحده فأضفوه عليها . يسألهم رب العزة : اين شركائى فيصيبهم الخزى بالعجز عن الاجابة ، فيرد الأشهاد من الذين أوتوا العلم بأن الخزى والسوء على الكافرين :( ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ(27)النحل)

الخزى فى عذاب جهنم : هو أفظع الخزى .

تخيّل أحد الملأ المستكبرين فى الدنيا وهو يتجرع طعام الزقوم فيكون جمرا من نار يغلى فى البطون كغلى الحميم ، ويتم دائما قذفه من أعلى الى قعر الجحيم ،ثم تعود الدورة ، ويقال له على سبيل السخرية : ذق إنك أنت العزيز الكريم . يقول جل وعلا (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49) الدخان ). هذا خزى هائل , تخيل المستبدين وشيوخ الإفك فى هذا الموقف ، وتخيل خلودهم فيه .!!

تخيل الوجهاء المترفين المتنعمين الظالمين المستكبرين ، هواة الاستماع الى الطرب وشتى المُتع ، تخيلهم وهم يجأرون صُراخا ، وتدبر قوله جل وعلا فيهم : (حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ (67) المؤمنون ). ندعوهم فى هذه الدنيا الى كتاب الله فينكصون مستكبرين .!

المحمديون إتخذوا القرآن مهجورا ، والقاعدة الالهية هى أن من إهتدى فلنفسه ومن ضل فعلى نفسه ، وليس الرسول محمد عليه السلام وكيلا عن أحد وليس مسئولا عن أحد . قال له ربه جل وعلا : (إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنْ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (41) الزمر). لذا نقول لهم ما أمر الله جل وعلا رسوله الكريم أن يقول : ( قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (39) مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (40) الزمر ). أى ينتظرهم إن لم يتوبوا عذاب مقيم خالد ممزوج بالخزى .

المؤمن يؤمن أن العذاب فى جهنم هو خزى فى حد ذاته : ( رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) آل عمران )، لذا يدعو ربه جل وعلا ألا يخزيه يوم القيامة : ( رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) آل عمران )

يزيد فى عذاب الخزى عاملان :

1 ـ أن أصحاب الجنة بإمكانهم أن يروا ما يحدث لأصحاب النار، وأن يحادثوهم ويبكتوهم . فالجنة مفتحة أبوابها : ( جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمْ الأَبْوَابُ (50) ص ). أما النار فهى مقفلة على أصحابها ، يقول جل وعلا عمّن يكفر بآيات الله جل وعلا : ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19) عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20) البلد )، وعن النار يقول جل وعلا : (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُوصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)  الهمزة ). أهل النار لا يستطيعون الخروج منها :(يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (37) المائدة ). وكلما حاولوا الهرب منها لاحقتهم ملائكة العذاب بمقامع من حديد ، يقول جل وعلا :( فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمْ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (22) الحج )(وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمْ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20)السجدة ).

بإمكان أهل الجنة بأبوابها المُفتحة أن يذهبوا الى اى مكان ، بل أن يتواصلوا مع أهل النار ويرونهم دون أن تمسهم النار . اهل الجنة يتعارفون ويتحدثون فيما بينهم عن ذكرياتهم فى الدنيا ، فيتذكرون مكر الكافرين بهم . يتذكر واحد من أهل الجنة رفيقا  له فى الدنيا كان كافرا يحاول إضلاله ، ويذهب اليه وهو فى النار يؤنبه . يقول جل وعلا : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنْ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) الصافات ).هنا خزى هائل يقع بالأشخاص العاديين من أصحاب الجحيم ، حين يرى معارفهم من اهل الجنة العذاب الذى يحيق بهم فى جهنم .

ونحن نعرف أن هناك الملأ المستكبرين من الأمم السابقة ، ونسمع عن شخصيات تاريخية (عظيمة ) بالمقياس الدنيوى ، فتحوا البلاد وقهروا العباد . ولو كنت من أهل الجنة سيُتاح لك رؤية أولئك الذين كانوا عظماء وهم فى جهنم . فياله من خزى .

2 ـ يضاف الى ذلك أنه ( عرض مستمر للخزى) أى عذاب خالد بخزى خالد . لو كنت من أهل الجنة سيُتاح لك أن ترى فى جهنم  الزعيم المفدى والزعيم الخالد والرئيس القائد والخليفة الراشد والخليفة الفاتح والإمام الأكبر وروح الله وآية الله والامام الأكبر وشيخ الاسلام وفضيلة المفتى وصاحب السعادة وصاحب النيافة وأمير المؤمنين وأمير المسلمين وشيخ العارفين وسائر أصحاب الألقاب المقدسة والمناصب العليا أصحاب العزة والرفعة ، من أئمة الظلم وقادته ..  ستراهم فى معروضين فى عرض للخزى خالد ، حيث العذاب لا ينقطع ، تراهم وهم يصطرخون فى جهنم يرجون التخفيف أو الخروج فيأتيهم الرفض : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)  فاطر ).ترى الذى كان ( سيدا محترما ) فى الدينا تنحنى له الجباه ، تراه وهو فى جهنم لا يستطيع أن يحمى وجهه وظهره من حمم النار ، تحاصره من كل مكان ، تتوالى بغتة عليه فلا يستطيع لها ردا ، ولا مجال للراحة أو التوقف: (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمْ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (39) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ (40)الأنبياء ).. يتفرج عليه من أهل الجنة من كان يعرفه أو يسمع عنه ، فيزداد خزيه .!.

تخيل محكوما عليه بالعذاب فى هذه الدنيا ، معروضا امام الناس فى الشارع أو فى ميدان عام ، ينظرون اليه ويتأملونه .!.. تأمل مدى الخزى الذى يعانيه ؟ عذاب الأخرة أفظع ، والخزى فيها أشد .

أخيرا

1 ـ طالما أنت فى هذه الدنيا حىّ ترزق فلك مطلق الحرية فى الايمان أو الكفر ، ولكنك مسئول عن حريتك هذه ، تستطيع أن تشاء أن تكون من أهل الجنة بإيمانك وعملك الصالح فتتمتع خالدا فيها ، وتستطيع بمشيئتك أن تكون من أهل النار فيحلُّ بك العذاب الأبدى والخزى اللانهائى. يقول جل وعلا : (وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً (29) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً (30) أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً (31) الكهف )

2 ـ لهذا فليس فى الاسلام إكراه فى الدين ، وليس فيه ( حد الردة ) المزعوم . يكفى من يموت كافرا ما سيلقاه من عذاب لا نهاية له ، ومن خزى لا مثيل له .

اجمالي القراءات 10764