كما هو معروف عنهم شدة دفاعهم عن الرجل، لدرجة أن يتهموا كل طاعن أو مخالف للبخاري بالزندقة والحرب على الإسلام، ولا يعترفوا بأي فكرة ولو منطقية تعارض هذا التوجه، وحين يفشلوا في الرد على الشبهات والعلل التي تنسف صحيح البخاري يلجأون فوراً للف والدوران..والتأويل والتقعير والتدوير في سبيل إحباط قواعد وأدلة الخصوم..حتى لو كان سلوكهم هذا باطلاً ولا يقعنهم على المستوى الشخصي..
السؤال هنا: لماذا الأزهر والسلفيون يتمسكون بالبخاري ؟
الجواب: أنهم وجدوا أن صفات الله والقول بقدم القرآن وقت صراعهم مع المعتزلة ..كل هذا سينتهي فور الطعن في هذا الكتاب، وفي هذا الرجل بالتحديد الذي كتب كتاباً آخر وهو.."خلق أفعال العباد"..يرد فيه على المعتزلة ويهدم دينهم بالرواية دون مناقشة أدلتهم عقلياً، ولذلك شاع في مذهبهم أن استعمال العقل في أضيق الحدود..والاعتماد أكثر على الروايات المدسوسة والتي ظهرت خصيصاً في هذه الأجواء.
بمعنى أوضح
أن قبولهم الطعن في البخاري يهدم كل علومهم التي بنوها على مقولة.."قدم القرآن"..وأهمها عقائد.."الناسخ والمنسوخ"..و.."عدالة الصحابة"..و.."حجية السنة/الحديث"
أولا: فهدم عقيدة الناسخ والمنسوخ يعني لديهم أن القرآن وحدة متكاملة، لا بطلان لآية ولا استبدال لأخرى، ولأنهم رأوا تعارضات ظاهرية في القرآن..رأوا أن الحل الوحيد لفهمها هو القول بالناسخ والمنسوخ..وبالتالي ليس لديهم حل سوى طريقين اثنين لو فسد البخاري : إما التأويل الباطني كما فعل الإسماعيلية، وإما الوقف الظاهري كما فعل الظاهرية، وفي كلا الأمرين لديهم ضلال يؤدي إما إلى التشبيه أو إلى التعطيل.
لأن الطريق الآخر وَعِر وهو طريق المعتزلة الذين قصّروا على أنفسهم المسافات واستراحوا من عناء التأويل وقالوا بخلق القرآن، وهو المعنى الأصيل لمفهوم.."التاريخانية"..الذي تبناه العديد من مفكري وفلاسفة المسلمين المعاصرين كنصر أبو زيد وفرج فودة وغيرهم.
ثانياً: سيهدم عقيدة.."عدالة الصحابة"..وهو ما يعني سقوط كل مفاهيم ومفردات.."علم الحديث"..القائمة على عدم رد أي حديث يثبت وصله لصحابي، وحسب تعريفهم للصحابة أنه كل من رأى الرسول ولو ساعة..وعليه فقاعدة الراوية لديهم ضخمة حسب الأعداد المستحقة لهذا التوصيف التي وصلها البعض لمئات الآلاف من الصحابة، وعليه .لو اهتز البخاري هدمت هذه القاعدة بالكامل وانهار معها علم الحديث بالكلية.
السبب في هذا المأزق لديهم أنهم اعتبروا أن كتاب البخاري صحيح بالكامل، بل هو أصح الكتب بعد القرآن، وتغنوا بهذه المقولة الساذجة التي ورطتهم بعد شيوع عصر الاتصالات والمعلومات، ولم يكن بخلدهم أن يظهر من ينادي بما نادى به المصلحون قديماً..
كذلك فهدم عقيدة عدالة الصحابة سيكون في صالح خصومهم الأبديين وهم الشيعة الإمامية، ولأن خلافهم مع الشيعة بالأصل سياسي أصبح دفاعهم عن البخاري يكتسب لمحة سياسية عصبوية خشية وقوع سيدهم الأكبر وانتصار الشيعة عليهم.
ثالثا: حجية السنة ستكتسب معنىً جديد بطرح سؤال قديم وهو.."ما هي السنة" ؟..لو كانت السنة هي الحديث فلا سنة بعد اليوم، لبطلان الناسخ والمنسوخ وعدالة الصحابة من قبل..وبالتالي فالسؤال سيظل قائم والهدف من ورائه هو إعادة تعريف للسنة يضع علومها بشكل أدق وأوسع مما كانت عليه..بحيث ستضم السنة مفاهيم قرآنية وعقلية..وسيُصبح الاعتماد على الراوية وعلوم الحديث في أضيق الحدود..بل ربما ينتهي تماماً إذا أسقط العقل مفهوم السند واعتباره حجة دينية.
هذا يعني أن دفاعهم عن البخاري هو دفاع عن منهج شامل ودين متكامل يصعب عليهم تركه، وإلا فالبديل هو قبولهم بما نشأوا عليه بأنه بدعة وزندقة وخلافه...لأن الإنسان بالعموم يصعب عليه تحمل مسئولية أخطائه، وسيُفهم أن الطعن في البخاري هو معاقبتهم على خطاياهم مع المعتزلة أو مع الشيعة أو الفلاسفة منذ قديم الأزل.