كتاب : أثر التصوف السياسى فى الدولة المملوكية
الفصل الثاني : استفادة الصوفية سياسياً
مقدمة
1 ـ أسهم الصوفية في السياسة المملوكية إلى درجة يمكن معها اعتبارهم جزءاً من النظام المملوكي ..والمشاركة السياسية فى النظام المستبد تعني أن ينال كل شريك حظه في الاستفادة على حساب المحكوم. ومن الطبيعي أن ينال المماليك نصيب الأسد من الاستفادة ويتركوا الباقي لأعوانهم الصوفية شأن أتباع المستبد القانعين بالفتات، ولكنها استفادة ـ على كل حال ـ يكفي في بيانها أنها سمحت للصوفية بالوصول للمناصب على حساب أعدائهم من الفقهاء السنيين ، ثم استخدموا نفوذهم في حرب خصومهم من الفقهاء السنيين والأقباط مع تأكيد ذلك النفوذ على الساحة الشعبية عن طريق الشفاعات لدى أولى الأمر من المماليك..
2 ــ الأهم ، إن الصوفية نعموا بالأمن والغُنم في أحضان السلطة الحاكمة الظالمة وعلى حساب الشعب ومعاناته، وتمتعوا ـ مع ذلك ـ بتقديس الرعية وحبها، بينما افتقد المماليك ذلك الإحساس الشعبي. ولا أدل على ذلك من أنه إذا كانت الدولة المملوكية قد انتقلت إلى متحف التاريخ ومجلداته فإن دولة الصوفية المملوكية لا تزال حية في نفوس الشعب حتى أن القارئ لهذا الكتاب وما سبقه يُصدم بما ورد فيه من حقائق تناقض ما ترسب في الضمير المصري بتتابع القرون من تقديس الصوفية والإشادة بهم . هذا في الوقت الذي يرتبط فيه ذكر المماليك بالاستبداد والعسف..
3 ـ هذا ، وسنعرض في هذا الفصل إلى النواحي التي أفادت الصوفية سياسياً مع ذكر الناحية الأخرى من الاستفادة وهي بناء المماليك لحلفائهم الصوفية الخوانق والربط والزوايا.. الخ .
التصوف طريق للوصول للمناصب والنفوذ والمشاركة في السياسة المملوكية ـ
1 ــ بانتشار التصوف وعلو نفوذه في العصر المملوكي ازداد عدد الداخلين فيه وقد أطمعهم في اتخاذه طريقاً للوصول للنفوذ والمناصب السياسية .وأعانهم في طريق الوصول اعتقاد العصر ـ حكاماً ومحكومين ـ في معرفة الصوفية للغيب أو (الكشف) ــــ كإحدى لوازم التصوف ـــ فصارت مزية للصوفي في عصر تميز بالاضطراب السياسي وافتقر فيه الحكام والمحكومون للأمن والخوف مما يخبئه الغد ، فشغفوا باستكشاف المستقبل المجهول ومعرفته ، وبالتالى أصبح الكشف الصوفي عنصرا أساسيا في الفتن المملوكية سنعرض له في حينه ووصل به دعاته للنفوذ ،وبه انتهوا أيضا ..
2 ــ والمهم أن الصوفية الواصلين لم يختلفوا عن سادتهم المماليك في الفساد والإفساد بل ربما فاقوهم سوءا ، بادعاء ما ليس في طاقة البشر ألا وهو علم الغيب . أو ادعاء ما ليس في طاقتهم ـ وهو الصلاح والتقوى .
على أن بعضهم لم يقنع بالوصول إلى أعلى المناصب المدنية والدينية في الدولة المملوكية العسكرية ولكنهم انغمسوا في السياسية المملوكية نفسها مع السلاطين والأمراء وما تعنيه تلك السياسة من فتن ومؤامرات ودماء فأصبحت مؤسساتهم الصوفية ملتزمة بتقديم نصيبها من المكسب والخسارة ، كمسرح للمؤامرات والثورات..
3 ــ وسنعرض لذلك بالتفصيل .
استغلال التصوف طريقاً للوصول للمناصب والنفوذ السياسي.
1ـ غنى عن البيان أن "القضاء" من اختصاص الفقهاء السنيين، إلا أن الصوفية ـــ برغم جهلهم ــ زاحموا الفقهاء فيه واحتكروه حتى صار القضاء سيفاً مسلطاً على خصوم الصوفية من الفقهاءن ولا أدل على ذلك من موقف القضاة الأربعة من ابن تيمية (الفقيه) والبقاعي (الفقيه) ..
وصار التصوف طريقاً مضموناً للفوز بمنصب قاضي القضاة ، ومن أبرز من سلك هذا الطريق ابن ميلق الشاذلي ، الذي تزيا بزى الفقراء وأظهر الصلاح ووعظ وعمل المواعيد فتبرك به الناس وصار له مريدون فألبسه الظاهر برقوق تشريف القضاء بيده وأخذ طيلسانه تبركاً به . ومن المضحك أن الناس (خافوا ولايته ظناً منهم أنه سيحملهم على محض الحق وطريق السلف إلا أنه ما لبس أن عزل جميع قضاة مصر من العريش إلى أسوان ،وأعاد بعضهم بالواسطة بعد يومين ثم خلع زى الفقراء ولبس الغالي الثمين وترفع في مقاله وشح في العطاء ولاذ به جماعة غير محببين من الناس[1].
وبشَر شهاب الدين الأرموي الأمير برسباي بالسطنة ـ وكان في السجن ـ فلما تولى السلطنة اعتقد ولايته وولاه القضاء (ولم يسمع فيه كلاماً لأحد مع شهرته بسوء السيرة ومزيد الجهل والتجاهر بالرشوة حتى حصل من ذلك مالاً جزيلاً )[2]، وسنعرض لأصحاب الكشف فيما بعد، والمهم أن لوازم التصوف فتحت الطريق لمنصب القضاء أمام الصوفية، ولم يتعفف عنه كبار الصوفية مع ما تمتعوا به من جهل فى الفقه ، إلا أن عملهم بالقضاء كان يظهرهم على حقيقتهم كما سبق القول في ابن ميلق والأرموي..
وقد تولى ( شيخ الاسلام ).!! " زكريا الأنصاري"" القضاء (فكانت ولايته) على حد قول السخاوى(على المستحقين نقمة وجهالته في تصرفاته على المستحقين المسلمين غمة ، بحيث أعادت محبة الناس فيه عداوة ، وزادت الرغبة إلى الله بزواله عقب الصلاة والتلاوة )[3]، وزكريا الأنصاري يعترف بنفسه للشعراني يقول (توليتي للقضاء جعلتنى وراء الناس مع أني كنت مستوراً أيام السلطان قايتباي )[4]، والمشهور عن زكريا الأنصاري أنه من الفقهاء وأنه (شيخ الإسلام) ولكنه صوفي اتحادي كتب في تعظيم ابن عربي حتى عذله السخاوي مرة بعد أخرى (فما كفّ بل تزايد)[5] ، فهو يمثل قمة السيطرة الصوفية على الفقهاء، يقول فيه الشعراني (.. وقال لي مرة من صغري وأنا أحب طريق القوم ـ الصوفية ـ وكان أكثر اشتغالي بمطالعة كتبهم والنظر في أحوالهم حتى كان الناس يقولون هذا لا يجئ منه شئ في علم الشرع) وأراد أن يظهر تصوفه (فأشار عليه بعض الأولياء بالتستر بالفقه)[6]، ولمكانته بين الصوفية والفقهاء ولى القضاء فانكشف أمره وكان (مستوراً) ..
2- ويبدو أن انتحال التصوف طلباً لمنصب قد صار طريقاً مشهوراً نلمح ذلك من نبرة المؤرخين ـ خاصة الفقهاء المسالمين للصوفية كإبن حجر الذى يقول : ( وأظهر عبد العزيز بن جماعة التقشف الزائد لأصحاب السلطان فتولى القضاء)[7] وقيل عن القاضي السباطي ( أنه كان يظهر للناس نسكاً على وظيفة وعد بها)[8] ولولا هذا الوعد بالمنصب لما كان النسك والتصوف .
وفي تاريخ حياة القاضي ابن خالد البساطى ارتباط بين لوازم التصوف وتدرجه في المناصب، فقد تصوف حتى ناب في القضاء ، ثم تقشف وبذل طعامه للواردين وكثر مريدوه وادعى الاجتماع بالخضر وسعى لتولي القضاء فرقي إلى منصب قاضى القضاة سنة 778[9].
3ـ وبازدهار التصوف قدم لمصر كثير من الصوفية الأعاجم ومن شمال أفريقيا فتولوا بالتصوف منصب (قاضي القضاة) كالهروي الذي ( تزيا بزي الفقراء وتنقل في قضاء القضاة ومناصب أخرى)[10] وقيل في قاضي القضاة القصيري أنه قدم من الروم على هيئة الفقراء وخدم بالمدرسة الضرغتمشية حتى اشتهر بالتصوف فصار قاضياً للقضاة[11] ..
4 ـ وتنافس القادمون مع الآخرين للحصول على المناصب واستخدموا أسلحتهم (الصوفية) من منامات ادعوا كذبا رؤيتها تؤيد وجهة نظرهم ، وانقلب السحر على الساحر ، مثل (كائنة سرور المغربي) القادم من تونس إلى الإسكندرية ثم إلى القاهرة وتبع الرؤساء ثم ادعى كذبا أن الرسول عليه السلام ـ في رؤيا منامية ـ فقأ عين كاتب السر وقال له : أفسدت شريعتى وآتت هذه الدعوة أكلها في عصر يعتقد في المنامات فكان أن عزل كاتب السر, فافتخر سرور بمسعاه ونقل أعداؤه ذلك للسلطان فنفاه وأعيد إلى تونس[12].
5ـ ونالوا مناصب سياسية أخرى . فالهروى تقلب في وظائف غير قضاء القضاة وكان يغير زيه مع كل منصب جديد[13] وساعدهم في ذلك المنصب الأول ـ القضاء ـ وتوثيق صلتهم بالحكام .. فوصلوا إلى مناصب خطيرة مثل كتابة السر والأستادارية[14] والحسبة ). أو ربما يقنع أحدهم بالقرب من ذوي السلطة متمتعا بنفوذه بلا منصب رسمي . فمن الذين تولوا منصب الأستادارية كان ابن أصغر وقد بدأ فقيراً صوفياً ثم خدم بعض الأمراء إلى أن وصل الأستادارية للظاهر برقوق[15] .. وأكثر ابن المغيربي من معاشرة المماليك (فراج أمرهم عندهم لاسيما مع انتسابه للفقراء) إلا أنه كان مدعياً فوصف بأنه( كثرت فيه الشكوى إذ كان يأكل الدنيا بالدين)[16] ..
6ـ وبرز القادمون من الصوفية في هذا المجال أيضا فالصوفي نصر الله العجمي ( قدم مصر على هيئة المتجردين ومعه جماعة من المريدين، واختلط بالأمراء فاعتقدوه اعتقادا عظيماً، واستحوذ على كثير من الأموال منهم وعرضت عليه كتابة السر فأبى مكتفياً بإنعام السلطان والأمراء عليه)[17]. وكان نصر الله العجمي بعيد النظر إذ ابتعد بنفسه عن مسرح الفتن متمتعا مع ذلك بالشهرة والنعيم والنفوذ أما نظام الدين العجمي الصوفي فقد اتصل بالمؤيد شيخ فولاه ناظرا للأوقاف (وساءت سيرته واشتهر بأخذ الأموال)[18].
وقدم يار على العجمي مصر في سلطنة برسباي ماشيا لا يملك القوت اليومي ولأن مصر كانت جنة الصوفية الأعاجم خاصة فقد لاقى يار علي كثيرا من الترحيب فأنزله الأمير سودون عنده وبنى له جامعا. ووثق صلته بالأتابك جقمق ـ قبل أن يتسلطن ـ فلما تسلطن جقمق جعله من اخصائه فولاه الحسبة وعظم شأنه وأثرى مع محافظته على زى الفقراء[19].
7ـ وتدخل بعضهم مستغلا نفوذه في تعيين اخصائه في المناصب الهامة أو توصيلهم للسلطان كما فعل يار على العجمي سالف الذكر مع الشريف أسد الكيماوي. وكان أسد هذا يدعي علم الكيمياء ـ وتعني تحويل المعادن الخسيسة إلى ذهب ـ فمهد له يار على عند السلطان جقمق فوثق به السلطان وصار أسد الكيماوي يتحكم في السلطان وحاشيته حتى أن السلطان أمر أعيان المباشرين بالتردد على الكيماوي وكلما دخلوا عليه لم يلتفت إليهم ( بل كلمهم على لسان ترجمانه بتعاظم زائد..)[20]. ونصر المنبجي الصوفي الشهير في سلطنة بيبرس الجاشنكير توسط في تعيين أحد اخصائه سفيراً للدولة وهو التاج ابن سعيد الدولة[21] ..
8ـ وغنى عن الذكر وجوب أن يكون منصب شيخ الخانقاه أو المدرسة وظيفة مهنية يقوم بها المتخصصون إلا أنها تحولت على يد أولئك الوصوليين إلى مجرد منصب كبير يتساوى مع الوظائف الأخرى في إمكانية تعيين الآخرين فيه وانتقالهم إليه أو جمعهم بينه وبين الوظائف الأخرى، مثل ابن الأشقر ت 863 الذي كان شيخا للشيوخ بخانقاه سرياقوس ثم تولى نظارة الجيوش ثم كتابة السر[22]. وشرف الدين الأشقر ت 791 الذي قرره الظاهر برقوق إماماً عنده فتقدم في دولته فولاه قضاء العسكر ومشيخة الخانقاه البيبرسية ,ومع أنه لم ترو في ترجمته أي علاقة بالتصوف[23]..
9ـ وادعى بعهضم معرفة الغيب أو (الكشف) وهو ما ساد الاعتقاد في جدواه في العصر المملوكي، فاستغل بعضهم الظروف السياسية السائدة في العصر المملوكي حيث الطموح لدى كل أمير مملوكي والخوف من مؤامرات الأعداء لدى كل سلطان ، وفي هذا الجو المضطرب بالفتن كان بعض الطموحين من الأمراء ينتظر تبشير أحد المدعين للكشف ـ أو معرفة الغيب ـ له بالسلطة لكي يشحذ همته للوصول للسلطة ، وعندما ينجح ذلك الأمير في الوصول للحكم يعتقد في ولاية شيخه الذي تنبأ له ويقربه منه ويسمع له ويطيع .. أما إذا فشل فسيكون القتل أو الابتعاد عن المسرح نصيبه فيختفي وتختفي معه نبؤة الصوفي بالسلطة ، وهكذا ، أفلحت تلك اللعبة وبها وصل كثيرون من أدعياء الكشف في العصر المملوكي وأشهرهم في هذا المجال الشيخ خضر العدوي الذي بشر الأمير بيبرس بتولية السلطة فاعتقده وقربه وزاد نفوذه في عهده[24]..
وعن هذا الطريق توصل قطب الدين الهرماس للسلطان حسن وعلا شأنه معه حتى صار يدخل عليه بلا إذن[25] , واشتهر القاضي شهاب الدين الأرموي المالكي بسوء سيرته وجهله إلا أن السلطان برسباي لم يسمع فيه أحداً لأنه كان يعتقد ولايته حيث بشره بالسلطنة وكان وقتها في السجن[26], مع أن ما قام به شهاب الدين قام به آخر من المماليك كان رفيقا لبرسباي في نفس السجن وهو تغرى بردى المحمودى الذي رأى مناماً يدل على سلطنة برسباى فبشره به وعاهده برسباي أن يقدمه إذا تسلطن [27]. (وبشر أحدهم قايتباي بالسلطنة قبل أن يليها بزمن)[28] .
10ـ واحتفى الأمراء الطموحون (للسلطنة) بأولئك الصوفية من أدعياء علم الغيب " الكشف "، على أمل أن يتحقق لهم حلم السلطنة فكان للشيخ كمال الدين النويري ( قبول زائد عند الأمراء سيما جانم الأشرفي قريب برسباي فإنه كان عنده في أوج العظمة والكمال ويرجع إليه ويصغي لقوله... وكان بشره بأن يصير إليه الأمر أي يتسلطن ..)[29]، أي أن ذلك الأمير طمع في السلطنة بعد برسباي لتقدمه في دولته وقرابته منه وعُرف ذلك عنه، فبشره النويري بالسلطنة. ومع ذلك فلم يكن له في الملك نصيب ، لأن برسباي عهد لابنه وتسلطن بعده جقمق ولم يعد للجانم الأشرفي من ذكر .
11ـ ومن الطبيعي أن يكون ذلك الكشف المزعوم من عوامل إثارة الفتن خاصة في أوقات الاضطراب السياسي ـ وسنتعرض له فيما بعد ـ والمهم أن الضرر أصاب بعض أصحابه من أتباع المغلوب مما حدا ببعضهم بإيثار التريث في تبشيره إلى أن تتبين له الكفة الراجحة، فالظاهر تمربغا بمجرد جلوسه على العرش زعم له أحدهم أنه سمع بسلطنته قبل ذلك بغزة ودمشق[30]... وفي هذا السلامة ..
12ـ وامتد ادعاء الكشف إلى نواحٍ أخرى تهم السلطان القائم ليحيط الصوفي برعايته ، كالتبشير بالنصرة على العدو مثلما حدث لبرقوق حين تجهز لحرب تيمورلنك فادعى أحدهم مناما رأى فيه النبي عليه السلام يبشر برقوقا بالنصرة وجعل على تلك الرؤيا إمارة، ويعلق ابن حجر على تلك الواقعة بقوله: والذي يظهر لي كذب هذا الرائي .. وإلا فلو كان صادقاً لكان قد انتصر والواقع أنه لم يقع له قتال لأحد[31]) ويذكر أن السلطان صدق ذلك الرائي وأعطاه مالا رده ذلك الدعي إظهاراً للتقشف إذ كان يطمع في الوصول لا مجرد المال وكان أن خسر ذلك الهدف برجوع السلطان بلا حرب أو انتصار أو هزيمة ..
13- ومع ذلك فإن برقوق كان من أكثر المماليك فطنة في تعامله مع الصوفية ويكفى أنه أبرز من استخدمهم في بناء دولة الجراكسة . ولذا كان برقوق يعاقب من يتحايل عليه بالتصوف وقد حدث أن جاءه أعجمي يخبره بأن النيل لن يزيد شيئاً واتفق أن النيل زاد زيادة عظيمة فقبض برقوق على الأعجمي وضربه وأشهره على جمل ونودي عليه (هذا جزاء من يكذب على الملوك ).[32] ، واختلف الحال مع قايتباي فقد أخبره أحدهم بأن شاه سوار الخارج عليه قد هزم وأشاع آخر الخبر في المدينة ولم يصح الخبر ومع ذلك فإن قايتباي قد تفاءل به واعتبر ابن الصيرفى المؤرخ ذلك الكشف الكاذب كرامة[33]..
14- ولا ريب أن أولئك الأدعياء قد استفادوا من اعتقاد العصر في نسبة الكرامات وعلم الغيب إليهم من دون البشر جميعاً مهما أخطأوا، فحرص بعض الأدعياء على الوصول بتلك المزاعم إلى دائرة النفوذ عند السلطان وذلك مثل القاضي ابن خلكان الذي كان كلما طولب ببرهان على ما يدعيه من وحى وكشف لم يأت به ، وعقدت له المجالس لامتحانه في ذلك وأثبتت كذبه وهو مع ذلك لا يكف عن محاولته الاجتماع بالسلطان ومصر على دعواه بأنه حكيم الزمان وأنه اطّلع على العلوم الكثيرة ومعرفة الطلاسم وهزيمة العدو بها إلى غير ذلك دون إثبات أو برهان [34] .
15- وتخصص بعض أولئك في علم الحرف أو معرفة الغيب عن طريق حساب الأعداد والحروف ، وقد حظوا بقدر كبير من التقدير، مثل ابن زقاعة الذي كان معظماً في دولة الظاهر برقوق وابنه الناصر فرج [35] ، ويبدوا أن دولة برقوق شهدت رواجاً لأصحاب علم الحرف كالشيخ ابن على الحرفي الذي "أصبح من خواص برقوق لعلمه بالحرف[36] " ، وكان برقوق على عادته حريصاً معهم فجرت له كائنة مع الشيخ أسلم " قيل أنها بسبب معرفته بعلم الحرف "[37] .
16- وفي هذا الجو استفاد المنجمون من وضع أولياء التصوف والحرف فراج أمرهم تبعاً لهمن مثل ابن الشاهد المنجم الذي (راج أمره عند الظاهر برقوق فولاه مشيخة الطريقة وانصلح حاله [38] ) وبعد برقوق استمرت مكانة المنجمين أسوة بأصحاب الكشف الصوفي المزعوم ( فكان أكثر الفلكية يبشر شيخ بالسلطنة )[39] ، وطبعاً من المنتظر أن يحدث هذا لأن شيخ كان نجمه في صعود وهو مرشح للسلطنة ..
[1]ـ المنهل الصافي : مخطوط 5/ 17 ، تاريخ ابن الفرات 9/2/ 423 ، النجوم الزاهرة 12 / 146 .نزهة النفوس 1/419 .
[2]ـ الضوء اللامع 1/ 369 : 370 .
[3]ـ الضوء اللامع 3/238 .
[4]ـ الطبقات الصغرى: 41.
[5]ـ الضوء اللامع 3/234 ،41 الغزي. الكواكب السائرة : 1/203 .
[6]ـ الطبقات الكبرى 2/ 111 .
[7]ـ رفع الأصر عن قضاء مصر 354 .
[8]ـ رفع الأصر عن قضاء مصر 354.
[9]ـ شذرات الذهب
[10]ـ المقريزي السلوك 4/2/ 565 ،670 ، 671.
[11]ـ المنهل الصافي :مخطوط 5/ 359 :360 .
[12]ـ أنباء الغمر 3/ 303 حوادث 826 .
[13]ـ السلوك 4/2/ 565 ، 670 ،671 .
[14]ـ الأستادارية: وظيفة من أرباب السيوف يتولى صاحبها شئون بيت السلطان من المطابخ والشراب والحاشية والغلمان.
[15]ـ المنهل الصافي مخطوط 5/ 357 :358 .
[16]ـ التبر المسبوك للسخاوي 48 .
[17]ـ عقد الجمان وفيات 833 ، السلوك 4/2/847 .
[18]ـ السلوك 4/1/ 515 .
[19]ـ المنهل الصافي مخطوط 4/212 :214 ، النجوم الزاهرة 16/ 194 : 195 .
[20]ـ التبر المسبوك 212 ، حوادث الزهور 33 .
[21]ـ تاريخ ابن كثير 14/57 .
[22]ـ النجوم الزاهرة 16 / 204 .
[23]ـ النويري نهاية الأرب مخطوط 28 /120 ، تاريخ ابن كثير 13 / 278 .
[24]ـ السلوك 3/1/11 ، الدرر الكامنة 4/ 253 .
[25]ـ إنباء الغمر 3/ 502 : 504 .
[26]ـ إنباء الغمر 3/502 :504 .
[27]ـ السلوك 4/2/742 .
[28]ـ العيدروس 0 النور السافر 14 .
[29]ـ إنباء الهصر 0 وفيات 873 .
[30]ـ إنباء الهصر 0وفيات 873 .
[31]ـ إنباء الغمر 1/ 470 .
[32]- تاريخ ابن إياس 1/2/ 287 .
[33]أنباء الهصر 365 ،363، 367 .
[34]- النوير، . نهاية الإرب مخطوط 30 /24 :25 .
[35]عقد الجمان . مخطوط وفيات 816 ، ذيل الدرر الكامنة مخطوط رقم 136 .
[36]-تاريخ ابن إياس 1/2 /693 .
[37]- ذيل الدرر الكامنة 17.
[38]- ذيل الدرر الكامنة 11 .
[39]- تاريخ ابن إياس 2/20 تحقيق محمد مصطفى.