الباب الثانى الفصل 4
ßÊÇÈ الصيام ورمضان : دراسة اصولية تاريخية
دجال يخدع السلطان

في السبت ٢٣ - نوفمبر - ٢٠٢٤ ١٢:٠٠ صباحاً

دجال يخدع السلطان

*في يوم الخميس 17 رمضان قدم مصر الشيخ يوسف الكيماوى في سلطنة الناصر محمد بن قلاوون سنة 730هـ ، وسبقته شهرته لمصر وللسلطان ..
في ذلك الوقت كانت الكيمياء تعني المقدرة على تحويل المعادن الرخيصة إلى ذهب عن طريق الكرامات أو القوة النفسية ، أي كانت طريقة للتحايل على الناس ، ولكنها كانت تتمتع بتصديق الناس لأنها ارتبطت بالكرامات في عصر كان يعتقد في الكرامات وأساطير المعجزات والخوارق التي يدعيها محترفو المشيخة ، وكان منهم صاحبنا الشيخ يوسف الكيماوي الذي اكتسب لقبه من حرفته الكيمياء.

*يقول المقريزي عن هذا الرجل أنه كان نصرانياً من الكرك ــ الأردن ــ فأسلم ، ثم مضى إلى صفد ، وقابل أميرها بهادر وأظهر له التقوى ، فاعتقد فيه الأمير بهادر وصدق دعاويه ، وأنفق عليه أمواله على أمل أن يقلب له المعادن ذهبا حقيقيا ، فلما يأس منه بعد مدة عرف حقيقته فأدخله السجن وبعدها أطلقه. وخرج يوسف الكيماوى إلى دمشق وعرض على أميرها بضاعته ، ولكن الأمير تنكز نائب السلطان في الشام وواليه على دمشق كان لديه علم بذلك الدجال فأمر بشنقه فصاح يوسف قائلاً " أنا جيت للسلطان حتى أملأ خزائنه ذهباً وفضة". وعنئذٍ خاف الأمير تنكز أن يشنقه فيتهمه أعدائه بأنه أضاع على السلطان فرصة كان يمكن أن تنجح ، لذا اضطر إلى إرساله إلى السلطان في القاهرة مع البريد ومعه بعض الثقات من أتباعه ورسالة فيها التحذير للسلطان من ألاعيب ذلك الرجل ودهائه .
* ولما وصل الشيخ يوسف للسلطان الناصر محمد استمع إليه وأصغى إليه ، وفى ذلك الوقت كان الناصر محمد واقعاً تحت تأثير التصوف ورجاله بعد أن انقلب على صديقه السابق الإمام ابن تيمية وسجنه ، وبعد أن اصطلح مع الصوفية وأنشأ لهم خانقاه سعيد السعداء ، وأعطى أذنه لأشياخ الصوفية يلقون فيها بأساطير الكرامات ، ومن هنا كان سهلاً أن ينخدع السلطان بأقاويل الشيخ يوسف الكيماوى ويعرض عن تحذيرات الأمير تنكز نائبه في الشام.
وسرعان ما أخذ الشيخ يوسف وضعه كما يحلو له عند السلطان الناصر محمد فأنزله السلطان عند الأمير بكتمر الساقى ، وأجرى عليه الأموال والرواتب ، وأقام عنده الخدم يتولون أمره ، وألبسه التشريفة ، وأحضر له كل ما يريد لكى يباشر مهمته في تحضير الذهب من المعادن الرخيصة، وانتظر السلطان النتيجة .
*وفى الموعد المحدد حضر يوسف بين يدى السلطان الناصر محمد ، ليعرض عليه ما توصل إليه ، وكان في المجلس أعيان الدولة ومنهم ناظر الجيش وتاج الدين إسحاق وابن هلال الدولة والأمير بكتمر الساقى وعدد من الأمراء والشيخ ابراهيم الصائغ كبير الصاغة وعدد من الصاغة. فأوقدت النار على بوتقة قد ملئت بالنحاس والقصدير والفضة حتى ذاب الجميع فألقى عليه الشيخ يوسف شيئاً من صنعته وأوقدوا عليها النار ساعة ، ثم أفرغوا ما فيها فإذا سبيكة ذهب أجود ما يكون زنتها ألف مثقال، فأعجب السلطان ذلك كثيراً وأنعم على الشيخ يوسف بهذه السبيكة، وألبسه التشريفة للمرة الثانية وأركبه فرساً مسرجاً بالحرير وبالغ في إكرامه وحقق له ما يريد .

*واتصل بيوسف الكيماوى الخدم وقدموا له أشياء كثيرة فاستخف عقولهم حتى ملكها وأكل أموالهم ، ثم سبك يوسف للسلطان سبيكة ثانية من الذهب فكاد يطير به فرحاً وصار يستحضره بالليل ويحادثه فيزداد محبة فيه فأذن له أن يركب الخيول السلطانية ويمضي حيث شاء بالقاهرة ، فركب وأقبل على اللهو ، واتى إليه عدة من الناس يعطونه أموالهم ليعلمهم صناعة الكيمياء أو تحويل المعادن إلى ذهب ، وعاش أجمل أيامه، ثم سأل السلطان أن يأذن له بالعودة إلى موطنه بالأردن لإحضار نبات هناك فأركبه السلطان خيل البريد وأرسل معه الأمير طقطاي مقدم البريدية وكتب إلى نائب غزة ونائب الكرك بخدمته وقضاء جميع حوائجه من ديوان الخاص (أى ديوان السلطان) فمضى يوسف إلى الأردن واختفى وانقطع خبره .
بحث السلطان عنه حتى وجدوه وقد ظهر للسلطان كذبه فأودعه في السجن..

*وفي رمضان( أيضاً ) في العام التالي سنة 731هـ هرب يوسف الكيماوي من السجن ، فنودى عليه بالقاهرة ومصر ، وصدرت الأوامر على البريد لولاة الأقاليم بالقبض عليه.
*وفي شهر ذي الحجة 731هـ قبض عليه في مدينة أخميم بالصعيد ، وحمل مقيداً في الحديد إلى قلعة الجبل ، فوصلها في 24 ذي الحجة وسأله السلطان عن المال فقال إنه ضاع منه، فسأله السلطان عن الكيمياء فقال: كل ما كنت أفعله إنما هو خفة يد ..!!
فعوقب بالضرب الشديد، ثم اعتقل بخزانة شمائل ومات ليلة الأحد 25 ذي الحجة، وطيف بجثته بالقاهرة يوم الأحد..!!
وما أغنى عنه ماله وما كسب ...

وكل عام وانتم بخير ..

تنويه مع الاعتذار : بعد تركى جامعة الأزهرسنة 1987 وغلق كل ابواب الرزق فى وجهى عانيت اشد سنوات الضنك والفقر الشديد فيا بين 1989 – 1995 فالتفت الى موهبتى فى كتابة السيناريو لأتعيش منها كمورد رزق وامل يبدد الكآبة والاحباط من حولى ، فعكفت على اتمام مشروع " تحويل التراث الاسلامى الى دراما "وكان قد اكتمل لدى العلم بكل دقائق تاريخ المسلمين وتفصيلاته الدينية والعقيدية والعقلية واللغوية والحضارية.
بدأت ببحث التاريخ المجهول للشخصيات عير المعروفة فى تاريخ المسلمين كنوع من أنواع التحدى لمهنتى كباحث تاريخى ومفكر اسلامى ، ثم قمت بتحويل تلك الأبحاث الى قصص تاريخية بدأتها بالشخصيات النسائية ، وكنت املأ الفجوات التاريخية بابداعى الأدبى والفنى أى باختراع أحداث وشخصيات مستعينا بفهمى لأحداث العصر التاريخى وشخصياته وثقافته وعقلياته وعاداته فى الملبس والحديث والتصرفات الاجتماعية. ونشرت هذه السلسلة من القصص التراثية تحت عنوان " نساء بين سطور التاريخ " نشرتها مجلة "حواء" ثم مجلة " سطور " واتسعت الحلقات التالية المنشورة فى "سطور" لتشمل قصصا عن الشخصيات التاريخية المغمورة من الرجال من المستوى الثانى والثالث فى الأهمية . وقمت بعدها بتحويل العديد من تلك القصص التاريخية الى سيناريوهات كاملة تحت اسم " مشروع تحويل التراث الاسلامى الى دراما "..
والى الآن لم أجد من ينتجه ليخرج للنور.
من أوراقى فى مشروع تحويل التراث الى دراما ذلك الملخص التاريخى عن الشيخ يوسف الكيماوى الذى خدع السلطان المملوكى الناصر محمد ..
واعداد ملخص تاريخى هى المرحلة الأولى (البحثية ) ثم كانت المرحلة الثانية وهى تحويل الأحداث التاريخية الى قصة ، ثم المرحلة الأخيرة تحويلها الى سيناريو.
أقول هذا حتى لا يسطو بعضهم على هذه القصة التاريخية ويحولها الى سيناريو. فلم يكن سهلا البحث بين سطور التاريخ المملوكى و مخطوطاته للعثور على هذه الحكاية الواقعية.
ولذا فاننى احتفظ بحقى فى تحويلها الى عملا درامى.
اقول هذا حتى لا أجد حرجا من نشر كل قصصى التاريخية على اساس احتفاظى بكل الحقوق كمؤلف ..

أما الكتابات الاسلامية والقرآنية فهى مباحة مجانا للنشر لكل من أراد .