الفريق سعد الدين الشاذلي أبرز قيادات حرب أكتوبر الذي سجنته الدولة3 سنوات وتجاهلته 37 سنة.. وتذكره الرئيس في مرضه بـ «بوكيه ورد» |
|
· الشاذلي حصل علي حكم قضائي بعدم قانونية سجنه ..لكن لم يفرج عنه كتب:عنتر عبد اللطيف كان الوقت مبكرا عندما رن جرس التليفون في منزل الفريق سعد الدين الشاذلي، ردت السيدة زوجته وسألت: من الطالب فاجابها المتصل : هنا رئاسة الجمهورية .. انتابتها الدهشة من هول المفاجأة إذ لاول مرة منذ 1973 يتصل بهم مسئول رفيع المستوي .. تماسكت السيدة وطلبت استفسارا عما يريده المتصل فأجابها بان مؤسسة الرئاسة تريد الاطمئنان علي الفريق الذي يرقد طريح الفراش ومستعدة لتقديم يد العون والمساعدة في كل ما يطلبه واسرته واننا نريد زيارته وعلي غير العادة تابع المتصل " في الوقت الذي ترونه مناسبا "إذ من المتعارف عليه ان الرئاسة هي التي تقرر مواعيد زياراتها او استقبالها لاي شخص مهما علا منصبه . حددت زوجة الفريق - الذي يوصف بأنه الرأس المدبر للهجوم المصري الناجح علي خط الدفاع الإسرائيلي "بارليف" في حرب أكتوبر 1973 - الموعد المناسب في ذات يوم الاتصال وزارهم وفد رفيع المستوي من مؤسسة الرئاسة حاملا الورود وتوصيات الرئيس بعرض خدمات الدولة التي طالما تناست فضل هذا القائد العظيم صاحب الدور الاكثر تاثيرا في انتصارات اكتوبر المجيدة . كان ذلك أواخر اكتوبر الماضي في اشارة الي تذكر فضل الرجل ربما في حرب 1973 او اعتذار عن تجاهله طوال سنوات زادت علي الثلاثين عاما اختفي فيها تماما عن الاحتفالات الرسمية واختفي بشكل كبير جدا عن وسائل الاعلام المحلي باستثناء لقاءات قليلة كان ابرزها حوار للزميل وائل الابراشي منذ نحو 10 سنوات اضافة الي بعض اللقاءات في الاعلام العربي ربما كان اهمها شهادته في قناة الجزيرة القطرية والتي كانت سببا قويا في تعريف العامة من الشعب المصري والعربي به واحراج النظام الذي تجاهل فضل رجل بحجم سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية في الفترة ما بين 16 مايو 1971 وحتي 13ديسمبر 1973 . ولد الفريق الشاذلي في أبريل 1922 بقرية شبراتنا مركز بسيون في محافظة الغربية وحظي بشهرته لأول مرة في عام1941 عندما كانت القوات المصرية والبريطانية تواجه القوات الألمانية في الصحراء الغربية، خلال الحرب العالمية الثانية وعندما صدرت الأوامر للقوات المصرية والبريطانية بالانسحاب. بقي الملازم الشاذلي ليدمر المعدات المتبقية في وجه القوات الألمانية المتقدمة واثبت نفسه مرة أخري في نكسة 1967 عندما كان يقود وحدة من القوات المصرية الخاصة المعروفة بمجموعة الشاذلي في مهمة لحراسة وسط سيناء ووسط أسوأ هزيمة شهدها الجيش المصري في العصر الحديث وانقطاع الاتصالات مع القيادة المصرية وكنتيجة لفقدان الاتصال بين الشاذلي وقيادة الجيش في سيناء، اتخذ الشاذلي قرارا جريئا فعبر بقواته الحدود الدولية قبل غروب يوم 5 يونيو وتمركز بها داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة بحوالي خمسة كيلومترات وبقي هناك يومين الي ان تم الاتصال بالقيادة العامة المصرية التي اصدرت اليه الاوامر بالانسحاب فورا فاستجاب لتلك الاوامر وبدأ انسحابه ليلا وقبل غروب 8 ونيو في ظروف غاية في الصعوبة، باعتباره كان يسير في أرض يسيطر العدو تمامًا عليها، ومن دون أي دعم جوي، وبالحدود الدنيا من المؤن، واستطاع بحرفية نادرة أن يقطع أراضي سيناء كاملة من الشرق إلي الشط الغربي لقناة السويس ونجح في العودة بقواته ومعداته إلي الجيش المصري سالما، وتفادي النيران الإسرائيلية، وتكبد خسائر بنسبة 10% إلي 20%. فكان آخر قائد مصري ينسحب بقواته من سيناء. بعد هذه الواقعة اكتسب سمعة كبيرة في صفوف الجيش المصري، فتم تعيينه قائدًا للقوات الخاصة والصاعقة والمظلات، وكانت أول وآخر مرة في التاريخ المصري يتم فيها ضم قوات المظلات وقوات الصاعقة إلي قوة موحدة هي القوات الخاصة. في 16 مايو 1971، وبعد يوم واحد من إطاحة الرئيس السادات بأقطاب النظام الناصري، فيما سماه بـثورة التصحيح عين الشاذلي رئيسًا للأركان بالقوات المسلحة المصرية، باعتبار أنه لم يكن يدين بالولاء إلا لشرف الجندية، فلم يكن محسوبًا علي أي من المتصارعين علي الساحة السياسية المصرية آنذاك. دخل الشاذلي في خلافات مع الفريق محمد أحمد صادق وزير الحربية آن ذاك حول خطة العمليات الخاصة بتحرير سيناء، حيث كان صادق يري أن الجيش يتعين عليه ألا يقوم بأي عملية هجومية إلا إذا وصل إلي مرحلة تفوق علي العدو في المعدات والكفاءة القتالية لجنوده، ووجد الشاذلي أن هذا الكلام لا يتماشي مع الإمكانيات الفعلية للجيش، ولذلك طالب أن يقوم بعملية هجومية في حدود إمكانياته، تقضي باسترداد من 10 إلي 12 كم في عمق سيناء، وبني الشاذلي رأيه علي أنه من المهم أن تفصل الاستراتيجية الحربية علي إمكانياتك وطبقا لإمكانيات العدو. وسأل الشاذلي الفريق صادق : هل لديك القوات التي تستطيع أن تنفذ بها خطتك ؟ فقال له: لا. فقال له الشاذلي : علي أي أساس إذن نضع خطة وليس لدينا الإمكانيات اللازمة لتنفيذها؟! وفي الاثناء أقال السادات الفريق صادق وعين المشير أحمد إسماعيل علي وزيراً للحربية والذي بينه وبين الفريق الشاذلي خلافات قديمة . في الساعة الثانية وخمس دقائق ظهر 6 أكتوبر 1973 شن الجيشان المصري والسوري هجومًا كاسحًا علي إسرائيل، بطول الجبهتين، ونفذ الجيش المصري الخطة التي وضعها الفريق الشاذلي بنجاح لدرجة أن الشاذلي يقول في كتابه "حرب أكتوبر" إنه في أول 24 ساعة قتال لم يصدر من القيادة العامة أي أمر لأي وحدة فرعية.. قواتنا كانت تؤدي مهامها بمنتهي الكفاءة والسهولة واليسر كأنها تؤدي طابورا تدريبيا تكتيكيا". أرسلت القيادة العسكرية السورية مندوبًا للقيادة الموحدة للجبهتين التي كان يقودها المشير أحمد إسماعيل علي تطلب زيادة الضغط علي القوات الإسرائيلية علي جبهة قناة السويس لتخفيف الضغط علي جبهة الجولان، فطلب السادات من إسماعيل تطوير الهجوم شرقًا لتخفيف الضغط علي سوريا،وأصدر إسماعيل أوامره بذلك علي أن يتم التطوير صباح 12 أكتوبر غير ان الفريق الشاذلي عارض بشدة أي تطوير خارج نطاق الـ12 كيلو التي تقف القوات فيها بحماية مظلة الدفاع الجوي، وأي تقدم خارج المظلة معناه أننا نقدم قواتنا هدية للطيران الإسرائيلي. بناء علي أوامر تطوير الهجوم شرقًا هاجمت القوات المصرية في قطاع الجيش الثالث الميداني (في اتجاه السويس) بعدد 2 لواء وفي قطاع الجيش الثاني الميداني (اتجاه الإسماعيلية) هاجمت الفرقة 21 المدرعة في اتجاه منطقة "الطاسة"، وعلي المحور الشمالي لسيناء هاجم اللواء 15 مدرع في اتجاه "رمانة". كان الهجوم غير موفق بالمرة كما توقع الشاذلي، وانتهي بفشل التطوير، مع اختلاف رئيسي، هو أن القوات المصرية خسرت 250 دبابة من قوتها الضاربة الرئيسية في ساعات معدودات من بدء التطوير للتفوق الجوي الإسرائيلي وبنهاية التطوير أصبحت المبادأة في جانب القوات الإسرائيلية التي استعدت لتنفيذ خطتها المعدة من قبل والمعروفة باسم "الغزالة" للعبور غرب القناة، وحصار القوات المصرية الموجودة شرقا، خاصة ان القوات المدرعة التي طورت الهجوم شرقا هي التي كانت مكلفة بحماية الضفة الغربية ومؤخرة القوات المسلحة وبعبورها القنال شرقا وتدمير معظمها في معركة التطوير الفاشل، ورفض السادات سحب ما تبقي من تلك القوات إلي الغرب، أصبح ظهر الجيش المصري مكشوفا غرب القناة فيما عرف بعد ذلك بثغرة الدفرسوار. الثغرة انتهت بتطويق الجيش الثالث بالكامل في السويس، ووصلت القوات الإسرائيلية إلي طريق السويس القاهرة، ولكنها توقفت لصعوبة الوضع العسكري بالنسبة لها غرب القناة خصوصا بعد فشل الجنرال شارون في الاستيلاء علي الإسماعيلية وفشل الجيش الإسرائيلي في احتلال السويس مما وضع القوات الإسرائيلية غرب القناة في مأزق صعب وجعلها محاصرة بين الموانع الطبيعية والاستنزاف والقلق من الهجوم المصري المضاد الوشيك وفي يوم 17 أكتوبر طالب الفريق الشاذلي بسحب عدد 4 ألوية مدرعة من الشرق إلي الغرب ؛ ليزيد من الخناق علي القوات الإسرائيلية الموجودة في الغرب، والقضاء عليها نهائيا، علماً بأن القوات الإسرائيلية يوم 17 أكتوبر كانت لواء مدرعا وفرقة مشاة فقط وتوقع الشاذلي عبور لواء إسرائيلي اضافي ليلا لذا طالب بسحب عدد 4 ألوية مدرعة تحسبا لذلك وأضاف ان القوات المصرية ستقاتل تحت مظلة الدفاع الجوي وبمساعدة الطيران المصري ما يضمن التفوق المصري الكاسح وتدمير الثغرة نهائيا "حسب ما وصف الشاذلي علمًا بأن سحب هذه الألوية لن يؤثر مطلقًا علي أوضاع الفرق المشاة الخمس المتمركزة في الشرق. لكن السادات وأحمد إسماعيل رفضا هذا الأمر بشدة، بدعوي أن الجنود المصريين لديهم عقدة نفسية من عملية الانسحاب للغرب منذ نكسة 1967، وهنا وصلت الأمور بينهما وبين الشاذلي إلي مرحلة الطلاق. في 13 ديسمبر 1973 وفي قمة عمله العسكري بعد حرب أكتوبر تم تسريح الفريق الشاذلي من الجيش بواسطة الرئيس أنور السادات وتعيينه سفيراً لمصر في إنجلترا ثم البرتغال وفي 1978 انتقد الشاذلي بشدة معاهدة كامب ديفيد وعارضها علانية مما جعله يتخذ القرار بترك منصبه والذهاب إلي الجزائر كلاجئ سياسي. في المنفي كتب الشاذلي مذكراته عن الحرب واتهم فيها السادات باتخاذ قرارات خاطئة علي الرغم من جميع النصائح من المحيطين أثتاء سير العمليات علي الجبهة أدت إلي وأد النصر والتسبب في الثغرة وتضليل الشعب بإخفاء حقيقة الثغرة وتدمير حائط الصواريخ وحصار الجيش الثالث لمدة فاقت الثلاثة أشهر كانت تصلهم الإمدادات تحت إشراف الجيش الإسرائيلي، كما اتهم السادات بالتنازل عن النصر والموافقة علي سحب أغلب القوات المصرية إلي غرب القناة في مفاوضات فض الاشتباك الأولي وأنهي كتابه ببلاغ للنائب العام يتهم فيه الرئيس السادات بإساءة استعمال سلطاته وهو الكتاب الذي أدي إلي محاكمته غيابيا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية وحكم عليه بالسجن ثلاثة سنوات مع الأشغال الشاقة ووضعت أملاكه تحت الحراسة مع حرمانه من التمثيل القانوني وتجريده من حقوقه السياسية. عاد الشاذلي في 1992 إلي مصر بعد 14 عاماً قضاها في المنفي بالجزائر وقبض عليه فور وصوله مطار القاهرة وأجبر علي قضاء مدة الحكم عليه بالسجن دون محاكمة رغم أن القانون المصري ينص علي أن الأحكام القضائية الصادرة غيابياً لابد أن تخضع لمحاكمة أخري. وجهت للفريق للشاذلي تهمتان الأولي هي نشر كتاب بدون موافقة مسبقة عليه "حرب اكتوبر" واعترف " الشاذلي " بارتكابها والتهمة الثانية هي إفشاء أسرار عسكرية في كتابه، وأنكرها الشاذلي بشدة، بدعوي أن تلك الأسرار كانت حكومية وليست أسرارًا عسكرية وأثناء تواجده بالسجن، نجح فريق المحامين المدافع عنه في الحصول علي حكم قضائي صادر من أعلي محكمة مدنية ينص علي أن الإدانة العسكرية السابقة غير قانونية وأن الحكم الصادر ضده يعتبر مخالفاً للدستور. وأمرت المحكمة بالإفراج الفوري عنه. رغم ذلك، لم ينفذ الحكم وقضي بقية مدة عقوبته في السجن، وخرج بعدها ليعيش بعيدًا عن أي ظهور رسمي وظهر لأول مرة بعد خروجه من السجن علي قناة الجزيرة في برنامج شاهد علي العصر في 6 فبراير 1999 . يذكر أن الشاذلي هو الوحيد من قادة حرب أكتوبر الذي لم يتم تكريمه بأي من أنواع التكريم, وتم تجاهله في الاحتفالية التي أقامها مجلس الشعب المصري لقادة حرب أكتوبر و سلمهم خلالها الرئيس أنور السادات النياشين والاوسمة كما ذكر هو بنفسه في كتابه مذكرات حرب أكتوبر. علي الرغم من الدور الكبير في إعداد القوات المسلحة المصرية, وفي تطوير وتنقيح خطط الهجوم والعبور، واستحداث أساليب جديدة في القتال وفي استخدام التشكيلات العسكرية المختلفة، وفي توجيهاته التي تربي عليها قادة وجنود القوات المسلحة المصرية ولعل ابرز مؤلفاته هي حرب أكتوبر والخيار العسكري العربي والحرب الصليبية الثامنة وأربع سنوات في السلك الدبلوماسي. |