لا يوجد جنس في السماء

نهاد حداد في السبت ٢٣ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

نعم الحور العين نساء ، ونعم الحور العين من أجمل ما خلق الله ، نعم هن أبكار لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ، تماما مثل حواء التي كانت زوجا لآدم ، ولم يطمثها إنس قبله ولاجان ، ولم يطمثها هو حتى ! إلى أن هبط من الجنة .

فعندما وصف الله الجنة التي تنتظر المؤمنين والمؤمنات ، هي فعلا جنة عرضها السماوات والأرض ، وفيها حور عين مقصورات في الخيام كأمثال اللؤلؤ المكنون . وقد وعد الله المؤمنين بأنهم سيكونون برفقة نساء لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ! ولكن لم يعدهم بأنهم هم من سيطمثوهن. وقد قصد بعدم طمثهن أنهن على الفطرة ، وأنهن رمز للبراءة والعفة والطهارة ولم يمسسهن أحد كما لم يمسس أحد مريم أم النبي عيسى عليه السلام ، فالتعبير هنا " لم يطمثهن انس فبلهم ولا جان هو تعبير مجازي عن العفة ولطهارة والخلق الكريم . 
 حتى عندما وعدهم الله بأنه سيزوجهم بحور عين ! فإن هذا الزواج هو من قبيل زواج آدم وحواء . فحواء وآدم أيضا كانا زوجين . 
 حيث قال عز وجل " وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ " 
ولكنهما عندما اقتربا من الشجرة " فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ " . 
لم يعرف آدم ولا حواء آن لهما سوأتين مع أنهما كانا زوجين إلا بعد أن أكلا من الشجرة التي نهاهما الله عنها. 
معنى هذا ، أن الزواج بالحور العين ليس بالمعنى المادي للكلمة ولكن بالمعنى الروحي لها ! 
فحينما أدخل عز وجل آدم وزوجه الجنة ، وعده بأنه لن يجوع فيها ولا يعرى تماما كما وعد الصالحين بجنات عدن فيها من كل فاكهة زوجين ، ثم إن فيها ولدان مخلدون " وقد يكون قد عوض الله للمؤنين عاطفة الأمومة والأبوة في أطفال أي ولدان يطوفون عليهم ، كما قد يكون هؤلاء الولدان هم الأطفال الذين ماتوا في سن صغيرة ، إذ لا يريد الله تعالى عز وجل أن تكون الجنة جنة للراشدين فقط ، إذ أين سيذهب الأطفال ضحايا الحروب والطغيان ؟ ألن يُبعثوا ؟ بلا بل نحن مبعوثون ! صغيرنا وكبيرنا ، ولداننا وآباؤنا وأمهاتنا! 
الجنة لا جنس فيها ، بل فيها أزواج مطهرة ، وولدان مخلدون ! هي جنة تزوج النفوس فيها والأرواح ! وتتمتع بالسعادة المطلقة التي كان يتمتع بها آدم وزوجه لولا أن عصى آدم أمر ربه ! وهل هناك أسمى ولا أروع من السعادة الروحية ؟ 
في حكاية ألف ليلة وليلة ، كان الملك شهريار كل ليلة يفتظ بكارة فتاة عذراء ثم يأمر بذبحها فيستحم بدماءها ! فهل نعم بالسعادة الروحية ؟ 
وهل نعم الملوك والأباطرة بالراحة النفسية والروحية ؟ لقد كان لهم مايريدون من نساء أشكالا وألوانا ؟ فهل تلكم الجنة التي يريدها من صوروا الجنة على أنها فندق سبعة نجوم يستقبلون فيها الحور كل سبعين سنة ؟ ثم إلى أين ستذهب بعدها الحورية المطموثة عندما يذهب المؤمن إلى حورية أجمل منها ! لا يهم ! المهم هو المؤمن ! 
هل جرب أحدكم ولو من جانب الفضول التفرج على فيلم جنس أكثر من خمس دقائق ولم يقرف ولم يبصق على الأقل مرة ! 
ثم هل جرب أحدكم الحب ؟ 
لا أريد أن أتحدث عن الحب بين الراشدين ، ولكن أولى شرارات الحب في المراهقة ، هل يتذكر أحدكم مدى السعادة الروحية والفرحة الغامرة التي يحس بها المرء حين يرى من يحب ، دون أن يلمسه ولا أن يكلمه ولا حتى أن يقترب منه ! 
وهل جرب أحدكم الخشوع في الصلاة ، أو والراحة النفسية والسعادة التي تنتابك حين تتصدق بشيء يسعد شخصا فقيرا ! 
والله العظيم أنني أشعر بسعادة أكبر حينما أعطي ، أكثر من الفرحة التي أحس بها حين أتلقى هدية . 
هو الرضى ، ذلك الرضى  عن النفس ، الرضى أيضا عن الخالق أي القناعة بما أعطى ومنح! 
فماذا تساوي اللذة الجنسية مقابل الراحة النفسية الأبدية ؟ 
قال تعالى : "«يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي»
هي النفس التي تطمئن ، هي التي ترجع إلى ربها راضية ،  هل جرب أحدكم الرضى عن النفس الراحة النفسية للحظات كل يوم ؟ إن أصعب مايمكن أن يصل إليه المرء ، هو الراحة النفسية ، وهي مايحاول البوذيون والكثير من الناس اليوم الوصول إليه عبر رياضة اليوگا. 
ليصلوا إلى النيرفانا ! السعادة الروحية المطلقة. 
إننا حينما نخطأ فنحس بالذنب نرتبك ، وننام غير راضين عن أنفسنا ! هي النفس اللوامة ، التي فطر الله عليها كل خلقه .
فهل تقاس السعادة الأبدية المطلقة بممارسة الجنس؟ ألم يكن آدم وزوجه أسعد من في الجنة لولا غواية إبليس ؟ دون أن يعرفا  ماهية الجنس ولا حتى أن يطلعا على سوآة بعضهما ولا حتى كل منهما على سوأته ! 
لا تزايدواعلى الله ! هو وحده علام الغيوب ، ومهما اجتهدنا ، فإن اجتهاداتنا نسبية جدا حسب أفهامنا وما أوتيناه من علم ، ولم نُؤْتَ من العلم إلا قليلا ! فمن ياترى يملك مفاتيح الغيب غيره سبحانه جل وعلى ! فحتى النبي لايعلم الغيب ولا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ! 
قال تعالى في سورة الأحقاف عن الرسول عليه السلام " قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ." 
ومع ذلك ، فحور عين عمر بن الخطاب لهن خصوصية ( no comment ) طبعا ، لن يخفى على أي عاقل أن من ابتدع هذا الحديث بدوي مغرق في المحلية والبداوة  ، لم يعرف الحضارة أبدا وحتى خياله لا يتعدى أرنبة أنفه !
 (حديث مرفوع) : حَدَّثَنَا أَبِي ، رَحِمَهُ اللَّهُ ، نا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ ، نا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ الْخَوْلانِيُّ ، نا ابْنُ وَهْبٍ ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتَنِي فِي الْجَنَّةِ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَوَضَّأَتْ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ ، فَقُلْتُ : لِمَنْ هَذَا الْقَصْرُ ؟ فَقَالُوا : لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَذَكَرْتُ غِيرَةَ عُمَرَ ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فَبَكَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَحْنُ جَمِيعًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ ؟ .  
طبعا هذا حديث يكذب حديثا آخر جاء فيه أن عمر طلب من عائشة أن تقول له إذا كان النبي عليه السلام قد بشره بالجنة ولكن ماعلينا ).
 الذي أثار انتباهي هو أن تترك المرأة ، إو الحورية القصر لتتوضأ خارجه ؟
 فمازال خيال أبي هريرة يصور له على أن الجنة صعيد أفيح يخرج أصحابه للخلاء كي يتوضؤوا ويقضوا حاجاتهم !
وهو نفس المنطق الذي جعل خيالهم لا يبتعد كثيرا عن المتعة الجنسية بالحور العين !
 ثم إن الجنة ليس في قلوب أصحابها غل ولا غيرة ولا حسد وكذلك ، إذا كان فيها إشباع للرغبات كلها ، فما حاجة المؤمن لسبعين حوريةكما يفترون؟ فواحدة تكفي !
كما أن رغبات المؤمن أصلا مشبعة ، لأنه فاز الفوز العظيم ونفسه راضية مرضية ، فإلى ماذا بعد ستصبو هاته النفس وقد أغناها الله من فضله ؟
 ( طبعا هذا الحديث وضع ضمنيا ليقال بأن عمر بن الخطاب من أصحاب الجنة ،ومن أصحاب القصور فيها ،  لكن لا بأس أن نستعين به في فهم الفكر البدوي المغرق في المحلية والبداوة وحانات قريش ! 
قد يقول قائل : " إن الرسول عليه السلام يتحدث فيه عن رؤيا آو حلم ، ولكن نوقفهم بسرعة ، لأنهم قالوا بأنه كان حينما يرى رؤيا كانت تأتي مثل فلق الصبح ، أي كانت تتحقق .  وهذا حتى قبل أن يأتيه الوحي أول مرة ، فمابالكم برؤياه بعد أن نزل عليه الوحي؟ (انتهى).
قال تعالى : وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (25) . 
فماذا أراد الله عز وجل بالآزواج المطهرة مثلا ؟ 
يقول جل من قائل : مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " 
وهذه الآية تمككننا من فهم الآية الأولى إذ حين يقول عز وجل :" وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( فإنه طبعا يقصد من ذكر أو أنثى ) أن لهم جنات ......." ولهم  فيها أزواج مطهرة "
 أي أن الأزواج المطهرة لكليهما وليس لأحدهما ، وكلا الزوجين خالدين في الجنة التي وعدهما الرحمان . 
ثم لنتأمل الآية التالية وهي أكبر دليل على أن الفرق شاسع بين متع الدنيا ومتاع الآخرة  . ستكون هذه هي كلمتي الأخيرة حيث قال تعالى في تنزيله الحكيم :
" وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ " . صدق الله العظيم. 
اجمالي القراءات 38321