خبراء: القاعدة تتوارى موقتاً لامتصاص المطاردات الاستخباراتية

في الإثنين ٢٢ - نوفمبر - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً

لم تتغير استراتيجية تنظيم القاعدة حيال الولايات المتحدة وأوروبا، إذ يرى خبراء في مكافحة الإرهاب أن لجوء التنظيم لعمليات الطرود المفخخة، وحديثه عن قلة تكلفتها قياساً بالضرر الناجم عنها، لا يعدو مجرد محاولة من التنظيم لامتصاص نشاط الأجهزة الاستخباراتية، الرامي إلى كبح جماحه، غير أن تلك العمليات "المتواضعة" ستتحول إلى بركان ثائر، إذا ما خفت وتيرة ملاحقة التنظيم. 


القاهرة: أكد خبراء دوليون في مكافحة الإرهاب، أنه على الرغم من عمليات الطرود المفخخة التي يرهب بها تنظيم القاعدة الولايات المتحدة وأوروبا، إلا أن التنظيم يمر بحالة من الثبات العميق، في محاولة لامتصاص نشاط الأجهزة الاستخباراتية الدولية المتربصة بالتنظيم. ويرى اللواء فؤاد علام خبير مكافحة الإرهاب والمدير الأسبق لجهاز أمن الدولة المصري في حديث خاص لـ "إيلاف" أن حالة الخمول التي يمر بها تنظيم القاعدة الأم، تأتي في إطار إستراتيجية الخداع، التي يتبناها التنظيم منذ فترة ليست بالقصيرة.  
 
إستراتيجية التنظيم الأم 
 
كما ألمح علام إلى أنه:"لا يخفى على أجهزة الاستخبارات العالمية أن قدرات القاعدة تتجاوز بكثير عمليات إرسال طرود مفخخة لدول أوروبية، غير أن طبيعة المشهد تؤكد أن التنظيم الإرهابي يسعى إلى إقناع الأجهزة المعنية في مختلف دول العالم، أن إمكانياته العملياتية باتت منحصرة في تلك الصورة النمطية، ويحاول التنظيم عبر هذه الإستراتيجية امتصاص عمليات المطاردة التي ربما يعاني منها في مناطق تمركزه خاصة في أفغانستان وباكستان".  
 
ويؤكد الخبير المصري أن عمليات الطرود المفخخة التي انطلقت من اليمن، وعمليات الاختطاف التي جرت في النيجر ودول المغرب العربي، ونظيرتها التفجيرية التي يشهدها العراق، جميعها عمليات منسوبة إلى فروع القاعدة في كل منطقة من دول العالم، ولكن إستراتيجية التنظيم الأم أعنف من ذلك بكثير".
 
ويضيف "صحيح أن قيادة التنظيم الأم تشرف على تلك العمليات، وربما توعز بتنفيذها في كثير من الأحيان، إلا أن العمليات التي يقوم بها التنظيم وربما يخطط لها في المستقبل القريب، لا تقل ضراوة عن تلك التي قام بها في هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر عام 2001 ضد الولايات المتحدة، أو التي نفذها في محطات مترو الأنفاق في لندن ومدريد وغيرها من العواصم الأوروبية. 
 
واعتبر اللواء علام أن "تلويح تنظيم القاعدة بعمليات الطرود المفخخة، وإعلانه الاعتماد عليها كسلاح أساسي في هذه المرحلة، يوحي بمناورة تكتيكية تستخدمها القاعدة لغض طرف الأجهزة الأمنية عن عملياتها الضخمة، وان الصورة التي يظهر عليها التنظيم منذ فترة، ستتغير إلى حد كبير إذا وقعت الدوائر المعنية بمكافحة الإرهاب في شراك القاعدة، وتراخت في التعاطي مع نوايا التنظيم وعملياته التي لا تزال حبيسة الأدراج".
 
 
صدمات وأزمات عاجلة

من خلال المعطيات التي يشهدها العالم يقدم الدكتور ضياء رشوان خبير التنظيمات الجهادية في مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية، رؤيته حول "وجود تحول نوعي بالغ التعقيد في استراتيجية القاعدة، إذ بات التنظيم يعتمد على أساليب غير نمطية، لإصابة أهدافه بصدمات كهربائية وأزمات عاجلة، غير أن هذا الأسلوب لا ينطوي على تجسيد واقعي للمخططات الحقيقية للتنظيم، في ظل ما هو معروف عن القاعدة من تطلعات لإصابة أهداف بالغة الحساسية، مثل الشبكات الدولية والمؤسسات متعددة الجنسيات، اعتماداً على أساليب إلكترونية.
 
وحذر رشوان في حديثه لـ "ايلاف" من أن تنظيم القاعدة لن يقف في عملياته عند الأهداف الأميركية والأوروبية، وانما ستطال خططه مصالح غربية في منطقة الشرق الأوسط، وقد يتعدى هذا التهديد إلى استهداف بنى تحتية ومؤسسات حيوية مثل الموانئ الجوية والبحرية، وسيعتمد في ذلك على ضرب المنظومات الالكترونية لتلك المؤسسات في محاولة لإصابتها بالشلل.
 
ويرى رشوان أن "التنظيم يسير وفق تكتيك سياسي وعملياتي طويل المدى، ويسعى إلى تنفيذ عمليات إجهاض مرحلية، وإذا كان التنظيم استهدف الغرب في الوقت الراهن فإنه من غير المستبعد استهداف دول عربية في مرحلة لاحقة". 
 
ويشير رشوان إلى أن "إستراتيجية تنظيم القاعدة منذ وقت ليس بالقصير، تشير إلى ابتداع أساليب حديثة ومعاصرة، وليس من المستبعد استخدام تلك الأساليب تجاه أجهزة معلومات واستخبارات دولية، فضلاً عن التطوير المتواتر لاستراتيجية التنظيم الأم، التي تصل إلى حد إنتاج القنبلة الجرثومية، فمواقع الانترنت التابعة للتنظيم تشرح باستفاضة وتفصيل دقيق، كيفية إنتاج قنبلة جرثومية ونووية". 
 
 
عمليات البُعد الثالث
 
وحول كيفية مواجهة خطر تنظيم القاعدة، يشير رشوان إلى أن "التنظيم الدولي لا يشكل بمفرده خطراً على العالم، وإنما تضارعه في هذا الخطر تنظيمات أخرى، فهناك سوق دولية رائجة لصناعة الإرهاب، تتحكم بها العصابات الدولية المنتشرة في دول مثل أوكرانيا وروسيا البيضاء، ولذلك ينبغي على الولايات المتحدة والدول الغربية ودول الشرق الأوسط التكاتف، للتوصل إلى آلية عمل استخباراتية وأمنية، يمكن من خلالها التعاطي مع تهديدات التنظيمات الارهابية بما في ذلك تنظيم القاعدة، لأن الخطر سيكون شاملاً ولن يقتصر على دولة بعينها". 
 
وفي هذا الإطار يؤكد الدكتور طارق فهمي خبير الشؤون الإسرائيلية في المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، أن الولايات المتحدة وإسرائيل تجريان عمليات تنسيق وتبادل معلومات استخباراتية في ما بينهما بهدف القيام بعمليات إجهاض لمخططات القاعدة، وتشارك بعض أجهزة استخبارات الدول العربية في هذا التعاون والتنسيق.
 
وفي ما يتعلق بإسرائيل يقول الدكتور فهمي: "بات الوعي يدب في أوصال الأجهزة الأمنية الاسرائيلية، وباتت تلك الأجهزة على قناعة بخطورة تنظيمات تضعها تل أبيب وواشنطن على قائمة الإرهاب مثل القاعدة وحماس وحزب الله، وعلى خلفية ذلك دشنت إسرائيل وحدة إلكترونية ضخمة تهدف إلى التأثير وإحباط تلك المخططات، إذ تعتقد تل أبيب أن التنظيمات الإرهابية تتطلع إلى اختراق نُظم مصانعها ومؤسساتها الحيوية في محاولة لإصابتها بالشلل، وتُعرف هذه الهجمات بعمليات البُعد الثالث". 
 
ويرى الدكتور فهمي أن القاموس الحركي لعمليات تنظيم القاعدة لا يقتصر على عمليات الطرود المفخخة التي عانت منها أوروبا منذ فترة قصيرة، وإنما يلعب هذا القاموس دوراً بارزاً في استخدام أساليب غير مطروحة، مثل العمليات الاستشهادية وتخريب سفارات والحرب الإلكترونية المضللة، بالإضافة إلى الأسلوب المعروف بـ "سوبرناتيك" أي حركة ما بعد التقنية. ويضيف أن "هناك روافد أخرى يعتمد عليها التنظيم مثل شراء المعلومات الدولية، والاستعانة بخبرات غير محدودة في مجال تصنيع القنبلة النووية". 
 
الأنظمة الشيطانية
 
أما في ما يتعلق بأسلوب التنظيمات الفرعية للقاعدة، فيتحدث عنها اللواء فؤاد علام، مشيراً إلى أن شبكة القاعدة تضم عدداً ليس بالقليل من الفروع في مختلف دول العالم، مثل التي توجد في قطاع غزة واليمن والمغرب العربي والعراق، وعلى الرغم من نشاطها خلال الآونة الأخيرة، إلا أنها لا تزال في مرحلة متواضعة، إذا دار الحديث عن أسلوبها وآلياتها العملياتية مقارنة بآليات القاعدة الأم، ولعل هذه الفجوة تظهر إلى حد كبير في عمليات الاختطاف الجارية في دلتا النيجر، وعمليات الطرود المفخخة والتفجيرات التي يشهدها العراق، ولكن هذه الفروع تواصل تطوير أساليبها عبر شبكات متعددة الأوصال، وتتفاوت قدراتها بين فرع وآخر" معتبراً أن "تنظيم القاعدة في اليمن على سبيل المثال أقوى من نظيره في المغرب العربي، وقاعدة بلاد الرافدين أقوى من نظيرتها في دول الخليج العربي. كما توجد تنظيمات أخرى يتعارف عليها بـ "الأنظمة الشيطانية" والأحزمة الإرهابية في مختلف دول العالم. 
 
وخلص الدكتور طارق فهمي إلى أن تنظيم القاعدة في الوقت الراهن لا يرغب في خسارة أرض اكتسبها في الماضي، إذ يحاول التنظيم الإرهابي التأكيد على تبني سياسة الإنحناء للعاصفة، تفادياً لنشاط الأجهزة الاستخباراتية المطاردة له، وقرر اختزال عملياته في عمليات الطرود المفخخة لإيهام العالم أن إمكانياته المالية والعملياتية باتت متواضعة، وأنه لم يعد يقوى على تنفيذ عمليات ضخمة تضاهي اعتداءات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001 في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من تواضع عمليات الطرود المفخخة، إلا أنها تؤكد سياسة الذراع الطولى لتنظيم القاعدة في مختلف دول العالم.
اجمالي القراءات 4116