في البحث عن الإسلام – مفردات – الطلاق والإرث - ملك اليمين في القرءان الكريم - الجزء الحادي عشر
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين
(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر - 36
______________
مقدمة:
في هذا الجزء من البحث، أردت أن أركز على قضيتين، بشرح فهمي لهما، لما لأهمية فهمهما من تأثير لاحق على فهمنا لقضايا لاحقة، مثل تعدد الزوجات، وملكت اليمين، في نهاية الأبحاث، وسألقي الضوء من خلال هاذين المفهومين على أمور دقيقة جدا، ولكنها غاية في الأهمية، للفهم اللاحق في قضايا تعدد الزوجات وملكت اليمين، تراثيتي الفهم في مجتمعاتنا !
كما أنني في هذا البحث، سأعتمد ضمنيا، مفهوم، أن مفردتي نكاح وزواج لا تحملان نفس المدلول، أي ليستا بمترادفتين لمفردة واحدة كما درج التراث، وكذلك كثير من مفكري العصر، ممن يخافون اعلان التغيير في فقههم للقرءان، خارج مفاهيم مجتمعاتهم، وسنثبت في البحث القادم أكثر وأكثر كما هنا، بأنهما مرحلتين مختلفتين، وليستا مرحلة واحده!
______________
مفردة الطلاق :
الطلاق هو فكّ الإرتباط بين اثنين، والذي كان قائما بينهما على أسس وشروط في الأغلب مكتوبة بعقد، أو متفق عليها مشافهة، وبه يتم إنهاء كافة الإلتزامات الموجودة بينهما، من بعد تنفيذ شروط الطلاق الموجودة في عقد الإرتباط ذاته!
والطلاق لا يكون إلا بين اثنين، ذكر وأنثى، ارتبطا بعقد اسمه عُقدة النكاح في القرءان الكريم.
وعُقدة النكاح، هي من نوع تعقيد اليمين، أي اليمين المُعقّدة منا، وهي تدل على العهد، الذي لا يكون الا بين طرفين، كما فصلنا في بحث اليمين، من الجزء الثالث من هذه السلسله، وهو في نهايته، من بعد الإفضاء يكون ميثاقا غليظا بين اثنين، وبينهما وبين الله تعالى، كما سأوضّح لاحقا.
فعملية اختيار اثنين في القرءان الكريم، البقاء معا ليست بالأمر الذي يكون بخطوة واحدة، فالقرءان مليء بالايات التي تتحدث عما يحدث قبل الزواج، والسكن للزوج، من نظر للنساء، وليس بصر، فالله تعالى لم ينهانا عن النظر للنساء بل نهانا عن البصر، فغضّ البصر هو من البصيرة، فسمح أن ننظر إليهنّ بعفة وإنسانية، ولكنه نهى عن أن نبدأ في التحليل لما نراه منهنّ، فنُشغّل البصيرة، وإلا فما مدلول قوله تعالى ( لَّا يَحِلُّ لَكَ ٱلنِّسَآءُ مِنۢ بَعْدُ وَلَآ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَٰجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ رَّقِيبًا) الأحزاب – 52 ، فكيف يعجبه حسنهنّ إن لم يرهنّ ولم ير ذاك الحسن؟ ثم كيف نفقه قوله في الآية أدناه اللاحقة في أن نذكرهنّ ونُسِرُّ في أنفسنا ما ارتضاه لنا إن لم نرهنّ؟
ثم هنالك الخِطبة التي تلتصق بما نسميه لغة – طلب اليدّ –أي إبداء الرغبة بالتعارف عليهنّ، وإظهار هذه الرغبة علنا على الملأ، ومنه، نكاحهنّ، أي كتابة عقدٍ ملزمٍ للطرفين، بكلّ الشروط التي يرغبان بها، فالعقد شريعة المتعاقدين، وهو الميثاق بينهما، يصبح غليظا بعد الإفضاء، أي يجب تنفيذ كل محتواه، والذي أيضا يجب ذكر أجله، اي الإفضاء، في العقد، حسب القرءان الكريم، أي بما نسميه لغة، ليلة الدخلة، أو تاريخ الدخول بها، في المتعارف عليه بين الناس ( وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِۦ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِىٓ أَنفُسِكُمْ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُوا۟ قَوْلًا مَّعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا۟ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَٰبُ أَجَلَهُۥ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِىٓ أَنفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) البقرة – 235 ، فمفهوم (عَرَّضْتُم بِهِۦ )، يدل على أنه تم النكاح بينهما، أي كتابة العقد بينهما، فبديلها كان ( أَوْ أَكْنَنتُمْ فِىٓ أَنفُسِكُمْ )، أي هي خيار أن أبقي الأمر في داخلي أو أُظهره على الناس، وذلك بسبب تكرار الراء المشددة التي تدلّ لسانا على تكرار الشيء، ثم الدليل الآخر أن العقد تمّ، هو قوله تعالى تتابعا زمنيا غير محدد بعد ذلك ( وَلَا تَعْزِمُوا۟ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَٰبُ أَجَلَهُۥ ).
ثم ومن بعد الإفضاء تصبح زوجته، كاملة الحقوق، وهذا ما سنتعرف عليه هنا في هذا البحث!
والطلاق يحدث في حالتين، حسب القرءان الكريم، أي لا يكون إلا في حالتين هما النكاح أو الزواج، وطلاق النكاح ينهي العقد بينهما فقط، مع تنفيذ شرط واحد فيه، وهو ما فَرَضَ لها إن فرَض، بأن يعطيها نصفه، ولها أن تعفو، ولا تأخذ منه شيئا، وهو الخيار المفضّل عند الله تعالى، لأنه أثناء هذه العملية في التعارف كان بينهما فضل كما قرر الله تعالى بذلك وأقرّه، فالله تعالى من وصانا بأن لا ننسى الفضل بننا، ولم يكن هنالك من إفضاء بعد! ومنه لا بدّ أن نقرّ بالعلاقة بين اثنين من قبل الإفضاء! والتي سنفصل طبيعتها أكثر في البحث اللاحق!
( وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّآ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا۟ ٱلَّذِى بِيَدِهِۦ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوٓا۟ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنسَوُا۟ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) البقرة – 237، فمن هذه الآية، نخلص إلى حالتين من الطلاق، الأولى من قبل أن نمسّهنّ، والثانية من بعد أن نمسّهنّ، والمسّ في القرءان تفصيله هو تداخل الشيء بالشيء، أي من قبل ومن بعد الإفضاء!
فمن قبل الإفضاء، كلّ ما ذُكِرَ هو أنّ لهنّ نصف ما فرضنا، والفرض هنا ليس إجباريّ، فالعملية هي اتفاق يتم كتابته بعقد بين اثنين، يضع فيه كلا منهما شروطه، أما بعد الإفضاء فهناك تبعات كثيرة تلحق الطلاق، سنذكرها لاحقا.
أي بكل وضوح، نرى هنا حالتين مختلفتين في الطلاق، فلا يمكننا بعد ذلك، أن نفتري على الله الكذب، بقولنا أن النكاح زواج، فهذا سيجعل في القرءان من جديد، اختلاف وسوء تدبّر وفهم!
______________
الفرق بين طلاق النكاح وطلاق الزوجة :
قلت أعلاه، انه لم نجد في القرءان، ما يشير إلى وجوب تنفيذ اي التزام بين الطرفين، إن حصل الطلاق من قَبْل الإفضاء، أي بعد النكاح فقط، وبعد حدوث الإفضاء الذي يعني الزواج الكامل الحقوق، وهذا سنراه الآن بكل وضوح وبيان إن درسنا شروط الطلاق من بعد الإفضاء، أي من بعد إتمام عملية الزواج، ودرسنا قضية الإرث، وعلاقتها بالنكاح والزواج معا، وكيف تَفْصِل بينهما بالحق!
ففي الإرث مثلا، لن نجد آية واحدة تتكلم عن توزيع ما ترك الزوج على زوجاته إن كنّ أكثر من واحده!
ففي كل آيات الإرث، والذي يعترف به كل المسلمين من كل الأطياف، كما هو في القرءان، وبرغم سوء فهمهم لها وسوء تطبيقهم للإرث، بإضاعة حقوق الإناث بليّ اعناق الآيات، وبرغم كل هذا، الذي محِلّه ليس هنا، لن نجد ما يذكر كيف نقوم بتوزيع الحصص في حالة وجود أكثر من زوجة !!!!
بالرغم من أنه يذكر جميع الحالات الأخرى من عدد الذكور والإناث والوالدين وكل أفراد العائلة من الوارثين بكل تفصيل، فهل كان ربنا نسيّا؟ سبحانه وتعالى عمّا يفترون، وما كان ربّكم نسيّا، ولكن لم يذكر ما لم يشرّعه!
فلن نرى آية تقول "وإن كان له زوجتين أو أكثر أو أدنى أو زوجة واحدة" !، وهنا بالطبع سينبري من يفتي بالسنة والشيعة اللتان تفصلان القرءان عدوا بغير حق، وسيقول قياسا واجتهادا افتراءا من عنده، أن نصيب " كل هؤلاء الزوجات اللاتي لم يذكرهنّ الله هو مثل واحدة منهن" ! فلن نعلق عليه، وسنمرّ على تعليقه مرور الكرام، فلن نخاطب الجاهلين.
والآية اليتمية التي ذكرت الزوجات جائت كالعادة، تخاطب جمع المسلمين بنسائهم جمعا، ولم تخاطب رجلا واحدا كما بقية الآيات، في الوصية والإرث ( وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَٰجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَٰجِهِم مَّتَٰعًا إِلَى ٱلْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِى مَا فَعَلْنَ فِىٓ أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُوفٍ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَلِلْمُطَلَّقَٰتِ مَتَٰعٌۢ بِٱلْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ * كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) البقرة – 240: 242 ، حيث هو من الواضح جدا، أن الخطاب هنا جمعيّ محض، جماعة يذرون خلفهم جماعة، والمطلقات تابعة للجماعة الأولى وليس لفرد أيضا! ولو أخذنا هذه الآية على أنها خطاب افراد لكانت آية النساء – 12 ، التي ساتركها لكم، لتتدبروها لمن اراد الاستزادة في الإطمئنان، أقول، لكانت كلٌّ يفهمها على هواه، ولأصبح فهم الأزواج والزوجات تعدديا في كلا الطرفين لا بدّ، كما هي إن ماتت، تركت خلفها لأزواجها، حسب الاية، إن حولنا الخطاب الجمعيّ فيها لفرديّ كما هنا، أي هذا في حالة ليّ عنق الآيات الجمعيّة الخطاب الى فرديّة الخطاب! وهذا هو الفخّ الذي سيقع فيه من يفتري على الله الكذب بليّ آياته، وستدور عليه دائرة السوء، بأن للنساء كذلك الحق في أن يكون لهنّ أكثر من زوج!!
فوالله لو كان له زوجات أكثر من واحدة، في شرعة القرءان، لذكر الله تعالى قيمة ما يرثن وما ترث كل منهنّ كما ذكر تعدد وتغيّر عدد الإناث والذكور في الوارثين! ولفصّل القول لقوم يعقلون!
أما المطلقة من قبل الإفضاء فلا علاقة لها بالإرث من قريب ولا من بعيد، مما يثبت لنا بدون أدنى شكّ، أن طلاق النكاح غير طلاق الزواج جملة وتفصيلا!
ناهيكَ! عن العِدّة وإحصائها وشروطها، والحمل والنفقة والإرضاع وكل هذا بين الزوج وزوجته، وليس بين من نكحها الشخص ولم يفضي إليها!
وكذلك لن نتغاضى عن خطوات الإصلاح بين الزوج وزوجته، غير المذكورة بين من نكحناها، ولم نفضِ بعد، فلا صلح هناك بينهما ولا شيء من هذا القبيل، فهي مرحلة تعارف ومواعدة بالمعروف ليس إلا، قام باغتيالها التراث بغيا وعدوانا على حقوق البشر والإنسانية.
______________
عملية الطلاق من الزوجة – أي من بعد الإفضاء:
كثيرون يسيؤون فهم قوله تعالى حين قال (ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌۢ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌۢ بِإِحْسَٰنٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا۟ مِمَّآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِۦ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ * فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُۥ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا۟ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُۥ وَلَا تَتَّخِذُوٓا۟ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُوًا وَٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ وَٱلْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِۦ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ * وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَٰجَهُنَّ إِذَا تَرَٰضَوْا۟ بَيْنَهُم بِٱلْمَعْرُوفِ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة – 229:232
في هذه الآيات، يفصّل الله تعالى حيثيات وعملية الطلاق، التي للأسف الشديد، تم تحريفها من قبل اعداء المجتمع ودين الله تعالى، ليسهلوا عملية هدم أسس المجتمع، العائلة!
فالطلاق ان تمّ، كعملية كاملة، مع فتراتها المرافقة لكل طلقة منها، مرتين، وفي كل مرة يجب ان نستنفذ كل سبل الإصلاح بينهما كما وأنها أول مرة، وفي كل مرة، هنالك شهود ذوي عدل على الطلاق، منذ بدئه حتى نهايته، نقوم بإعلامهم بهذه العملية وخبرها، بأنها قيد التنفيذ منذ تاريخ كذا، حتى يرجعا من بعد ثلاث شهور، ليتأكدا من حصول الطلاق، وفي كل مرة هنالك فترة تقضيها المرأة في "بيتها" بيت الزوجية وليس عند أهلها! وذلك كله للحفاظ على هذه الخليّة واللّبنة الأساسية في المجتمع، والمنطق يقول، أنه، إن لم يبقيا تحت سقف واحد، لمدة ثلاث اشهر، ولم يتقبّلا بعضهما البعض، فمن البديهي، والطبيعي، أن علاقتهما انتهت، ولا امل منها، فيحدث الطلاق.
وبعد تكرار هذه العملية مرتين، وحدوث الطلاق بعدهما، فلا يسمح لهما بالتراجع، فالطلاق ليس كلمة بل قرار، يتخذه الإثنان، وفي هذه الحالة، لا يحلّ لها أن ترجع لزوجها الا بشروط (فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُۥ) ، هذا التعبير دقيق جدا، ويجب علينا التوقف عنده طويلا، فهنا لم يقل تعالى، " حتى تنكح رجلا غيره" أو " تنكح غيره" بل حدّد حصول الزواج من بعد النكاح، أي ربط مرحلتين، بعضهما ببعض، ومنه، فهي لا تحلّ له من بعد الطلاق حتى تنكح رجلا غيره وتتزوجه، فكان القول بأن تنكح " زوجا غيره" في دلالة واضحة على حدوث الزواج من بعد النكاح!
ولو كان الأمر مجرد "تحليل تيس" لما كان هنالك من داع لذكر النكاح والزواج معا، ولكان ذكر الزواج كافيا، ولكن عملية النكاح، هنا، لها دور مهم في انشاء العلاقات، كما ذكرت اعلاه، ومنه، هنالك فرصة جديدة، لتكوين خليّة مجتمع جديدة، قد تكون أفضل من سابقتها.
ثم هنالك فرصة اخرى، لهما أن يرجعا، كما يعظ الله، في قوله تعالى ( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَٰجَهُنَّ ) ، وهنا الحديث عن الزوج الأول، الذي تطلقت منه، وليس عن أحد آخر.
______________
الخلاصة في حكمة الطلاق ونكاح الزوج:
كل هذا الأمر،إن تمّ حسب شِرعة القرءان، يكون مُلزِما لمن قام به، فالقرءان، أو في شرعة القرءان، عملية الطلاق، عملية طويلة مرهقة ليست سهله، ونتاجها هو قرار نهائي ليس وقتيّ وليس مؤقت وليس نتاج حالة غضب أو فقدان السيطرة على الذات، بل هو نتاج مداولات وحُكّامٍ، وقرار صدر عن طرفين لم يقبلا صلحا، ولم يستطيعا تقبّل بعضهما البعض لمدة ثلاث أشهر تحت سقف واحد، وبقيا خلال هذه الفترة كالغريبين، ومنه، عليهما تحمل مسؤولية هذا القرار، ومن بعد ذلك، ومن بعد أن ينفذا عقوبة الطلاق الكامل، بأن تنكح المرأة زوجا غيره، في محاولة منها، لأن تجد خيرا منه، وحياة أفضل مما معه، أكثر ودّا ورحمة وحبا، فإن حدث أن فشل كليهما في نسيان الآخر، فيحق لهما العودة من بعد ذلك لبعضهما البعض.
أما في عصرنا الحاليّ، فلا ارى من كل هذا شيئا، ولا يطبق الناس شيئا من أغلب هذه القوانين الحكيمة، بل يطلّقون بكلمة، وكأن الطلاق كلمة، وهو فعلا عمليّة.
______________
خلاصة البحث:
- الطلاق هو فكّ الإرتباط بين اثنين، والذي كان قائما بينهما على أسس وشروط في الأغلب مكتوبة بعقد، أو متفق عليها مشافهة، وبه يتم إنهاء كافة الإلتزامات الموجودة بينهما، من بعد تنفيذ شروط الطلاق الموجودة في عقد الإرتباط ذاته!
- مفردة نكاح غير مفردة زواج
- النكاح هو اتفاق وعهد وعقد بين اثنين، ذكر وأنثى، يتفقان به على البقاء معا، وبه، يمكنهما فعل اي شيء الا الإفضاء لبعضهما البعض، أي لغة، الدخول بها، اي النوم مع بعضهما البعض
- النكاح هو إعلان وعقد مبدئي يدخل ضمنه الرجل والمرأة في ارتباط يسمح لهما بكثير من العلاقات بينمها الا الجنس، اي الدخول بها.
- الزواج هو بلوغ عقدة النكاح وحدوث الافضاء بين الاثنين.
إنتهى.
والله المستعان
ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة، وإن كنت لم أصل إلى مراد الله تعالى الذي نطمح كلنا إليه –فهو سبب تدبرنا – فعسى أن تصححوا خطاي وأكون لكم من الشاكرين.
مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرءان الكريم