تكريم الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي
مقدمة مطولة
ان تاريخ المغرب الحديث حافل بالاحداث التي ساهمت في تشكيل وعي المغاربة الوطني و الديني و لو بالطريقة التي نعلمها جميعا كجيل جديد من الحركة الامازيغية .
ان الشعوب الاسلامية لا تعرف الكثير عن تاريخ و مسار الحركة الامازيغية لان الاعلام المشرقي لا يقدم الا ما تريده الايديولوجيات الوهابية و البعثية حيث ان الحركة الامازيغية هي حركة ثقافية في اول الامر اي تهتم بما هو ثقافي و لغوي صرف لعقود عديدة اي منذ سنة 1963 الى حدود سنة 2005 مع تاسيس الحزب الديمقراطي الامازيغي المغربي بمعنى ان هذا الانتقال من الثقافي الى السياسي قد استغرق عقود من الزمان بسبب ان مغرب الاستقلال لم ينتج نخبا امازيغية اصيلة بل انتج نخبا امازيغية خاضعة لسلطة المخزن التقليدي و خاضعة لخياراته السياسية و الدينية الخ.
فالنخب الامازيغية التقليدية لم تكن في المستوى على الاطلاق حيث لم تستطيع صناعة وعي حداثي بامازيغية المغرب منذ سنة 1956 و لم تستطيع مواجهة النخبة النافذة انذاك حيث لا يمكن ان نتحدث عن بوادر تاسيس حركة امازيغية في مغرب منتصف الخمسينات من القرن الماضي بل يمكننا ان نتحدث عن تاسيس حزب يدعي الدفاع عن الامازيغية و عن البادية المغربية.
و لسوء الحظ ان الحركة الامازيغية ولدت في اصعب الظروف من جميع النواحي حيث ان اواخر ستينات القرن الماضي تميزت بهزيمة العرب امام اسرائيل في حربهم المعروفة سنة 1967 و احتلال فلسطين و مصر الخ من هذه الدول بمعنى ان المغرب معني بالصراع العربي الاسرائيلي باعتباره بلد عربي خالص رسميا على الاقل كنتيجة طبيعية لسرقة ثمار الاستقلال الرمزية و العملية من الامازيغيين بصفتهم كانوا في الصفوف الامامية للمقاومة منذ ما قبل توقيع عقد الحماية بمدينة فاس سنة 1912 الى حدود سنة 1934 حيث ان المنطق التاريخي سيقول كان من الطبيعي ان يكون الامازيغيين قوة سياسية كبرى قادرة على جعل الدولة المغربية تنطلق من جذورها الديمقراطية و العلمانية بدون اي اشكال في حالة عدم ظهور الحركة الوطنية في مطلع ثلاثينات القرن الماضي نهائيا..
غير ان بعد الاستقلال الشكلي بالنسبة للامازيغيين قررت السلطة بايعاز من حركتها الوطنية الانكار التام لاية شرعية امازيغية مهما كانت مما جعل الامازيغيين كثقافة اسلامية و كايديولوجية سياسية خارج اللعبة السياسية و خارج الشرعيات المختلفة عقود طويلة مما سيعني ان اواخر ستينات القرن الماضي كانت فترة عز للقومية العربية على مستوى خطاب الدولة الرسمي و على مستوى خطاب الاحزاب السياسية المتواجدة وقتها و بالاضافة الى حيوية ايديولوجية الظهير البربري القامعة لاي حديث حول الامازيغية و الاسلام.
ان النضال الامازيغي بدا قبل سنة 1967 كما شرحته في كتابي الجديد مع الاستاذ محمد شفيق الذي اعتبره الاب الروحي للمسالة الامازيغية بالمغرب حيث نشر مقالاته منذ 1963 حول الثقافة الامازيغية الخ .
ان يوم 10 نونبر 1967 شهد ولادة اول اطار جمعوي امازيغي في المغرب بعد الاستقلال لان الامازيغيين قد عرفوا ما معنى العمل الجمعوي في تراثهم من خلال مؤسساتهم العرفية التي تختلف اسماءها حسب المناطق و الجهات فمثلا في سوس هناك مصطلح لجمعت اي هناك ثقافة مدنية لدى اجدادنا قبل دخول الاستعمار المسيحي للمغرب او انظمته الحديثة في تاسيس الجمعيات و النقابات و كذا الاحزاب السياسية .
ان اول الاطار الجمعوي الامازيغي قد وجد نفسه في السنوات الاولى من مساره النضالي كانه فاعل غريب في مجتمعه المغربي بحكم وجود الايديولوجات القومية و السلفية حسب المقاس الايديولوجي لما يسمى بالحركة الوطنية حيث ان هذه الجمعية بدات مسارها بجمع التراث الامازيغي بمختلف ابعادها و عقد لقاءات حول اللغة و الثقافة الامازيغيتان تحت حصار شديد من طرف السلطة على كل الاصعدة و المستويات حيث ان هذه الجمعية لن تكون الا الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي التي تم تاسيسها من الاستاذ ابراهيم اخياط و الاستاذ احمد بوكوس حسب قائمة اسماء المؤسسين المنشورة في كتاب 40 سنة من النضال الامازيغي الذي يتحدث عن محطات هامة في مسار الحركة الامازيغية عموما و في مسار الجمعية حيث يشرفني شخصيا ان اقدم صورة عن هذه المحطات الهامة خدمة للتاريخ مع ملاحظة انني تحدثت باسهام في كتابي الجديد عن مجموعة اوسمان و عن مشروع تمزيغ الفكر الاسلامي بشكل دقيق .
قراءتي المتواضعة لهذه المحطات الهامة
عملت الجمعية بكل اطرها منذ اواخر سنة 1979 و طيلة النصف الاول من سنة 1980 على خلق اطار جمعوي بالجنوب المغربي لفك عزلته و التعريف بالقضية الامازيغية كمسالة ثقافية صرفة لا علاقة لها بالسياسة كما هو الحال الان لان تلك الظروف كانت الحركة الامازيغية في طور تاسيس لخطاب ثقافي يناسب مع طبيعة تلك المرحلة حيث نجحت الجمعية بفضل و دعم العديد من الفعاليات الاقتصادية و الثقافية على تاسيس جمعية الجامعة الصيفية باكادير كانطلاقة فعلية للفعل الثقافي الامازيغي .
و فعلا فقد تم التحضيرات للدورة الاولى للجامعة الصيفية التي عقدت طيلة 15 يوما من شهر غشت 1980 حيث كانت ملتقى لرموز الثقافة الامازيغية من الفنانين و الكتاب من مختلف مناطق المغرب بمعنى ان مدينة اكادير كانت عاصمة للوعي الثقافي الامازيغي بالمغرب ...
و في صيف سنة 1991 حدث حادث هام في تاريخ الحركة الامازيغية الا و هو ميثاق اكادير الموقع من طرف ست جمعيات ثقافية امازيغية بهدف مطالبة السلطة انذاك بمطالب ذات حمولة ثقافية و سياسية و لو بشكل معين من قبيل الاعتراف الدستوري بكون الامازيغية لغة وطنية و اخراج معهد الدراسات الامازيغية و تدريس اللغة الامازيغية في المدرسة المغربية الخ من هذه المطالب ....
ان عقد التسعينات تميز بالعديد من الاحداث في مسار هذه الجمعية خصوصا و الحركة الامازيغية بصيغتها الثقافية من قبيل انشاء المجلس الوطني للتنسيق بين الجمعيات الامازيغية سنة 1993 لتحقيق ما جاء به ميثاق اكادير و مراسلة السلطات الرسمية بالمغرب و مراسلة منظمات دولية معنية بحقوق الانسان للضغط على المغرب كرسالة الى كافة المشاركين في المؤتمر العالمي لحقوق الانسان في فيينا سنة 1993 حيث تقول يعتبر الامازيغيين من الوجهة التاريخية السكان الاصليين لشمال افريقيا حيث ان اللغة الامازيغية و ثقافتها تنتشران حاليا في اغلب مناطق المغرب و من مميزات اللغة الامازيغية هي استقلاليتها الجوهرية عن اللغة الرسمية فهي اذات التواصل و التعامل الوحيدة في الانشطة الاقتصادية و الاجتماعية و الحياة الثقافية في البوادي و اما في الحواضر فهي مهددة راهنا بالزوال بفعل الاستلاب الموضوعي للامازيغ و اندماجهم في الثقافة السائدة انذاك اي التعريب و التغريب ...
و تقول هذه الرسالة التاريخية انذاك ليس هناك اذنى اعتراف صريح بالامازيغية لغة و ثقافة في الدستور المغربي و لا مكان لهما الهيئات التعليمية و في الهيئات القضائية الخ من حقائق مغرب بدايات التسعينات حيث سيقول البعض لماذا ذهبت الحركة الامازيغية لمراسلة الغرب حول شؤون المغرب الداخلية و الجواب ان السلطات انذاك كانت تتجاهل مطالب الامازيغيين الثقافية و كانت تستعمل ايديولوجية الظهير البربري بشكل فاحش على طول الخط لايهام المجتمع وقتها ان الامازيغية هي مشروع تنصيري و خارجي مثل العلمانية الان او تسييس الامازيغية...
و هناك حدث تاريخي يتمثل في خروج افراد من جمعية تيليلي في تظاهرات فاتح ماي 1994 بمدينة الراشيدية بهدف مطالبة بالاعتراف الدستوري بالامازيغية كلغة وطنية و رسمية لاول مرة في تاريخ المغرب الحديث غير ان السلطات قامت باعتقالهم و حكمت عليهم باحكام من بين سنة و سنتان حيث عبرت الجمعيات الامازيفية في بيان صحفي عن ادانتها الشديدة تجاه الاعتقالات التعسفية و الخروقات التي صاحبتها الخ ....
فعلا هي احداث كثيرة طبعت عقد التسعينات في مسار الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي خصوصا و الحركة الامازيغية عموما من قبيل خطاب 20 غشت 1994 الشكلي بالنسبة لي الان لكن وقتها كان خطاب رائع لان منذ الاستقلال الى ذلك اليوم لم تستطيع المؤسسة الملكية التطرق الى المسالة الامازيغية و لو باستخدام مصطلح اللهجات لكن خطاب 20 غشت 1994 جاء نتيجة لنشاط الحركة الامازيغية داخل المغرب و خارجه و جاء نتيجة لقضية جمعية تيليلي حيث كنت انذاك مازلت طفل صغير يبلغ من العمر 11 سنة .
و مهما كانت اختلافاتنا الفكرية او السياسية مع الجمعية المغربية للبحث و التبادل الثقافي في امور عدة كالعلمانية و الحزب الديمقراطي الامازيغي المغربي فان هذه الجمعية ناضلت في زمن يمنع فيه مجرد حديث بالامازيغية في الشارع العام و ساهم في تكوين نخبة هامة من الاساتذة مثل الاستاذ بوكوس و المرحوم الاستاذ علي صدقي ازايكو و الاستاذ بوجمعة لهباز مجهول المصير و الاستاذ الصافي مؤمن علي و الاستاذ محمد مستاوي و الاستاذ عمر امرير و الاستاذ عصيد و الاستاذ الحسين مجاهد و الاستاذ الحسين ايت باحسين و الاستاذ الحسين جهادي و الاستاذ عمر ادثين الخ...............................................................................
اتمنى ان يكون مقالي هذا قد اجاب على اسئلتكم المشروعة باعتباركم فتحتم الباب امامي للتعريف بالقضية الامازيغية ثقافيا و تاريخيا و سياسيا فموقع اهل القران هو فضاء اسلامي للنقاش الحر و عرض افكارنا كمسلمين علمانيين حيث ان الحركة الامازيغية ظلت مفتوحة امام الافكار الديمقراطية و المجتهدة لكننا مازلنا بعدين عن منهجكم النير حيث سنحتاج الى عقود من الزمان لنصل الى مستواكم الرفيع ...
mehdi1983k@gmail.com
المهدي مالك