النّكاح والزواج - ملك اليمين في القرءان الكريم - الجزء التاسع
في البحث عن الإسلام – مفردات – النّكاح والزواج - ملك اليمين في القرءان الكريم - الجزء التاسع

غالب غنيم في الإثنين ١١ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

في البحث عن الإسلام – مفردات –  النّكاح والزواج - ملك اليمين في القرءان الكريم - الجزء التاسع

هذا البحث سيتم تفصيله في مجموعة ابحاث اكثر تفصيلا باذن الله - معتذرا من القراء الكرام !

بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين

(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر - 36

______________

مقدمة:
كنتُ قد بدأت في الجزء الأخيرمن موضوع ملكت اليمين، حسب ظني، حين اعترضتني مفردة، كان لا بدّ عليّ من فرز مكان لها بين هذه الأبحاث، لأهميتها، في موضوع البحث، وهي مفردة النكاح ومفهومها، والذيإن قمنا به، اي بفهمه، بشكل سليم، سيغيّر مفاهيم كثيرة تم زرعها في محصّلتنا الثقافية، عبر عصور من تحريف الكلم من بعد مواضعه! فارجو الصبر عليّ، والتأنّي في الحكم، فالقادم كما أظنّ أعظم! والله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

______________

مفردة نَكَحَ – نكاح وعلاقتها بمفردة الزواج :

أبتديء هذا البحث بالقول بكل قوة، بحمد الله تعالى، بأن النكاح ليس الجنس كما اعتدنا عليه لغة، وكما حرفه التراث، بل هو إعلان وعقد مبدئي يدخل ضمنه الرجل والمرأة في ارتباط يسمح لهما بكثير من العلاقات بينمها الا الجنس، اي الدخول بها.

ولكي نفقه مفردة النكاح من القرءان الكريم، علينا البحث في كل الآيات التي وردت بها هذه المفردة، بترتيلها، وسنجد بكل بساطة، أن النكاح ليس زواج كامل، بل هو عقد زواج، أي حسب الأبحاث السابقة في مفردة اليمين، عهد بين طرفين أو يمين معقّدة، وله عواقبه!

وبما أننا نتفق أنه لا ترادف، فالنكاح لا يمكن أن يكون زواجا!

والله تعالى حين تحدث في حديثه عن النكاح، حدد له حدودا ومعايير وقواعد، نجدها في القرءان إن أردنا البحث بإخلاص، بعيدا عن التراث والتواتر، فالنكاح والزواج يدخلان في المتواتر من التراث، بحكم طبيعتهما، كما الصلوة بل أشدّ من الصلوة، بحكم دور العامل الاجتماعي فيه، إضافة للدين، ومع ذلك، تم تحريفهما بشتى الطرق!

فما الفرق بين النكاح والزواج ؟
كل المبدأ يكمن في اللاحق من الزواج!، نعم، فالزوجة ترث، ولها من زوجها حق معلوم في القرءان، ان توفاه الله، وقبل طلاق الزوجين هنالك خطوات كثيرة للإصلاح بينهما، في محاولة ترميم العائلة وعدم هدمها، إن كانت هذه الخطوات بين بعضهما البعض، او من طرف حكمين اثنين، ولها أجور على الرجل إن كانت حامل أو حديثة الولادة، كل هذا نراه في أحكام ما بعد الزواج، لكن التي ننكحها لا ترث شيئا، ولا حق لها سوى نصف ما فرضنا لها في عقد النكاح فقط، ويسقط عنها بقية أحكام الزواج كاملا! وهذا أكبر دليل على كون النكاح ليس بزواج بل هو مرحلة ابتدائية من الزواج نسميه لغة "بالخطبة" وفي بعض البلدان " كتب الكتاب" .

فالنكاح هو اتفاق وعهد وعقد بين اثنين، ذكر وأنثى، يتفقان به على البقاء معا، وبه، يمكنهما فعل اي شيء الا الإفضاء لبعضهما البعض، أي لغة، الدخول بها، اي النوم مع بعضهما البعض، ومنه، لها الحق كما قال تعالى في حالة عدم الرغبة في البقاء معها، أي الطلاق، نصف ما فرض لها.

اذا من القرءان، نفهم انها مثل الزوجة، ولكن ليس زوجة بعد، فهي لا ترثه كما قلت اعلاه، ولكن لها حقوق، وهنالك عقد بينهما، كما أنه قد يدخل في العقد طرف ثالث، وهو الذي " بيده عقدة النكاح"!

أي انه قد تُوكّل الأنثى عن نفسها وكيلا يتولى القرار في أمور العقد وبنوده، محاميا كان – كما في عصرنا الحاضر أو والدها أو من ترغب – فلا تحديد لمن بيده عقدة النكاح، وهو من يقيّم الأمور، ويقبل ويسامح ويعفو أو يطلب حقها كاملا !
 
وهذا كله يمكننا فقهه من قوله تعالى :
( وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّآ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا۟ ٱلَّذِى بِيَدِهِۦ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوٓا۟ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنسَوُا۟ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) البقرة – 237 
 فهنا نفهم انه من قبل أن ندخل بهنّ، تمسوهنّ في لسان القرءان، لا نفترق عن بعضنا البعض الا بطلاق !

ولن اتعرض للطلاق هنا، بل أدناه، ولكنه بكل بساطة، يدلّ على الفراق المطلق الذي لا يحوي في داخله ارتباط بعمومه! اي يلغي العقد بينهما.

ولنلاحظ هنا، من خلال هذه الآية الكريمة، ان المرأة ليست مهمّشة كما يدّعي التراث! وكما يحدث من ظلم في مجتمعاتنا، حيث يقول تعالى ( إِلَّآ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا۟ ٱلَّذِى بِيَدِهِۦ عُقْدَةُ ٱلنِّكَاحِ)، وهي خيارات، وليس إجبارا وتسييرا لها كما فعل التراث بمجتمعاتنا! فهي تملك القول فوق قول وكيلها، وهذا واضح في الآية، لمن اتقى .
فإن هي وكلت فلانا بأن يملك عقدة النكاح، فهي أولى أن تأمره أن يعفو إن رغبت.

ولننبه من غفل بقوله تعالى ( وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ )، على أن المرأة يجب أن تُطلّق بسبب العقد ليس أكثر، وكذلك الرجل، عفوا، فكلاهما مطلقان، أي خرجا من إلزام العقد، وهذا هو الطلاق بعينه! فلولا العقد بينهما ما حدث طلاق من الأصل.

أما الزواج فأهم ميزة فيه هو " السَّكَنْ"! وكم من آيات تصف الزواج، وتصف العلاقات الزوجية بالرحمة والمودة والسكن وعدم الظلم أو الغبن، وحفظ أسرار البيت وعدم نشرها الخ.

والزواج اشترك في صفة مميزة، أقصد فعل الزواج بعد أن يفضي بعضهما الى بعض، وهذه الميزة مشتركة في علاقاتنا مع الله تعالى، أي هي ميزة تتكرر في علاقاتنا مع الله تعالى، وبين الزوج والزوجة، لما لهذه العملية من أهمية كبيرة عند الله، في بناء لَبِنة المجتمع الأولى، أو يمكننا القول، بيت صغير في المجتمع، هو يعتبر كلَبِنةٍ فيه، وهي ما وصفها الله تعالى " بالميثاق الغليظ "، الذي لا يكون الا بيننا وبين الله تعالى، أو بين الزوج والزوجة حين قال سبحانه (  وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُۥ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰقًا غَلِيظًا  ) النساء – 21. 
وفي قوله تعالى (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ ٱلطُّورَ بِمِيثَٰقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ٱدْخُلُوا۟ ٱلْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا۟ فِى ٱلسَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظًا ) النساء – 154، وقوله (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّۦنَ مِيثَٰقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَٰهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَٰقًا غَلِيظًا ) الأحزاب – 7 .
  
ومن هنا يتبين لنا كم هو الزواج مهم في القرءان، وأن الزواج بعيد جدا عن النكاح، فهما مفهومان مختلفان يعبران عن مراحل من هذه العلاقة، ولكل مرحلة منهما حدودها ومحدداتها وشروطها !
______________

مفهوم فانكحوا ما طاب لكم :

قلت أعلاه، أن النكاح والزواج دخلا في باب التواتر العملي غصبا وارهابا، فوصلنا منهما مفردة واحدة، تخلط بينهما، وتجعلهما فعلا واحدا، ولكن هذا التواتر اختلّ بسبب عدم قدرة من سبقنا على تغيير عادات وتقاليد " كل الشعوب"، فمثلا في مصر، بقيت عاداتهم مختلفة عما هي في بلاد الشام، من حيث المهر وطبيعة العقد بين الزوجين. ولهذا لم يستطيعوا تحريف عملية النكاح والزواج كاملا، حيث بقي هناك فراغات اجتماعية اختلفت من بلد الى بلد، وكان من أشهر التحريف هو " التيس المحلل" الذي أسهب في تفصيله الكثير من الباحثين.
ناهيك عن تحريف "عملية الطلاق" التي تحتاج لشهود وفترة طويلة من الزمن حتى تتم، فاختزلوها بثلاث كلمات يمكن الآن قولها على الهاتف أو في رسالة نصية، تتضمن قول الزوج ثلاث مرات "أنتِ طالق طالق طالق" فينتهي ميثاق غليظ بين الزوج والزوجة في لحظات! وكم من امرأة مطلقة "اجتماعيا" تزوجها آخر وهي ما زالت على ذمة الأول " دينيا" !

أول ما أفتريه بظني وفهمي للقرءان، بدون راي مسبق، وبتركي لكل أنواع الموروث، أن أقول بأن النكاح لا حدّ له، من حيث الكمّ!!
نعم، أقولها بكل جرأة، وقوة، فلا حدود لعدد المرات التي ننكِحُ بها، ضمن حدّ الزوجة الواحدة  في المحصلة!

في قوله تعالى :
يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَٰحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَآءً وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَآءَلُونَ بِهِۦ وَٱلْأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا *
وَءَاتُوا۟ ٱلْيَتَٰمَىٰٓ أَمْوَٰلَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا۟ ٱلْخَبِيثَ بِٱلطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوٓا۟ أَمْوَٰلَهُمْ إِلَىٰٓ أَمْوَٰلِكُمْ إِنَّهُۥ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا  * 
وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا۟ فِى ٱلْيَتَٰمَىٰ
فَٱنكِحُوا۟ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ
مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا۟ فَوَٰحِدَةً
أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ
ذَٰلِكَ أَدْنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُوا۟ ) النساء – 1:3
(  وَٱبْتَلُوا۟ ٱلْيَتَٰمَىٰ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُوا۟ ٱلنِّكَاحَ فَإِنْ ءَانَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَٱدْفَعُوٓا۟ إِلَيْهِمْ أَمْوَٰلَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَآ إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا۟ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِٱلْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَٰلَهُمْ فَأَشْهِدُوا۟ عَلَيْهِمْ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبًا * لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ ٱلْوَٰلِدَانِ وَٱلْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا ) النساء – 6:7

الملاحظات على هذه الاية هي كالآتي :
1 - حكم هذه الاية خاص وليس عام:

فما تربينا عليه هو عمومها، كما علّمنا التراث البئيس، فموضوع الآية يتحدث عن القسط في اليتامى، بشكل خاص، وليس عن حالة عامة بين البشر، وهذا مُحَدِّدٌ مهم جدا لها، ولحُكمها، الذي سنأتيه لاحقا، والمهم هو أنها ليست بحكم عام أبدا، ومن يفتري على الله الكذب بتعميمه، فهو من اللاغين في القرءان، فهي بكل وضوح تتحدث عن القسط في اليتامى لا غير!

2 – الحديث عن فئة من الناس:

 (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا۟ فِى ٱلْيَتَٰمَىٰ)، والتي سبقها الحديث عن أموالهم وتوزيعها عليهم، أي أنها تتحدث عن حالة رجل فقد زوجته، توفيت زوجته، وتركت من خلفها ارثا، فيتم توزيع هذا الإرث على ابنائها وبناتها، اليتامى، ولا يجب ان نسرق أموالهم، فنأخذها لأنفسنا، أما الآية التي تلي هذه الايات، فتتحدث عن فئة من هؤلاء اليتامى، نبتليهم، بعد ان نأنس منهن الرشد، ثم ندفع لهن بأموالهن، مما تركت والدتهن، فالحديث بكل وضوح يتحدث عن الارث وتقسيمه على اليتامى، من طرف الزوج الذي توفيت زوجته!

3 – الحديث هو عن القسط في اليتامى:

والقسط في اليتامى، أي عدم ظلمهم في المعاملة والحكم عليهم اثناء حياة الرجل معهم، بحكم كونه الآن وحيدا مع ابنائه اليتامى، ولا من امرأة معه توجههم وتقوم بدور الأم لهم، وهنا موقف اجتماعي محض، يمرّ به كل رجل " ارمل" ، وهو موقف صعب جدا، اجتماعيا، وأظن الجميع يتفق معي في هذا الأمر، ولهذا، انتقل الحديث مباشرة الى النكاح، وليس الزواج! وفي آية أخرى (وَأَن تَقُومُوا۟ لِلْيَتَٰمَىٰ بِٱلْقِسْطِ ) النساء – من آية 135، فهي قيام على أموالهم وأحوالهم معا!

ولكي نفهم قضية القسط، الذي هو ليس العدل، بل عدم الظلم بانقاص الحق بالميل عنه، نتلو قوله تعالى (وَلَا تَقْرَبُوا۟ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلَّا بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُۥ وَأَوْفُوا۟ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُوا۟ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُوا۟ ذَٰلِكُمْ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) الأنعام – 152 

ولن نتعرض هنا ليتامى النساء فهو موضوع آخر غير ما نتحدث عنه الآن!

4 – الحديث عن كمّ النكاح، وليس العدد:
 فلم يحدد الكمّ مما طاب لنا، بل عرض علينا خيارات، ولم يتوقف عند هذه الخيارات، أي لم يقل ورباع فقط، أو ورباع ليس أكثر، فالحديث ضمنيا يفتح باب التعداد ما رغبنا، ولهذا لم يستخدم التعداد العددي، "اثنتين و ثلاثة و أربعه"، كما لم يستخدم التخيير  "أو" بل استخدم الجمع " و "،  (مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ)، ولن اتبع أسلوب التراث في الاجتهاد بشخصي وافترائي الكذب على الله بالقول أنه " حدد العدد الأكبر باربع" فلا نرى لهذا الفهم هنا في الآية من مكان !

فهي ليست تعداد للعدد بل الكم، ولهذا استخدم مفردات لا تدل على العدد بل الكميّة !

فلو كان مراد الله أن يحدد العدد لنا لقال بكل بساطة، " اثنتين أو ثلاثة أو أربعة" ! ، ولن يقول " اثنتين وثلاثة وأربعة" أيضا ! فعدم وجود التخيير " أو" يدل على عدم تحديد الكمية من النكاح!
فقوله تعالى (مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ) – ولو توقفنا عند هذه الصيغة من الجمع، وليس التعداد، لفقهنا أنها تحدد الكمّ ممن يطيب لنا أن ننكحهن، وليس أن نتزوجهن!
وهنا مفتاح الموضوع كله!

في قوله تعالى (قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُم بِوَٰحِدَةٍ أَن تَقُومُوا۟ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَٰدَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا۟ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَىْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) سبأ – 46
نرى كيف استخدم الله تعالى، كمّية من يقوم له، فلم يقل اثنين اثنين، كما قال في ثاني اثنين، ليدلّ على التعداد التراكمي، بينما هنا قال مثنى وفرادى، وهي حالة، تدلّ على الكمّ ممن يقوم، وليست محدودة القيمة بمثنى، بل تدل على انفتاحٍ في الرقم النهائيّ الذي ينتهي به هذا الكمّ ممن يقوم لله، فقد يقوم لله عشرة يتفكرون في النبيّ وما أتى به، ولهذا يتمّ استخدام مفردات تدلّ على الكمّ وليس العدد، فالعدد غير محصوربرقم ما، والكمّ مفتوح كميته، وحتى فرادى، تدلّ على حالة كميّة، وليس قيمة عددية!

الذي اريد ان أخلص إليه، هو ان هنالك أرقام عددية تدلّ على عدد معيّن من الشيء، وهناك ارقام كميّة، كما الفرق بين عشر تفاحات، وكيلو تفاح، لغة، لتقريب المفهوم!

(ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلَٰٓئِكَةِ رُسُلًا أُو۟لِىٓ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ يَزِيدُ فِى ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ ) فاطر – 1
ولكي يفصل الله تعالى القول لنا، اتى بآيتي فاطر وسبا، ليتمّ نوره، ولكي لا يدع مجالا لمفترٍ عليه، بأن يتقوّل عليه افتراءا من عنده، فهاتين الآيتين، يجب ان تفصّلا آية النساء، ما طاب لكم، في التفريق بين الكميّة والعدد، ولهذا نرى استخدامه تعالى لمفردة (يَزِيدُ فِى ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآء) ، يزيد، كما وأنت تزيد من كميّة الماء في الكأس، كما العمر، يزيد وينقص، كما الإيمان، يزيد وينقص، فهي كلها معايير كميّة بحتة ليست عددية!
فإتْباع الله تعالى لكمية أجنحة الملائكة، بيزيد في الخلق، كان لكي تصل الرسالة لنا، بأن هذه الكميات ليست محصورة بهذه الأرقام التي ذكرها، تماما كما في آية النساء، في عدم تحديد كميّة النكاح !

ومن هنا، وفقط هنا، نفقه لم استخدم الله تعالى القول (فَٱنكِحُوا۟ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ) ، فلو كان التعداد هو الهدف ما كانت الصيغة تخييرا مفتوحا بما طاب لنا، ثم تحديدا لها بعدد ما!


5 – العدل و، فواحدة :
هنا الحديث انتقل في قوله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا۟ فَوَٰحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَٰنُكُمْ)، حيث نرى أنتقال الحديث من القسط في اليتامى والكمّ، الى العدل و التعداد!

فهو انتقال نوعيّ في الحديث، فالعدل في القرءان غير القسط، فالقسط يسود فوق العدل دائما، وهو الذي يتحكم في العدل، فالعدل في القرءان هو قيمة الشيء المقابلة له، فلو اردنا بلسان القرءان أن نتحدث عن عدم الظلم، فيجب  أن نستخدم مفردة القسط، وليس العدل، فالله تعالى قائم بالقسط، ونحن مطلوب منا أن نعدل بالقسط، و "ذوا عدلٍ" أي لهما كلمة حق، ومعلوم عنهما الحق والاعتدال في الحكم والراي، أي قيمة تفكيرهما ومنطقهما معلومة للجميع بكونها قيمة معتدلة سليمه، ومنها "كاتب بالعدل"، الذي يكتب بالحق كقيمة، ويوم الحساب "لا يؤخذ " من نفس عدلٍ -
ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل- ، اي لا يؤخذ منها قيمة بديلة عما فعلته، ولو افتدى به الأرض وما فيها، فمفردة العدل للأسف الشديد، تم أيضا تحريف مدلولها، من كونها تدلّ على قيمة شيء، وعادة تكون قيمة مساوية تقريبا لشيء آخر، سواءا معنويا بكونها الحق، أو كما في الآية (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقْتُلُوا۟ ٱلصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُۥ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِۦ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًۢا بَٰلِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّٰرَةٌ طَعَامُ مَسَٰكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِۦ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنتِقَامٍ ) المائدة - 95،اي ما يكافيء ذلك الذي فعله ماديا أو فعلا!

ولهذا تم الانتقال من الكمّ الى التعداد، لأن المحددات تغيرت من القسط العام، الى العدل المُحدِّد للقيمه، فاستبعد الله تعالى الكمّ وحدد نهاية الغاية من النكاح، وهو واحدة عددا، بغض النظر عن من هي، ممن ملكت أيماننا، وهذا سنأتيه لاحقا، أو ممن نستطيع طولا أن ننكحهن من المحصنات!

ومن هنا نرى حكمين :
الاول في القسط، فننكح ما يطيب لنا، وسآتي لاحقا على فهم هذا الأمر، والثاني في العدل، نتوقف عند واحدة، والأغلب أن تكون من طبقة فقيرة، بسبب عدم قدرتنا في الاتيان بقيمة مكافئة، اي لا نعدل في تقديرهن طولا!


5 – الحديث عن النكاح، وليس الزواج :

لا ارى سبب اختلاف العرب على هذه الآية، برغم كونها تتحدث بكل وضوح، عن النكاح وليس الزواج، اللهم، إلا لغاية في انفس من سبقونا، باتباع أهوائهم، في تحويلها الى تعداد للزوجات، الموجود في الاسرائيليات، في التلمود، فخجلوا أن يجعلوا الكميّة مفتوحة وحددوها باربع زوجات!
ولو أعطينا هذه الاية لشخص لا يعلم عادات العرب، لما خرج بها ابدا بتعداد الزوجات!

فالحديث من أصله عن النكاح وليس الزواج! ولقد بيّنت أعلاه من آيات الله تعالى، الفروق الكبيرة بين الزواج والنكاح، فكما قلت أعلاه، النكاح ليس اكثر من عقد، يربط اثنين، لفترة ما، يتم تحديدها في العقد، حتى يتم الزواج من بعد ذلك، بأن يفضي بعضهما الى بعض، أو كما نقول لغة، بالدخول بها، والله في القرءان تحدث عن الإفضاء والتماسّ، بينهما الاثنين، اي تحقيق الميثاق الغليظ بينهما، والذي هو في نفس اللحظة بينهما وبين الله أيضا!

______________

موضوع النكاح بعمومه :

هنالك الكثير من الايات التي تتحدث عن النكاح، وسأتعرض لأكثرهنّ جدلا فقط:

1- ما نكح آباؤنا :

في قوله تعالى (  وَلَا تَنكِحُوا۟ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَمَقْتًا وَسَآءَ سَبِيلًا ) النساء – 22، وهنا نرى قيمة أخلاقية راقية جدا، عالية القيمة، بأن لا نتداخل مع آبائنا، فيما اشتهوا من حب النساء، من قبلنا،اي، من المقت والسوء، أن يطلب أحد ما، يد امرأة، نكحها ابوه، من قبله، ومن الواضح هنا أن الحديث ليس عن زوجات الأب، ممن طلقهن، بل الحديث عمن نكحهن، ولم يفضي اليهن، أي لم يحدث بينهما نوم وفراش، وهذا من رقيّ الأخلاق، بأنه إن حدث ان نكحها وطلقها، فلا يحقّ، وليس من الأخلاق، أن ينكحها ابنه من بعده، فهو أمر مقيت سيء، وكان هذا الأمر فاحشة في السابق، اي منتشرا بين العرب كما يبدو من الاية، فالسلف دوما مذموم بعمومه في القرءان !
 
ومن السخافة أن يتقوّل احد ما، بأن لا نتزوج ما تزوج ابائنا، فهو أمر مرفوض اجتماعيا في العالم كله! ولا يحتاج لحكم في القرءان! لكي نعلم انه امر غير مقبول عند الله ولا عند البشر، وهذا في الردّ على من يبحثون في امور لم يذكرها الله تعالى في القرءان، بحكم كونها معروفة، من المعروف، بين البشر، ولكن تم ذكر عدم نكاح ما نكح آبائنا، لكي نرقى خلقيا أكثر، برغم كونهم، لم يفضوا بعضهم الى بعض!

 2- عقدة النكاح :

العَقْدُ في النكاح له أجل، وهذا الأجل يُحدِّدُ يوم الافضاء، فهو مُسجل في كتاب بين الاثنين، ولا يجب أن يتجاوزا هذا الحدّ ابدا، حتى يبلغ الكتاب أجله، لما لتجاوز هذا الأمر من معقّبات كثيرة، فمن بعد الافضاء، تتغير الحقوق والواجبات والأحكام جميعها بين الاثنين، حيث يصبحا زوجين، مؤسسين للخليّة األصغر في المجتمع، العائلة، وهذا الأجل، او التاريخ المحدد مسبقا في العقد، اسمه في القرءان، عقدة النكاح، أي يتم فيه تحقيق الميثاق الغليظ، باليمين الذي عقّدناه بين بعضنا البعض، أي العهد، كما كتبت في بحثي عن مفردة اليمين سابقا، من هذه السلسلة، ومن قوله تعالى في مورد البقرة – 237 أعلاه وكما في قوله تعالى  (  وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِۦ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِىٓ أَنفُسِكُمْ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُوا۟ قَوْلًا مَّعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا۟ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَٰبُ أَجَلَهُۥ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِىٓ أَنفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) البقرة – 235، فعزم الأمر هو تنفيذه، وحين يتم تنفيذه تصبح زوجته، ويحق لها الميراث كما في كتاب الله، وما فرضه لها كاملا غير منقوص إضافة لأمور كثيرة تتعلق بالزوجين.

3- علاقات فترة النكاح :

كنت قلت أعلاه، أنه في النكاح يفعل الشخصين ما يحبان الا أن يُفيضا الى بعضهما البعض، وربما كان التعبير فيه افتراء، لكن الله تعالى حدد ما يقوما به بالمعروف، كما نرى في الآية اعلاه (  أَنفُسِكُمْ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُوا۟ قَوْلًا مَّعْرُوفًا )، فالله أعلم بما في أنفس البشر، وأن الحبّ والودّ موجود بينهم، فربط الأمر بالمعروف بين الناس، بقوله، قولا معروفا، ولم يتدخّل في التفاصيل البشرية، فهنا نرى أنه لا ينهى عن مواعدتهنّ سرّا، وليس كما اعتدنا في التراث، بل ينهى عن عزمنا عقدة النكاح قبل أجلها ليس اكثر، ونحن لن نتعرض للتفاصيل، ولن نسال قرءاننا، كما سُئِلَ موسى من قبل، من بعد النبيّ، ولن نسأل عن أشياء، إن تبد لنا تسؤنا!

4- المطلقات ونكاح أزواجهن :

كثيرون يسيؤون فهم قوله تعالى حين قال (ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌۢ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌۢ بِإِحْسَٰنٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا۟ مِمَّآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِۦ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ * فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُۥ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يَتَرَاجَعَآ إِن ظَنَّآ أَن يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ  * وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا۟ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُۥ وَلَا تَتَّخِذُوٓا۟ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ هُزُوًا وَٱذْكُرُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ وَٱلْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِۦ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ * وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَٰجَهُنَّ إِذَا تَرَٰضَوْا۟ بَيْنَهُم بِٱلْمَعْرُوفِ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِۦ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ  )  البقرة – 229:232

في هذه الآيات، يفصّل الله تعالى حيثيات وعملية الطلاق، التي للأسف الشديد، تم تحريفها من قبل اعداء المجتمع ودين الله تعالى، ليسهلوا عملية هدم أسس المجتمع، العائلة!

فالطلاق ان تمّ، كعملية كاملة، مع فتراتها المرافقة لكل طلقة منها، مرتين، وفي كل مرة يجب ان نستنفذ كل سبل الإصلاح بينهما كما وأنها أول مرة، وفي كل مرة، هنالك شهود ذوي عدل على الطلاق، منذ بدئه حتى نهايته، وفي كل مرة هنالك فترة تقضيها المرأة في "بيتها" بيت الزوجية وليس عند أهلها! وذلك كله للحفاظ على هذه الخليّة واللّبنة الأساسية في المجتمع، والمنطق يقول، أنه، إن لم يبقيا تحت سقف واحد، لمدة ثلاث اشهر، ولم يتقبّلا بعضهما البعض، فمن البديهي، والطبيعي، أن علاقتهما انتهت، ولا امل منها، فيحدث الطلاق.

وبعد تكرار هذه العملية مرتين، وحدوث الطلاق بعدهما، فلا يسمح لهما بالتراجع، فالطلاق ليس كلمة بل قرار، يتخذه الإثنان، وفي هذه الحالة، لا يحلّ لها أن ترجع لزوجها الا بشروط (
فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُۥ) ، هذا التعبير دقيق جدا، ويجب علينا التوقف عنده طويلا، فهنا لم يقل تعالى، " حتى تنكح رجلا غيره" أو " تنكح غيره" بل حدّد حصول الزواج من بعد النكاح، أي ربط مرحلتين، بعضهما ببعض، ومنه، فهي لا تحلّ له من بعد الطلاق حتى تنكح رجلا غيره وتتزوجه، فكان القول بأن تنكح " زوجا غيره" في دلالة واضحة على حدوث الزواج من بعد النكاح!

ولو كان الأمر مجرد "تحليل تيس" لما كان هنالك من داع لذكر النكاح والزواج معا، ولكان ذكر الزواج كافيا، ولكن عملية النكاح، هنا، لها دور مهم في انشاء العلاقات، كما ذكرت اعلاه، ومنه، هنالك فرصة جديدة، لتكوين خليّة مجتمع جديدة، قد تكون أفضل من سابقتها.

ثم هنالك فرصة اخرى، لهما أن يرجعا، كما يعظ الله، في قوله تعالى (
وَإِذَا طَلَّقْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَٰجَهُنَّ ) ، وهنا الحديث عن الزوج الأول، الذي تطلقت منه، وليس عن أحد آخر.

الخلاصة في حكمة الطلاق ونكاح الزوج:
كل هذا الأمر،
إن تمّ حسب شِرعة القرءان، يكون مُلزِما لمن قام به، فالقرءان، أو في شرعة القرءان، عملية الطلاق، عملية طويلة مرهقة ليست سهله، ونتاجها هو قرار نهائي ليس وقتيّ وليس مؤقت وليس نتاج حالة غضب أو فقدان السيطرة على الذات، بل هو نتاج مداولات وحُكّامٍ، وقرار صدر عن طرفين لم يقبلا صلحا، ولم يستطيعا تقبّل بعضهما البعض لمدة ثلاث أشهر تحت سقف واحد، وبقيا خلال هذه الفترة كالغريبين، ومنه، عليهما تحمل مسؤولية هذا القرار، ومن بعد ذلك، ومن بعد أن ينفذا عقوبة الطلاق الكامل، بأن تنكح المرأة  زوجا غيره، في محاولة منها، لأن تجد خيرا منه، وحياة أفضل مما معه، أكثر ودّا ورحمة وحبا، فإن حدث أن فشل كليهما في نسيان الآخر، فيحق لهما العودة من بعد ذلك لبعضهما البعض.
أما في عصرنا الحاليّ، فلا ارى من كل هذا شيئا، ولا يطبق الناس شيئا من أغلب هذه القوانين الحكيمة، بل يطلّقون بكلمة، وكأن الطلاق كلمة، وهو فعلا عمليّة.

______________

هل يوجد تعدد زوجات ؟

من كل ما قمنا به أعلاه، من محاولات فهم الايات، هو لنخلص الى ما سنقول به هنا، وهو :
حسب تدبري لآيات الله تعالى البينات، وبدون ارتكاز واتكاء على التراث والمتواتر بين الناس من أساليب وعدد زوجات، أقول بإذن الله تعالى، أنه في القرءان، لا يوجد تعدد زوجات، بل تعدد كمّ نكاح، وتعدد النكاح أمر يقبله العرف واي مجتمع، فالرجل قد ينكح عشرات من النساء، ولكنه يتزوج منهن واحدة فقط.

فالنكاح فرصة لخطبة النساء، والطلاق فيه انهاء لهذه الخطبة، والله تعالى شدد ووعظ بالعفو في حالة الطلاق من النكاح، ومنه، ما طاب لنا، لا حدود لها، وما مفردات الكمّ من مثنى وثلاث ورباع الا أمثلة على أنه لا يضيرنا كم ننكح نساءا، أي نعقد عليهن كل على حدة، مرة من بعد مرة، في محاولة منا ان نجد من نسكن إليها، وهذه هي الكميّة التي تحدثت عنها سابقا اعلاه!
ولم يقل الله تعالى عن أننا يمكننا ان ننكح ثلاثة او اربعة او اثنتين ابدا، فلم يستخدم مفردات التعداد العددي بل الكميّ، وهذا لمن اتقى الله ، واضح وبيّن في آيات الله تعالى البينات أعلاه.

فأنا يمكنني أن أنكح ما طاب لي، من النساء، واحدة بعد الأخرى، وليس معا، حتى أجد "الواحدة" التي سأتزوجها منهن!

أما في قوله تعالى (وَإِنِ ٱمْرَأَةٌ خَافَتْ مِنۢ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ ٱلْأَنفُسُ ٱلشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا * وَلَن تَسْتَطِيعُوٓا۟ أَن تَعْدِلُوا۟ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا۟ كُلَّ ٱلْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَٱلْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا *  وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِۦ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمًا ) النساء – 128:130 


فنرى منها ما قلته من قبل عن عملية الطلاق، كما نرى أن الطلاق أحد الحلول، وليس كما يظنه كثيرون بكونه أمرا سيئا، ولكنه آخر الحلول، في القرءان الكريم، والحديث هنا من المساق عن امراة واحدة وليس كما علمنا التراث، ان الحديث هنا عن " زوجات للرجل لا يعدل بينهن" !
فمن اين افتروا على الله هذا الكلام ؟

أولا، لم يخاطب الله فردا، بل جماعة معا، اي أن الخطاب موجه للجمع وليس لفرد، ومن الطبيعي أن يكون الحديث عن النساء مقابل خطاب الجماعة في (
وَلَن تَسْتَطِيعُوٓا۟) ، ولو كان خطاب فرد، لتحول القول أن تعدل بين نفسك و امرأتك، فالعدل هنا " بين" النساء و "بين" المخاطَبين من الأزواج !

من بحثنا أعلاه في "العدل و، فواحدة"، وإن قمنا هنا بفهم أن هذه الآية تتحدث عن مجموعة زوجات لرجل، فهذا يعني ان هنالك في القرءان اختلاف، فالله تعالى في آية رقم 1 يقول (
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا۟ فَوَٰحِدَةً )، ثم هنا يقول (وَلَن تَسْتَطِيعُوٓا۟ أَن تَعْدِلُوا۟ بَيْنَ ٱلنِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ )، فإن فهمنا أن الحديث عن الزوجات، سنُدخِل القرءان في اختلاف لا بدّ! فمرة يقول ويأمرنا بواحدة ومرة تجاوز هذا القول وتغاضى عنه وكأه من المُسَلّمات، فتحدث عن تعدد زوجات !!
وهذا والله ليس ما أتى به القرءان، فالزوجة واحدة، والعدل يتحدث كما قلنا عن عدد وليس كمّ!

الحديث والمساق في هذه الايات يتحدث عن خلاف بين اثنين، وليس ثلاث أو أكثر، ومنه، وبوجود الحكّام بين الطرفين، فالايات تتحدث عن أكثر من طرف، اقلهما اثنين، فيكون كل شيء " بينهما" (
فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَآ أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَٱلصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ ٱلْأَنفُسُ ٱلشُّحَّ ) ، أو وجود حكّاما بينهما ايضا، وكل هذا لتتم عملية الحكم فيما هما عليه، أو بسببه، لا يرغبان بالبقاء مع بعضهما البعض، وهذا يحدث كثيرا في كل عائلة وبين كل زوجين، ومنه، يجب الحكم "بينهما" بالعدل، ولن نستطيع العدل بين النساء، وبين أزواجهن!

وبالفعل، فكما يُقال لغة، البيوت اسرار، ومنه، لن نستطيع الحكم بينهما، بالعدل، فهنا الحديث ليس عن القسط، بل العدل، كما وضحنا اعلاه، والعدل يكون بإعطاء قيمة في الحكم، تكون الأقرب للحق، فلو كان الحديث عن القسط، لكان هنالك اكثر من امرأة، فالقسط يتطلب كثرة العدد، أما العدل، فيكون في امر محدد معيّن، وهو يدلّ على القيمة في الحكم في هذا الأمر.

الخلاصة، كي لا يتم احتساب كل كلامي هذا غثاءا، في قوله تعالى عن العدل بين النساء، لم يذكر الزوجات، لا من قريب ولا من بعيد، وهذا من افتراء اهل التراث على القرءان، فالحديث هو عن العدل بين النساء عامة. وهي مثل قوله تعالى في الحكم بين الناس بعمومه "
وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكمبين الناس فيما اختلفوا فيه"، وكذلك بين النساء وأزواجهن بعمومهم.

فالحَكَم هو من سيقرر حكمه بين الرجل وزوجته، وهذا نستشفه من قوله تعالى ( وَأُحْضِرَتِ ٱلْأَنفُسُ ٱلشُّحَّ ) وقوله ( وَإِن تُصْلِحُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ) ومن قوله ( وَإِن يَتَفَرَّقَا ) ، فطبيعة الخطاب تتحدث عن موقف اصلاحي بينهما كمحاولة أخيرة للصلح بينهما، فلا يجب بالحَكَم ان يميل في حكمه عن الحق، ولن يستطيع الحكم بالحق، ومنه، فليحكم قدْر الإمكان قريبا من الحق، فالحديث هنا عن الإستطاعة، ولا يكلف الله نفسا الا وسعها في هذا الأمر كما قرأنا أعلاه في موضوع القسط في الكيل، فلن نستطيع ان نكيل بدقة مطلقة.

______________

النبيّ وأزواجه:

لن أتحدث كثيرا عن النبيّ هنا، ولكن وباختصار، ما تعلمته من القرءان، أنه حالة خاصة، لا نستطيع القياس أو الحكم من خلالها، ولا نعلم من القرءان مِنْ حِكَمِ الله تعالى في السماح له بأكثر من زوجة، ولا نعلم عددهن، كما يدّعي التراث، وأغلب ظني، من فهمي الشخصيّ، وظني من دراسة سورة الأحزاب، أنهن لا يتخطين الثلاث، ولا اعلم سوى حكمة زواجه من طليقة دَعِيه زيد.

والدليل على كون النبيّ حالة خاصة لا نقيس انفسنا عليها، بل الأدلّة، كثيرة في القرءان، لمن يريد البحث، اذكر منها هنا على سبيل المثال لا الحصر، تحريم الله تعالى، لمن حول النبيّ ان ينكحوا أزواجه من بعده، اي حتى أن يفكّروا بطلب أيديهنّ، وهذا تحريم الحلال الذي هو مسموح لنا جميعا، فنحن يحل لنا نكاح نساء مات أزواجهن، لكن النبيّ كان مُستَقصَيَا من هذا الأمر (
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَدْخُلُوا۟ بُيُوتَ ٱلنَّبِىِّ إِلَّآ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَٱدْخُلُوا۟ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَٱنتَشِرُوا۟ وَلَا مُسْتَـْٔنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِى ٱلنَّبِىَّ فَيَسْتَحْىِۦ مِنكُمْ وَٱللَّهُ لَا يَسْتَحْىِۦ مِنَ ٱلْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَٰعًا فَسْـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا۟ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓا۟ أَزْوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦٓ أَبَدًا إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا )  الأحزاب – 53 ، ففي هذه الاية نجد كثير من الأمور التي تخصّ النبيّ وحده، وكذلك ازواجه، في تبرجهن وحركتهن ورؤيتهن!
بل قام الله تعالى بتحديد من يستطيع الزواج بهنّ، في آيات أخرى، ممن هنّ حلال لنا، فحرمهن عليه، وكذلك  في نهاية الأمر، منعه بعد وصوله عددا معينا، أن يتزوج من أخرى قطعا، أو أن يطلق منهن أحدا فيبدلها بأخرى.

ومنه، النبيّ حالة خاصة، لن أناقشها، ولن اقيس ولن أجتهد ولن افتري على الله الكذب بالقول عنه كأنه أحدنا في هذا الأمر.

فما أتانا به القرءان نأخذه، وما نهانا عنه ننتهي عنه. ولن أقِفُ ما ليس لي به علم.

______________

خلاصة البحث:

- مفردة نكاح غير مفردة زواج
- النكاح هو اتفاق وعهد وعقد بين اثنين، ذكر وأنثى، يتفقان به على البقاء معا، وبه، يمكنهما فعل اي شيء الا الإفضاء لبعضهما البعض، أي لغة، الدخول بها، اي النوم مع بعضهما البعض
- النكاح هو إعلان وعقد مبدئي يدخل ضمنه الرجل والمرأة في ارتباط يسمح لهما بكثير من العلاقات بينمها الا الجنس، اي الدخول بها.
- الزواج هو بلوغ عقدة النكاح وحدوث الافضاء بين الاثنين.
- التعدد في الزواج غير مذكور في القرءان الا في حالة النبيّ بشكل خصوصيّ غير معمّم.
- التعدد في النكاح فقط وليس الزواج.
- تعدد النكاح ليس تعدادا للعدد بل الكم، ولهذا استخدم مفردات لا تدل على العدد بل الكميّة !
- العدد عادة له حدود بينما الكميّة لا حدود لها.

إنتهى.

والله المستعان

ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة، وإن كنت لم أصل إلى مراد الله تعالى الذي نطمح كلنا إليه –فهو سبب تدبرنا – فعسى أن تصححوا خطاي وأكون لكم من الشاكرين.

مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرءان الكريم

اجمالي القراءات 10895