انعكاسات الانحلال الخلقى فى المجتمع المملوكى
فى الزى(النقاب والموضة )

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٠ - مايو - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

  

ج3 / ف 4:انعكاسات الانحلال الخلقى فى المجتمع المملوكى:فى الزى(النقاب والموضة )

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

الجزء الثالث : أثر التصوف فى الانحلال الأخلاقى فى مصر المملوكية 

الفصل الرابع: انعكاسات الانحلال الخلقى فى المجتمع المملوكى

فى الزى ( النقاب والموضة ):

ــ ( الزى والتصوف ، الحجاب والنقاب والانحلال ،الحجاب والموضة ، زى البغايا ، زى المرأة والشذوذ.)                                                                    

*الزى والتصوف :

 1 ــ الأديان الأرضية تُعوّل كثيرا على الزّى ، ورجال كهنوتها لهم زى خاص يتميزون به عن باقى الناس . تجد زيا خاصا لارباب الديانات الأرضية المسيحية والمحمدية أيضا ، خصوصا الشيعة والصوفية .وللتصوف اهتمام زائد بالزى عموما حتى أن من شعائر الدخول فى دين التصوف ( لبس الخرقة) فأصبحت الخرقة علامة التصوف .وأصبح لكل طريقة خرقتها المميزة التى يعرف بها أتباع الطريقة عن غيرهم.

2 ــ  وحين جنح التصوف فى بدايته للانحلال الخلقى والايقاع بالنساء كان الزى الصوفى الملون من وسائله ، ويقول ابن الجوزى فى القرن السادس( وعولوا على الترقع المعتمد به التحسين تلميعا والمشاوذ بألوان مخصوصة أوقع فى نفوس العوام والنسوة من تلميع السلاقطون بألوان الحرير ، واستمالوا النسوة والمردان بتصنع الصور واللباس، فما دخلوا بيتا فيه نسوة فخرجوا إلا فساد قلوب النسوة على أزواجهن).. (ويستصحبون المردان فى السماعات يجملونهم فى الجموع مع ضوء الشموع، ويخالطون النسوة الأجانب يتصنعون لذلك حجة الباسهن الخرقة)[1].

 3 ـ وعندما تسيد التصوف العصر المملوكى أصبح الزى زينة أساسية من مظاهر الانحلال الخلقى خصوصا ماكان منه متصلا بالتصوف اتصالا مباشرا. فالمغنى فى السماع الصوفى يجب أن يكون حسن الوجه حسن الزى حسن الحركات ليوقع بالنساء الحاضرات( وهن ناقصات عقل ودين، سيما إذا انضاف إليه كون المغنى شابا حسن الصورة والصوت ويسلك مسلك المغنيات فى تكسيرهن وسوء تقلباتهن، مع ماهو عليه من الزينة بلباس الحرير والرفيع). لذا حتموا أن يكون المغنى ( شابا نظيف الصورة حسن الكسوة والهيئة) والمرأة إذا ذهبت للسماع خرجت(فى أحسن الثياب والطيب والزينة والحلى )[2]

 4 ــ وفى مواسم الانحلال العادية كان ( التزخرف ) فى الزى مظهرا أساسيا ففى حوادث 865( خرج الناس عن الحد فى الفتك والقصف بسبب الفرجة فى بولاق ، ونصبوا هناك الخيام حتى سدوا رؤية البحر، يقيمون فى الرمل ليلا ونهارا من نساء ورجال وهم فى غاية التزخرف )[3]. وفى الخليج كانت النساء يركبن المراكب مع الرجال ( مكشوفات الوجه بكوافى الذهب على رؤوسهن)[4]

* النقاب وسيلة الانحلال:

   1 ــ وحين انتشر التصوف وتسيد كان الناس قد تعودوا من قبل إلزام المرأة بالنقاب وألا تكشف وجهها. حتى أصبح كشف المرأة وجهها حدثا خطيرا لايحدث إلا فى :

1 / 1 : الفواجع والطوارىء كالزلازل ، ففى زلزال 886( ترك النساء منازلهن وهن سافرات الوجوه) [5].

1 / 2 : أو حين تزول الحواجز بين المرأة والرجل كما لو كانا زوجين يكون التعبير عن ذلك (باختلاط النساء بالرجال) أو( كشفت له عن وجهها) فكانت زوجة الشيخ عثمان البريمى تخرج سافرة الوجه على الشيخ عثمان الحطاب وكذلك زوجة الآخر مع الآخر ويأتى كل واحد منهما إلى دارالآخر( فيختلى بزوجة الآخر وتخرج له ما يأكل وما يشرب فى غيبة الآخر)[6].

1 / 3 : ماكانت النسوة يفعلنه حين يتأهبن للذهاب للقرافة بما تعنيه القرافة من حرية فى الاختلاط بالرجال ، يقول ابن الحاج عن هيئة النساء حين يخرجن للقرافة( وفى القرافة تختلط النساء بالرجال فى سماع الواعظ او الواعظة فى الغناء والسماع، فإذا وصلن البلد تنقبن واستترن، وصار ذلك عادة تستتر المرأة فى البلد ولا تستتر فى القبور أو الطريق إليها) [7]. ويقال عن النساء فى هذا الحال أنهن ( تبرجن).

 1 / 4 : ولم يكن ذلك منكورا حين تكون المرأة المتبرجة من العاهرات الواقفات على قارعة الطرق تُعلن عن نفسها وحرفتها : ( ولايُنكر فيها إظهار أوانى الخمر ، ولا آلات الطرب ذوات الأوتار ، ولاتبرج النساء العواهر) [8]   . فالعاهرة تكون ( مكشوفة الوجه) فى العادة ، وغيرها تتنقّب .

2 ــ  وفى مناسبات الانحلال الخلقى من الذهاب للقرافة أو للنزهة فى النيل كان الفارق ينمحى بين العاهرات المحترفات والنسوة الأخريات فى كشف الوجه والتصرف مع الرجال بحرية . وفى النيل كانت المراكب تخرج ( ويحصل) فيها من ( الفساد والتظاهر بالمنكرات وتبرج النساء فى المراكب وجلوسهن مع الرجال مكشوفات الوجوه بكوافى الذهب على رؤسهن وتعاطيهن الخمر)[9] .

وقد أبطل بيبرس الجاشنكير هذه العادة.

 3 ــ  وإلزام المرأة بالنقاب ليس من الإسلام فى شىء فوجه المرأة ليس عورة ، إذ كانت المرأة المسلمة فى عصر الرسول مكشوفة الوجه وقد قال تعالى للنبى : ( لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ  (52) الأحزاب ) .والحُسن فى الوجه الذى كان سافرا. والحجاب الذى ورد فى قوله تعالى عن أمهات المؤمنين (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ) (53)  الأحزاب  ) ذلك الحجاب مقصود به الساتر الذى يحول بين الداخلين لبيت النبى وبين أمهات المؤمنين . ولم يرد فى آيتى زى النساء(النور 31، الأحزاب 59)، مايفيد تغطية الوجه وإنما تغطية ماعدا الصدر . وعليه فإن النقاب مزايدة على شرع الله وتشريع ماأنزل الله به من سلطان . إلا أن تراث المسلمين الفكرى قد أوجب النقاب على وجه المرأة الحُرّة فقط ، بينما كان جسد المرأة الجارية مستباحا للنظر والفحص فى أسواق الجوارى ، وفى بيوت أسيادهن أيضا . نقاب المرأة الحُرّة ارتبط بدخولها عصر الانحراف الخلقى ، تنافست فيه الحرائر والجوارى منذ العصر العباسى الثانى . على أن عفة المرأة لاترتبط بقطعة قماش تغطى بها وجهها وإنما ترتبط بعقيدة صحيحة وتقوى لله وسلوك إسلامى صحيح ، وقد ازدادت كثافة النقاب مع ازدياد ابتعاد عقيدة المسلمين عن القرآن النص الوحيد المعبر عن الإسلام الحقيقى.

 4 ــ على أن وجود النقاب فى عصر التصوف والانحلال الخلقى يعبّر بصدق عن التدين السطحى المُنافق أو التمسك المظهرى بالتدين والاكتفاء بالمظهر دون المضمون . وتحت شعار النقاب انتشر الانحلال ، بل كان النقاب أكبر مشجع على الانحلال إذ أخفى شخصية المرأة  وأتاح لها حرية التنقل هنا وهناك دون أن يتعرف عليها أحد.  وهكذا أصبح ـ النقاب ـ مجرد مظهر سطحى للتقوى تختفى تحته أجساد أدمنت الانحلال ، بل أن الحجاب أو تغطية الوجه ـ أتاح فى الماضى ـ ويتيح فى الحاضر ـ للمرأة أن تمارس  انحرافها كما تشاء فطالما سارت منقبة  فى الشارع ودخلت أى مكان فلن تعرف شخصيتها، وذلك ماهو شائع فى بيئات لاتزال تحافظ على النقاب دون تربية إسلامية صحيحة .

5 ــ  وفى العصر المملوكى كانت النساء يخرجن من الحمامات متنكرات فى ملاحف الخدامات وقد جهزت القوادات لهن الثياب والحلى [10]. وبعد انتهاء المهمة يعدن للبيت وهن يرتدين النقاب الذى خرجن به وكأن شيئا لم يكن.

6 ــ  وهكذا ترسب فى شعور الشرقيات أن أهم الالتزامات الخلقية هو إخفاء الوجه دون تقيد كبير بعفة الجسد أو حتى بتغطيته، وظل ذلك سائدا حتى العصر العثمانى ، فقد زار كارستن نيبور مصر فى القرن الثانى عشر الهجرى وسجل ملاحظاته يقول ( ويبدو أن النساء المسلمات لايعلقن على قطعة أخرى من ملابسهن أهمية أكثر من تلك التى يعلقنها على القطعة التى يغطين بها وجوههن إذا اقترب منهن رجل.  وقد فاجأ أحد الإنجليز ذات مرة امرأة كانت تستحم فى الفرات قرب البصرة فوضعت يدها على وجهها ولم تهتم بغيره مما أتيح للغريب رؤيته.. وقد حكت لى إحدى الآنسات الأجنبيات فى القسطنطنية أنها كانت بباب حجرة الاستقبال فى الحمام وأتت صاحبة الحمام لاستقبالها وإذا برجل يظهر فجأة فما كان من المرأة التركية إلا أن أخفت وجهها بالإحرام ، والفلاحون فى مصر نادرا مايلبّسون بناتهم قبل السابعة أو الثامنة من عمرهن قميصا ولكنهم يعطونهن دائما منديلا طويلا ضيقا يلففنه حول رؤوسهن ويسحبنه على وجوههن إذا اقترب منهن رجل غريب، ولقد رأيت بنفسى فى مصر بنات فلاحات أقبلن نحونا ليروننا وكن عاريات تماما ، ولكنهن غطين وجوههن قبل أن يأتين)[11]. إذن فالمهم هو تغطية الوجه وإخفاء الشخصية وتعرية الجسد!!

*النقاب والموضـــة:

         1 ــ وذلك النقاب الذى حرصت عليه المرأة المملوكية لم يمنعها من الإسراف فى تغيير شكل الزى الخارجى( حسب الموضة) أى كانت امرأة متحررة بكل ماتعنيه الكلمة ، وخروجها المستمر للشارع وأماكن اللهو والعبادة الصوفية كان يعنى الحرص على زينتها واتباعها ( الموضة).

2 ــ  وكان تطرف المرأة المملوكية فى اختراع هذه( الموضات) غالبا مايواجه بإنكار من السلطة المملوكية خصوصا فى أوقات الأزمات كالشأن فى الإنكار على كل مظاهر الانحلال الخلقى.

ففى سنة 751  انتشرت موضة الأزياء الواسعة بين النساء يقول المقريزى( كانت النساء قد أسرفن فى عمل القمصان والبغالطيق حتى يفضل من القميص كثير على الأرض ، وسعة الكم ثلاثة أذرع وتسميته البهطلة، وكان يغرم على القميص ألف درهم وأكثر ، وبلغ إزار المرأة إلى ألف درهم، وبلغ الخف والسرموزة خمسمائة درهم وما دونهما إلى مائة درهم ، فأمر الوزير منجك بقطع أكمام النساء وأخرق بهن ، وأمر الوالى بتتبع ذلك ونودى بمنع النساء من عمل ذلك ، وقبض على جماعة منهن ، وركّب على سور القاهرة صور نساء عليهن تلك القمصان بهيئة نساء قد قتلن عقوبة على ذلك ، فانكففن عن لبسها ومنع الأساكفة من عمل الأخفاف الثمينة)[12].

  3ــ  وفى سنة 793 انتشرت موضة أخرى هى الأكمام الواسعة( حتى أن الواحدة منهن تفصل القميص من اثنين وتسعين ذراعا من البندقى الذى عرضه ثلاثة أذرع ونصف ، وتشمر أكمامها فيصير جميع بدنها من الداخل مرئيا) على حد قول الصيرفى[13] .

ويقول المقريزى( نودى بالقاهرة أن لاتلبس امرأة قميصا واسعا لاتزيد على تفصيل من أربعة عشر ذراعا ، وكان النساء قد بالغن فى سعة القمصان حتى كان يفصل القميص الواحد من اثنين وتسعين ذراعا من البندقى الذى عرضه ثلاثة أذرع ونصف فيكون مساحة القميص زيادة على ثلاثمائة وعشرين ذراعا. وفحش هذا حتى تشبه عوام النساء فى اللبس بنساء الملوك والأعيان)[14].

أى انتشرت الموضة لتشمل كل المستويات . ونزل الأمير كمشبغا نائب الغيبة بجماعته إلى الأسواق والشوارع ( وقطعوا أكمام النساء الواسعة فامتنع النساء من يومئذ أن يمشين بقمصان واسعة مدة نيابة الأمير كمشبغا ، ثم عدن إلى ذلك بعد عودة السلطان)[15] .

4 ــ ويقول العينى عن القمصان التى حيكت طبقا لأوامر كمشبغا : ( ومن ذلك اليوم أخرج النساء قمصان ضيقة للأكمام وسموها قميص كمشبغا إلى الآن)[16] أى عاشت  هذه الموضة من سنة 793 إلى منتصف القرن التاسع ، بينما عادت الأكمام الطويلة سريعا حتى أنه فى العام التالى سنة 794 نادى نائب الغيبة ( بألا تخرج امرأة من بيتها ولايذهب أحد إلى أماكن المتنزهات وألا تلبس امرأة قميصا بأكمام كبار  وكان قد أفحشن فى ذلك حتى خرجن عن الحد)[17].

 5 ــ أى إنّ من سمات الموضة  أنها تتغير حسب الهوى ، ففى القرن الثامن عرفت النسوة الزى الضيق الملتصق بالجسد مما أثار الفقيه الصوفى ابن الحاج على ذلك: ( الإزار الرفيع الذى لو عمل على عود لأفتن بعض الرجال فى الغالب لحسن منظره وصقالته ورقة قماشه) [18] . وخصوصا تلك الملابس القصيرة جدا والضيقة المحبوكة على الجسد وكانت تلبس أساسا للخروج للقرافة وتخلع بداخل البيت [19].

6 ــ  وفى عصر ابن الحاج انتشرت موضة الشاش ( وهو شىء اقترحته النساء على رؤسهن مثل سنم الجمل ، طوله نحو ذراع وارتفاعه نحو ربع ذراع ، ويرخونه على ظهورهن ويزخرفنه بالذهب واللؤلؤ، وبالغن فىذلك غاية المبالغة، وكانت هذه بدعة سيئة من النساء)[20].

7 ــ وقد أحدثت النساء هذه البدعة على حد قول المقريزى سنة780 .

ولأنها تشبه البخت كما جاء فى حديث يعتبر ذلك من علامات القيامة فإن الإشاعة انتشرت فى القاهرة سنة 787 بأن الرسول جاء فى المنام لإحدى النساء ينهاها عن لبس الشاش فلم تنته فجاءها مرة ثانية يقول( قد نهيتك عن لبس الشاش فلم تسمعى ولبستيه، ماتموتى إلا نصرانية) وماتت على النصرانية حسب الأسطورة ، يقول المقريزى معلقا ( نعوذ بالله من سوء عاقبة القضاء)[21].

 أى أن السلطة المملوكية حين تهاونت فى مقاومة موضة " الشاش" هب الفقهاء لتخويف النساء بهذه المنامات . وتلك عادة حنبلية نشأت فى القرن الثانى الهجرى حين ألّف الفقهاء صُنّاع الأحاديث أحاديث تنهى عن تسريحة النساء شعورهن لتشبه أسنمة البُخت ، ولعن من يقمن بعمل ( المكياج ) ولبس الشعر المستعار أو الباروكة ، واتهامهن بتغيير خلق الله .!!.

8 ــ  وكما يحدث فى عصرنا من تأثر الموضة بالأحداث الهامة كان مثله فى العصر المملوكى ، فقد وجد عمودان من الصوان فى آثار قصر الزمرد الفاطمى فأمر السلطان بسحبهما إلى عمارته ( وكان لهما يوم مشهود ، قال فيه الشعراء عدة مقاطيع ، واقترحوا بالاسكندرية قماشا للنساء من الحرير ، سموه جرّ العمود )[22].

زى البغايا:

1 ــ  وكان لبعض البغايا زى خاص يعرفن به حين يقفن فى الطرقات والأسواق ، يقول المقريزى ( وأدركت سوق الشماعين من الجانبين معمور بالحوانيت .. وكان يجلس به فى الليل بغايا يقال لهن زعيرات الشماعين لهن سيماء يعرفن بها ، وزى يتميزن به ، وهو لبس الملاءات والطرح وفى أرجلهن سراويل من أديم أحمر )[23].

2 ــ ومن الطبيعى ألا تتقيد بقية العاهرات بزى بغايا الشماعين ، وفى مناقب الفرغل مر بعضهم ( على النساء الفاجرات وهن مزينات مكشوفات الوجوه..) [24]. وطبعا هناك فرق بين بغايا سوق الشماعين بالقاهرة وبغايا أبوتيج فى الصعيد.

*زى المرأة والشذوذ:

        1 ــ وأدى انتشار الشذوذ الجنسى إلى تشبه النساء بزى الصبيان لإغراء الرجال. وكان الظاهر بيبرس جادا فى محاربة كل انحلال لذا نودى بالقاهرة ومصر ، (إن امرأة لاتعمم بعمامة ولا تتزيا بزى الرجال . ومن فعلت بعد ذلك بثلاثة أيام سلبت ماعليها من كسوة .)[25] . وكان ذلك سنة 662 

2 ــ وكالعادة استمرت النساء فى عادتهن بعد فترة توقف ، وكان اختراع موضة الشاش ـــ  وهو أشبه شىء بعمامة الرجال ـــ  عودة لذلك التشبه بالرجال ـ

وبعد انقراض موضة الشاش عادت موضة العصائب المقنزعة التى تشبه عمامة الرجال ، ففى سنة 876 أمر السلطان قايتباى ( بألا يلبس النساء عصائب مقنزعة ولاسراقوس )[26].

  3 ــ  وبإنتشار الشذوذ الجنسى ظهر اختراع زى جديد للرجال يقترب من مظهر النسوة اللائى يحاولن من جانبهن التشبه بالرجال ، وذلك الصلح الجديد بين الرجال والنساء تمثل فى الطواقى التى اخترعت فى الدولة الشركسية وأقيمت لها حوانيت يقول عنها المقريزى ( معدة لبيع الكوافى والطواقى التى تلبسها الصبيان والبنات). أى أن الذكور والإناث لبسوا معا هذه الطواقى . ثم مالبث أن لبسها رجال الدولة يقول المقريزى: ( وقد كثر لبس رجال الدولة من الأمراء والمماليك والأجناد ومن يتشبه بهم للطواقى فى الدولة الشركسية ، وصاروا يلبسون الطاقية على رؤوسهم بغير عمامة ، ويمرون كذلك فى الشوارع والأسواق والجوامع والمواكب ، لايرون بذلك بأسا بعد ماكان نزع العمامة عن الرأس عارا وفضيحة ) .

ثم يتحدث عن زخرفة تلك الطاقية لتكتسب المظهر الأنثوى( ونوعوا هذه الطواقى مابين أخضر وأحمر وأزرق وغيره من الألوان ، وكانت ترتفع نحو سدس ذراع ، ويعمل أعلاها مدورا مسطحا . فحدث فى أيام الناصر فرج منها شىء عرف بالطواقى الجركسية ، يكون ارتفاع عصابة الطاقية منها نحو ثلثى ذراع وأعلاها مدور مغيب، وبالغوا فى تبطين الطاقية بالورق والكثيرة فيما بين البطانة المباشرة للرأس والوجه الظاهر للناس ، وجعلوا من أسفل العصابة المذكورة زيقا من فرو القرص الأسود يقال له القدنس فى عرض نحو ثمن ذراع ، يصير دائرا بجبهة الرجل وأعلى عنقه، وهم على استعمال هذا الزى إلى اليوم، وهو اسمج ماعانوه .!! ).

4 ــ  ونصل الى هدفنا ، فالمقريزى يقول عن سبب انتشار ذلك الزى : ( ويشبه الرجال فى لبس ذلك النساء، لمعنيين أحدهما أنه فشا فى أهل الدولة محبة الذكران فقصد نساؤهم التشبه بالذكران ليستملن قلوب رجالهن ، فاقتدى  بفعلهن فى ذلك عامة نساء البلد، وثانيهما ماحدث بالناس من الفقر ونزل بهم من الفاقه فاضطر حال نساء أهل مصر إلى ترك ما أدركنا عليه النساء من لبس الذهب والحرير وغيره وتواصين على لبسها. )[27]. فالمقريزى يشير إلى أن النساء والرجال لبسوا معا تلك الطواقى، ويعلل ارتداء النسوة لها بانتشار الشذوذ الجنسى فى أهل الدولة ، وينسى أن التصوف هو الأصل فى ذلك فهو الدين الحقيقى لأهل الدولة وشعبها.

 

 

 



[1]
ـ تلبس ابليس 360 .

[2] ـ ابن الحاج . المدخل جـ 2 / 165 ، جـ 1 / 155 ، 158 .

[3]ـ تاريخ ابن اياس جـ 2 / 373 : 374  .

[4] ـ السلوك جـ 2/1 / 29 .

[5]ـ تاريخ ابن اياس جـ 3 / 173 .

[6] ـ لواقح الأنوار للشعرانى 180 ، 360 .

[7] ـ المدخل جـ1 / 151 ، 160 : 161

[8] ـ خطط المقريزى جـ2 / 55 .

[9] ـ السلوك جـ 2 / 1 / 29 .

[10] ـطيف الخيال 161 .

[11] ـ رحلة كارسن نيبور إلى مصر . ترجمة مصطفىماهر ط 1977 ، 297 : 298

[12] ـ خطط المقريزى جـ3 / 243 .

[13] ـ نزهة النفوس جـ1 / 335 .

[14] ـ. السلوك ج3/2/750 : 751.

[15] ـ السلوك ج3/2/750 : 751.

[16] ـ عقد الجمان لوحة 436 سنة 793.

[17] ـ تاريخ ابن اياس ج1/2/448 :449

[18] ـ. المدخل جـ 2 / 25 ، جـ 1 / 200 ، 201 .

[19] ـ المدخل جـ 2 / 25 ، جـ 1 / 200 ، 201 .

[20] ـ تاريخ ابن اياس ج1/2/362.

[21]. السلوك ج3/2/534 : 535

[22]تاريخ ابن اياس ج1/2/154.

[23] ـ. خطط المقريزى ج2/462.

[24] ـ مناقب الفرغل مخطوط :26

[25] ـ السلوك جـ 1 / 2 / 503 .

[26] ـ أنباء الهصر 388

[27] ـ خطط المقريزى جـ 2 / 476 : 477 

اجمالي القراءات 9671