القرآن الكريم لغة الحياة ، وما يقوله القرآن عن البشر يتجسد واقعا في حياة الناس ولا تملك إلا أن تقول ، صدق الله العظيم "
( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ( البقرة 195 )
أولا :
يحرم القرآن الكريم اكتناز الأموال والذهب والفضة "( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ)( 9/34: 35")
ويتوعد رب العزة فى القرآن ـ مرتين ـ ذلك الذي ينشغل باكتناز الأموال بأن يكون عذابه في الدنيا من خلال أمواله وأولاده: (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ) (وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) ( 9/55 ، 85 )، ويحذر القرآن من تركز الثروة وما تؤدي إليه من وقوع انفجار في المجتمع من الداخل أو من الخارج ، وهي التهلكة التي تنتظر أي مجتمع تتسع فيه الفجوة بين الأغنياء المترفين ، والفقراء الجائعين، يقول تعالي "( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) ( البقرة 195 ) .
هذا هو الإسلام ،ولكن الإسلام في واد والمسلمون في واد آخر ، ولهذا عرف المسلمون في تاريخهم كثيرا من المهالك ــ التهلكة ــ كان سببها ما حذر منه كتاب الله ، أي تركز الثروة في أيدي المترفين علي حساب الجائعين . ونضرب اليوم مثلا تاريخيا من الدولة العباسية المترفة التي واجهت ثورة الزنوج الجائعين (255ـ 270هـ).
ثانيا :
1ـ والحديث عن ترف العباسيين يستغرق مجلدات ، ولكن نكتفي منه ببعض اللمحات .
فقد ظهر ترف العباسيين في منحهم الأموال في سفه للشعراء المنافقين ، فالشاعر مروان بن حفصه مدح الخليفة الهادي فأعطاه ( 130 ألف دينار ) والرشيد أعطي الشاعر منصور النمري ( مائة ألف) وأعطي اسحق الموصلي(200 ألف).
2 ـ وتحدث المؤرخون عن تبذير الأموال الذي ظهر في حفل زواج الخليفة المأمون من بوران بنت الوزير الحسن بن سهل . فقد كتب الوزير أوراقا فيها أسماء ضياع وثروات وجعلها في بندق ونثرها علي الحاضرين فكل من أخذ واحدة كسب ماهو مكتوب فيها ، ويقول المسعودي إن الوزير نثر الأملاك والأموال مالم ينثره ولم يفعله ملك قط في جاهلية ولا في إسلام ..!! ويقال إن جملة ما أنفقه يبلغ ( 50 ألف ألف درهم ) ..!!
وكان الوزير يجري علي طريقة خليفته المأمون ، فقد وصل للخليفة إيراد وصل إلي( 30 مليار درهم ) ففرق علي أتباعه ( 24 مليار) منها .
3 ـ وكان الذهب حلية العباسيين ، وكان الخليفة المعتز ( الذي قتل في السنة التي قامت فيها ثورة الزنج) أول من جعل الذهب في سرج دوابه ، وكان له تاج من الذهب وقلنسوة من الجواهر ووشاحان مليئان بالجواهر. وقد ثار عليه قواده من الأتراك فعزلوه من الخلافة وأقاموه في الشمس يلطمون وجهه ويقولون له : اعزل نفسك ، ثم بعد أن عزل نفسه قتلوه عطشا ، واختفت أمه ثم ظهرت بعد أن صالحت القائد التركي ابن وصيف فعفا عنها في نظير ما أعطته من أموال قيمتها( 3،1مليون دينار) وجواهر قيمتها (2مليون دينار).
4 ـ وتولي بعده الخليفة المهتدي الذي جنح للزهد ورفض الترف ، فأمر بإخراج أواني الذهب والفضة وضربها دراهم ودنانير ورفع فرش الديباج وذبح الكباش التي كان الخلفاء يتسامرون بمناطحتها. ولكن سرعان ما ثار القواد الأتراك عليه وقتلوه .
وتولي بعده الخليفة المعتمد الذي واجه ثورة الزنج ، وعاد لسيرة آبائه في الترف فقد كان له وراق يكتب شعره بماء الذهب ، وانتهي أمره إلي أنه كان يريد الدرهم والدينار فلا يستجيب له أحد . وقال ذلك الخليفة البائس في ذلك شعرا :
أليس من العجائب أن مثلي
يري ماقل ممتنعا عليه
وتؤخذ باسمه الدنيا جميعا
ومامن ذاك شيء في يديه
ثالثا :
1ــ وكانت ثروة المترفين في العصر العباسي ترجع إلي مجهودات الزنوج وعرقهم .. !!
فقد نشأ الإقطاع الزراعي من خلال الملكيات الواسعة التي كان يقطعها الخليفة لأتباعه ، وكان من أهم هذه الأراضي مناطق كثيرة من الأراضي البور في منطقة البطائح بالبصرة . ووقع علي الزنوج العبيد عبء استصلاحها، وتخصص التجار في استجلاب هؤلاء الزنوج من أفريقيا إلي جنوب العراق وحول الخليج ، وتكدست بهم هذه المنطقة ، حيث عملوا في استزراع الأراضي تحت ضرب السياط وسوء التغذية ، يحملون علي البغال الطبقة الملحية التي تكونت بفعل ظاهرة المد من الخليج العربي ، ويكشفون عن التربة الزراعية تحتها ، ويقومون بنقل أكوام الطبقة الملحية إلي حيث تباع بعد التكرير والبخر ملحا للغذاء .
وفي نظير هذا العمل الشاق كانوا يحصلون علي غذاء بائس من تمر وسويق ، في الوقت الذي كان فيه المترفون في بغداد بجانب الخليفة يأكلون طبق ( الجام) وهو ألسنة السمك ويبلغ ثمنه أكثر من ألف درهم !!
2ــ لذا كانت معسكرات الزنوج وقودا لثورة الزنج التي قادها علي بن محمد.
وقد ادعي النسب العلوي والتشيع ودعا للثورة في المنطقة بين الأعراب ثم ما لبث أن تحول للمذهب الخارجي حين وجه نظره لمعسكرات الزنوج ، وفي كلتا الحالتين استغل سوء الأوضاع والفجوة الهائلة بين الفقراء المعدمين في جنوب العراق وحول الخليج وبين المترفين في بغداد حول قصور الخلافة العباسية .
وقد استمرت ثورته من 225 ــ 270هـ . وتكاثر أتباعه ولم تتغلب عليه الدولة العباسية إلا بشق الأنفس .وقد دخل الزنج البصرة وأعمالها وخربوها وسبوا النساء وأحرقوا ما وجدوه ، وأعقب ذلك الوباء الذي أفني خلقا لا يحصون ، وذكر الصولي إن صاحب الزنج قتل من المسلمين نحو مليون ونصف المليون ، وأنه قتل في يوم واحد بالبصرة نحو ثلاثمائة ألف وكان له منبر في مدينته يصعد عليه يسب فيه الصحابة ، وقالوا أنه كان ينادي علي المرأة الهاشمية في معسكره بدرهمين وثلاثة دراهم لمن أراد شراءها، وأنه كان عند الواحد من الزنج العشر من السبايا الهاشميات يطؤهن ويستخدمهن ..
أبعد هذا تهلكه؟!
3ــ قبيل ثورة الزنج كان الخليفة المهتدي في جنوحه للزهد يقول لقومه : يابني هاشم دعوني حتى اسلك مسلك عمر بن عبد العزيز فأكون فيكم مثل عمر بن عبد العزيز في بني أمية .. ولكنهم تخلوا عنه وتركوه وحده يحارب الثائرين عليه من القواد الأتراك حتى قتل ، وتولي المعتمد العباسي فزينوا له أن يسير مسيرة أسلافه في الفساد والترف ، وكانت النتيجة أن أصبحت الحرائر من نساء بني هاشم سبايا في أيدي الثائرين من الزنج !!
أخيرا ـ ونخشى أن يكون قدر هذه المنطقة أن تشهد صراعا هائلا بين المسلمين ، سببه تلك الفجوة الهائلة بين المترفين والمعدمين .. ..
ولا يزال الدرس باقيا .
التعليقات (9) |
[54433] تعليق بواسطة رضا عبد الرحمن على - 2010-12-29 |
تحذير واضح ((ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة))
|
الفجوة الكبيرة والهوة الهائلة بين طبقات المجتمع وثروة الزنج
|
[54435] تعليق بواسطة رضا عبد الرحمن على - 2010-12-29 |
أسباب ثورة الزنج (سياسية ـ اقتصادية ـ اجتماعية)
|
تعددت دوافع الاستجابة لهذه الحركة ما بين سياسية، واقتصادية واجتماعية:
|
[54439] تعليق بواسطة أيمن عباس - 2010-12-29 |
انعدام عدالة التوزيع إيذان بالانهيار ..
|
وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم في التهلكة ..
|
[54445] تعليق بواسطة ميرفت عبدالله - 2010-12-30 |
على بن محمد والمهدي المنتظر .
|
التطرف دائما ما يصحب هذه الحركات فهى تبدأفي أولها معتداة بعض الشيء وينتهي بها الحال إلى الاعوجاج والتطرف عن مسارها التي رسمت من أجله ، وهذا نتيجة لعدم الاعتدال المؤدي للتهلكة التي حذرنا منها الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم .
|
[54446] تعليق بواسطة فتحي مرزوق - 2010-12-30 |
التناقض الواضح في حركة الزنوج قد أفرغها من أي صيغة عقائدية .
|
يظهر من تاريخ هذه الحركة وما كتب عنها أن علي بن محمد قد تلون بألوان كثيرة ليصل لهدفه وأضاع الشعارات والعدالة الاجتماعية والمساواة التي كان يوهم أصحابه بها وأنه يحارب من أجلها .
|
[54453] تعليق بواسطة رضا عبد الرحمن على - 2010-12-30 |
حركة الزنج كانت نتيجة لسد طرق الإصلاح
|
ثورة الزنج منذ عهد المتوكل العباسي غلبت سيطرة ُالعسكر الاتراك وقادتِهم على ازمة الامور في الدوله وأستأثروا بالعطاءات والاقطاعات واستبدوا بسلطان الخلافه حتى صاروا يولون ويعزلون الخلفاء كما يحلو لهم بل يقتلون ويسمون ويسجنون كلَ من لايحقق مطامعهم ومطامحهم من الخلفاء والوزراء. وقد حاول بعض الخلفاء ان يستردوا إلى منصب الخلافه سلطانـَه وهيبتـَه وان يستندوا في معارضة القاده الاتراك ومواجهتهم إلى تأييد شعبي عن طريق مهادنة المعارضين واظهار ِشيء ٍمن العدل والانصاف بين رعيتهم، حاول ذلك الخليفه المنتصر بالله العباسي سنة مئتين وسبع واربعين للهجره والمهتدي بالله العباسي سنة مئتين وخمس وخمسين للهجره ولكن الاتراك تخلصوا منهم بالعزل والسم والقتل، فما حكم كلُ واحد منهما الا عاما واحدا فقط.
|
[54461] تعليق بواسطة عائشة حسين - 2010-12-30 |
تى تعود الطبقة الوسطى
|
ثورات الزنج وأي ثورات ضد المفسدين والمترفين سببها هو عدم وجود عدالة في توزيع الثروة ، ووجود حقد من الفقراء الكادحين على الأغنياء المترفين ، لم يستطع المشايخ ولا مثقفي الحاشية تبريره ، وفض غيظ الناس ، فتشتعل الثروة وتقضي على الأخضر واليابس ،ومن اهم سمات هذا المجتمع :اختفاء الطبقة الوسطى وانقسام المجتمع إلى طبقتين فقراء وهم الكثرة أغنياء وهم القلة وهذا ما نجده في مجتمعنا الآن فلا وجود للطبقة الوسطى مع زيادة عدد الفقراء والذين تحت خط الفقر بإحصاء أجهزة الدولة نفسها ، مع العلم أن هناك إحصاء مغرض مسلح من احد النواب الموقرين : يقول إن زيادة عدد السياران وأجهزة التكييف دليل على ارتفاع مستوى المعيشة !! فتم إجراء إحصاء حول هذا الموضوع ،فالنتيجة كانت مخجلة إذ ان مالكي السيارات وأجهزة التكييف والشقق في المنتجعات هم هم القلة الثرية من علية القوم ، والسؤال هو متى تعود لمجتمعنا المصري الطبقة المتوسطة التي طال غيابها عنه والتي تعطي إشارة صح على أن المجتمع يسير في الطريق الصحيح ؟؟
|
[54470] تعليق بواسطة سعدون طه - 2010-12-30 |
هل الجوع كافر
|
الجوع كافر كلمتان يتم تكرارهما على السنة معظم المصريين والعرب
|
[54502] تعليق بواسطة عبدالمجيد سالم - 2010-12-31 |
التطور نحو العدالة ..!!
|
مسيرة البشر منذ ان خلقهم الله .. وهي البحث عن العدالة .
|