مصراوي.. ما هي طبيعة عملك في ناسا؟
حجي.. أعمل في معمل محركات الدفع الصاروخي بوكالة ناسا الأمريكية في القسم المختص بالتصوير بالرادار والذي يشرف على العديد من المهام العلمية لاكتشاف كواكب المجموعة الشمسية، كما أشرف على فريق بحث علماء يعملون ضمن مشروع لدراسة المذنبات علاوة على العمل في أبحاث استكشاف الماء في المريخ وتدريب رواد الفضاء، وأشغل منصب أستاذ لعلوم الفضاء بجامعة باريس بفرنسا.
مصراوي.. هل من الممكن أن تستفيد مصر من أبحاثك وعملك في ناسا؟
حجي.. لاشك أن اكتشاف الماء على المريخ هذا نافذة كبيرة لمصر وتم اختياره كأهم بحث في القرن الـ 21 في مجلة نيتشر/ ساينس/. وأهمية معرفة أماكن المياه على كوكب المريخ، هي أن معظم الأرض صحراء وفي مصر 92% من الصحراء جافة.. بالرغم من أنها منذ بضعة الآف السنين كانت أودية خضراء، ومصر فيها مخزون هام للمياه تحت أرضها وهذا ثراء لمصر وإذا استخدمنا التكنولوجيا الحديثة نستطيع أن ندرس ونكتشف هذه المياه بشكل أدق وبتكلفة أقل من الحفر المباشر.. هذا سيسهل بناء مدن جديدة وعدم التمركز في القاهرة ومن هنا ستحل مشاكل كثيرة.
مصراوي.. هل حدث تواصل بينك والحكومة المصرية للاستفادة من أبحاثك؟
حجي.. بشكل رسمي لم يحدث؛ ولكن هناك بعض المشاريع التي تطرح بمبادرات فردية من بعض الأشخاص وأغلبها يتوقف بسبب عقبات إدارية وبيروقراطية كثيرة.. الغريب أن كل النجاحات العلمية في مصر فردية حيث لا توجد مؤسسات تربط بين علماء مصر في الداخل والخارج بشكل فعال .
مصراوي.. بوصفك أكاديمي؛ كيف تقيم العملية التعليمة في مصر؟
حجي.. المحزن أن التعليم في مصر أصبح بلا دور حقيقي.. فالتعليم أصبح الآن كما قال الدكتور طه حسين '' كالماء والهواء '' ولكن أصبح المقصود الحالي هو ''بلا طعم ولا رائحة'' أو ''ملوث وغير صالح لاستهلاك الآدمي'' فيوجد إنهيار لمستوى التعليم الجامعي وما قبله، حيث قضت الواسطة والفهلوة على القدرات الفنية والفردية وضاع التفكير العلمي للمجتمع أمام تغيييب العقول والتفسير الخرافي للظواهر. قد يُحزن كلامي العديد ولكنه واقع علينا أن نواجهه بشجاعة ولا نتهرب منه حتى نستطيع تغييره.
مصراوي.. تقديرك لأسباب تدهور التعليم؟
هناك أسباب كثيرة يطول الحديث عنها و اصبحنا نعرفها جميعا ولكن أهمها التعليم في مصر انهار بسبب غياب التفكير العلمي واختفاء دور العلم في المجتمع.. فالمجتمع أصبح مع الأسف عشوائي.. تتحكم فيه ماديات واهية، و مصر كدولة لها تاريخ؛ المفترض أن يحكم شعبها المبادئ والأخلاق وليست المادة والاستثمارات. العديد يتصور أن الإنسان الواقعي يجب أن يكون ماديا وهذا خطأ فالحياة ليست لها أي ضمانة إلا روح الإنسان وأمانه بالله والصبر وعدم اليأس.
مصراوي.. كيف يستعيد التعليم دوره وينتقل من الانهيار إلى عودة التأثير؟
حجي.. هناك مجموعة من العوامل التي من شأنها أن تعيد التعليم لمساره القويم، أولها زيادة ميزانية التعليم والجامعات ودعمها، حيث لا يمكن أن تحصل الجامعات على ذلك الدعم البسيط ويطلب منه أن تنتج خريجا بمواصفات عالية يستطيع أن يخدم مجتمعه، وحتى لو كنا دولة فقيرة فلن نغتني إلا إذا رفعنا من مصروفاتنا على التعليم، فنحن نتصور أن الدول الغنية هي التي تصرف على التعليم لأنها تملك المال، لكن الواقع يقول إن تلك الدول غنية لأنها تنفق على التعليم، ويجب تطهير التعليم مما أصابه من فساد إداري، ويجب أن ونشرك الطالب في إصلاح التعليم، ومن الضروري أن يصبح التعليم قضية قومية.
وقضية فساد التعليم في مصر؛ قضية حيوية، فأي إنسان في مصر يسرق أو يرتشي أو يختلس، أو يفعل سلوك غير منضبط، غالبا لديه سبب واحد هو: ''كي أعلم أولادي''.. وهو خاطئ في سلوكه، صادق فيما يقول؛ فالتعليم أصبح تجارة، وتجارة غالية الثمن، فوق مستوى قدرة الشعب المصري.. ''الناس في مصر تسرق عشان تأكل .. تسرق عشان تعيش.. تسرق عشان تتعلم.. وصلنا لمرحلة يتحمل فيها التعليم السئ وسوء إدارة التعليم مسئولية حالة المعاناة والفقر التي يعيشها المواطن المصري''.
مصراوي.. هذا يقودنا إلى السؤال عن تقييمك للشباب المصري في هذه المرحلة؟
حجي.. إنطباعي هو إنطباع أي مواطن مصري يريد أن تعيش بلاده زمنها برشد وتعقل. أرى أن الشباب محبط لظروف كبيرة وكثيرة منها، الثقة المفقودة بين الطالب والجامعة التي يدرس فيها، فالعلاقة غريبة جدا بين الطرفين اللذين رضيا بالعلاقة المشوهة، الطالب رضى أن تهمشه الجامعة وتعتبره كائن غير مسئول، والجامعة ارتضت أن يحس الطالب بعدم الاحترام والاهتمام. العلاقة فيها لا مبالاة بين الطرفين، لكن الأغرب أن المجتمع ارتضى هذه العلاقة الخاطئة، حتى أصبحت جزء من تقليدنا اليومي.
بالإضافة إلى قضية فساد التعليم؛ هناك أسباب أخرى لانهيار الشباب المصري منها الإعلام الذي يغيب عقول الشباب بالتفاهات. لا يمكن أن نترك عقول شبابنا لهذا الهوس الذي دمر قدرتهم الإبداعية وغرز فيهم العديد من المفاهيم الخاطئة والأحاسيس المريضة. فمثلا يتعاملون مع المباريات الرياضية كما لوكانت نهاية العالم وتسمع كلام غريب عن اللاعب فلان الذي ''ضحى في سبيل بلده '' أو عن ''كرامة مصر'' في مبارة مع بلد شقيق.
مصراوي.. كيف نساوي شهداءنا الذين ماتوا دفاعاً عن هذا الوطن بأي فئة كانت من هؤلاء ؟
حجي.. إن كرامة مصر ليست في الملاعب ولكن في الآف المدارس الحكومية التي يذهب إليها كل يوم ملايين الطلبة بحثا عن غدٍ أفضل، هؤلاء هم أبطال مصر الحقيقيين ومن ورائهم ملايين الأسر البسيطة التي تذوق المر كي تعلم أولادها. لو كان الأمر بيدي لكرمت كل هؤلاء، فهو إعلام غير بناء لأن الشباب هم من يغيرون لا تغير بدون شباب،
مصراوي..كيف يستطيع الشباب التغلب على مشاكله؟
حجي.. الشباب قد يكون قليل الخبرة ولكنه كبير الطموح والطاقة؛ والشباب هم الطاقة الوحيدة الغير مستغلة في مصر، فالحكومات استثمرت في كل شئ ما عدا الشباب. لابد أن نحرر الشباب مما ما نسميه عاداتنا وتقاليدنا؛ فعاداتنا وتقاليدنا في الحقيقة غير مستوحاة من ديننا ولا من أخلاقنا كمجتمع، بل مستوحاة من واقع عشوائي متخلف فرضته علينا الظروف التعليمية السيئة، سمينا جزء كبير من جهلنا عادات تقاليد.
فليس من المنطقي أن تتحول العادات والتقاليد إلى قائمة من الممنوعات فقط. لا يوجد بها شئ واحد يقول أن المطلوب أن تفعل كذا، والشباب لا يمكن أن يعيش في عالم كل شيء فيه إما ممنوع أو إجباري، يجب أن نشجع الناس على التفكير، نتبسط ونزهد في الأمور المالية ولا نتباهى بها، كل المظاهر يجب أن نتبسط فيها؛ فالهند لم تتغير إلا بالتبسط فعلم الهند عليه خطوط تصل لمركزها وما هي إلا ماكينة غزل النسيج التي كان يصنع بها غاندي ملابسه حتى لا يستخدم منتجات مستوردة؛ الشباب يجب أن يشجع صناعة بلده ويزهد في المظاهر.
ومن أجل التقدم يجب أن يتم إصلاح العلاقة بين الرجل والمرأة، فالعلاقة الآن قائمة على المظاهر، يجب أن لا نخاف من الاعتراف لا بجهلنا ولا بفقرنا حتى نتمكن من الحل.
وأقول للشباب من أجل أن تنجح يجب أن تتبسط في الحياة.. لا تيأس.. عليك عدم سلك الطرق المرسومة سلفا للنجاح، من أجل أن نتقدم يجب التحرر من كل المعتقدات الخاطئة عن الحياة والنجاح، يجب أن نطور من نظرتنا للعلم.. وللعمل.. وللعلاقة بين الرجل وللمرأة، هذا الثالوث يشوه عقل الشباب المصري وتجعل فترة الإبداع لديه فترة تخبط.
مصراوي.. كيف ترى مسئولية الحكومة عن تردي أوضاع المجتمع؟
حجي.. الأجهزة التعليمية والإعلامية وغيرها في الحكومة تسببت في تسطيح وتهميش الشباب فهي مشغولة جدا بصورتها أمام العالم وغير مشغولة بصورتها أمام المواطن. غير مشغولة بنظرة رجل الشارع للفساد الإداري.. للغلاء.. للظلم للواسطة وغيرها من المشاكل وهو ما انسحب على رجل الشارع. أغرب شيء هو إن المواضيع التي تشغل الحكومة مختلفة تماما عن التي تشغل المواطن العادي، أصبح كل يعيش في وادي. وأنا لأضع الكل في سلة واحدة فهناك فعلا مسؤلين لا يمثلوا هذه الصورة ولكنهم في أغلب الأوقات بدون نفوذ أو قدرة على التغير.
مصراوي.. تقييمك لدعاوى العلماء الإصلاحية ومشاركتهم السياسية مثل البرادعي؟
حجي.. لا يمكن أن أتحدث عن البرادعي كشخص أو أي مرشح واتمنى أن اعبر أن رأيي في بطاقة إنتخابية وليس في الإعلام. الديمقراطية في صناديق الاقتراع فقط.
مصراوي.. إجمالا كيف ترى مستقبل مصر؟
حجي.. ''مصر مش رايحه في أي حته مصر قاعدة في محطة قطار والناس راكبة القطار اللي راكبين واللي قاعدين كلهم مستنيين حد يقول لهم يعملو إيه." . لن نتقدم طالما نحن ممزقين.. نهمش شببانا.. لا نملك رؤية لمستقبلنا.. "لو قعدنا نعمل قائمة للفساد والأوضاع الخاطئة هنقعد 20 سنة.. ولو جينا نحل ممكن نحل في 5 سنين''.
مصراوي.. كيف يمكن أن نحل مشاكلنا في 5 سنوات فقط؟
حجي.. أن نغير الشباب، وأن نستثمر فيهم، بدون الشباب لن نغير شئ. على الشباب أن يكون في دور الفاعل وليس المفعول به.
مصراوي.. كيف تقيم مشوارك العلمي حتى الآن وما هي خطوتك القادمة؟
حجي.. لقد كانت ولا تزال أحلامي بسيطة جدا بتوفيق الله نجحت في كل الأشياء التي توقعت الفشل فيها، و أهم شيء هو أني استطعت تغيير نفسي، وأحاول دائماً التغلب على نقاط ضعفي وهي كثيرة جدا وأحاول كل يوم أن أتعلم شيء جديد فمن أجل أن تنجح لا تنزل إلى الواقع، فإدراكي بأني لن احصل على وظيفة في تخصصي بسب الواسطة جعلني أُركز في أن أدرس ما أحبه وهو علم الفلك، فالنجاح ليس له طرق مرسومة يجب أن تعمل ما يمليه عليك ضميرك، ويجب أن تؤمن أن هناك عدلاً.
فعندما اعترضت على المادة 117 من قانون الجامعات التي ترفض مد المنحة الدراسية لأكثر من 3 سنوات وتسمح بـ 10 سنوات لمرافقة الزوجة قدمت استقالتي حتى استمر في الدراسة بالخارج وكنت على يقين أن الله سيوفقني في مهمتي.
خطوتي القادمة تتمثل في طموحي بأن نستطيع كدولة أن نستفيد من الإمكانيات الحديثة في علوم الفضاء، في اكتشاف الموارد.. طموحي أن تكون بلدنا أفضل.. أحلم بأن لا تضطر ابنتي أن تهاجر لكي ''تعمل .. تتعلم.. تتعالج.. تتجوز.. لا يمكن أن يكون حل كل شئ هو الهجرة''.
أحلم بأن أرى في زيارتي القادمة لمصر شئ أسعد به .. ''مش شعب مظلوم.. إنسان مهان.. أحزن على الناس بسبب مشاهد الإحباط والبؤس والشقاء التي تسيطر عليهم.. البسمة اختفت من على وجوه المصريين.. المبتسم في مصر إما مجنون إما نصاب الأمر أصبح مخيف''.. أحلم أن نصبح أفضل والإنسان لا يصبح أفضل كفرد ولكن كمجموعة وكمجتمع.
وأود أن أؤكد أن كل عالم مصري في الخارج لا ينتظر التكريم من بلده.. لكن يحلم أن يصبح له دور.. علماء مصر في الخارج لا يبحثوا عن تكريم الحكومات ولكن يبحثوا عن دور لهم داخل مجتمعهم.
مصراوي.. رسالة توجهها للشباب عبر موقع مصراوي؟
حجي.. أطالب الشباب بعدم اليأس، وبالتبسط في الأمور الدنيوية. وأقول للشباب.. تعلموا.. تبسطوا.. تواضعوا.. لا تتعصبوا.. فالتعصب يفسد أي شئ يدخل فيه.