فشل المحمديين فى ابتلاء هذه الحياة الدنيا ف 3 / 1

آحمد صبحي منصور في الأحد ١٩ - أبريل - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 أولا : العالم حين نزل القرآن الكريم

1 ـ فى عصر نزول القرآن كان العالم المعروف فى الشرق والغرب تحكمه الديانات الأرضية ، وتشتعل فيه الحروب الدينية والمذهبية ومحاكم التفتيش ، ويسود فيه التعصب الدينى والإكراه فى الدين جنبا الى جنب مع الاستبداد والاسترقاق والظلم والفساد بكل أعوانه .

2 ـ نزل الاسلام قرآنا يتناقض مع هذه الثقافة الدينية السياسية الاجتماعية السائدة . وقلنا سابقا : (  الحرب فى سبيل الله جل وعلا الاسلام لا مثيل لها فى حروب البشر . حرب البشر فى الصراع الدنيوى تصل بالانسان الى مرتبة أحطّ من الحيوان ، وتتمثل فيها الهمجية بأبشع ما فيها ، ويدفع الثمن فيها المستضعفون ، ويفوز فيها وينجو ويكسب المستكبرون المترفون . الحرب فى سبيل الله يتجلى فيها أروع ما فى البشرية من نُبل ورقى حضارى . العدو المقاتل فى الجيش المعتدى يتم حقن دمه فى أرض المعركة لو نطق بكلمة السلام ، أو إستجار بالمسلمين ، ثم تتوقف الحرب ضد المعتدين بمجرد توقفهم عن الاعتداء ، وبمجرد توقفهم عن الاعتداء يصبح أخوة  فى الدين ( الاسلام السلوكى القائم على السلام) ، بل يغفر الله جل وعلا للمشركين المعتدين إذا إنتهوا عما هم فيه . وفى كل الأحوال فعلى المؤمنين رد الاعتداء بمثله دون زيادة ، وأن يكون إستعداهم الحربى ليس للإعتداء بل لردع المعتدى حتى لا يعتدى ، أى إستعداد حربى لتأكيد السلام ، لأن الاسلام هو دين السلام.  ) .

ثانيا : دخول العرب فى الاسلام ( الظاهرى ) أفواجا

1 ــ إن الدعوة للإسلام كانت تعنى السلام بديلا عن الحرب و التسليم لله جل وعلا وحده قلبيا وتعبديا. وقلنا إن للإسلام والايمان معنيان : فى التعامل القلبى مع الله جل وعلا هو التسليم له جل وعلا وحده والانقياد له وحده إلاها لاشريك له ولا تقديس لغيره . ( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) الأنعام ).

والإيمان فى معناه القلبى هو الايمان بالله وملائكته وكتبه ورسله دون تفريق بين الرسل (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة  ).وهذا الاسلام القلبى والايمان القلبى مرجعه لله جل وعلا وحده يحكم فيه بين الناس يوم القيامة فيما هم فيه مختلفون : ( قُلْ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (46)) الزمر ).

أمّا فى التعامل مع الناس ، فالاسلام هو السلام ، والمسلم هو المُسالم مهما كان دينه وعقيدته . والمؤمن هو من يأمنه الناس من الأمن والأمان . والمنافقون فى عصر النبى كان ينزل القرآن بكفرهم وتآمرهم ، ومع ذلك فهم مسلمون ظاهريا لأنهم لا يرفعون السلاح ، وكان التزواج بينهم وبين المسلمين المؤمنين قائما لأن الفريقين إشتركا فى السلام ، أى الاسلام بمعناه السلوكى الظاهرى . والايمان فى معناه الظاهرى هو التمسك بالأمن والأمان .

2 ــ المؤمنون حول النبى كانوا ـ فى الأغلب ــ مؤمنين بالظاهر بمعنى الأمن والأمان ، ومعظمهم لم يحقق الايمان القلبى ، أى كان كافرا بقلبه  مع إلتزامه بالأمن ، لذا دعاهم رب العزة الى تحقيق الايمان القلبى بأن يؤمنوا بالله ورسله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (136) النساء ).

أولئك المؤمنون حول النبى كان منهم من يأكل الربا فهددهم رب العزة قائلا : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275))، ثم يقول لهم رب العزة جل وعلا :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279) البقرة ).  يخاطبهم رب العزة بالذين آمنوا ، ليس بالايمان القلبى الذى ليس لديهم ، ولكن الايمان السلوكى بمعنى الأمن والأمان .

وكان أولئك ( المؤمنون ) الصحابة يعبدون الأوثان فى المدينة متمتعين بالحرية الدينية المطلقة التى أرسها الاسلام فى دولة الاسلام فى المدينة فى عهد خاتم النبيين عليه وعليهم السلام . قال الله جل وعلا لهم : ( وَأُحِلَّتْ لَكُمْ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) الحج ) فلم يسمعوا ولم يطيعوا ، وظلوا على عبادة الرجس عاكفين ، ثم فى أواخر ما نزل قال لهم جل وعلا يخاطبهم بالذين آمنوا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) المائدة ) قال لهم جل وعلا (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ) ثم تأتى الآية التالية تحملهم المسئولية وأن ما على الرسول سوى البلاغ المبين دون إكراه فى الدين : (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة ).

3 ــ ولأن الاسلام دين السلام فإن الله جل وعلا إعتبر دخول العرب فى السلام دخولا فى دين الله جل وعلا فقال لخاتم النبيين : ( إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً (2)  النصر). الذى رآه النبى هو الاسلام الظاهرى ، أى السلام وتوقف الحروب . ليس بوسع النبى أن يعلم غيب القلوب ، ليس بوسعه معرفة الاسلام القلبى والايمان القلبى بالله جل وعلا وحده الاها ، فالله جل وعلا قال له عن بعض أصحابه الملازمين له إنهم مردوا على النفاق ، وهم أسوأ المنافقين وسيعذبهم الله جل وعلا مرتين فى الدنيا ـ بعد موت النبى ، ثم ينتظرهم عذاب عظيم فى الآخرة . هؤلاء الصحابة المجرمون الملازمون للنبى لم يكن النبى يعرف ما فى قلوبهم : (  وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) التوبة )  . هؤلاء الصحابة الذين مردوا على النفاق وتوعدهم رب العزة بالعذاب مرتين فى الدنيا وعذاب عظيم فى الآخرة كانوا مؤمنين مسالمين حسب الظاهر ، شأنهم شأن الذين دخلوا فى السلام ـ دين الله جل وعلا ـ أفواجا .  ثم إرتكبوا فيما بعد خطيئة الفتوحات والفتنة الكبرى.

4 ـ  الكفر و الشرك سواء. هما قرينان فى مصطلح القرآن لذلك يأتيان مترادفين فى النسق القرآنى. ( 9 / 1 ، 2 ، 17) ( 40/42 2)ـ الكفر فى الغة العربية يعنى التغطية, أى كفر بمعنى غطى , والكفر العقيدى يعنى التغطية على الفطرة النقية بتقديس آلهة وأولياء مع الله جل وعلا .و فى نفس الوقت فان ذلك هو أيضا شرك لأنه حول الألوهية الى شركة وجعل لله تعالى شركاء فى ملكه ودينه   وعليه فكما للاسلام معنيان (الايمان بالله وحده الاها والانقياد والاستسلام لله وحده) حسب العقيدة القلبية فى التعامل مع الله، و( الأمن والثقة والسلام ) فى التعامل مع كل الناس ، فان الشرك والكفر معا يعنيان النقيض ؛ الظلم والاعتداء، اى الظلم لله تعالى والاعتداء على ذاته بالاعتقاد فى آلهة أخرى معه ، وتقديس غيره ، فيما يخص العقيدة ، والظلم والاعتداء على البشر بالقتل للابرياء وسلب حقوقهم وقهرهم، في التعامل مع الناس، كما فعل الصحابة فى الفتوحات.  

ونجح القرآن فى إقناع العرب  بالسلام ، وكانوا وقتها يتقاتلون بسبب وبدون سبب . دخل العرب فى الاسلام الظاهرى بمعنى السلام وحرية الدين المطلقة. بموته عليه السلام تسيّد منافقو قريش فى عصر الخلفاء الراشدين ، فارتكب العرب جريمتى الفتوحات والفتنة الكبرى ، وحكمت قريش خلال الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين والفاطميين ، وفى حكمهم تم عقد الصلح مع ثقافة العصور الوسطى السائدة ، من الحروب الدينية والمذهبية والدولة الدينية والاستبداد الدينى والسياسى ، وتأسّست وترعرعت وتحكمت فى ( المسلمين ) الأديان الأرضية التى تنسب نفسها الى الاسلام زورا ، وهى السنّة والتشيع والتصوف .

 5 ــ  هذه الأديان الأرضية لكى تنتشر وتسود وتسيطر لا بد من تغييب العقل تماما ، والتعقل أساس فى الاسلام . وتكرر فى القرآن الكريم الدعوة للتعقل والتبصر والتفكر والفقه ، وكلها بمعنى واحد ، بل جاء تعليل نزول القرآن باللسان العربى لعلهم يعقلون :( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف ) ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) الزخرف ). وبإنكار التعقل وبخصومتهم مع القرآن الكريم وإتخاذه مهجورا تأسست للمحمديين شرائع غير إسلامية تمارس الارهاب على أنه جهاد وتقتل الاسير وتأكل حق اليتيم وتغتال قيم الحرية والعدل والمساواة وحقوق الانسان والحرية الدينية المطلقة والعلمانية الشريفة . وهذا ما ترتكبه الوهابية الآن ، وتنسبه للاسلام .

ثالثا : إنكارهم نعمة القرآن الكريم

1 ـ  فشل المحمديون فى الاختبار بإنكارهم نعمة القرآن ، وهى أعظم نعمة منّ بها الله جل وعلا عليهم .

2 ــ لقد وصف الله جل وعلا القرآن بالنعمة . فى البداية أمر الله جل وعلا رسوله بالدعوة الى الاسلام بالتحديث بحديث الله جل وعلا فى القرآن ، فقال له جل وعلا :(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)الضحى ) . كان قبل أن ينزل عليه القرآن الكريم يلقبونه بالصادق الأمين ، فلما بدأ يدعوهم بالقرآن أصبحوا يتهمونه بالضلال والغواية فقال لهم رب العزة مدافعا عنه : (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) النجم ) . إتهموه بالجنون والكهانة بسبب ( نعمة القرآن ) ، فقال له جل وعلا :( مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) القلم ) (فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (29)) الطور ). وتعهّد رب العزة بإتمام القرآن أو نعمة القرآن ، فقال جل وعلا مؤكدا :( وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) البقرة). وبإنتهاء القرآن الكريم نزولا فقد أتمّ رب العزة نعمته و إكتمل الاسلام دينا : (  الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً )(3) المائدة ).

3 ــ إختلف موقف قريش التى كانت تصدُّ عن سبيل الله وتجعل رزقها فى التجارة بالدين ، لذا كانوا كما وصفهم رب العزة يؤمنون بالباطلويكفرون بالقرآن الذى هو نعمة إلاهية ، يقول جل وعلا لهم : ( أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (72) النحل )، ولأن الاسلام مؤسس على الحرية الدينية وأنه ما على الرسول سوى البلاغ فقد قال جل وعلا لهم فى نفس السورة عن إستمرارهم فى إنكار نعمة الله مع أنهم يعرفونها : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (82) يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمْ الْكَافِرُونَ (83)) النحل ).

وقد كانوا ينكرونها مع معرفتهم أن القرآن ( هدى ) ولكنهم إعتقدوا أنهم لو إتّبعوا ذلك الهدى فستنتهى تجارتهم بالبيت الحرام الذى جعله الله جل وعلا للناس عامة وليس لأن تتحكم فيه قريش ( أو السعودية ) ، قالوا فى تعليل كفرهم بالهدى القرآنى أو النعمة القرآنية : ( إِنْ نَتَّبِعْ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ) (57)  القصص ). كان لتكذيبهم بنعمة القرآن سبب إقتصادى بحت ، قال لهم رب العزة جل وعلا :( أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82) الواقعة ). لذا يقول جل وعلا عن القرشيين :(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ  أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ (67) العنكبوت ) آمنوا بالباطل وكفروا بنعمة الله ، وإشتروا لهو الحديث ليضلوا الناس عن أحسن الحديث ( لقمان 6 ) لذا قال جل وعلا فى قاعدة عامة :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) العنكبوت ).

4 ــ لقد توعّد الله جل وعلا بنى إسرائيل بالعقاب الشديد لو ( بدّلوا نعمة الله ) أى آياته البينات : ( سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) البقرة ).

وقريش بعد موت النبى بدّلوا نعمة الله جل وعلا القرآنية كفرا سلوكيا  بالفتوحات ، فحق عليهم العقاب سريعا بالفتنة الكبرى. وبالفتوحات والفتنة الكبرى تأسست أديان أرضية تبدل نعمة القرآن بمزاعم النسخ والتأويل والتفسير وإفتراء أحاديث شيطانية ، وهذا لا يزال ساريا وسائدا ، وبه تتنزل العقوبات الالهية على المحمديين . أى ينطبق عليهم قوله جل وعلا : ( وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) البقرة ).

أخيرا

1 ــ نعمة القرآن الكريم محفوظة من لدن الله جل وعلا ، ولولا حفظها لقام أئمة المحمديون بمحو كل الآيات التى تنفى شفاعة النبى وشفاعة البشر والآيات التى تنفى عصمة النبى وتؤكد بشريته ، والآيات التى تنهى عن التفريق بين الرسل ، ولوضعوا مكانها أحاديثهم المسماة بالنبوية والقدسية . جعلوا تلك  الأكاذيب التى صنعوها بعد موت النبى بقرنين وأكثر ـ وحيا ، وأسموها (سُنّة ) وزعموا انها تنسخ أى تُلغى القرآن وتعلو عليه . ولم يستطيعوا تحريف النّصّ القرآنى فاسسوا ما يعرف بعلوم القرآن التى تطعن فى القرآن ــ ولنا مقال بهذا العنوان منشور هنا ـ وزعموا النسخ بمعى إلغاء الأحكام التشريعية القرآنية ، وإفتروا أن النبى كان أميا بمعنى انه لا يعرف القراءة والكتابة ، وأنه أوكل لأصحابة كتابة القرآن ، وأنهم نسوا آيات كذا وكذا ، وفندنا هذه الافتراءات فى أبحاث منشورة هنا أيضا .

2 ــ الخلاصة : أنهم إبتلاهم الله جل وعلا بنعمة القرآن فكفروا بالقرآن .

3 ــ هم الآن أضحوكة العالم ، ومن لم يتب منهم فهو خالد فى جهنم .

4 ـ خسروا الدنيا وخسروا الآخرة .

5 ــ لقد قال جل وعلا عمّن يخسر الآخرة فقط (  إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15) ) الزمر )( إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45)  الشورى ).

6 ــ فما بال الذى يخسر الدنيا والآخرة معا ؟

اجمالي القراءات 8952