الرد على الدين السنى من داخل الدين السُّنّى : الحلقة الثانية
ونعيد ما قالوه فى أسباب وضع الحديث :ــ
( 1ــ العصبية الحزبية والعصبية القبلية والعصية للمكان ، فالخصومة بين على وأبي بكر ، وبين على ومعاوية ن وبين عبد الله بن الزبير وعبد الملك ، ثم بين الأمويين والعباسيين ــ كل هذا كان سببا لوضع كثير من الحديث ، وتلمح أحاديث كثيرة لا تكاد تشك وأنت تقراها انها وضعت لتأييد الأمويين او العباسيين أو العلويين أو الحط منهم ، كالخبر الذي روى أن رسول الله قال في معاوية : " اللهم قه العذاب والحساب وعلمه الكتاب" وكالخبر الذي روى عن عمر بن العاص ان رسول الله قال : إن آل أبي طالب ليسوا بأولياء ، إنما وليي الله وصالح المؤمنين ". ويتصل بهذا النحو أحاديث وضعها الواضعون في تفضيل القبائل العربية .. وكم من حديث وضع في تفضيل العرب على العجم والروم ، فقابلها هؤلاء بوضع احاديث في فضل العجم والروم والحبشة والترك..ومثال ذلك العصبية للمكان فلا تكاد تجد بلدا كبيرا إلا وفيه حديث بل أحاديث في فضله : فمكه والمدينة وجبل احد والحجاز واليمن والشام وبيت المقدس ومصر وفارس وغيرها ، كل وردت فيه الأحاديث المتعددة في فضله ..)
ونتساءل :
1 ـ كان عليه السلام لا يعلم الغيب ولا يدرى ماذا سيحدث له أو لغيره ، فكيف يتكلم فى نزاع وحرب أهلية حدثت بعد موته بين أصحابه . وكيف يقول أقوالا متضاربة فى هذا وذاك .
وإذا كان إنتماء المسلم لحريته الدينية وإذا كان الاسلام ضد العصبية القبلية فكيف يتكلم الرسول فى مناقب هذه القبيلة أو تلك ، أو فى مناقب الترك والروم وذلك التنافس القبلى ( نسبة الى القبيلة ) وذلك التنافس العنصرى بين العرب والأجناس الأخرى ؟
ولم يكن للنبى عليه السلام علم بمصر وجنود مصر وغيرها من المدن والأمصار فكيف يتكلم فى مناقب تلك الدول والأمم والتى تم فتحها بعده . ثم كيف يتكلم عن أبناء الأمم المفتوحة الذين بقوا على دينهم ويجعلهم أهل ذمته ، وهو لم يرهم أصلا ؟ وهذا مع أن مصطلح ( الذمة ) فى القرآن لا صلة له إطلاقا بأهل الكتاب ، بل جاء الحديث القرآنى عن المعتدين من العرب الذين لا يرقبون فى مؤمن إلّا ولا ذمة . (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ (10) التوبة ). ثم كيف يقول ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله .. ) أى القتال حتى إكراههم على الدخول فى الاسلام ، وبمعنى أنه غير مسموح بوجود ( أهل الذمة ) ثم يوصّى بأهل الذمة ؟
2ــ ( الخلافات الكلامية والفقهية : فمثلا اختلف علماء الكلام من معتزلة ومرجئة وشيعة وخوارج في القدر والجبر والاختيار ، فأجاز قوم لأنفسهم ان يؤيدوا مذهبهم بأحاديث يضعونها ينصون فيها حتى على التفاصيل الدقيقة ، وحتى ينصون فيها على اسم الفرقة المناهضة لهم ، واسم رئيسها ولعنه ولعنهم..وكذلك في الفقه ، فلا تكاد تجد فرعا فقهيا مختلفا فيه إلا وحديث يؤيد هذا وحديث يؤيد ذاك ..)
ونتساءل : العرب حتى العصر العباسى لم تكن لهم معرفة بالفلسفات والقضايا الفلسفية ، فكيف للنبى أن يتكلم فى هذا ؟ وهو الذى كان لا يتكلم فى الدين من عنده ، وكان إذا سئل ينتظر الى أن ينزل الوحى القرآنى بالاجابة : ( يسألونك عن ..قل )
4ــ ( تساهل بعضهم في احاديث الفضائل والترغيب والترهيب .. مما لا يترتب عليه تحليل حرام أو تحريم حلال ، واستباحتهم الوضع فيه ، فملئوا كتب الحديث بفضائل الأشخاص ، وبفضائل آيات القرآن وسوره بعنوان : إن من قرأ سورة كذا فله كذا ..)
ونقول : إنه من المحرم تزكية النفس أو الغير . يقول جل وعلا : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (50) النساء )( فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى (32 ) النجم )
( 5ــ الناس كانوا لا يقبلون من العلم إلا ما اتصل بالكتاب والسنة اتصالا وثيقا .. وما عدا ذلك فليس له قيمة كبيرة ، فالحكمة والموعظة الحسنة إذا كانت من هندي أو يوناني او فارسي أو من شروح التوراة والانجيل لم يؤبه لها ، فحمل ذلك كثيرا من الناس على أن يصبغوا هذه الأشياء كلها صبغة دينية حتى يقبلوا عليها ، فوجدوا "الحديث" هو الباب الوحيد المفتوح على مصراعيه ، فدخلوا منه على الناس ، فكان من ذلك أن ترى في الحديث الحكم الفقهي المصنوع ، والحكمة الهندية ، والفلسفة الزردشتية والموعظة الإسرائيلية أو النصرانية..)
الخلاصة إنه دين أرضى يملكه أصحابه ، وهو يعبّر عنهم وعن أهوائهم . هم الذين يخترعون الأحاديث ، وهم الذين يختلفون فيها ، وهم الذين يقومون بتقييمها ، ويعتبرون هذا صحيحا وهذا ضعيفا . ولا يتفقون على أن هذا صحيح وأن ذلك ضعيف . لكل منهم رأيه ، ومروياته ، وبمرور الزمن يتضاعف عدد الأحاديث من حوالى ألف فى ( موطأ مالك ) الى ملايين بعد مالك بقرون .
وقالوا إن العلماء نهضوا لتنقية الحديث
1ــ طالبوا بإسناد الحديث ، اعني تعيين الرواة أو إسناد الحديث عبر عنعنة من الرواة ، وأخذوا يشرّحون الرجال فيجرحون بعضا ويعدّلون بعضا .
وأقول : إختلفوا أيضا فى تعديل الرواة أو تجريحهم بسبب الاختلاف المذهبي ، ونشأ عن هذا أن من يعدله قوم قد يجرحه آخرون. ليس الخلاف المذهبى بين الشيعة والسنة فقط ، بل خلال السنيين أنفسهم إختلافات فى الجرح والتعديل ، نراه فى ( ميزان الاعتدال ) للذهبى ، وفى كتابات ابن الجوزى ، وغيره .
ثم إنهم حكموا بأن كل الصحابة الرواة عدول لا يكذبون . وهذه كذبة كبرى تاريخيا وقرآنيا . فالصحابة إختلفوا وتقاتلوا ، أى كانوا مختلفين متحاربين فكيف نعتبرهم معصومين من الكذب ؟ ثم إن هؤلاء الصحابة الذين جعلوهم رواة للأحاديث كانوا قد ماتوا ، ولم يعرفوا أنه سيأتى فى العصر العباسى من سيسند لهم أحاديث .
ثم إن تعديل الصحابة ومنحهم العصمة من الكذب هو تكذيب لله جل وعلا ولكتابه الكريم . طبقا لما جاء فى القرآن الكريم فهناك عشرات الآيات تحدثت عن الصحابة المنافقين وكفرهم وانهم فى الدرك الأسفل من النار ، وأن هناك من الصحابة من مرد على النفاق ولم يعلم بهم النبى ، ولقد توعدهم رب العزة بعذاب مرتين فى الدنيا وعذاب عظيم فى الآخرة . وهناك من الصحابة المنافقين من إتخذ مسجدا ضرارا للتآمر على النبى والمؤمنين ، ومنهم من تحالف ضد أعداء النبى .. هذا عدا آيات أخرى تصف بعض الصحابة بالخيانة .. وهذه الآيات فى سور البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والتوبة و الحشر ..الخ .. أرباب الدين السُّنى يكفرون بكل هذه الآيات لكى يثبتوا عصمة زائفة للصحابة .
ثم إنهم لم يهتموا بنقد " المتن " وهو ألفاظ الحديث ومعناه.
ونتساءل : ما هذا الدين الذى يعترف أربابه بأن فيه أكاذيب ، ثم يقومون بمحاولة تنقيته من الكذب ، وتكون النتيجة إنتشار أكبر للكذب ، بدليل تضخم عدد الأحاديث بمرور القرون ليكون بالملايين ، وتأليف كتب خاصة عن الأحاديث الموضوعة تعبر عن رأى مؤلفيها كما فعل ابن الجوزى وابن تيمية وابن القيم و السيوطى ..وأخيرا الألبانى .. أى إستمر دين الأحاديث يتضخم بمصانع الأحاديث ويتضخم معها الكذب .. ونجيب عن السؤال بأنه دين أرضى يملكه أربابه . وأى دين أرضى يقوم على الافتراء والأكاذيب والهوى و الشقاق والخلاف ..