في البحث عن الإسلام - الصلاة في القرءان الكريم –مفردات – التسبيح بحمد الله – ملحق - جزء 7
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين
(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر - 36
______________
مقدمه :
بناءا على طلب بعض المقربين، في تبيان فهمنا الآني للتسبيح بتفصيل أكثر وفيضٍ من الشرح في كيفية التسبيح بحمد الله تعالى، قررت أن أكتب هذا البحث كملحق للبحث السابق عن تفصيل مفردة التسبيح، لعزلها عن مفردات أخرى مثل الصلوة والدعاء والنداء والتهجّد والتضرع، ولكون القرءان الكريم لا ترادف فيه! ولما أصبح كثيرون يخوضون في المفردات فيخلطون الحابل بالنابل، لا يميزون بين تشكيل للمفردات من غيره!
وقد كنت بينت في البحث السابق أن التسبيح علاقة لطيفة بين العبد وربه، وهي تمثّل الذِّكر اللطيف له سبحانه وليس الصلوة! وأن التسبيح من السباحة وفيه حركة وعمل ولا وقت له، وهو صلة لطيفة بين الشخص وربه وتنم عن نتيجة الشعور بالدهشة والتفكّر، بينما الصلوة اصطلاء ونضوج ينتج عن الاتصال بالله بالتوقف عن الحركة اليومية والوقوف بين يديه.
______________
الحمْد :
الشكر بعمومه هو عمل نقوم به لسبب ما، فأن نعمل ونعمّر الأرض هو شكر لله وعبادة له، وأن نعمل لوالدينا هو أن نشكر لهما، بمرافقتنا لهما في الدنيا بإحسان، أي بعمومه هو عمل أكثر منه قولا، وهذا له بحث آخر.
أما الحَمْدُ فهو ما يجب أن نبحث فيه هنا، حتى يتبين لنا كيف نسبّح بحمد الله عزّ وعلا ، ومن الوهلة الأولى نظنّ أنه قولٌ أو شعورٍ يتم من خلاله الإعتراف والرضى والقبول بنعم الله تعالى وفضله علينا ورحمته بنا أي الثناء لغة!
والله تعالى وصف ذاته بكونه حميدا، وارتبطت في اغلبها بكونه " غني حميد" في دلالة على غناه عما نفعله او نعمله إن لم نأتمر بما طلبه منا أو ائتمرنا به، وبكونه حميد لمن امتثل لما أمر به، وسوف يعطيه يوم الحساب بأكثر مما يتوقع. فالله تعالى سيكافيء من رضوا عنه ورضي عنهم. وأقرب آية تفصل مفردة الحمد في قوله تعالى :
( لَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَآ أَتَوا۟ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا۟ بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا۟ فَلَا تَحْسَبَنَّهُم بِمَفَازَةٍۢ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ ) آل عمران - 188
ومنها نستشف بكل وضوح أن الحمد هو شعور داخلي بثناء الاخرين عليك ، فالآية تتحدث عن فئة تحب ان يُثنى عليهم ويتم مدحهم والرضى عنهم وقبولهم نتيجة اعمال قاموا بها او لم يقوموا بها.
ونراها هنا بكل وضوح وفي كثير من الآيات التي لن نذكرها هنا ولكنها تدل على نفس المفهوم للحمد :
( فَإِذَا ٱسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى ٱلْفُلْكِ فَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى نَجَّىٰنَا مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ ) المؤمنون – 28
فهي قول ينمّ عن التعبير بالثناء والرضى والقبول نتيجة فعل ما تم من قبل الفاعل، فنثني عليه قبولا ورضاً بما فعل لنا ( وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًۭا وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ شَرِيكٌۭ فِى ٱلْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُۥ وَلِىٌّۭ مِّنَ ٱلذُّلِّ ۖ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًۢا ) الإسراء – 111 ، فلو كان مع الله تعالى شريك في الملك لفسدت الأرض والسماء معا، ولتحكم في الرزق من هم من دونه ، فالحمد له تعالى عما يصفون وبكونه واحدا أحدا، ( وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ ٱلْأَنْهَـٰرُ ۖ وَقَالُوا۟ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَىٰنَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَآ أَنْ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ ۖ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ ۖ وَنُودُوٓا۟ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) الأعراف – 43 .
فكيف نسبّح بحمد الله ومتى؟
______________
التسبيح بحمد الله :
ارتباط الحمد بالتسبيح هو ارتباط وثيق دائم التلازم!
فالتسبيح كما وضحناه في البحث السابق هو علاقة مستمرة لطيفة بالله تعالى دائمة لا يوقفها حركة الانسان او عمله أو هيئة وضع جسده، جالسا كان او واقفا ، يركض أو يعمل أو يمشي أو مضطجعا! ففي كل وقت يمكنه التسبيح، فهو حبل مع الله لا ينقطع ولا وقت محدد له، وهو نتيجة الدهشة والتفكر وفهم غائية الخلق من حولنا بكل اشكالها!
ومنه لا بدّ أن يتلازم مع التسبيح شعور بالرضا والقبول بما وصلنا إليه من فهم وبما حصلنا عليه من نعمٍ، أي هو الحمد لله بالثناء عليه وقبوله الها وربا وملكا لنا مطلقا واحدا أحدا.
ولكن حسب ظنّي أن التسبيح بحمد الله ارتبط في الأغلب في وقت الصعوبات أكثر منه في الأوقات العاديّة!
فالتسبيح أمر عام دائم متحرّك ! بنما التسبيح بحمد الله له خصوصية من العام، وهو يكون في الأغلب في وقت المرور بالصعوبات والضنك والارهاق والشدائد لسبب ما من حولنا، وهذا في اغلب الآيات يظهر لنا :
( فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا ۖ وَمِنْ ءَانَآئِ ٱلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ) طه – 130
( تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ ۚ وَٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى ٱلْأَرْضِ ۗ أَلَآ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ) الشورى - 5
وهكذا بقية الآيات التي تذكر التسبيح بحمد الله !
فحين نقرأها جميعها سنرى ارتباط التسبيح بالحمد في مثل هذه المواقف الصعبة ومنها يوم الحساب!
ونفهم من كل هذا ان التسبيح بحمد الله، هو الثناء والرضا والقبول بالله تعالى وما اتانا إياه في الأوقات الصعبة هو ما يجب أن نقوم به وهو ما يميّز المؤمنين من غيرهم وهو ما يميز الخبيث من الطيب!
( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِـَٔايَـٰتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا۟ بِهَا خَرُّوا۟ سُجَّدًۭا وَسَبَّحُوا۟ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًۭا وَطَمَعًۭا وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ) السجده – 15:16
فأن نسبح الله في كل وقت هو أمر مطلوب من الجميع، لكن وقت الشدائد هو أمر علينا القيام به لكي نتصف بصدق إيماننا!
وسورة النصر ليست استثناءا من بحثنا بل هي تأكيد على المفهوم الذي أظنه سليما حين قال تعالى فيها (إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجًۭا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابًۢا) النصر – 1:3
فالمدقق والناظر بدون راي مسبق وبإخلاص في هذه السورة سيجد الكثير من الأمور بين مفرداتها وأخبارها! فهي سورة تنبيء النبي بغيب آتٍ يوما ما، أي هو أمر يشغل بال النبيّ ويفكّر فيه ويضيق صدره بسبب تكذيبهم له، وهو نصر الله تعالى له كما أن الله تعالى ينصر أنبياءه، فذا النون لم يصبر وذهب مغاضبا، ظانّا أن الله تعالى تخلّى عنه ولن ينصره على قومه، فلبث في بطن الحوت وهو من الظالمين!
( وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِبًۭا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَـٰتِ أَن لَّآ إِلَـٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَـٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ) الأنبياء- 87
وكذلك النبي محمد عليه السلام، كذلك كان يفكر في هذا الأمر تماما كما بقية الرسل، وهذا كله نستشفه من هذه السورة الصغيرة، فالله تعالى يعده بنصر وفتح يكون فيه اقبال عدد كبير من الناس في دين الله تعالى!
فمن الطبيعي أن ينتظر كل رسول وحامل نبأ هذا الأمر وأن يشغل باله، فهو أمر شاق جدا أن يتم رفض النبأ الذي معه آيات بينات تدل على انها من عند الله وليس من عند بشر!
فجاء الأمر بالتسبيح بحمد الله واستغفاره معا لكي يصبر على ما يقولون وينتظر حدوث هذا النبأ وليس أن يسبح بحمد الله بعد حدوثه كما قد يظنّ كثيرون!
فالفاء ليست تعاقبا زمنيا لما سيحدث حسب ظني بل تعاقبا " زمان - خبريّا "، أي لزمان هذا الخبر الموجود في هذه الآيات التي تنبؤه بالفرج وحدوث ما ينتظره يوما ما، أي فسبح يا محمد بعد علم هذا النبأ بحمد ربك واستغفره لظنك وانتظارك لوعدنا ولما لا بدّ أن يحدث يوما ما.
( إِنَّا كَفَيْنَـٰكَ ٱلْمُسْتَهْزِءِينَ * ٱلَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا ءَاخَرَ ۚ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ ٱلسَّـٰجِدِينَ) الحجر – 95:98
( فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّۭ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنۢبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِىِّ وَٱلْإِبْكَـٰرِ) غافر – 55
______________
خلاصه :
- التسبيح بحمد الله هو حالة خاصة من التسبيح العام لله تعالى.
- التسبيح بحمد الله تعالى يكون بشكل خاص وقت الشدائد.
- التسبيح بحمد الله تعالى يكون بالاعتراف والرضى والقبول ثناءا لما أمر الله به ونبأ به وامتحننا به وهو جزء من التسبيح لله تعالى في كل وقت وحين.
- لايوجد شكل أو صيغة معينه للتسبيح بكليته فهو ما تظهره نفسك ولسانك نتيجة لرضاك وقبولك واعترافك بفضائل الله ورحمته سبحانه بنا. وأبسط صيغة وردت هي قولك كنتيجة لهذا كله " سبحانك اللهم" في رد فعل لتفكرك ودهشتك وثناءك وقبولك ورضاك.
إنتهى.
والله المستعان
مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرءان الكريم