في غبار عاصفة الحزم

كمال غبريال في الإثنين ٣٠ - مارس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كنت أتمنى بعد أن هتف سيادة رئيس جمهورية مصر "تحيا الأمة العربية" ثلاثاً، في نهاية كلمته الافتتاحية لمؤتمر القمة العربي، أن يحدد كيف يتصور أن "تحيا" هذه الأمة المزعومة، هل ستظل "تحيا" كما سبق لها أن "حيت"، منذ أن هتف لها "ميشيل عفلق" ثم "عبد الناصر" و"صدام حسين"، حتى وصلت إلى حالتها المزرية الراهنة، أم أن في جعبة "الزعيم العربي الجديد"، رؤيا مختلفة ومفارقة لكل "حيواتها" التي كانت، تكفل لها ألا تكون بعد مشكلة البشرية، وأداة تخريب لحضارتها وتعطيل لمسيرتها؟!!
من الطريف أن تشن دول عربية "عاصفة حزم" على شعب من أشد شعوب العالم بؤساً، لتعقد بعد ذلك "مؤتمر قمة"، للتصديق على هذه "العاصفة المباركة". عموماً ليس هذه بغريب على العرب وقادتهم الميامين، فهذا بلاشك يأتي في سياق النهج العربي المعتاد، للسير بالظهور إلى الخلف، فيتشاورون بعد اتخاذ القرارات، ويجتمعون لمجرد تبويس اللحى، وتبادل الابتسامات الصفراء. اجتمع أصحاب العروش المتصدعة في شرم الشيخ، فيما غاب عن اللقاء الفاعل الرئيس الآن على الساحة، تلك القوى الشعبية التي تفجرت كأنما دون سابق إنذار، بكل مكنوناتها من التخلف والعصبية والتطلعات والمظلومية، لتزلزل كل ما هو كائن، وانتهى من زمن عمره الافتراضي عالمياً، وقد حان وقت الإطاحة به محلياً. هو اجتماع "قمة"، في زمن تفقد فيه "القمم" زمام الفعل، لتصبح مفعولاً بها، فيما تأخذ عناصر "القواعد" مبادرة الفعل. النتائج المستقبلية لهذا الصراع المدمر غير معروفة، إن كانت استعادة تلك العروش لسلطانها، أم انهيارها التام، أم حل وسطي بين بين، يستمر لبعض البعض، وليس بالتأكيد كل الوقت.
يستعصي على المراقب المتأمل، فهم ماذا يحاولون الآن في اليمن بـ "عاصفة الحزم" هذه. وقد كاد تحالف الحوثيين أن يسيطر على كامل ربوع اليمن، بحيث أسروا وزير الدفاع، فيما فر رئيس الجمهورية إلى خارج البلاد، وكان كلاهما قد هربا بنفسيهما إلى حضن الجنوب اليمني. ليكون أمام تحالف "عاصفة الحزم" لتغيير هذه الحالة، وإعادة الرئيس هادي وأصحابه إلى مقر القيادة في صنعاء، احتلال كامل اليمن. فهل ينتوون هذا حقاً، أم يتصورون أن قذائف طائراتهم من طبقات الجو العليا، قادرة على اقتلاع الحوثيين من سفوح الجبال وكهوفها؟!!

الصراع باليمن ليس بين فريق للحداثة والحرية، وبين فريق آخر متخلف وظلامي، لكي يجوز لنا نعتبرها قضية صراع من أجل الحرية والأنوار. هو صراع الفقر المدقع والفوضى والتخلف والعصبيات القبلية والطائفية، وإن انتمت عناصر تنظيم القاعدة بدرجة أو بأخرى إلى أحد الفريقين المتصارعين، وهو بالمصادفة غير السعيدة، ذلك الفريق الذي تدافع عنه الجيوش العربية الماجدة، المتسترة بألوية الشرعية.
تدخل قوات إقليمية باسم الشرعية، في جانب فريق عجز عن ضبط الأوضاع باليمن، ضد تحالف تبدو بشائر قدرته على السيطرة على كامل اليمن، هو أمر غريب وتدخل في شأن يمني داخلي، غير مسبوق في العصر الحديث فيما أعتقد. ليبدو الأمر كله إقليمياً ودولياً، يسير وفق هوى القطب السُنِّي فاحش الثراء، في الصراع المذهبي الدائر، مع القطب الشيعي المدجج بالسلاح، للهيمنة على الشرق الأوسط. وإلا لماذا لا تتوقف هذه الحرب العبثية فوراً، وننظر لما يعرضه عبد الملك الحوثي وعلي عبد الله صالح، ونضعه محل البحث الجدي، وليس بحث الإملاء والإذعان والهيمنة، لا من قبل الحلف الحوثي المسيطر على الأرض، ولا من قبل الحلف المؤيد إقليمياً ودولياً. لماذا يكون الخيار هو الفرض بالعنف، وضرب قبائل متخلفة متصارعة، بقاذفات القنابل الحديثة؟!!
بالتأكيد لا يحمل الحوثيون رسالة ظلامية للشعب اليمني، فاليمن خاصة بتوطن "القاعدة"، لا ينقصه التخلف والظلامية. يبدو الأمر هكذا على أسوأ الفروض، حرب طائفية خالصة، إن لم تكن حرباً لمظلومية حوثية تاريخية. عبد الملك بدر الدين الحوثي، الذي ظهر في خطابه الأخير، وعلى صدره خنجر بدائي، يثير الشفقة على الرجل، بأكثر مما يثير الرهبة منه، رجل قد يكون صادقاً ووطنياً، يبحث عن العدالة والرخاء لكل شعبه، وفق ظاهر كلمات خطابه. كما قد يكون مناوراً مخادعاً "يتمسكن حتى يتمكن"، فيما هو يسعى في الحقيقة لهيمنة قبلية أو طائفية. لكن أياً كانت الحقيقة، فإن خطاب المعلن للرجل حتى الآن هو رؤية مدنية وطنية، ولا نرصد به أي ظل لرؤية دينية ظلامية، يريد فرضها على الناس. ما لا يصح معه اتخاذ موقف العداء المطلق، واللجوء المباشر لاستخدام القوة.
لماذا لا تنظر القوى العالمية على الأقل إلى الحوثيين، ذات نظرتها إلى قضية شيعة وأكراد العراق، والأفارقة في جنوب السودان؟. . هل لشبهة علاقتهم بالشيطان الإيراني، أم لكونهم يدينون بالمذهب الشيعي، المستهدف في المنطقة بالقهر والاستئصال؟. . أليس كلا الأمرين يوجبان احتضان الحوثيين إقليمياً ودولياً، للنأي بهم عن الانجراف إلى تيار إيران التخريبي، وتيار المذهبية المدمر؟. . تضمن البيان الختامي لقمة شرم الشيخ، "دعوة المقاتلين الحوثيين الذين استولوا على أجزاء كبيرة من اليمن، للتوقف عن استيلائهم على السلطة وتسليم أسلحتهم". . هذا رائع بالتأكيد، لكن يصدم المراقب أن تجاهل المؤتمرون وبيانهم، دعوة مماثلة للدواعش، المسيطرين على أجزاء واسعة من أراض دولتين عربيتين، هما العراق وسوريا. ألا يجوز لنا هنا أن نشتم رائحة طائفية تزكم الأنوف؟!!
الآن وفق الخطاب السائد للتحالف، الذي يضرب الشعب اليمني بقاذفات القنابل انتصاراً "للمذهبية" باسم "الشرعية"، لابد أن يكون من حق إيران، تحت ذات بيارق "الشرعية" أيضاً، أن تدخل سوريا، للدفاع عن نظام بشار الأسد، الذي أطلق عليه رؤوس تحالف "عاصفة الحزم" ذئاب الظلامية القاعدية والداعشية. أم أن "الشرعية" هي قميص عثمان جديد، نلوح به متى وافق هوانا، ونطيح به متى يروق لنا، كما حدث وتكتل العالم كله، ضد شرعية القذافي وبشار الأسد، واحتض من أسقطوا شرعية زين العابدين بن علي وحسني مبارك؟!!
الحقيقة المريرة التي لا يبدو أمامنا غيرها الآن، أن التطوير والتحديث مستبعد أو مؤجل في المنطقة العربية، إلى أجل غير مسمى. والوارد الآن هو إدارة الصراعات في مختلف بؤر التوتر، بمحاولة جمع الفرقاء حول هدف الاستقرار ووقف الصراع بالعنف. سيتطلب هذا القبول حتى بالتيارات الظلامية، التي تبدي ولو ظاهرياً استعداداً لنبذ العنف، ومشاركتها في الحكم، بقدر حجم قوتها وتواجدها في الشارع. . هذا هو الواقع المُر، الذي يتحتم علينا تجرعه، والبديل هو الخراب الشامل، والفوضى المدمرة غير الخلاقة.
رحماكم يا دهاقنة العروبة وأشاوسها، وأنتم يا حماة الدين والديار، رحماكم بشعب اليمن المسحوق، تحت حوافر الفقر والجهل والقات.

اجمالي القراءات 6984