الدولة العميقة بين الرئيس السيسى وفرعون موسى ( 4 من 4 )
بين الرئيس السيسى وفرعون موسى : النهاية والعظة والعبرة

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٨ - مارس - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

بعد هذا التشابه بين الدولة العميقة لفرعون موسى والرئيس السيسى ، ماهو الدرس وماهى العظة ؟ نقول هذا خوفا من إنهيار الدولة المصرية العميقة الحالية كما إنهارت غرقا من قبل فى عصر موسى ، خصوصا ونحن نشهد الآن تغييرا فى خرائط المنطقة ، وسقوطا متتاليا للدول ، من الصومال الى العراق وسوريا وليبيا .الأخطر من هذا ، أنه حين غرق فرعون ومعه دولته العميقة أصبحت مصر تركة مباحة ( لبنى اسرائيل ). فهل إذا سقطت الدولة المصرية العميقة الحالية ، فهل أيضا سترثها ( إسرائيل ) ؟

إن موضوعا خطيرا كهذا يستلزم توضيحا قرآنيا بقدر ما يسمح به المجال . ونرتبه كالآتى خطوة خطوة :

أولا : تكرار الأمر الالهى بالعبرة والعظة من قصة فرعون دون فائدة

1 ــ تكررت قصة فرعون موسى فى القرآن الكريم بصورة ملحوظة . وهذا التكرار ليس عبثا ، فتعالى رب العزة عن العبث . إن القرآن الكريم كتاب قد أُحكمت آياته ، وهو قول فصل وما هو بالهزل . وهذا التكرار فى قصة فرعوى يحوى إعجازا مستقبليا ، لأن ثقافة الاستبداد الفرعونية ظلت سائدة بعد سقوط فرعون ، وفى قريش فى حربها للنبى ، وفى قريش بعد سنوات من موت النبى . وتأسست الديانات الأرضية للمحمديين  على هذه الفرعونية ، وبها قامت دولهم الدينية والمستبدة . ولأنها متجذرة فيهم فإن السبيل الوحيد هو تغيير هذه الثقافة الدينية من الداخل بالاحتكام الى القرآن الكريم . بدون هذا الاصلاح ــ  الذى لا نمل من التأكيد عليه ــ فستظل المنطقة تعيش فى حلقات مستمرة من الدمار والخراب ، وحين يثورون على مستبد فإنهم يستبدلونه بمستبد آخر . إتبع الغرب  الديمقراطية وحقوق الانسان فتطور وازدهر ، وإتبعتها إسرائيل فهزمت العرب ، وتفوقت على مستوى العالم المتقدم ، بينما لا يزال المحمديون أسرى أديانهم الأرضية وثقافتهم الاستبدادية . يزعمون التمسك بالقرآن ـ ويقرأون صباح مساء قصص فرعون فى القرآن وما حلّ به واللعنة التى حاقت به ، وهم مع ذلك لا يعقلون . التكرار هنا جاء ردا مسبقا على هؤلاء المحمديين الذين إتخذوا آيات الله جل وعلا هزوا ، وسيكون كتاب الله جل وعلا حكما عليهم يوم القيامة .

2 ـ وفى هذا التكرار تأتى الاشارة الى العبرة والعظة بعد ذكر ما حاق بفرعون ودولته العميقة . لقد جعل رب العزة جثة فرعون باقية ليكون لمن خلفه آية وعبرة : ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) يونس ). وفعلا ، فإن كثيرا من الناس عن آيات رب الغزة غافلون .ويقول جل وعلا عن غرق فرعون وكيف جعله سلفا ومثلا سيئا للآتين بعده : ( فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ (56) الزخرف ). وهذه السلفية الفرعونية فى تقديس الحاكم هى السائدة حتى الآن . كلهم سلفيون ، ولكن بآلهة مختلفة ، وزعيمهم هو فرعون موسى .أساس الضلال لدى فرعون موسى أنه لم يكن مؤمنا بالآخرة ولا يعتقد أن مصيره الرجوع الى الله جل وعلا ، لذا علا فى الأرض واستكبر ومعه جنوده فانتهى بهم الى الغرق وتلك عاقبة الظالمين : ( وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) القصص ). يقول جل وعلا يخاطبنا : (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ). فمن منا ينظر ويعى ويتعظ ويعتبر ؟. ويقول جل وعلا عن عاقبته :  ( فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26) النازعات ). يقول جل وعلا لنا : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ) فهل هناك من يعتبر ومن يخشى مما حدث لفرعون فى الدنيا وما سيحدث له فى الآخرة ؟ .

3 ـ وبرغم التكرار القرآنى على الاتعاظ من قصة فرعون نجد المحمديين غافلين عنه تماما . فالطغاة الباغون على ( داب فرعون ) وسنته يسيرون . ونتعجب من خمرة السلطة التى تصيب الحاكم الشرقى . ما إن يجلس على الكرسى حتى تلتصق مؤخرته بالكرسى لا يريد مفارقته ، لا يتركه إلا بعمليه جراحية أو بالقتل. العادة أنه بعد إستمرار المستبد سنوات طوالا فى الحكم أن يرتبط الخلاص منه بسقوط دولته جزئيا أو كليا ، ويصبح مصيرها مرهونا بصراع القوى المحلية والاقليمية والدولية . بدا هذا فى الصومال ، إذ حكم العسكرى سياد برى الصومال مستبدا ، وحين سقط سقطت معه الدولة الصومالية عام 1991. ويتوالى فيما بعد سقوط دول المسلمين ليصبح لدينا نموذجين : ( الصوملة ) أى التجزئة الكلية للدولة وتفتتها ، و( الأفغنة ) أى إعادة تماسك بعض الدولة مع استمرارها فى حروب أهلية . وبين نموذجى الصوملة والأفغنة تتأرجح دول المحمديين من العراق الى ليبيا وسوريا واليمن . وعلى الطريق بقية الدول الاستبدادية الأخرى: مصر والخليج وشمال أفريقيا والسودان  .والغريب أن الحكام الذين لم يسقطوا حتى الآن لا يتعظون بما حدث لرفاقهم المستبدين . ينطبق عليهم قوله جل وعلا عن المنافقين الكافرين بالقرآن الكريم : ( أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) التوبة  )، لا هم يتعظون بالقرآن ولا بما يرونه من سقوط أقرانهم . لا يتعظون من مصير صدام ولا مبارك ولا القذافى ولا زين العابدين ولا على صالح ..

4 ــ كلهم يسيرون فى غياب تام عن الوعى على سُنّة فرعون و( دأب فرعون ). يتخذون فرعون إماما لهم ، فقد جعله الله جل وعلا ودولته العميقة أئمة يدعون الى النار : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (41) القصص )، والى أن تقوم الساعة يظل أولئك الكفرة المستبدون على دأب فرعون يسيرون ، ومصيرهم أن يكونوا وقود النار مثل إمامهم فرعون ، حيث لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) آل عمران ),

وعند الاحتضار تضربهم ملائكة الموت على وجوههم وعلى مؤخراتهم التى أدمنت كرسى السُّلطة : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) الانفال ) ، ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54) الانفال )

ثانيا : مصير مصر بعد غرق فرعون ودولته العميقة   

1 ـ يذكر رب العزة حقيقتين مجهولتين عن تاريخ فرعون موسى:

1 / 1 :  تمّ تدمير منشئات الدولة العميقة لفرعون موسى ، يقول جل وعلا : ( وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الاعراف ). وفعلا ، لا توجد آثار لفرعون موسى على الاطلاق لأنه تم تدمير كل ما تركه . ولهذا يتشكك بعض علماء المصريات فى قصة موسى وفرعون بسبب عدم عثورهم على آثار تدعمها .

1/ 2 : أنه بعد غرق فرعون بدولته العميقة فإن ( مصر ) أصبحت أرضا زراعية بفلاحيها وعمالها وأهلها ولكن بلا دولة ، جسما هائلا بلا مركز تحكم ، فعاد بنو إسرائيل الى مصر يسيطرون عليها ردحا من الزمان ، يعيشون فى مصر ( ملوكا ) . قال لهم موسى : (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ (20) المائدة ) ثم جاءهم الأمر بترك مصر و دخول الأرض المقدسة التى كتبها الله لهم ، فرفضوا فحكم الله جل وعلا عليهم أربعين سنة يتيهون فى الأرض ( المائدة 21 : 26 ) . يؤكد رب العزة على أن كل ما تركه هذا الفرعون من جنات وعيون وكنوز ورثته بنواسرائيل : (  فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59)) الشعراء ). وتحققت بهذا مقالة موسى لهم من قبل ، إذ كانوا يشتكون له من عسف فرعون بهم ، وهو يأمرهم بالصبر عسى أن يهلك الله جل وعلا عدوهم ويستخلفهم فى الأرض بعده إختبارا لهم : ( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129)  الاعراف ). لذا يقول جل وعلا عن حكم بنى إسرائيل مصر بعد غرق فرعون ودولته العميقة :( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الاعراف )

 2 ـ نأتى للسؤال المُفجع : هل إذا سقطت دولة السيسى العميقة سترثها وتحكمها إسرائيل ؟ : هذا مستحيل . قد يكون هو الحل الأصلح ولكنه مستحيل الحدوث . هو الأصلح لأنه على الأقل فإن المصرى الغلبان المُسالم سيجد الحماية والأمن بنفس حال الفلسطينى داخل إسرائيل . ولكنه حل مستحيل ، فى حرب 1973. تسللت فرقة من الجيش الاسرائيلى بقيادة شارون وعبرت الى الضفة الغربية من القناة وحاصرت الجيش الثالث المصرى فى السويس ، وكان يبعد 80 كيلومترا عن القاهرة التى كانت بلا حماية عسكرية ، ولكن رفض موشى ديان إحتلال القاهرة حتى لا تبتلع القاهرة بملايينها جنوده وحتى لا يكون مسئولا عن إطعام ورعاية هذه الملايين . الحل البديل هو الأفظع . هى نفس السياسة التى تتبعها إسرائيل وأمريكا والغرب فى التعامل مع العرب والمحمديين : (هم يريدون أن يقتلوا بعضهم فلنساعدهم فى ذلك ). على إفتراض أن لديهم الرغبة المخلصة فإن الغرب واسرائيل لا يستطيعون حل الخلافات بين الشيعة والسنة . الحل المفيد للغرب هو الاستفادة من هذا الوضع بإتاحة الفرصة أكثر لهم لكى يستمروا فى قتال بعضهم . النتيجة هو ما نسميه بالصوملة ( تفكيك الدولة الى دويلات متصارعة ) أو ( الأفغنة ) أى دولة مركزية تواجه تمردات عسكرية مستمرة ومنهكة . ويقوم الغرب ببيع الأسلحة لكل الأطراف وتستمر المذابح . يحدث هذا فى العراق وسوريا وليبيا واليمن ، ولكن الحال سيكون أفظع فى مصر ، ليس فقط لكثرة عدد السكان ولكن أيضا لاكتظاظهم فى مناطق محصورة ، فإذا شبّ حريق الاقتتال الأهلى فى مصر وانتشر بين أهلها السلاح وانقسم الجيش وتأسست الميليشيات وتنوعت مصادر التمويل ( فارسية وخليجية وغربية ) فيستحول مجرى النيل الى اللون الأحمر . نرجو من الله جل وعلا السلامة .

3 ـ كلامنا مؤلم بلا شك . ومهما بلغ الألم منه فهو لاشىء مقارنة بما يحدث من داعش اليوم ، فكيف بها إذا ظهرت قوية هادرة فى مصر ؟ ومن هنا تأتى دعوتنا السيسى للإصلاح والتوبة ، لأن البديل قائم وقادم وقاتم .

ثالثا : مصير كنوز فرعون :

1 ــ  عندما إشتد الاضطهاد الفرعونى بموسى وهارون وقومهما أمرهما الله جل وعلا بالصلاة السرية فى بيوت سرية :( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (87) يونس ) . وفيها دعا موسى وهارون أن يطمس الله جل وعلا على أموال فرعون حتى لا تكون عُدة له فى ضلاله :( وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88) يونس ) واستجاب الله جل وعلا هذا الدعاء: ( قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا )(89) يونس). تم ( طمس ) أموال فرعون فلم يحملها معه وهو يطارد موسى وقومه ، وغرق وقد تركها خلفه فى خزائنها .

2 ـ حتى تتفرغ لممارسة السُّلطة فإن الدولة الفرعونية العميقة كانت ــ ولا تزال ـ تحتاج الى خادم يستثمر لها أموالها ، وكاتت ـ ولا تزال ـ تفضل أن يكون هذا الخادم من الأقلية المقهورة ، لتضمن بإرهابها ولاءه ، فيكفى أن يشهد ما يحدث لقومه من عسفها ليكون مخلصا فى خدمته للدولة الفرعونية ، ثم إن هذه الخدمة لا تعنى لهذا الخادم مجرد النجاة من العسف الذى يعانى منه قومه ، بل أيضا أن يعيش منعما فى ركاب الفرعون . هذا هو الذى حدث من فرعون موسى ، وهو ما يحدث الآن ، من تكوين طبقة من أصحاب البلايين من رجال الأعمال خدما لآرباب الدولة الفرعونية العميقة ، وأكثرهم من الأقباط . بمعنى أن الأغلبية من الأقباط يعانون من الاضطهاد ، ولكن أيضا فإن الأغلبية من رجال الأعمال الخدم للفرعون الحالى هم أيضا من الأقباط . !!

3 ـ ( قارون ) كان هو هذا الرجل فى عصر فرعون موسى . قارون أصلا من بنى إسرائيل ولكن بغى على قومه متحالفا وخادما لفرعون : ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ ) القصص 76 ). وبلغ مكانة هائلة فى دولة فرعون موسى الى درجة أن إسمه يأتى تاليا لهامان وزير فرعون وقائد جيشه ، وكان مثل سادته رافضا لدعوة موسى بإنقاذ بنى اسرائيل من اضطهاد فرعون . يقول جل وعلا : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) غافر )أى قال قارون نفس المقالة عن موسى . ويقول جل وعلا يجعل قارون مقدما على فرعون : ( وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) العنكبوت ) وتأخر الانتقام من قارون ، فلم يصحب فرعون فى حملته ، وبقى بعده الى أن عوقب بالخسف . يقول جل وعلا :( فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) العنكبوت )

4 ــ الفلاحون المصريون المقهورون تحت سلطة الدولة الفرعونية العريقة لم يكن لديهم الاحساس بالانتماء للوطن ، لأنه وطن فرعون وقومه وليس لهم وطنا ، بل هو سجن بالأشغال الشاقة المؤبدة . هو نفس مشاعر المقهورين حتى الآن تحت سلطة المستبد الشرقى . بسقوط دولته تعم الفوضى وينتشر السلب والنهب وتدمير القصور والاستراحات وسرقة الكنوز والمقتنيات . حدث هذا بعد فرعون موسى ، ولا يزال يحدث مع سقوط فراعنة العصر من صدام الى القذافى . المعابد التى أسسها فرعون موسى تم تدميرها ، وكنوزه تم نهبها . من المنتظر أن ينهب الفلاحون الغلابة ما فى المطابخ من طعام ومافى القصور من أثاث ورياش . ولكن قارون كان هو ( العارف ) بمكان الكنوز  والذى ظل حيا بعد غرق فرعون ودولته هو الذى إستطاع نهب كل كنوز فرعون .

فى الفترة التى أعقبت هلاك فرعون ودولته والتى أصبح فيها بنواسرائيل ( ملوكا ) على مصر ووارثين لجناتها وومزارعها تمكن قارون من تجميع كل الكنوز الفرعونية ، وهو الوحيد الباقى من حاشية فرعون والأعرف من غيره بخباياها . بلغت الكنوز الفرعونية الى حصل عليها قارون أن كانت مفاتيحها تنوء العصبة من الرجال بحملها ( القصص 76 ) . وانتهى الأمر بأن خسف الله جل وعلا به وبداره الأرض ، فأصبح لاشىء . وفى نهاية قصته يقول جل وعلا : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) القصص )

 5 ــ وتبقى العبرة . مصير أموال فرعون وقارون هو نفس المصير لأموال كل المستبدين الظالمين الكافرين ، من الأمويين والعباسيين والفاطميين والعثمانيين ..الخ .. وهو نفس المصير الذى نشهده اليوم ، فالمستبد الشرقى ينهب بلده بكل إخلاص ، ويتفنّن فى إخفاء سرقاته فى شركات عابرة للقارات وبنوك (أف شورز ) وعقارات وأسهم وسندات تحت أسماء وهمية ، فإذا وقع وقُتل ضاع عليه كل شىء.، وإذا بقى حيا معزولا أصبح تحت رحمة من يحميه ، ولا يستطيع إسترجاع ما نهبه . ونتساءل : أين ذهبت أموال القذافى ؟ كانت له ممتلكات وإستثمارات فى أمريكا وأوربا ومصر . وحين شبّت الثورة قام بتهريب أطنان من الذهب و الدولارات الكاش الى جنوب أفريقيا. ولقى حتفه مثل فأر مذعور وما أغنى عنه ماله وما كسب . ولكن من يعتبر ؟

  أخيرا

من بين قوم فرعون كان هناك أمير فرعونى كان يكتم إيمانه خوفا من الارهاب الفرعونى . وقد ظل ينصح الفرعون دون جدوى. بل تآمروا عليه وأنجاه الله جل وعلا من مكرهم . وفى النهاية عندما يأس منهم قال لهم : (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) غافر ) بعدها مباشرة كان غرق فرعون دولته العميقة .

خير الكلام :

(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) غافر ).

ودائما : صدق الله العظيم .!!

اجمالي القراءات 15550