مميات الكفر والشرك ومعانيها
إنه مجرد غيــض من فــيض

يحي فوزي نشاشبي في السبت ٢٨ - فبراير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 

 

بسم الله الرحمن  الرحيـم

*****

إنـه  مجرد  غيض  من  فيض

*************************

مسميات  الكفر  والشرك  ومعانيها

هذا عنوان لفقرة في كتاب ، ومن بين ما جاء فيها :

... الذي يؤمن  بإلــه  واحد  فرد صمد ، ماذا يمكن أن نُسمّيه غير موحـّــد ؟ .

وكذلك الذي يؤمن بتعدد الآلهة، أو بإلهين اثنين أو ثلاثة، أو يرفع الخلق إلى مصاف الخالق، أو يـُـنزل بمنزلة الخالق إلى الخلق-  تعالى الله عن ذلك وتقدس -  

أو يجحد وجوده، ويجعل مكانه الطبيعة والدهر ، والمادة ... فماذا عسى أننطلق على من يتقد ذلك غير مسمى الشــرك ؟

... وكذلك مسمىالكفــر، فهو مأخوذ  من التغطية والستر، فالكافر- اصطلاحا -

 هو من يستر نعم الله التي أفاضها عليه، فلا يعترف بها  ولا بدين الحق ، فالكفار إن لم يكونوا كذلك فماذا هم؟ هم قد كفروا بالله  وما  أنزل على محمد.

... والمسلمون مذلك هم  كافـرون  بما عند الآخرين من اعتقادات، قال الله تعالى:

( وقد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بـراء  منكم ومما تعبدون من دون الله  كفرنا  بكم  وبدا بيننا  العداوة  والبغضاء أبدا حتى  تؤمنوا  بالله  وحده).الممتحنة 4.

فعند قراءة هذا التحليل لهذه المسميات ، تبادرت فجأة عـدّة تساؤلات ، لاسيما بالنسبة لمسمى الكفر : فإذا كان الكفر هو التغطية، والستر ، والتجاهل ، فماذا عسى أن يسمى أولئك الذين اعتدوا على المعنى الحقيقي  لفعل " نسخ "  مثلا، أو لكلمــة " أمي ، أمية ، أميين " وفرضوا على كل واحدة معنى غريبا، ثم وظفوه لمآرب أكثر غرابة ؟ وإن التساؤل بالذات هو حول أولك الذين اختلقوا أو اخترعــوا صيغة، أو عملية، أو معادلة " الناسخ والمنسوخ " - إن جاز هذا التعبير – فوظفوها ، وبدون أي ارتباك أو حرج  ليقتحموا بها وبكل اطمئنان ، أحسن الحديث المنزل من عند الله العلي العظيم . وقد يصل بهم الأمر إلى أن يلووا  لبعض الآيات أعناقها  ليجردوها  في الأخير من معناها الواضح ،أو  ليجمدوا ذلك الأمر الإلهي بفعل أو بقدرة أو حتى بسحر صيغة " الناسخ والمنسوخ " ولسان حالهم يقول إن تلك الآيات أصبحت في خبر كان ، أو هي مدرجة  في صيغة ( سادت ثم بادت ).  فماذا عسى أن يسمى أولئك الذين يسعون لتغطية وستر وتجاهل وتجميد أمر أو تعليمة من تعاليمه سبحانه وتعالى؟  وعليه ، فإن اللجوء إلى أداة أو صيغة " الناسخ والمنسوخ " عندما توظف لتفعل  فعلتها فتتجاهل  آية واضحة وتصادر منها روحها ومفعولها، ألا  يكون أولئك الفاعلون معتدين ؟ ألا  يكونون  أداروا ظهورهم لمشيئة الخالق سبحانه وتعالى وغطوها، بل وبنوا عليها جدارا  سميكا ؟ وعندما  نكون نحن المسلمين فعلنا ذلك ، ألا  نكون فعلنا بالضبط  ما يفعله فعل  كفر ؟  وعندها فماذا  عسانا  أن  نكون  في  الحقيقة ؟

بل وقد نسارع إلى نفس التصرف لنستر ونغطي ونجمّد أوامر أو تعليمات واردة في أحسن الحديث المنزل، بدعوى أن هناك صيغة أو معادلة أخرى ذات شكل ثان، وهي صيغة ما نسميه سـُــنّـة، وندعي أن عبد الله  ورسوله - عليه الصلاة والتسليم - هو الذي سنها وأمر بها. وفي الحقيقة، إن هذا الأمر لا يحتاج إلى جهد  للإطلاع عليه، على ذلك الجمع الغفير من مفتريات على رسول الله وتقولات  وتصرفات تقولناها عليه وبإسراف، وهي التي شكلت هي الأخرى أنقاضا شاهقة متراصة  قابعة  في  ما يسمى  بأمهات  الكتب الصحاح.

وهناك "غيض آخر من فيض" فرض نفسه، وهو في مدح رسول الله عليه الصلاة  والتسليم، ذلك المدح الذي تجاوز كل الحدود المرسومة لبشر يأكل الطعام ويمشي في الأسواق. فمثلا عندما نسمع أبياتا  شعرية  مادحة  رسول الله  وهي تقول :

هو الحبيب الذي ترجى  شفاعته

لكل هو من الأهوال مقتحــــــــم

فاق النبيين في خلق  وفي  خلق

ولم يدانوه  في  علم ولا كـــــرم

**** 

نبينا الآمر الناهي فلا أحــــــــــد

أبـرّ في قول لأمتــه ولا نعـــــــم

****

جاءت لدعوته الأشجار ساجــــدة

تمشي إليه على ساق  بلا  قــــــدم

****

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ بــــه

سواك عند حدوث  الحوادث  القمم

 إن لم تكن آخذا يوم المعاد يـــــــدي

عفوا وإلا  فقل يا  زلة القـــــــــــدم

**** 

إنّ هذا لا يكاد يصدق، ولا يحتاج إلى مزيد من تعاليق، وقد يكون ما خفي أعظم  بل أفدح !؟  ألا نكون بذلك نسينا أو تناسينا ما آمن به " االممدوح نفسه " الرسول، ومعه المؤمنون؟ ألا نكون نسينا  أن الرسول والمؤمنين، كلا قد آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وأن كلا من الرسول نفسه والمؤمنين يصرحون ويقرون بأنهم لا يفرقون بين أحد من رسله ؟( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كلّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله... ) البقرة 285.وعندما ننشد ونردد  ونتغنى إلى درجات هستيرية  محمومة  بأن الرسول  هو :

المخلص ، الشافع الهادي - الحبيب الذي ترجى  شفاعته - هو الذي  فاق النبيين  في خلق وفي  خلق. وهو الآمر الناهي ... وهو الذي  جاءت لدعوته الأشجار ساجدة ،  وهو أكرم الخلق الذي ينبغي  أن نلوذ  به .... ثم ماذا يمكن أن نفهم من هذه الآيات القرآنية يا ترى :

( ... يوم لا تملك نفس  لنفس  شيئا  والأمر  يومئذ لله ).الإنفطار 19.

( قل ما كنتُ بدعاً من الرسل وما أدري ما يُـفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلــيّ  وما  أنا إلا  نذير مبين ). الأحقاف 9.

ألا نكون ونعتبر بــتلك المواقف مــصرين على أن الرسول –عليه الصلاة والتسليم- هو المتميز عن بقية  الرسل، ألا  نكون فرقنا فعلا  بينه وبينهم ؟

وأما عن التساؤل الآخر، فهو عندما ننطلق في مدح رسول الله  الذي  صلى  الله  عليــه  هو ومـــلائكته،  ولا  نبالي بتلك  الحدود  التي  نكون دسناها واقتحمناها  وتجاوزناها  تعبيرا عن  حبنا له، على الرغم من أنه سبحانه وتعالى قد  جاء في تعليماته المنزلة أن الحبّ هو لله وحده، طمعا في الظفر بحب الله ، شريطة  اتباع  الرسول الإنسان .( قـــــُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) –آل عمران 31 -

عندما نكون فعلنا ذلك وأكثر من ذلك ،  ثم  مع ذلك الحب ( المدعى به ) تكون قلوبنا  مليئة بذلك الغل الذي  يتحرش ويتربص بنا ، معبرا عما لدى كل حزب  من زهو وغرور وتعال وبغض إزاء  الحزب الآخر.( ... وأقيموا الصلاة ولا  تكونوا  من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون) .الروم  31-32.  وإن معنى  هذه الآية  يكون مخيفا  مهددا  لأنه  يخبر  بأن  ذلك الحب  الذي  كنا نتغنى  به  سرعان  ما انسحب  وتراجع  بل  وتبخر ، ويبقى  معنى  الآية  مهددا  لأنه يصف  مواقفنا  وتصرفاتنا  المفرقة  للدين  وزهونا  ، يصف ذلك  بالشرك .

وأما عن الرسول الذي تقولنا عليه بعض الأقاويل ، بل كثيرا من الأقاويل والمواقف والتصرفات  فهو  في الحقيقة  ليس  منا  في  شئ. وما جاء في  سورة الأنعام  رقم 159 جدير  بالتأمل ( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا  لست  منهم  في  شئ  إنما أمرهم  إلى الله  ثم  ينبئهم  بما كانوا يفعلون ).  وفي الأخير فإن التساؤل الفارض  نفسه هو :  لماذا يصعب علينا  الفهم  والإقتناع  والإطمئنان  بأن مدحنا  الحقيقي  لرسول الله  -  عليه الصلاة والتسليم -  لا يستوي  ولا  يكون  مدحا  بالغا  درجة  الرشد  إلا عندما  لا  نغفل  بأنه  بشر كلفه  الله  بمهمة  التبليغ  فوفق فيها  كل  التوفيق، وهو الرجل الإنسان  الجدير بكل  الإحترام  وبكل  التهاني  وبكل  الثناء والإتباع ،  معتقدين  وجازمين  بأنه لا  يحيد قيد  أنملة  عما  يوحى  إليه ؟.  ثم  ماذا  يكون  تعليقنا في  هذا الأمر الذي  وجهه الله  جل  وعلا  إلى  عبده  ورسوله  ليقوله  لنا ؟ : ( قـل  لا  أملك لنفسي  نفعا  ولا  ضرا  إلا  ما شاء  الله  ولو  كنت  أعلم  الغيب  لاستكثرت  من  الخير  وما مسني السوء  إن  أنا  إلا  نذير  وبشير  لقوم  يؤمنون ).الأعراف 188

 

 

اجمالي القراءات 13252