بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب : سـُــنّةُ الله في غير المسلمين
لمؤلفه الأستاذ : خميس بن راشد العدوي
للتأمـــل (05)
=======
01
وجود المسلم في المجتمع غير المسلم
... في الحقيقة، لو تتبعنا البنية الإجتماعية للمجتمع الإنساني، فإننا نجدها عبارة عن مجتمع يشمل الصالح والطالح، المؤمن والكافر، المستقيم والمنحرف، كلهم يعيشون في مجتمع متداخل، ولما جاءت شرائع الله لم تعمل على الفصل بين هذه الفئات الإجتماعية وتقطيع أوصالها ...
02
... النبي الذي سنبحر سريعا في قراءة وضعه هو يوسف بن يعقوب عليهما السلام، هذا النبي عاش أطوار حياته المختلفة في مجتمع مشرك، فلم ينظر إليه نظرة سخط وعدوان ... ولكنه لم ينـس دوره الأخلاقي ولا رسالته الدعوية...
03
... ويمكننا أن نقرأ سيرته العطرة من السورة التي حملت اسمه لنخرج بالآتـي:
المشهد الأول:الآيات (1-3) تفتتح السورة الكريمة بتوجيه رباني إلى النبي محمد (ص) والأمة تبع له، بأن يعملوا عقولهم في تدبر هذا القرآن، وأن لا يكونوا غافلين عما فيه من عبر ودلالات، وأن في قصة يوسف عليه السلام من المواعظ ما هو جدير بالعمل به والإستفادة منه.
04
المشهد الثاني:الآيات (4-6). المشهد الثالث: الآيات (7-18). المشهد الرابع:
الآيات (18-21). المشهد الخامس: الآيات (22-34). المشهد السادس: الآيات
(35-42) . المشهد السابع: الآيات (43-53).
... تحين الفرصة الذهبية ليوسف فيبلغ خبره إلى الملك الذي رأى رؤيا فيحتاج إلى من يؤولها له ...
... وفي هذا الموقف، بدلا من أن يطلب يوسف من الملك منصبا زائــــــلا ...
إذا بـه يطلب منه تحقيق العدالة في الأرض، وذلك بالتحقيق في قضيته. وهنا مرة أخرى لم يلعن يوسف الملك ، ونظامه الوضعي الوثني القائم ، وإنما دعاه إلى أن يحقق في ملكه العدالة، وخطابُ الملك بهذه اللغة كفيلٌ بأن يدخل قيم الإيمان إلى نظم البشر، إنها الحكمة التي آتاها الله يوسف عليه السلام، فهو يتعامل مع الواقع على حقيقته، لا ينظر إليه نظرة استخفاف ، وإنما نظرة بناء حضاري يريد له أن يشيد أركانـَـهُ الإيمانُ بالله .
المشهد الثامن:الآيات (54-57) : يعيّــن الملك يوسف وزيرا لـه ...
... لم يقل يوسف هذا نظام وثني يقوم على قوانين وضعية ، والعمل في إطاره رجسٌ من عمل الشيطان ، وإنما عمل داخل النظام ، وكان جزءًا منه.
... فالمسألة ليس منح الشرعية أو نزعها، وإنما المسألة أكبر من ذلك، إنها العمل على تسليم البشرية وجهها لله تبارك وتعالى، بعد القناعة بأن الإيمان الإلــهي لا يعادي البشرية وإنما يُـصحح خط سيرها...
05
المشهد التاسع:الآيات (58-92) : في هذا المشهد الطويل يعرض لنا الله كيف أن يوسف استفاد من القانون الوضعي في دولة مصر لنصرة قضيته العادلة. لم يلجأ إلى التحريض ضد الوضع القائم ، وهو وضع وثني، وإنما استفاد منه لنصرة القضايا العادلة، وفي هذا درس جلــيّ لنا للتعامل مع الأنظمة الدولية القامة الآن .
06
المشهد العاشر:الآيات(93-101): ... فيوسف لم ينتقل هنا بأسرته من دار إيمان إلى دار كفر، بل من أرض الله إلى أرض الله، وإن كانت الأرض التي انتقل إليها بها كفر وشرك ، فلا يعني ذلك أنها أرض شرك، بل هي أرض الله وعلى عباد الله أن لا يستنكفوا عن الإقامة فيها، وعليهم أن لا يشعروا أنها دار المشركين، بل هي الدار التي لـلإنسان أن يستوطنها ويعمرها، اللهم إلا إن منعته من عبادة الله وصادرت حريته في المعتقد والعمل بمقتضى شريعة رب السماوات والأرض وألجأته إلى الكفر، فحينها لا يحق له أن يقيم فيها ، فعليه أن يهاجر منها، وتستوي في هذه الحالة أن يكون حكامها كافرين، أو من يـدّعون الإسلام ... قال سبحانه : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كمنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ...) النساء97.
07
المشهد الحادي عشر:الآيات ( 102-111) : ... فيه لفتُ انتباه هذه الأمة للسير على خطوات أولئك الأنبياء الكرام، وأن الدعوة إلى الله تكون على بصيرة نيّــرة، وليس باستعداء الآخريــن ... ولم يكل الأمر في ذلك إليهم لمعاقبة الآخرين دنيوياً، وأن هذه العبرة قائمة إلة يوم الدين، قال الله تعالى في ختامه لسورة يوسف: ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كـلّ شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون ).يوسف 111.
08
... وإذا كانت هذه هي وصية الله لنبيه الأكرم محمد عليه الصلاة والسلام، فمعنى ذلك أن خط الدعوة الربانية لا يتناقض ولا ينعكس ولا يعوج، وإنما يسير إلى الأمام مسترسلا إلى أن يُصيب هدفه في نهاية الرحلة النبوية، فحاشا شرع الله أن ينقض بعضه بعضا ، قال تعالى: ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ). النساء 82.
09
... ولذلك جاء إرشاد الله لعباده المؤمنين بعدم منعهم من أن يحسنوا إلى المشركين ويبروا بهم، قال عزّ من قائل: ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين ).الممتحنة 8. هذا إذا لم يدخل هؤلاء المشركون في حرب مع المسلمين تبغي اجتثاث جرثومة الإيمان وسفك دماء المسلمين، قال تعالى: ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولـّهم فأولئك هم الظالمون).الممتحنة 9.
10
...ومع ذلك، مـُــنِع المسلمون بعد ردّ الإعتداء من الزيادة عليه، قال سبحانه:
( فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين ).البقرة 194.
11
... بل حتى في معمعة القتال وساحات الوغى التي فيها مظنة كبرى للإعتداء نتيجة غضبة المحارب وفوران دمه واشتعـال حميـّــته، يأتي التذكير بعدم الإعتداء، قال جـلّ شأنه : ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ).البقرة 190.
****************