موجز التناقض بين الدولة الاسلامية و الدولة الدينية

آحمد صبحي منصور في الأحد ٠٦ - أغسطس - ٢٠٠٦ ١٢:٠٠ صباحاً

ما جاء الاسلام إلا للقضاء علي الكهنوت الديني والسياسي . و من هنا فان دولة الاسلام هي دولة الديمقراطية المباشرة و حقوق الانسان و حقوق المواطنة .. و قد اقام النبي عليه السلام دولته الاسلامية ، ولكن ما لبثت ان اختفت بعد الفتنة الكبري ليحل بعدها الحكم المستبد الذي تحول الي دول دينية في حكم الخلفاء غير الراشدين ، ثم يحاول التيار الديني ان يعيد الدولة الدينية دون ان يعرف انها تتناقض مع الدولة الاسلامية… ولهذا نعطي فكرة سريعة عن هذا التناقض
وظيفة الدولة الاسلامية هي اقامة القسط بين الناس :( لقد ارسلنا رسلنا بالبينات و انزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط ...الحديد {25}) فاقامة القسط هدف كل الرسالات السماوية و وظيفة النبي المدنية هى العدل والقسط بين الناس بحسب امكانياته البشرية . اما وظيفته الدينية فكانت تبليغ الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة .وليس من القسط ان ينفرد شخص واحد او طائفة بالسلطة او بالثروة. اماوظيفة الدولة الدينية فهي ادخال الناس في الجنة وهدايتهم بالاكراه .. وهذا يفوق طاقة أي دولة و أي شخص ، لان الايمان و الهداية مسئولية شخصية (من اهتدي فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها:الاسراء 15 ) (ليس عليك هداهم :البقرة 272) (انك لا تهدي من احببت : القصص 56) (لا اكراه في الدين )..
التناقض في مصدر السلطة :
ففي الدولة الاسلامية الامة هي مصدر السلطات اي من الناس والمجتمع :يقول تعالي للنبى حين كان حاكما (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم و استغفر لهم وشاورهم في الامر : ال عمران 159). أي بسبب رحمة من الله جعلك لينا معهم ، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ، وحينئذ لن تكون لك دولة او سلطة ،اذا فهم مصدر السلطة و القوة وبهم تكون لك دولة .
اما في الدولة الدينية فمصدرها من الخليفة الذى يزعم انه يستمدها من الله باعتباره ظل الله في الارض و خليفة الله ..لذلك قال ابو جعفر المنصور(إنما انا خليفة الله في ارضه و امينه علي خلقه ).. وبذلك يكون راعيا و الناس رعية، و يكون مسئولا عنهم امام الله، ويحق له ان يقتل ثلث الرعية لاصلاح حال الثلثين طبقا لفتوي فقهية شهيرة، و في كل الاحوال فهو لا يسأل عما يفعل في الدنيا . ويكون اقرب لنموذج فرعون في القران الكريم ومن هنا نفهم السبب في تركيز القرآن على ذم فرعون .
التناقض في حقوق المواطنة :
في الدولة الاسلامية المسلم هو المسالم ، و المؤمن هو المأمون الجانب .فكل من يعيش مسالما هو مسلم مهما كانت عقيدته ..لان الذي يحكم في العقائد هو الله تعالي يوم القيامة،وليس لأحد التدخل في العقائد . بإختصار الدين لله و الوطن للجميع.
وفي الدولة الدينية ينقسم الناس الي طبقات، اعلاهم الخليفة و بيته، ثم اسرته وعائلته و القواد ثم ارباب الوظائف وبعدها عموم المسلمين .اما غير المسلمين فهم في الدرجة السفلي كأهل ذمة.اما اعداء الدولة فهم المختلفون في المذهب الفقهى او السياسي او الفكرى، وتعاملهم الدولة بحد الردة و الحسبة ،أي القتل..
التناقض في حقوق الافراد والمجتمع : في الدولة الاسلامية لكل فرد الحق المطلق في شيئين هما العدل و حرية الراي و العقيدة.. و لكل فرد الحق النسبي في الثروة والحكم و الامن..و هذه الاشياء الثلاثة الاخيرة هي حق مطلق للمجتمع ..فالمجتمع هو الذي يملك الثروة و الذى ينبغي ان يدافع عنه الجميع.
والمجتمع هو مصدر السلطات السياسية. وكل فرد نصيبه في هذه الحقوق علي حسب كفاءته مع مراعاة تكافؤ الفرص. والعدل والمساواة.
اما الدولة الدينية فالخليفة هو الذي يملك الارض و من عليها ,يمنح ويمنع .. يرفع ويقتل من يشاء فقد قال ابو جعفر المنصور "ايها الناس انما انا خليفة الله في ارضه و امينه علي خلقه، و قد جعلنى قفلا غلي خزائنه ان شاء فتحنى لاعطائكم.." .. و قد قال هارون الرشيد لسحابة في السماء "سيري حيثما شئت فاينما هطلت مطرا فسيأتيني خراجك "
التناقض في العلاقة مع الدول المجاورة :
في الدولة الاسلامية القاعدة هي السلام و عدم الاعتداء , والحرب لا تكون الا لرد الاعتداء بمثله(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين ) وحين تعتدي دولة على الدولة الاسلامية و تهزمها الدولة الاسلامية , فان من حق الدولة الاسلامية ان تفرض علي الدولة المعتدية جزية اي غرامة حربية دون ان تحتل ارضها (التوبة 29)..
اما في الدولة الدينية فالقاعدة هى نشر المذهب الذي تتبعه الدولة بالقوة تطبيقا للحديث الذي اخترعوه (امرت ان اقاتل الناس حتي يقولوا لا اله الا الله ….) وبعد احتلال الدولة يتم فرض الجزية علي اهلها حتي لو اسلموا كما حدث في العصرالاموي أوالعباسي أو العثمانى.. . والنظرة الاساسية للدول المخالفة علي انها دار حرب او دار كفر حتي في اوقات السلم، اذ تكون مجرد هدنة الي ان يقوي المسلمون علي غزوها.
التناقض في المرجعية الفكرية والتشريعية :
في الدولة الاسلامية هي القران الكريم الذي يصلح لكل زمان و مكان مع الاجتهاد في تطبيق نصوصه وفقا لمصطلحاته و مفاهيمه هو، و الاحتكام اليه في كل ينسب للنبي من احاديث في التشريع . و تشريعات القران محدودة و تعطي مجالا واسعا للاجتهاد البشري في التشريع حسب العرف و المتغيرات ، علي اساس العدل والتيسير و تحقيق مصالح العباد او المقاصد التشريعية .
وفي الدولة الدينية خلال عصر الخلفاء غير الراشدين تم تدوين التراث طبقا لهوي الاستبداد ليكون مرجعية للتشريع. وبسبب الفجوة الهائلة بينهم والقران اخترعوا له احاديث نبوية ، و ما لم يعجبهم في القران تم ابطاله بدعوى النسخ . مع ان مفهوم النسخ في القران يعني الاثبات و التدوين و الكتابة و ليس الحذف و الالغاء.
ان الدولة العلمانية التي تراعي العدل و حقوق الانسان هي اقرب النظم للدولة الاسلامية مع انها لاتتمسح بالاسلام . كما ان دولة طالبان في افغانستان هى ابرز ما يعبر عن الدولة الدينية التى تتناقض مع الاسلام مع انها لا تتمسح به … … … …
وفي المقالات القادمة سنناقش البرنامج السياسي الحقيقي للاخوان المسلمين وتعارضه مع الشريعة الاسلامية..
بقلم
د.احمد صبحي منصور














د.أحمد صبحى منصور
عرش السلطه المملوكيه و فنون التآمر
الفتن والمؤامرات كأساس للسياسه المملوكيه وتولي السلطه
مفتاح الشخصيه المملوكيه –كنظام سياسي- هو المساواه بينهم جميعا في الاصل و النشأه والتفاضل بينهم يكون بالمقدره القتاليه والدهاء السياسي …. فكلهم جئ به من بلاده الاصليه رقيقا لينخرط في سلك المماليك ثم ليتدرج بكفاءته السياسيه و الحربيه حتى يصل الي السلطنه، و لا عبره إلا بملكات المملوك و قدراته ،لذا نجد بعض الغرائب ،فالظاهر بيبرس كان في الاصل مملوكا لاحد الامراء وهوالامير البندقدار، ونسب اليه فقيل بيبرس البندقدارى، واعتقة سيده، ثم وصل بيبرس بدهائه وقدراته الي ان اصبح سلطانا وسيده السابق مجرد تابع صغير له في دولتة، ومهارة بيبرس تتجلى في قدراتة الفائقة على المؤامرات والدهاء مع نشاطه الحربى.
وحين يصل مملوك ما بدهائه وحذقه في المؤامرات الى السلطنة فإنة يواجه مؤامرت الاخرين الي ان يموت، وربما يموت نتيجة المؤامرة .وهكذا تدور السياسة المملوكيه في حلقة لا تنتهى من الدسائس والمؤامرات …..
وقبل ان نعرض للتفاصيل نضع بعض الملاحظات التى تقعد سياسة المؤامرات المملوكيه :
1-أن معرفة المماليك بفن المؤامرات بدأ قبل قيام الدولة المملوكية رسميا ؛اى ان المماليك تعلموا فن المؤامرات في المدرسة الايوبية ،حيث برع الايوبيون في حياكة المؤامرات ضد بعضهم البعض ،وهذا ما فعله المماليك مماليك السلاطين الايوبين اذ كانوا عنصرا في تدبير المؤامرات ،والمماليك البحرية شاركوا في مؤامرات الصالح ايوب،ثم ضد ابنه توران شاه .وقامت دولة المماليك البحرية واستكثر احد اعلامهاالسلطان قلاوون في شراء المماليك وأسكنهم برج القلعة وهم (المماليك البرجيه) وكثر المماليك البرجية ومارسوا لعبة المؤامرات في سلطنة ابناء واحفاد سيدهم قلاوون ،الي ان قامت دولتهم وقد تمرسوا _أي البرجية _بفن المؤامرات خلال الدولة المملوكيه البحريه الي ان اقاموا دولتهم البرجية تماما كما فعل البحرية اثناء دولتهم الايوبية .
2- قد تنتهي المؤامرة بقتل السلطان –وحينئذ يتولي القاتل السلطنة طالما كان كفئا ،وبذلك يصبح قتل السلطان مسوغا شرعيا لصلاحية القاتل للسلطنة شأن شريعة الغاب ،وذلك هو الغالب في السلطات العسكرية فالاقوى هو الاغلب ،ومعني ذلك ان الامراء لا يخضعون للسلطان الا لانه اقواهم ،وهو قرين لهم وند، فاذا ما مات فحظ ابنه ان يكون فترة انتقالية ليظهر فيها الاكفاء من بينهم ليتغلب علي السلطنة ويمسك بزمام الامور ويعزل السلطان الصغير او يقتله ،ومن عجب ان اغلب السلاطين كان يخدع نفسه ويصدق نفاق اتباعه فيخيل له انهم سيرعون حقه عليهم بعد موته في رعايتهم لأبنه، فيأخذ عليهم العهود والمواثيق ويمكن لأبنه في حياته ما استطاع ،ومع ذلك فان اخلص من يقوم بأمر ابنه في حياته هو اول من يعزله بعد فترة انتقالية معقولة ويتسلطن ،وينشئ اتباعا جددا من المماليك الذين يشتريهم ،ويبعد عنه رفاقه السابقين في المؤامرات ،واعداءة طبعا ،وبعد ان تقترب منيته يظن ان الامور استتبت له فيأخذ العهد لأبنه ويأتمن عليه اقرب اتباعه الا ان القصة تتكرر بحذافيرها ،ويعزل التابع ابن سيده السلطان السابق وتتكرر القصة هكذا ،وتستمر المؤامرات ،وبهذا قامت الدولة المملوكية البحرية ،وبهذا استمرت، وبهذا نشأت الدولة المملوكية البرجية ،وبهذا استمرت الي ان سقطت ،وبعد ان سقطت استمر المماليك في الحكم في اطار الدولة العثمانية فاستمرت مؤامراتهم ،حتي قضي عليهم (محمد علي )في مذبحة القلعة فأراح واستراح.

ونعود الي استعراض سريع للدولة المملوكية من خلال مؤمرات امرائها وحكامها:

1-اثناء الدولة الايوبية :وقبل ان تقوم دولة المماليك شارك المماليك في حوادث الخلافات المستمرة بين ابناء البيت الايوبي ،فالمماليك (الصلاحية )-الذين اشتراهم صلاح الدين الايوبى –علا شأنهم علي حساب المماليك (الاسدية )- الذين اشتراهم اسد الدين شيركوه ،وقد تذمر المماليك الاسدية ابان حكم صلاح الدين الا ان قوة شخصيته لم تسمح بتطور الامر ،وبعد موته استغل الملك العادل استياء الاسدية من علو نفوذ الصلاحية فتحالف معهم حتي ضم مصر ،وبه علا شأن الاسدية، وضعفت المماليك الصلاحية ،وكون العادل مماليك له عرفوا بالعادلية ،واولئك كان لهم دور بعد موت العادل حيث كرهوا سلطنة ابنه الكامل فاضطهدهم ،وكون مماليك له عرفوا بالكاملية وبدورهم فانهم كرهوا تولية ابن سلطانهم الكامل واسمه العادل الثاني ،فاعتقلوه وبعثوا لأخيه الاكبر الصالح ايوب فجاء الي مصر وتسلطن ،وعمل الصالح ايوب علي الاكثار من شراء المماليك واسكنهم في الجزيرة فعرفوا بالبحرية ،واولئك البحرية كرهوا ابن سلطانهم الصالح ايوب –وهو توران شاه اذ كان علي شيمة اسلافه يضطهد مماليك ابيه ويعول علي انشاء عصبة مملوكية جديدة تدين بالولاء له ،وعلي ذلك فهو لم يكافئهم علي جميلهم حين حفظوا له ملكه فأظهر لهم العداء والتآمر حتي قتلوه ،وانفردوا بالحكم من دونه ودون الايوبيين جميعا .فالمماليك ومنذ بداية الدولة الايوبية وهم الاعرف بفنون المؤامرات ولا ريب وان وصولهم للسلطة تم بمؤامرة بالاطاحة بحياة توران شاه ،وعلي ذلك الدرب سيسيرون في دولتهم .
2-وبتولي المماليك السلطنة اتخذت مؤامراتهم طابعا محليا داخليا فيما بين المماليك انفسهم للوصول الي الحكم او الاحتفاظ به من انياب الطامعين من بينهم .فبعد قتل توران شاه بتدبير شجرة الدر وتنفيذ المماليك البحرية بزعامة اقطاي وبيبرس اتفق علي تولية شجرة الدر ارملة الملك الصالح (ام ولده خليل )،واحتج الخليفة العباسي ان تتولي امرأة حكم المسلمين في مصر ،فكان لابد لشجرة الدر ان تتزوج، وكان علي رأس المماليك اقطاي زعيم المماليك البحرية وايبك زعيم المماليك السلطانية .ورأت شجرة الدر ان نفوذها من الممكن ان يستمر مع ايبك زعيم البحرية دون اقطاي القاتل الخشن فتزوجت ايبك ،وبذلك اصبح المماليك قسمين يتآمر كل منهما ضد الآخر ،فأقطاي اتبع اسلوب البدء بالهجوم فظل جنوده ينشرون الفساد حتي يتهم السلطان الجديد بعدم قدرته علي حفظ الأمن ،وفي نفس الوقت خطب الي نفسه اميرة ايوبية وطلب من شجرة الدر ان تخلي لها مكانا في القلعة ،وتآمرت شجرة الدر وايبك علي قتل اقطاي وشارك في المؤآمرة قطز الساعد الايمن لأيبك .وكان قطز صديقا لبيبرس –وهو الساعد الايمن لأقطاي -وخدع قطز بيبرس واقنعه بسلامة نية شجرة الدر في دعوة اقطاي لمقابلة شجرة الدر ،وحين دخل اقطاي الي القصر السلطاني حيل بينه وبين جنوده وقتل .والقيت رأسه الي اتباعه ففروا وهربوا من مصر وكان من بينهم بيبرس .
وصفا الجو لأيبك وشجرة الدر ،الا ان الخلاف ما لبث ان شب بينهما اذ كانت شجرة الدر امرأة طموحا تنشد الاستقلال بالسلطة وتري في زوجها – الذي كان تابعا سابقا لها –مجرد اداة لتنفيذ مآربها ،وايبك من ناحيته عزم علي التحرر من قبضتها والاستئثار بالنفوذ واستوحش كل منهما من الاخر واعلن ايبك انه سيخطب الي نفسه نفس الاميرة التي كان اقطاي سيخطبها لنفسه سابقا، وليزيد من اغاظة شجرة الدر رجع الي زوجته السابقة (ام علي )،واستعملت شجرة الدر كل دهائها حتي اقنعت ايبك بالصلح معها ،وحين جاء يقضي معها الليل كانت ليلته الاخيرة ،وثارت المماليك علي شجرة الدر ونصبوا ابنه عليا الطفل سلطانا ،وشفت ام علي غليلها من غريمتها شجرة الدر فأمرت الجواري ان يقتلنها ضربا بالقباقيب ،وتولي قطز الوصاية علي السلطان الصغير علي بن ايبك ،واقبل الزحف المغولى فعقد قطز مجلسا اعلن فيه ان البلاد في خطر وان السلطان الجديد لا يستطيع ان يقوم بالامر وعزله وتولى مكانه ،ولتوحيدالجهود ضد المغول فقد بعث السلطان قطز لصديقه السابق بيبرس وأمراء البحريه الفارين ليتعاونوا معه ضد الخطر المغولى،فأتوا إليه من الشام ،وبعد إنتصار قطز على المغول تآمر عليه المماليك البحرية بقيادة بيبرس إنتقاما من مقتل سيدهم اقطاىوقتلوا قطز في طريق العودة ،وتم تنصيب بيبرس سلطانا ،وقام بيبرس بتوطيد الدولة المملوكية ورفعة شانها في الشام والعراق والحجاز ،وحاول في اخريات حياته ان يوطد الامرلابنه سعيدفولاه العهد من بعده .وحتى يضمن ولاء المماليك له من بعده فقد زوجه من ابنة كبير المماليك قلاوون الالفى وجعل قلاوون نائبا له ،واخذ العهد لابنه في إحتفال كبير اقسم فيه المماليك علي الاخلاص (لسعيد بركه بن الظاهر بيبرس )حين تولى العرش بعد ابيه .
ولكن ذلك كله لم يجد نفعا ،إذتآمر على (سعيد بركه)من قام بأمره بعد ابيه، ولم تعن المصاهره او الايمان المغلظه شيئا عند قلاوون الذى اضطر سعيد بركه للتنازل سنة 678وتولى مكانه :وظلت اسرة قلاوون في حكم مصر نحو قرن او يزيد 678-784 ..المهم ان متاعب قلاوون لم تنته بإعتقال المماليك الظاهريه –اتباع الظاهر بيبرس – وإحلال انصاره محلهم ،وانما ثار عليه أقرانة من الامراء كما فعل الامير سنقر نائب الشام ،مما جعل قلاوون ينشىء لنفسه عصبه خاصه به من المماليك الذين اكثر من شرائهم واقام لهم ابراجا خاصه بالقلعه فعرفوا (بالمماليك البرجيه ) واولئك هم الذين تآمروا على إغتصاب السلطه من ابناء واحفاد السلطان قلاوون ثم استطاع احدهم فى النهايه وهو برقوق إقامة الدولة المملوكيه الثانية اى البرجية بعد الدولة البحرية.
3-واسهم المماليك البرجيه في الفتن في دولة ابناء قلاوون –او في نهاية الدولة المملوكيه البحريه . وشاركوا في ذلك بقايا المماليك البحريه ،وقد تآمربعض المماليك البحريه على قتل الاشرف(خليل ابن قلاوون )الذى فتح عكا وازال الوجود الصليبى نهائيا ، فقتل بيدرا الاشرف خليل واعلن نفسه سلطانا إلا ان امره لم يتم فقد تمكن المماليك البرجيه –اتباع البيت القلاوونى –من قتل الامير بيدرا، وبدأ الصراع بين المماليك البرجيه حول تولية السلطان ، وكالعادة اتفق على تولية الصبى (محمد بن قلاوون) السلطه بإسم الناصر محمد . وتحكم النائب كتبغا في الناصر محمد ، ثم عزله ونفاه الى الكرك واعلن نقسه سلطانا سنة 694 ثم تآمر على كتبغا حليفه الامير لاجين (وهو احد قتلة الاشرف خليل بن قلاوون) وقد اختفى ثم ظهر وتحالف مع كتبغا وبتأييده تولى كتبغا السلطنه، وتمكن لاجين من الانتصار على كتبغا فآثر الاخير السلامه وهرب، فتولى لاجين السلطنه ،حتى قتله اثنان من صغارالمماليك،ولم يتمتعا بتأييد الامراء الكبار فأعدم القاتلان،واتفق على ان يعود السلطان محمد بن قلاوون للسلطنه للمرة الثانيه (689-708).
الا ان الناصر محمد وقع للمرة الثانيه في ايدى الاميرين المتحكمين فيه (بيبرس وسلار) ولما لم يستطع ممارسة نفوذة اضطر للفراربنفسه للكرك ،فتسلطن بيبرس الجاشنكير ، إلا ان امره لم يتم فقد ثارت عليه العامة والجند ،وتمكن الناصر من الرجوع واسترد عرشه وقتل بيبرس الجاشنكير وسلار وحكم مستبدا بالامر حتى وفاته. وهكذا ،بدأ المماليك البرجية في التآمر اثناء الدولة البحريه القلاوونية، وقد اتخذ تدخلهم في بداية الامر مظهر الدفاع عن آل قلاوون بقتلهم بيدرا قاتل الاشرف خليل ثم ما لبثوا ان تحكموا في اخية الناصر محمد، وتمتعوا بالامتيازات على حساب بقايا الامراء المماليك البحرية ،ثم تطور نفوذهم اخيرا حتى تولى احدهم وهو الظاهر بيبرس الجاشنكير الحكم كأول سلطان برجى فى الدوله البحريه، ومع تهاوى عرشه سريعا إلا ان ذلك كان ارهاصا بقيام الدولة البرجية على يد برقوق.
ولقد انعكس نفوذ المماليك البرجيه على مصير السلاطين من ابناء واحفاد الناصرمحمد بن قلاوون بعد وفاته ،فكثر توليهم وعزلهم تبعا لمؤامرات كبار الامراء البرجية ، حتى انه في العشرين سنة الاولىبعد موت محمد بن قلاوون تسلطن ثمانية من اولاده (741-762)وفى العشرين سنة التالية تسلطن اربعة من احفاده ،وبعضهم تسلطن وعمره عام واحدكالسلطان الكامل شعبان بن الناصر محمد ،وبعضهم لم يبعد في الحكم إلاشهرين مثل الناصر احمد بن الناصر محمد ،وفي ظل الاضطراب وعدم الاستقرار أتيح لكبار المماليك البرجية الوصول للسلطنة بعد ان جربوا التحكم في صغار السلاطين من ابناء الناصر محمد بن قلاوون وتلاعبوا بهم، وفي النهايه تولوا الحكم وساروا بنفس اسلوب المؤامرات.
4- وقد عمرت دولة الممماليك البرجية اكثر من مائة واربعة وثلاثين سنة (784-922)حكم فيها ثلاثة وعشرين سلطانا ،ومنهم تسعة حكموا مائة وثلاث سنوات ،وارتبط بهم تاريخ الدولة البرجية ،وهم برقوق مؤسس الدولة وابنه فرج،و شيخ وبرسباي وجقمق واينال ،وخشقدم وقايتباي وقنصوه الغولي .
وقد تمكن برقوق بسلسلة من الدسائس والمؤامرات ان يقيم الدولة البرجية وتغلب علي مصاعب عديدة وصلت الي درجة عزله من السلطنة الا انه عاد وانتصر ،فلقد غدا ابناء الناصر محمد بن قلاوون لعبة في ايدي الامراء البرجية الذين تنافسوا علي الوصول الي درجة الاتابك أي نائب السلطنة للسلطان القلاووني الصغير ،وتبلور النزاع اخيرا بين اميرين كبيرين هما بركة وبرقوق ،وانتهي الصراع بينهما بانتصار برقوق علي منافسه ومن يتبعه ،والتزم بركة امام القضاة الاربعة بألا يتحدث في شئ من امور الدولة وان يترك ذلك لبرقوق وحده ،واصبح برقوق هو المرشح عن البرجية او الجراكسة للتحكم في السلطان القلاووني الصغير ،الا ان برقوق طمع في المزيد، فقد كان يريد ان يخلع السلطان المغلوب علي امره ويحكم هو رسميا ،ولذلك خشي منافسه القديم بركة فاعتقله في الاسكندرية واوعز الي واليها فقتل بركة في السجن .وثار اتباع بركة فأعلن لهم برقوق ان قتل بركة تم بدون علمه، وسلم لهم والي الاسكندرية فقتلوه واسترضاهم بذلك .
وتفرغ برقوق بعد ذلك لخلع السلطان علي ،وكان الرأي العام يعطف علي ابناء البيت القلاووني ولا يميل الي خلعهم من السلطة الرسمية ،وقد سبق ان الجنود العامة ثاروا علي بيبرس الجاشنكير حين خلع الناصر محمد بن قلاوون وتعاطف معه حين هرب الي الكرك حتي رجع وانتصر علي غريمه .وبرقوق يدرك ذلك جيدا، لذا عمد الي تخدير الرأي العام فاستضاف شيخا صوفيا معتقدا –أي يعتقد الناس في ولايته وهو الشيخ علي الروبي، وقد اعلن الروبي ان برقوق سيلي السلطنة يوم الاربعاء التاسع عشر من رمضان سنة 785 ،وان الطاعون –وكان وقتها ساريا – سيرتفع عن القاهرة ،ثم يموت الطفل علي ،والمعلوم ان الصوفي يحظى باعتقاد العامة في علمه للغيب ،واذ هيأ برقوق الاذهان لما سيحدث فقد قتل السلطان الصغير واشيع موته ودفن في يومه، ثم عين بعده اخاه امير حاج، ثم عقد مجلسا بالخليفة العباسي والقضاة الاربعة والامراء ،فعزلوا امير حاج وبايعوا برقوق في التاسع عشر من رمضان سنة 785 هـ أي في نفس الوقت الذي اعلنه الشيخ الروبي سابقا .
ثم عمد برقوق للتخلص من الامراء الذين ساعدوه وقضي عليهم بالقتل والنفي واعتقل الخليفة العباسي، وفي هذه الظروف مات الشيخ الروبي، مما يعزز الشك في ان للسلطان برقوق يداً في مقتله، وبذلك ضمن برقوق لنفسه ان ينفرد بالامر ولا يكون لأحد عليه فضل او نفوذ باعتباره شريكا في المؤامرة .
الا ان برقوق اخذ من مأمنه كما يقال فقد ثار الامير يلبغا في الشام فوجه اليه برقوق مملوكه منطاش علي رأس جيش لإخضاعه ،الا ان يلبغا اتفق مع منطاش علي عزل برقوق ،وبذلك استدار منطاش بجيشه ويلبغا بجيشه الي القاهرة لحرب برقوق ،ولما لم يكن لبرقوق جيش يقابل به الاميرين فقد هرب الي الكرك ،ودخل منطاش ويلبغا الي القاهرة واعيد السلطان امير حاج للعرش،وكما كان متوقعا دب الخلاف بين منطاش ويلبغا وانتصر منطاش ،وفي هذه الاثناء هرب برقوق من الكرك واعد جيشا وانضم اليه انصاره ،والتقي مع مملوكه السابق منطاش في موقعة شقحب وانتصر عليه وعاد الي السلطنة للمرة الثانية سنه 797 .
5-ومات برقوق سنة 801 وتولي ابنه الناصر فرج ،وقد اضطر فرج للاختفاء بسبب مؤامرة حتي اعاده الامير يشبك ،ثم ثار عليه الاميران شيخ ونوروز فتنازل لهما،وثار النزاع بين شيخ ونوروز وانتهي بمصرع نوروز وسلطنة شيخ ،بعد موت السلطان شيخ تولي ابنه احمد تحت وصاية الامير ططر الا ان ططر سلبه السلطنة وتولي بعده .ومات ططر واخذ العهد لأبنه محمد بن ططر تحت وصاية برسباي الا ان برسباي ما لبث ان عزل ابن السلطان ططر وتولي مكانه ،وتوفي الاشرف برسباي وعهد الي ابنه يوسف ابن برسباي تحت وصاية الامير جقمق وبالطبع تسلطن جقمق وحين مات جقمق عهد الي ابنه عثمان بن جقمق بوصاية اينال فعزله اينال وتسلطن مكانه.
وسادت فترة من الضعف في الدولة البرجية وتولي فيهم سلاطين ضعاف، وكثر فيهم العزل والتولية، حتي ان بعضهم كالسلطان خير بك لم يمكث سلطانا الا ليلة واحدة سنة 872 ،ثم انتعشت الدولة مؤقتا بتولي السلطان قايتباي الذي حكم تسعة وعشرين عاما،و تنازل في السنة الاخيرة لأبنه محمد بن قايتباي الذي دفع حياته ثمنا لمغامرات الكبار .
وتعاقب جملة من السلاطين الضعاف حتي تولي قنصوة الغولي سنة 906 فأعاد الاستقرار الي حين ،وانتهي امره وامر الدولة المملوكية في مرج دابق سنة 922 .

اجمالي القراءات 15983