درست المرحلة الثانوية في الأردن, حيث تدرّس مادة التربية الاسلامية في مدارس الحكومة, و منهاج التربية الاسلامية هناك وضعه الاخوان المسلمون, لأنهم سيطروا على وزارة التربية و التعليم لفترة طويلة, و المتمعّن في تلك المناهج يفهم الطبيعة المتطرفة للاخوان, فقد تعلمت مبادئ الحاكمية و الحسبة من خلال تلك المناهج, و بالرغم من أن الاخوان يحاولون أن يقنعوا الناس بأنهم وسطيين, الاّ أن مناهجهم و أدبياتهم تدل على إيمانهم الراسخ بأفكار سيّد قطب و التكفيرية الوهابية.
المهم, خلال دراسة علوم الحديث و الاسناد و الجرح و التعديل للرواة, لفت نظري أن الذين قيّموا رواة الأحاديث فعلوا ذلك بعد أكثر من مائة سنة من وفاة هؤلاء الرواة, هذا الاكتشاف دفعني الى سؤال مدرّسي في ذلك الوقت "كيف عرف جامعوا الحديث عدالة راوٍ ما بعد أجيال من وفاته؟" و الحق يقال أن استاذي كان صبوراً في الاجابة فقد دخل بي في متاهات علوم الحديث و الجرح و التعديل و كيف أن هناك أحاديث منقطعة و مرسلة و معلقة...الخ, و كيف أن الرواة قسموا الى عدول ثقات و مدلسين...الخ, و لكن كل هذا لم يجب على سؤالي الأصلي, "كيف عرف جامعوا الحديث عدالة راوٍ ما بعد أجيال من وفاته؟" فأعدت السؤال, و هنا جاءت الاجابة المذهلة "جامعو الحديث اعتبروا أن الصحابة و التابعين و تابعي التابعين عدول ثقات." هكذا تم تعديل ثلاثة أجيال من المسلمين من أجل نقل الأحاديث عنهم.
و من هم الصحابة؟ يقول الحافظ بن حجر أن الصحابي هو من لقي الرسول مؤمناً و مات على الاسلام, يعني لو لقيه ساعة و كان مؤمناً أصبح عدل ثقة, و بالرغم من أن بعض من عاصروا الرسول وصفوا في القرآن بأنهم من المنافقين الذين لا يعلمهم الرسول نفسه, إلاّ أن السادة جامعي الأحاديث بجرّة قلم عدّلوا كلّ هؤلاء, بل و إذا كان المنافقون موجودون أيام الرسول, فمن باب أولى أنهم متواجدين و بشكل أكبر في الجيلين اللاحقين (التابعين و تابعي التابعين).
الأمر الآخر الذي أثار دهشتي هو تقسيم تلك الأحاديث الى ضعيف و آحاد و مرسل و منقطع...الخ, فإذا كان الحديث – حسب زعم أهل الحديث - أوامر الله التي أمرنا بها من خلال الرسول, فماذا يعني هذا التقسيم؟ هل يعني أن نلتزم بأحكام الحديث الضعيف بنسبة 35% متلاً؟ و ماذا عن الأحاديث الرهيبة مثل حديث "التبييت" الذي يجيز ذبح أطفال و نساء العدو؟ هل نذبح قسم منهم و نترك البقية لأن الحديث ضعيف؟
بالنهاية توصلت لما توصّل اليه الكثير من القرآنيين من أن القرآن هو النص الاسلامي الوحيد, و أن كل ما كتبه النشر من أحاديث و سيرة نبوية غير دقيق, بل أن معظمه لا يعدو كونه تلفيقاً لأهداف سياسية و اجتماعية و شخصية.