ج 2 ف1 : تشريعات صلاة التوسل بالأولياء الأحياء

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٦ - فبراير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

  كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الثانى :  العبادات فى مصر المملوكية  بين الإسلام والتصوف               

 الفصل الأول :أثر التصوف فى شعيرة الصلاة  فى مصر المملوكية 

  تشريعات صلاة التوسل بالأولياء الأحياء                                 

1- إنصاع المريدون لأوامر الشيوخ بتقديسهم فاعتبروا مجرد رؤية الشيخ عبادة .. يقول ياقوت العرشي تلميذ أبي العباس المرسي ( النظر في وجه الولي على جهة التعظيم ساعة واحدة خير للمريد من عبادته وحده خمسين عاماً)[1]. وعليه فيمكن للمريد ان يكتفي بنظرة لإلهة عن أداء الصلاة لله تعالى- وكان الشيخ بدر الدين المهدي يقول عن أشياخ رفاقه ( كانت رؤيتهم عبادة)[2]. وقيل في ترجمة (على بن وفا) ت 807 (دان أصحابه بحبه( أى جعلوا حبه دينا ) ، واعتقدوا رؤيته عبادة ،وتبعوه فى أقواله وأفعله ،وبالغوا فى ذلك مبالغة زائدة ، وسموا ميعاده المشهد ، وبذلوا له رغائب أموالهم ،هذا مع تحجبه التحجب الكثير)[3].

2- فعلىُ بن وفا جعل من نفسه إلاهاً ، واعتبره أتباعه كذلك، فاعتقدوا ان رؤيته عبادة. ولم يزدد بذلك على وفا إلا غلواً، فطالب مريديه بالصلاة له حتى يتحقق بهم ويمن عليهم يشيء من ألوهيته..يقول( لم أجد الآن مريداً صادقاً يتقرب إليَ حقيقة حقه عندى بالنوافل حتى أحبه ، ولو وجدته لوافيته بحقه، فأحببته فكنت هو . )[4]. اى يقلد حديث البخارى ( من عادى لى وليا .) وفيه ( ولا يزال عبدى يتقرب الى بالنوافل ..) الى آخر هذا الإفك الكافر الآثم الذى صنعه البخارى . وعلى بن وفا يريد من مُريده أن يتقرب اليه بصلاة النوافل له ، ويعده حينئذ أن يتحد به ويحل فيه طبقا لعقيدتهم فى الحلول والاتحاد . أى يجعل نفسه (الإله ) فى الدين الصوفى الذى يحل بالولى الصوفى ويتحد به الولى الصوفى بزعمهم.  وكان الإعتقاد في شفاعة الولي الصوفي سائداً في العصر المملوكي ، وبحجة الشفاعة المزعومة طالب بعضهم الأتباع بالصلاة إليهم حتى يشفعوا فيهم ،فكان أحمد الزاهد يقول (ما دخل أحد إلى مسجدي هذا ثم صلى ركعتين إلا أخذت بيده في عرصات القيامة ، فإن الله شفعني في جميع أهل عصري)[5]. وعلى ذلك فهو يطلب من جميع معاصريه أن يصلوا له في مسجده كي يشفع لهم وإلا فلا ..

3- وكان قيام المريد بين يدي شيخه متمثلاَ فيه كل معاني التقديس والتبتيل والعبادة ، لا تقل بأي حال عن وقفة المصلي أمام ربه الخالق جل وعلا ، بل ربما ينشغل المصلي عن صلاته – وهوما لابد أن يحدث – أما المريد فكله انشغال بشيخه حين الوقوف أمامه ،بل إن تعلقه بشيخه وانشغاله به مستمر سواء وقف أمامه أم ركع .

ويبدو أن ذلك القيام الخاشع أمام الأشياخ كان عادة مملوكية لم يعرفها العثمانيون حين دخلوا مصر فنظروا إليها بشيء من الإستنكار، ولما كان الحكم العثماني في بدايته شديداً على ذوي المكانة من المصريين فقد نال بعض الصوفية المقدسين بالضرر فانكمش الآخرون ومنهم الشعراني القائل (أخذ علينا العهود إذا عملنا مشايخ على فقراء ( أى صوفية ) في زاوية أو على خرقة من الخرق المشهورة أن نفر من طريق الناموس جهدنا ولا نمكن أحداً من الفقراء ( الصوفية ) يقف بين أيدينا غاض طرفه كما يقف في الصلاة .. فنأمره أن يخالف عادته إذا حضر )[6].

أى ان الوقفة الخاشعة أمام الشيخ والتى لا تختلف عن الصلاة لله تعالى قد اتخذت عادة في العصر المملوكي ثم آن لها أن تنحصر قليلاً – لا خوفاً من الله تعالى وإنما خوفاً من إغضاب العثمانيين، يقول الشعراني بعد ذلك (وربما جره – أى الشيخ المعبود – ذلك إلى النفي من بلده كما وقع ذلك للشيخ أويس بالشام والشيخ على الكارزوني بحلب.. والقانون العثماني الآن إن كل من تظاهر بصفات الملوك وعارض أركان الدولة فيما يفعلونه يحبسونه أو ينفونه.. نسأل الله اللطف) [7].

4- وركوع المريد أمام شيخه أمر مقرر، فهويقف أمامه( غاضاً طرفه ) كما يقول الشعراني ، ثم يزيد ذلك بأن يقبل يده فيركع أمامه ليتمكن من التقبيل .. وقد حكى الشعراني عن نفسه ( دخلت مرة جامع الأزهر في صلاة جنازة فلما انصرفت من الصلاة أكب الناس على تقبيل اليد والخضوع ، وتبعوني يشيعوني إلى الباب ، حتى صاروا أكثر من الحاضرين في الجنازة )[8]. أى ركعوا امام الشعرانى يقبلون يده خاضعين له.  ولا تجد صوفياً إلا ومريدوه يقبلون يده ويحققون له الركوع . مع أن الركوع خشوعا هو الواجب لله جل وعلا وحده.

5- وقد يمتد التقبيل ليصل إلى تقبيل رجل الصوفي .. فيصبح الركوع سجوداً..

وقد افتخر الشعراني وعد من المنن كثرة تواضعه لكل فقير زاره يقول أن من المنن: ( كثرة تواضعي وتعظيمي لكل عالم أو فقير زرته وتقبيل يده أو رجله بطيبة نفس ، ثم لا أرى أني قمت بواجب حقه عليَ ) فالسجود من الشعراني – وهو من كبار الصوفية – لبعض الصوفية من أقرانه أقل من الواجب المفروض لهم. ثم أن هذاالسجود وتقبيل القدم لهدف صوفى بحت وهو تقوية الاعتقاد فى ذلك الصوفى  إذ يرون شيخهم يسجد له أقرانه ويقبلون رجله ، يقول الشعراني ( ثم لا أرى أني قمت بواجب حقه علي ، لا سيما بحضرة أصحابه وتلامذته ، فإن في ذلك تقوية لإعتقادهم فيه ، فيعكفون عليه ويقبلون نصحه ، وتربيته، لا سيما أن لي إسماً في المشيخة عندهم فيقولون إذا كان الشيخ فلان يقبل رجل شيخنا فذلك دليل على أن شيخنا أعلى منه مقاماً ،فيزداد اعتقادهم فيه وانتفاعهم به)[9]. إلى هذا الحد بلغ فعل الشعراني بنفسه ، يقبل أقدام زملائه ساجدا لهم – وهو أكبر الصوفية في عهده – كي يقرر مبادىء التصوف ويدعمها .

بل كان الشعراني يسجد أمام عتبة بيت الصوفي ، يقول (وكثيراً ما أُقبّل عتبة باب ذلك الشيخ أو باب زاويته بحضرة تلامذته إذا دخلت وإذا خرجت وهم ينظرون ، وإن كان ذلك الشيخ دوني في المقام (مقام الولاية بزعمهم ) وإنما أفعل ذلك مع ذلك الشخص لعلمي بعكوف أصحابه عليه دوني )[10].

والشعراني يعرف مكانته جيداً ويعلم انه أكثر الصوفية في عصره علماً ، وهو إذ يفعل بنفسه ذلك إنما يهدف إلى خدمة دينه الصوفي ويقدم ذلك على حظ  نفسه،  يقول ( وصاحب هذا المقام دائر مع المصالح ، لا مع حظ النفس )[11].

6 ــ على ان السجود للشيخ اتخذ عادة صوفية في السماع أو الرقص الصوفي منذ بداية العصر المملوكي . وقد أثارت هذه العادة إنكار ابن الحاج الفقيه الصوفي يقول ( يسجد الفقير للشيخ حين قيامه للرقص وبعده.. واتخذ هذا السجود عادة في السماع وعند الدخول على مشايخهم .. فإذا أخذه الحال يسجد للأقدام سواء كانت للقبلة أوغيرها)[12]. أى أن السجود للشيخ يتم في حفلة السماع اوالرقص حين يدخل على الشيخ في مجلسه أو حين يقوم للرقص أو ينتهي منه.. ولا يرتبط ذلك بالقبلة على حد قول ابن الحاج الذي يخلط بين الفقه والتصوف ، فالصوفي يقصد الشيخ بالسجود ولا محل للقبلة في تفكيره. ونحو ذلك ما كان يفعله أتباع علي وفا إذ كانوا ( يومئون إلى جهته بالسجود ) ، أى يسجدون ناحيته أينما سار ، وقد أنكر عليه وعليهم ابن حجر المؤرخ ، فما كان من علي وفا إلا أن قال ( فأينما تولوا فثم وجه الله )[13]. وكان مريدو الشيخ سنطباي (يسجدون له ، ويقرهم على ذلك)[14].

والمهم أن الصلاة للشيخ الصوفي كان فيها كل حركات الصلاة الاسلامية لله جل وعلا من ركوع وقيام وسجود، ولكن الصلاة الصوفية تمتلىء أكثر بالخشوع للشيخ وتقديسه.   



[1]
لطائف المنن للشعرانى 225.

[2]الطبقات الصغرى للشعرانى 63.

[3]شذرات الذهب جـ7/71.

[4]الطبقات الكبرى للشعرانى جـ2/54.

[5]الطبقات الكبرى للشعرانى جـ2/75.

[6]البحر المورود 328.

[7]البحر المورود 328.

[8]لطائف المنن 315 ويقول في ص587(ومما من الله تبارك وتعالى على عدم إمتناعى من الإجابة إلى وليمة كون أحد من اقرانى هناك ، بل أذهب إلى الوليمة وأقبل رجله وركبته بحضرة ذلك الجمع العظيم).

[9]لطائف المنن 321 :322.

[10]لطائف المنن321: 322.

[11]لطائف المنن 321: 322.

[12]المدخل جـ2/152.

[13]إنباء الغمر جـ2/308،شذرات الذهب جـ7/71.

[14]الغزى .الكواكب السائرة جـ1/211.

اجمالي القراءات 7977