ج 2 ف1 : بعض تفاصيل عن صلاة التوسل الصوفية

آحمد صبحي منصور في السبت ١٤ - فبراير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الثانى :  العبادات فى مصر المملوكية  بين الإسلام والتصوف               

 الفصل الأول :أثر التصوف فى شعيرة الصلاة  فى مصر المملوكية

بعض تفاصيل عن صلاة التوسل الصوفية

 فى العصر المملوكي لم يجد الشعراني حرجا من الإعلان بوجوب زيارة الشيخ لمريده حتى لا يلجأ المريد لله تعالى من دون الشيخ وتضيع قاعدة التوسل ، وهذا هو التجسبد الحي لعبادة الصوفي والصلاة إليه . وصار من مظاهر تمكن الصوفي أن يدعو الآخرين للصلاة إليه للتوسل به  فالدسوقي يقول لمريده (يا مريدي إن صدقت معي وصح عهدك فأنا منك قريب غير بعيد ،وأن في ذهنك وأنا في طرفك ، وأنا في جميع حواسك الظاهرة والباطنة )[1].وقال (إن صدق المريد مع شيخه ونادى شيخه من مسيرة ألف عام أجابه ، حياً كان الشيخ أو ميتاً ، فليتوجه المريد الصادق بقلبه إلى شيخه في كل أمر دهمه في دار الدنيا فإنه يسمع صوت شيخه ويغيثه مما هو فيه ، ومهما ورد عليه من مشكلات سره يطبق عينيه ويفتح عين قلبه فإنه يرى شيخه جهاراً فإذا رآه فليسأله عما شاء وأراد)[2].

فالدسوقي ينتحل لنفسه وللشيخ الصوفي صفات الله تعالى ، فيجعل من الولي الصوفي قريبا ًمن مريده ومهما ناءت بينهما المسافات فهو أقرب إليه من حبل الوريد ،ثم هو – أى الصوفي – يجيب دعوة الداعي إذا دعاه ولو من مسيرة ألف عام وكل ما على المريد أن يدعو شيخه بصدق وإخلاص فيرى الإجابة محققة . والصلاة – أو الدعاء – تكون رغبه أو رهبة ، وأكبر الخوف من النار وأعظم الرغبة في الجنة ، ومع أن الله تعالى هو خالق الجنة والنار ،إلا أن الدسوقي استكثر أن تخرج الجنة والنار عن منطقة نفوذه فيضيع منه جانب من الصلاة له والتوسل به ، فكان يقول (أنا نار الله الموقدة ، أنا جنة الخلد ، أنا بي يستغيث الناس فيغاثون). وسبق أن عرضنا  لتخريف الدسوقي بشأن تصريف في الجنة والنار في مبحث تصريف الولي.

وصارت دعوة الصوفية للتوسل بهم حقاً لكل صوفي مشهور أو غير مشهور، فتاج الدين النخال (ت824 هـ) كان يقول (إن حصلت لك شدة وكنت في أى جهة فتوجه إلى مصر وقل يا شيخ تاج الدين يا نخال فإن كنت في المشرق أو في المغرب أتيتك بأسرع ما يمكن)[3].

وبعد موت الصوفي لا تنقطع دعوته لمريديه بالتوسل إليه والصلاة عند قبره ليستجيب لهم ، حتى أن أحدهم دعا الله بدعاء مأثور فى جلب الرزق فرأى شيخه المنوفي بزعمه – وكان ميتاً – يقول في منام (أما يستحي أحدكم أن يكلف جبريل في شيء من الرزق)[4].،ذلك أن أتباعه كانوا يتوجهون إلى قبره يتوسلون به فيقضى حاجتهم[5]   بزعمهم ، ونحو ذلك ما قاله سالم العفيفى عمن يزور قبره ولا يتوسل به( أنا أعجب ممن يزورني ولا يدعو ولا يسأل حاجة )[6].

5- وواضح ان تلك المنامات المزعومة المسندة للشيوخ إنما حكيت على ألسنة الأتباع من سدنة الأضرحة المتعيشين على النذور التي تقدم والهبات التي تمنح ، وقد يكون منهم ابن للشيخ المتوفي لم يرث إلا سمعة والده وهو حريص على تنميتها بعد ان تحول إلى ضريح ، من ذلك ما حكي عن محمود ولد شمس الدين الحنفي الصوفي الشهير في العصر المملوكي من أنه أصابته فاقة بعد وفاة والده فجلس أمام ضريحه وشكى إليه حاله وذكر قول أبيه للمريدين (من كانت له حاجة فليأت إلينا ويطلب حاجته فإن ما بيني وبينكم غير ذراع وكل رجل يحجبه عن أصحابه ذراع من تراب فليس برجل ) ثم قال فلم يشعر إلا برجل يقدم له خروفاً مشوياً وخبزاً كثيراً . ورويت قصة أخرى عن نفس الإبن توسل بأبيه من أجل الثياب[7].

وبعد موت الشاذلي وازدياد شهرته بتكاثر الطريقة الشاذلية وفروعها عظم التوسل بالشاذلي وحمل أتباعه الأوائل لواء الدعوة للتوسل به .. يقول مكين الدين الأسمر ( الناس يدعون إلى باب الله تعالى وأبو الحسن يدخلهم على الله )[8]. ويقول أبو العزايم ماضي أنه استغاث بالشاذلي عندما كانت العرب تنهب الحجاج واغاثه الشاذلي ، رغم أنه مقيم بالإسكندرية ،وعندما رجع إليه قال له (يا ماضي لما اشتد الحال عليك وناديت بنا أتينا إليك وخلصناك مما كنت فيه)[9]..

6- ومن الطبيعي أن تتخم كتب المناقب بالدعوة للتوسل بالأولياء الذين كتبت فيهم تلك المناقب .. ففي مناقب الحنفي أن تاجراً صرعه اللصوص وهموا بذبحه فاستجار بالحنفي . يقول ( فألهمتني القدرة أن قلت يا سيدي محمد يا حنفي هذا وقتك) وسمعه الحنفي وهو في خلوته التي لا منفذ فيها فرمى بفردة قبقابه فأصابت اللص وصرعته (فلم أشعر يا سيدي إلا وهذه الفردة في الهوا وسمعت سيدي يقول : الله أكبر الله أكبر) ( ونجاني الله منه ببركة سيدي)[10].

وفي مناقب عبد الرحيم أن امرأة دعت على الزردكاش والي قوص وتوسلت بعبدالرحيم القنائي فمات الوالي [11]. وفي مناقب الفرغل أن ركاب سفينة غارقة توسلوا بالفرغل فسد الموضع بطاقيته فأنجاهم والسفينة وأمرهم بالحرص على الطاقية فأتوا بها  إلى بلدته في الصعيد [12].

وفي مناقب المنوفي أن بعض الأمراء خاف من غضب السلطان الناصر محمد بن قلاوون فاستغاث بالمنوفي – وكان وقتها مع مريديه – فرآه أمامه وطمأنه[13].

  وفي العصر العثماني يقول حسن شمة كاتب مناقب الدسوقي (ضل لي حمار فنظمت بيتين استغثت فيهما بسيدي ابراهيم الدسوقي في رده فجاء الحمار [14]. أى أن سلطان الصوفية وصل للحمير..

7- ومن الطبيعي أن يتضخم التوسل بالأولياء في العصر المملوكي – ليس فقط للإعتقاد في جدوى التوسل – ولكن ظروف العصر المملوكي السياسية – بين فتن ومؤامرات واشتداد للظلم – كلها كانت تدفع للتوسل . ومع وجود الجهل وسيطرة التصوف لم يجد الناس أمامهم إلا أولياء الصوفية وادعاءاتهم فصدقوا بها وآمنوا. ورددت ذلك المؤلفات التاريخية غير الصوفية ، فيقول المؤرخ أبو المحاسن عن إسماعيل الإمبابي أنه (أحد من تستغيث به العامة إذا مسها الضر ، ويزعمون أن سره يجلب عنهم السوء والمكروه  )[15]. بل أن السبكي الفقيه الصوفي يصف الصوفية بأنهم (أهل الله سبحانه وتعالى وخاصته ، الذين يرتجى الرحمة بذكرهم ويستنزل الغيث بدعائهم )[16]. والأكثر من ذلك أن السلطات الرسمية المملوكية اعترفت بالتوسل بالصوفية ، فقد ورد في وثيقة تقليد شمس الدين الأيكي لمشيخة خانقاه سعيد السعداء بشأن الصوفية ,( بهم تكشف الكربات وبهم يتوسل المتوسلون .. فمنهم الأبدال والنجباء والأوتاد والنقباء والمختارون بعد العرفاء والغوث الذي هو واحد تحت السماء)[17].

 



[1]
قواعد الصوفية جـ1/189، الطبقات الكبرى للشعرانىجـ1/153: 154.

[2]شمه. حزب مسرة العين 9ب.مخطوط.

[3]طبقات الشاذلية 118.

[4]مناقب المنوفى 52.

[5]الكواكب السيلرة 120.

[6]مناقب الحنفى 508 :509 ،510: 514.

[7]مناقب الحنفى 508 :509، 510: 514.

[8]الطبقات الكبرى للشعرانى جـ2/10 .

[9]تعطير الأنفاس .مخطوط 57.

[10]مناقب الحنفى 392: 396مخطوط والطبقات الكبرى للشعرانى جـ2/87.

[11]مناقب عب الرحيم 21.مخطوط.

[12]مناقب الفرغل 16: 17مجلد .

[13]مناقب المنوفى 41مجلد.

[14]شرح مسرة العينين10 ب مجلد.

[15]المنهل الصافى مخطوط جـ1/556.

[16]معيد النعم ومبيد النقم 157.

[17]تاريخ ابن الفرات مجلد جـ8/29.

اجمالي القراءات 7463