دفعني بعض المشككين المتهمين للقرآن بالتناقض الى البحث بالقرآن الكريم عما يسموه تناقض لإزالة شبهاتهم كوني مؤمن ان القرآن مثاني ومتشابه ويفسر بعضه بعضا من خلال عملية التدبر بذهن صاف في ظل ايماننا بان القرآن منزل من عند الله ولا يمكن يكون فيه تناقض في نصوصه أو اختلاف يقول تعالى:" أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا"..

قرأت لاحد الكتاب المشككين يتهم القرآن بالتناقض ويستدل بقوله تعالى: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا )ويقول كيف يخاطب الله "مريم" الصائمة عن الكلام بلفظة "قولي" (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي..) وهل يريدها هنا ان تفطر.. ؟! ويدعي بان هناك تناقض؛ إذ كيف لمريم ان تتكلم بأمر الله" قولي" وهي  نذرت الصوم عن الكلام..

ولو تطرقنا لمعنى لفظة "قولي" في هذا السياق؛ حيث سنجد أنها تعني الاشارة بمعنى أن الله يأمرها أن تشير للقوم بأنها صائمة عن الكلام والدليل على ذلك فيما  جاء بالقرآن بسورة :  وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ.

ومن المعروف هنا ان "الحق هو القرآن" لقوله: وبالحق أنزلناه وبالحق نزل" وكذب به قومك وهو الحق .. ومن خلال الآية المعنية بالتدبر :" وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) ؛ إذ كيف يخاطب  الكفار القرآن بالقول.. ولو حدث ذلك لكان السياق "قال الذين كفروا  للحق  لما جاءهم أنت سحر مبين"  "قال الذين كفروا عن الحق هذا السحر مبين" لكنها وردت: " قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ"..

وخلاصة ما سبق ان المعنى يبدوا جليا " وأشاروا" وأشار الذين كفروا للحق لَمَّا جَاءَهُمْ هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ" وهو ما يعزز معنى لفظة " فقولي" بسورة مريم " فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا" حيث تتابع الآيات:" فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ  قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا.. قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا .. وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا .. وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ودائما صدق الله العظيم ..

هذا ما وصلت اليه والله تعالى أعلى وأعلم وفقنا الله وإياكم لما فيه الهداية..