ضرب المرأة في الإسلام

نهاد حداد في السبت ٢٤ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 

أبى كثير من الإخوة إلا أن يقولوا الله ما لم يقله ، وأكيد نحن لا نشكك في إيمان أحد ! بل نقول أنهم أخطئوا في محاولة تفسير كلمة الضرب حسب مجيئها في القرآن الكريم ! وبالرغم من كل ماقرأته من تفاسير وآراء لقرآنيين وغيرهم ! فإن لي رأيا آخر أستمده من القرآن نفسه ، ليس انطلاقا من شرح مفردة كلمة الضرب في حد ذاتها ولكن من قوله عز وجل ! وإيمانا مني بأن الله لا يظلم إماءه ، وبأنه العلي القدير العادل الرحيم فإني أقول : الضرب في سورة النساء ضرب جسدي ، ولكنه يبقى رمزيا! ولكن قبل أن أستطرد وأتلو شهادتي من القرآن نفسه ، أريد أن أرجع إلى الوراء في تاريخ لا علاقة له بالتراث الاسلامي لتقريب المعنى من القارئ .في أوروبا  في القرون الوسطى وحتى نهاية القرن التاسع عشر ، كانت الدعوة للمبارزة بين شخصين تتم إما بصفع أحدهما للآخر ، أو بضربه بأحد القفازين ! وكانت الصفعة أو الضربة بالقفاز تعتبر إهانة كبيرة تنتهي بصاحبيهاإلى مبارزة تنتهي بإصابة أو بموت أحدهما ! فضربة القفاز أو الصفعة لم تكن مؤلمة في  حد ذاتها  للشخص الذي كان يتلقاها ، ولكنها كانت تحمل من الإهانة ما يدفع الشخصين الى القتال حتى الموت لرد الإهانة !  
ولنتأمل سورة النساء ، فالعظة  والهجر طريقتان لمنع المرأة من النشوز ، والمرأة التي يخاف من نشوزها هي أصلا المرأة التي تنحدر من عائلة كريمة ( بمعنى عائلة ثرية وذات جاه وأصل عريق ) مما يجعلها قد تحتقر زوجها الذي قد ينتمي الى طبقة فقيرة آو أقل غنى ! وامرأة كهاته يكون الصراخ في وجهها إهانة لها في حد ذاته ، فمابالك بضربها ! فالضرب الرمزي سيكون في حد ذاته إهانة عظمى في حقها ! لهذا فإني  أرى بأن الضرب هنا جسدي فعلا حسب سياق الآية ، لأنه يأتي ملازما لعقوبة الهجر التي هي أيضاً إهانة للمرأة ولا يمكن تفسيره بغير ذلك بأي حال من الأحوال .
ولكن المولى عز وجل الذي جعل لنا القرآن سراجا منيرا قد بين طريقة الضرب في سورة أخرى بل إنه عز وجل ، رأفة بالنساء ، قد جعل أيوبا النبي عليه السلام يضرب زوجته بحزمة عشب حتى لا يحنث لأنه عليه السلام كان قد قرر ضربها لأنها أبطأت عليه  وكذلك يضرب الله لنا الأمثال لنتعظ ونأخذ العبرة ! ولأن البارئ عز وجل رؤوف بإمائه ، ولأن قصص القرآن وجدت لنأخذ منها ما ينفع ديننا ودنيانا  كما فعل الأولون ! فقد جعل لنا الله في قرآنه آيات  لنتدبرها ! 
ولقد بينت منهاجي في تدبر القرآن في العديد من مقالاتي وأؤكد على ذلك الآن أيضاً وهو أنني في تدبري لا أقتصر على محاولة فهم المصطلحات المتشابهة،  ولكني آخذ العبرة والعظة  من كل ما تشابه فيه من أحكام في قضايا معينة ! ولنعد مرة أخرى إلى سورة النساء حيث يقول جل وعلى " الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ۚ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا " ( 34 ) . 
ولنتدبر هذه الآية مليا ، " الرجال قوامون  على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ، أي أن على الرجال أن يكونوا قائمين بواجبهم نحو نسائهم " وذلك بما فضل الله بعضهم على بعض ، بمعنى أن القوة الجسدية التي فضل الله بها  الرجال على النساء تجعل من هؤلاء قوامين على حماية أولئك ! أي النساء!  وكذلك هم قوامون  عليهن ، بما أنفقوا، أي قائمين على أمورهن بما ينفقون عليهن من أموال ! ولقد فضل الله بعضهم على بعض في الأموال ، وقد تكون المرأة أكثر ثراء من زوجها وقد تكون هنا هي ذات فضل عليه ( مما قد يدفعها إلى الإستعلاء والإستكبار والنشوز لذلك فإن الله يثني على الصالحات القانتات اللائي يحفظن أسرار أزواجهن - الغير قادرين على النفقة - بما حفظ الله ! أي بما أمر به الله به  أن يحفظ ! وهو الحفاظ على أسرار البيت وعدم جعلها متفشية بين الناس !   فيحفظن  غيب أزواجهن ولا يجعلنهن  عرضة للغيبة  والنميمة من طرف الآخرين !
ولايكون هذا الاستعلاء والنشوز إلا من طرف بعض النساء اللائي قد يدفعهن الغرور بثروات أهاليهن وجاهِهِمْ  إلى الاستعلاء والنشوز وإفشاء أسرار البيت ( بالحديث عمن ينفق ) لأن الله حفظ الغيب بقوله عز وجل " ولا يغتب بعضكم بعضا". 
هؤلاء النساء ، وهن فئة قليلة ، يُخاف من نشوزهن نظرا لتعود هن عى حياة الثراء والبذخ إذ  يجب وعظهن أو هجرانهن  في المضاجع أو ضربهن ! والضرب للمرأة الكريمة أو النبيلة شيء مهين جداً ! لذلك كان الضرب الذي تحدث عنه القرآن هو ضرب رمزي للإهانة فقط وليس للإضرار!
 وسنأتي بمثل من القرآن بين الله عز وجل موقفه من الضرب في قصة أيوب عليه السلام، إذ قال عز وجل في سورة ( ص) : ووهبنا له أهله ( زوجته وأولاده) ، ومثلهم معهم ( أحفاد ) رحمة منا وذكرى لأولي الألباب ، وخد بيدك ضغثا ( حزمة عشب ) فاضرب به ( زوجتك) ولا تحنث ، ( وكان قد حلف أن يضربها لإبطائها عليه ) ، إنا وجدناه صابرا ، نعم العبد إنه أواب ". 
أي أن الله عز وجل ، جعل أيوبا عليه السلام يضرب زوجته بحزمة عشب فقط لكي لا يؤلمها وذلك فقط ليبر بقسمه ولا يحنث ! لأن الله جعله من الصديقين الآوابين فلم يرد أن يجعله يحنث بقسمه وفي نفس الوقت لم يرد له أن يؤذي آهله ، أي زوجته ! ولم يرد الأذية للزوجة ! فكيف بالله عليكم يمنع الله عز وجل نبيا من ضرب امرأته ويجعله يستعمل ضغثا ، أي فقط حزمة عشب ، ويأمر بضربها ( الضرب كما يفهمه البسطاء من الناس ؟ ) ! فلقد فدى الله المرأة بحزمة عشب كما فدى إسماعيل بهدي وذبح عظيم ! أفلا يتدبرون ؟ القرآن كتاب متكامل ، لايمكن أخذ حكم منه دون استقراءه  في شموليته ! 
ونحن نتفهم أولائك  الذين يحاولون تبرئة الإسلام من تهم تسيء إليه ، كضرب المرأة  مثلا ، ولكن دفاعهم كمن يغطي الشمس بالغربال ! لأنه يتجاهل السياق تماما، ويبحث عن شرح لكلمة الضرب في سياقات أخرى لا علاقة لها نهائيا بالخلاف القائم بين الزوجين في سورة النساء والذي قد ينتهي إما بالتحكيم أو الطلاق !
فالضرب في هذه الآية واضح من السياق ولكنه ضرب رمزي ليس إلا ! 
اجمالي القراءات 18727