المحمديون إتّخذوا القرآن مهجورا

آحمد صبحي منصور في الجمعة ٢٣ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 أولا : معنى ( إتخاذ القرآن مهجورا )

1 ــ  الرسول سيشكو  قومه بأنهم ( إتّخذوا القرآن مهجورا ) . لن يقول ( إنهم هجروا ) القرآن ، ولكنهم إتخذوه مهجورا . أى فهو موجود رغم أُنوفهم ، وهم يجحدونه أن ينكرونه مع تصديقهم القلبى به . و( الجحد ) أى تنكر شيئا عنادا وكذبا ، كاللص ينكر المسروقات ويجحد وجودها وهو يعلم أنها فى حوزته . ولقد كان النبى يتألم ويحزن لتكذيب قومه للقرآن فقال له ربه جل وعلا : ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33) الانعام )أى إنهم فى الحقيقة لا يكذبون بالقرآن الكريم ولكنهم يجحدون إيمانهم به عنادا وإستكبارا وظلما . فالحقيقة إن الايمان بالقرآن قد تم ( سلكه ) أى وصل الى أعماق قلوبهم ، ولكنهم بسبب إجرامهم يعلنون كفرهم به تمسكا بإجرامهم ، يقول جل وعلا : (  كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (12) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينَ (13)  الحجر ) (  كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (200) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ (201 ) الشعراء ). وهكذا فالقرآن موجود معهم وليس مهجورا غائبا . ولكى يتغلبوا على هذا إتخذوا وسائل لجعل القرآن مهجورا ، منها اللغو عند سماعه : (  وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26)) فصلت ) ، ولكن الأهم منها أن يكون موجودا ولكن ينشغلون عنه بالبديل . لذا طلبوا من الرسول أن يأتى لهم ببديل ، أو بقرآن بديل ( قرآنا غير هذا القرآن ) . إذ أنه حين كان يُتلى عليهم القرآن فيتسلل الى قلوبهم رغم أنوفهم يجحدونه ويطلبون قرآنا آخر بديلا يتمشى مع إجرامهم وفسقهم ، يقول جل وعلا : ( وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)  يونس ). طلبوا ( قرآنا غير هذا ) ويأمر الله جل وعلا رسوله الكريم بأن يردّ عليهم إنه لا يملك تبديله بل هو متبع للوحى ، وأنه يخاف من عذاب عظيم إن فعل ، وأنه لبث فيهم عُمرا قبل أن ينزل عليه الوحى القرآنى ، وشهدوا أمانته وصدقه . ولكن المشكلة فى أولئك الناس الأشد ظلما وهم الذين يفترون على الله كذبا ، ويكذبون بآياته .

2 ـ والمفهوم مما سبق أنهم كانوا لا يملكون هجر القرآن فهو موجود محفوظ بقدرة المولى جل وعلا ، والايمان به يصل الى داخلهم مهما جحدوه عنادا وإستكبارا  ، فلم يبق لهم إلا أن يخلقوا بديلا له . وقد طلبوا ذلك من الرسول فرفض . ولذا صنعوا لهم بديلا . وهذا البديل هو صناعة أكاذيب من أحاديث ينسبونها لله جل وعلا . والله جل وعلا يؤكد أن أظلم البشر هم الذين يفترون على الله أكاذيب ويكذبون آيات الله .

وقد تكرر هذا التأكيد كثيرا فى القرآن على أن أظلم الناس هو من يفترى على الله جل وعلا كذبا ، ويكذب بآيات الله . وهذا التأكيد الذى تكرر ( يؤكد ) أن هذه الجريمة ستستمر عبر القرون طالما إستمر ابليس فى غوايته للبشر ، وإغراؤه لهم بصناعة ( وحى شيطانى ). ونعطى أمثلة من سورة الانعام وحدها (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21) (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمْ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (93) (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (144) (  فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ (157)أولئك هم أعداء الأنبياء فى كل زمان ومكان ، يقول جل وعلا عنهم فى سورة الأنعام :( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (117)). أولئك هم أعداء النبى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً ) الانعام 112     ). ويقول جل وعلا عنهم عن شهادة الرسول محمد على قومه فى سورة الفرقان (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30) وتأتى الآية التالية تؤكد أن أولئك المفترين المُكذّبين أعداء لكل نبى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً (31)).

3 ـ أى إن أعداء النبى فى حياته صنعوا بديلا لحديث رب العزة فى القرآن الكريم ، يتمكنون به أن يتخذوا هذا القرآن مهجورا . وإذا كان رب العزة قد وصف حديثه فى القرآن بأحسن الحديث (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)الزمر  ) فقد سمى البديل أو الحديث الشيطانى ( لهو الحديث ) الذى يتخذونه لصرف الناس عن القرآن ولاضلالهم ، يقول جل وعلا (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (6) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (7) لقمان  ). وإذا كان رب العزة قد أوجب الايمان بحديثه القرآنى وحده فإن أصحاب ( لهو الحديث ) يكرهون حديث رب العزة فى القرآن الكريم (   تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتَّخَذَهَا هُزُواً أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) الجاثية ).

ثانيا : إستمرار أتخاذهم القرآن مهجورا الى قيام الساعة

1 ـ وأرباب الديانات الأرضية المنتسبين الى الاسلام زورا وبهتانا ساروا على سُنّة الكافرين فى وقت البعثة النبوية . وقد نبّا رب العزة بهذا بأسلوب واضح حين قال ( وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ .. ) لقمان ) أى حيث يوجد ( ناس ) ف ( من الناس ) من يشترى لهو الحديث لاضلال بقية الناس . وإذا كانت صناعة الاضلال بدائية وبسيطة فى قريش وقت البعثة النبوية فقد أصبحت صناعة متطورة ورائجة فى القرون التالية ، فقد تأسس عليها ما يُعرف ب ( علوم القرآن ) و ( التفسير ) و ( الحديث ) و أسطورة النسخ بمعنى إلغاء التشريعات القرآنية وإبطالها وتعطيلها إستبدالها ، وقولهم بأن أحاديثهم التى جعلوها ( سٌنّة ) تنسخ أى تُبطل تشريعات الرحمن جل وعلا فى القرآن الكريم . والشافعى أول من قال هذه الفرية ، ومالك أول من صنع حد الرجم وشكّك فى القرآن الكريم .

وبتوالى القرون ساد هذا الإفك . ونراه الآن بأعيننا : المصاحف مطبوعة بالملايين ، والى جانبها كتب الضلال بالملايين من تفسير وحديث وشريعة شيطانية . والأغلبية الساحقة من المساجد والدعاة  يتبعون ( لهو الحديث ) ومن اجله يتهمون بالكفر من يؤمن بالقرآن وحده .

2 ـ وسيظل هذا الوضع الى قيام الساعة مادام الشيطان مستمرا فى غوايته . ويوم القيامة سيقول رب العزة لهم ( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ (64) يس ). وسيتبرأ الشيطان من أتباعه وهم فى النار : (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) ابراهيم )

ثالثا : شهادة النبى والشهداء

1 ـ الرسول يشهد على قومه فقط .. فالشهادة تعنى الوجود الحسى للشاهد على قومه وعيشته بينهم شاهدا عليهم ، يبلغهم بالحق فى رسالته السماوية ،ويُعانى من إضطهادهم له .لذا سيقول عيسى عليه السلام مدافعا عن نفسه ضد من إتّخذه وأمه إلاهين من دون الله جل وعلا : (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) المائدة   )

ويمكن القول بأن تبرؤ الرسول من  ( قومه ) لا يعنى فقط قومه الذين عايشوه ، ولكن يشمل من أسموا أنفسهم ( أمّة محمد ) أو ( المحمديين ) . نسبوا أنفسهم اليه ، ورفعوه فوق مسنوى الأنبياء ، وجعلوه شريكا لله جل وعلا فى الصلاة والحج وفى شهاد الاسلام ، وفى التشهد ، وجعلوه متحكما يوم الدين . كل مزاعم ( المحمديين ) سيتبرأ منها ومنهم خاتم المرسلين كما سيتبرأ ( المسيح ) من ( المسيحيين ).

2 ـ وكما يشهد النبى على قومه فقط يشهد الشهداء على أقوامهم .  يقول جل وعلا للنبى ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً (41) النساء ). وكما سيأتى عيسى شاهدا على قومه الذين ألّهوه بعد موته سيكون محمد عليه السلام شاهدا على قومه وأصحابه الذين إرتدوا بعد موتة ردّة حقيقية بما إرتكبوه من فتوحات لم تنشر الاسلام ولكن فى الحقيقة نشرت الكفر بالاسلام عبر تأسيس أديان أرضية كالتشيع والسُّنّة والتصوف . وفى سبيل تسويغ الفتوحات وتبريرها إتخذ هؤلاء الصحابة القرآن مهجورا بتشريعاته القائمة على السلام و العدل والاحسان وتحريم الظلم والبغى والعدوان  . يقول جل وعلا : ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً (30)الفرقان ). قريش التى ناصبت النبى العداء بزعامة الأمويين والتى إتّخذت القرآن مهجورا فى مكة ـ مالبث أن دخلت فى الاسلام ، وجاءتها الفرصة بعد موت النبى لتقود العرب المسلمين فى فتوحات باغية باسم الاسلام ، فإتّخذت القرآن مهجورا مرتين . قبل موت النبى إتخذوا القرآن مهجورا بدون شعارات . بعد موته عليه السلام كان  القرآن الكريم موجودا شعارا رسميا ولكن ما يجرى على الأرض هو كفر سلوكى وعملى بالقرآن .  ولا يزال معظم المسلمين على نفس الطريق ؛ الاخوان المسلمون المتاجرون بالاسلام يقولون فى شعاراتهم ( القرآن دستورنا ) وهكذا يهتف السلفيون والدواعش ، بينما فى كفرهم السلوكى يرتكبون الكبائر من قتل وإغتصاب وسلب ونهب ، ويؤمنون بالبخارى ، ومن ينتقد البخارى فهو عندهم ( زنديق ) يجب قتله ولو تاب ، ويجب قتله بلا محاكمة وعند العثور عليه كما أكد سيد سابق فى كتابه ( فقه السُّنّة ) وأبو بكر الجزائرى فى كتابه (  منهاج المسلم ).

3 ـ ويقول جل وعلا عن الشهداء من غير الأنبياء : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ) (84) النحل ). وقد دعا رب العزة المؤمنين فى دولة النبى فى المدينة أن يتأهلوا للشهادة يوم القيامة بالوقوف الى جانب الحق والدفاع عنه والتمسك بالصبر ، قال لهم  جل وعلا بعد هزيمة موقعة ( أحُد ) : (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) آل عمران ). فالتأهل للشهادة وإستحقاق الجنة ليس بالشىء الهين، بل يستلزم تمحيصا وإبتلاء وجهادا وصبرا ، يقول جل وعلا بعدها : ( وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) آل عمران ). ونفس الخطاب بالتأهل لمرتبة الشهادة يوم القيامة جاء لكل المسلمين ، وسيناله من يقوم بتأهيل نفسه فى حياته لهذه المرتبة ، يقول جل وعلا : ( وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78 ) الحج ). والمؤمنون من أهل الكتاب عندما سمعوا القرآن آمنوا به ودعوا الله جل وعلا أن يكونوا يوم القيامة من الشاهدين : (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83)  ) آل عمران )

رابعا : الكتاب السماوى هو الأصل فى الشهادة لكل نبى وكل شاهد من المؤمنين :

1 ـ  يقول جل وعلا عن المشهد الأول من مشاهد يوم القيامة : ( وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) الزمر ). هنا الكتاب السماوى ، وأمامه كتب أعمال البشر الجماعية والفردية لكل أمة ولكل فرد . يقول جل وعلا عن كتاب الأعمال الجماعى لكل مجموعة أو أمة : (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29)  الجاثية ). ويقول جل وعلا عن كتاب الأعمال الفردى لكل شخص من هذه المجموعة أو الأمة  ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) الاسراء )

 فعلى العموم فإن كل البشر وكل الأمم سيكونون مُساءلين يوم القيامة ، الرسل كلهم فى كفة والأمم كلها فى كفة أخرى ، يقول جل وعلا :( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) الأعراف ) والوزن حينئذ سيكون الكتاب السماوى فى كفة وكتاب الأعمال الجماعى والفردى فى الكفة الأخرى . والخاسر هو الذى كان مُكذّبا بالرسالة السماوية ، هذا هو الذى تخف موازينه : ( وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) الاعراف ).

وهو نفس الحال مع خاتم النبيين وقومه ، سيكون مساءلا وسيكون قومه مساءلين ، لذا أمره ربه جل وعلا بالاستمساك بالقرآن ــ الذى سيكون فى كفة والأعمال للنبى وقومه فى كفة أخرى . يقول جل وعلا لخاتم النبيين : ( فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) الزخرف ).

2 ــ وخاتم النبيين بشر محكوم عليه بالموت ، وقد مات ، ولكن الأصل ــ وهو القرآن الكريم أو الرسول أو الرسالة ــ باق محفوظ من لدن رب العزة الى قيام الساعة . وهكذا فالشهادة يوم القيامة مُتاحة لكل من يقتدى بخاتم المرسلين بالإستمساك بالقرآن الكريم وحده . وبهذا أمر رب العزة جل وعلا رسوله أن يقول : ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108)  يوسف ). الدعوة ( على بصيرة ) يعنى الدعوة بالقرآن ، فالقرآن هو ( بصائر للناس ): ( قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (104) الأنعام ).

3 ـ ولأن عالم الغيب جل وعلا يعلم أنه سيأتى بعد موت النبى من سيتخذ القرآن مهجورا ، ويتهم القرآن الكريم بأنه ناقص وغامض محتاج لكلام البشر لكى يبينه فإن الله جل وعلا سيجعل محور شهادة النبى وأتباعه من الشهداء هو أن القرآن الكريم نزل تبيانا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين الذين يؤمنون بالقرآن وحده ويكتفون به ، يقول جل وعلا : ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89) النحل ).

4 ــ ويتضح من الآية الكريمة السابقة ( النحل 89 ) أن الشهادة يوم القيامة هى شهادة خصومة، أى يشهد (على فلان ) لا أن يشهد ( لفلان )،يقول جل وعلا : ( إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ ) (15) المزمل  )  . وسيكون خاتم المُرسلين شاهدا خصما لقومه فى محكمة عادلة يوم القيامة ، يقول جل وعلا فى مساواة بين النبى وخصومه فى إستحقاق الموت وفى التخاصم يوم الحساب أمام الواحد القهار : ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)الزمر) . أساس الخصومة هنا هو الكتاب . فالقرآن الكريم هو الذى كان يستمسك به النبى فى حياته ، وخصومه كانوا يستمسكون بلهو الحديث ، أى يفترون الأكاذيب ويؤمنون بها ، ومن أجلها يُكذّبون بالصدق ، لذا يقول جل وعلا بعدها : ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (32) وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُتَّقُونَ (33) الزمر )

ولكن حال النبى يوم الحساب سيكون اشدّ ، لأنه سيثساءل عما إفتراه ( المحمديون ) من أحاديث ، ولهذا سيشهد شهادة خصومة ضد من إتخذ القرآن مهجورا . ينطبق هذا على قومه وعلى المحمديين بعده الذين ألّهوا محمدا.

وهناك أنبياء كثيرون وملائكة وصالحون تم تأليههم ــ رغم أنوفهم ــ وهؤلاء سيتعرضون للمساءلة شأن المسيح عليه السلام . وسيشهدون شهادة خصومة يتبرأون فيها ممّن عبدهم وألّههم . وسيكون هذا قبل الحساب ، أى عند الحشر ، يقول جل وعلا : ( وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) يونس ) ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (17) قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً (18) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً (19) الفرقان) (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) سبأ ).

5 ـ ( النذير ) هو وصف للرسالة والرسول والمؤمن بالرسالة الداعى لها مقتديا بالرسول . يقول جل وعلا يصف القرآن الكريم : ( حم (1) تَنزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (4) فصلت ). فالقرآن بشير ونذير فى حدّ ذاته . وقد نزل القرآن رحمة للعالمين (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء )، وهو أيضا ــ أى القرآن الكريم ــ نزل على ( محمد ) نذيرا للعالمين: ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً (1) الفرقان ). محمد عليه السلام كان نذيرا فى حياته : ( إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (23) فاطر ) ولكنه بشر ميت كما خاطبه ربه جل وعلا ، وبعد موته سيظل القرآن رحمة للعالمين ونذيرا للعالمين .

والقرآن لا ينطق بنفسه ، وإنما ينطق به مؤمن يدعو الناس على بصيرة مقتديا بخاتم المرسلين فى الاستمساك بالقرآن وحده . هذا الداعية يوصف أيضا بأنه ( نذير ) فالنذير وصف للرسالة وللرسول النبى ولكل من يتأهل للدعوة مستمسكا بالرسالة ، يقول جل وعلا : ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ (24)فاطر ). هؤلاء المنذرون لأقوامهم بعد موت النبى والى قيام الساعة هم المؤهلون ليكونوا شهداء على قومهم يشهدون عليهم أنهم إتخذوا القرآن مهجورا . جعلوه قصائد وأغانى فى حفلات الانشاد والسمر شأن مشركى قريش تماما : ( قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ (67) المؤمون )، جعلوه تميمة توضع فى الجيب وفى السيارة وفى الصالون . جعله أئمة الضلال مادة للتلاعب وتحريف معانيه ، ينتقون منه ما يشاءون ويحرفون المعنى ويتجاهلون ما لا يوافق هواهم بزعم النسخ ، ثم يختلفون ويجعلون إختلافهم رحمة ، ثم يزعمون أن القرآن هو أساس الاختلاف ، ويزعمون أنه ( حمّال أوجه ) وليس كما قال رب العزة جل وعلا : ( كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (1) هود ).

الدعاة المؤمنون سيكونون اشهادا على قومهم وخصوما لأعداء النبى الذين كذبوا عليه وصدقوا بهذا الكذب وجعلوه دينا ، يقول جل وعلا عن موقف خصومة يوم الحساب بين الشهداء وأعداء النبى ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمْ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ (22) ) هود ). القرآن هنا هو أساس الخصومة وأساس الشهادة .

والقرآن الكريم ايضا اساس التوبيخ لهم وهم فى النار ، إذ يدعون ربهم أن يخفّف عنهم يوما من العذاب فيتم تذكيرهم بحديث الله جل وعلا فى القرآن الذى رفضوا الايمان به وحده :  ( وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنْ الْعَذَابِ (49) قَالُوا أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (50) غافر ) يقول بعدها عن نُصرة رب العزة لرسله وللأشهاد بالحق ( إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (51) ) غافر )ويقول جل وعلا عن خصومهم أتباع الديانات الأرضية : (يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمْ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (52)  غافر ).

أخيرا

مارأى شيوخ داعش الأزهريين فيما سبق ؟

ألم يحن لهم وقت التوبة ؟ يقول جل وعلا : ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) الحديد  )

ودائما : صدق الله العظيم 

اجمالي القراءات 14754