الكذب فى الإسلام
بسم الله الرحمـــن الرحيم... والسلام على من إتبع الهدى..
إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ " (سورة غافر 28 " : يقول سبحانه وتعالى
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ " (سورة التوبة 119" ويقول أيضا:
هذا ما قاله الله سبحانه فى القرءآن الكريم، والآن نقرأ ما قاله الأولون والمحدثون عن أن هناك حالات فى الإسلام يُشجع على الكذب ولا يُحَرِّمُه فلنقرأ سويا وفى النهاية أسأل السؤال الذى أترك الإجابة للقارئ الكريم ليدلى بدلوه فى هذا الموضوع.
فى كتاب " روح الإسلام " ليس الكذب دائماً سيئاً. فمن المؤكد أن هناك حالات يكون فيها الكذب أكثر فائدة من الصدق للصالح العام ولفض النزاع بين الناس. وفى هذا الصدد يقول النبى: لا يضل من يصلح بين الناس (بالكذب)، ومن يؤيد الصلاح ويقول ما هو صالح.
سنتعرض لبعض الأمثلة من التاريخ الإسلامى. هذه الأمثلة توضح لنا أن الكذب هو سياسة شائعة بين شيوخ الإسلام وقادته السياسيين.
هذا الأمر يؤيده الكثير من القصص فى حياة محمد "عليه السلام". فهو كثيراً ما كذب و يشجع أتباعه على الكذب. وكان دائماً ينادى أنه فى سبيل الإسلام يباح للمسلم عدم مراعاة الصدق. من هذه الأمثلة قصة قتل كعب إبن الأشرف من قبيلة بنى النضير اليهودية. وصلت التقارير إلى محمد أن كعب كان يؤيد القرشيين فى معركتهم ضد محمد. بالإضافة إلى ذلك نما إلى علم محمد أن كعب كان يتلو شعراً يغازل فيه نساء المسلمين. وفى رأى محمد كان كعب قد "أذى الله والرسول". فطلب محمد متطوعين ليخلصوه من ابن الأشرف. وكان كعب وقبيلته أقوياء فى ذلك الوقت ولم يكن من السهل لغريب أن يتسلل وينفذ هذه العملية. ولكن رجلاً يُدعى محمد ابن مسلمة تطوع بأن يقوم بهذه المهمة على شرط أن يسمح له محمد بالكذب. وبناء عليه ذهب ابن مسلمة إلى كعب وجعل يذكر له قصصاُ يذم فيها محمد. وبعد أن كسب ثقة كعب استدرجه بعيداً عن بيته ليلاً إلى مكان ناء حيث قتله فى جنح الظلام.
مثال آخر مشابه فى قصة مقتل شعبان بن خالد الهذلى. وكانت قد وصلت الأخبار إلى محمد "عليه السلام" أن شعبان يعد جيشاً لمحاربة المسلمين. فأمر محمد رجلاً اسمه عبدالله بن أنيس بقتله. ومرة أخرى طلب القاتل من النبى أن يسمح له بالكذب. فسمح له، ثم قال له أن يقول أنه من خزاعة (وهذه كذبة أخرى). وعندما رأى شعبان عبدالله قادماً سأله: "ممن الرجل؟" فرد عبدالله "من خزاعة". واستمر عبدالله يقول له "سمعت بجمعك لمحمد فجئتك لأكون معك" واستمر عبدالله فى السير مع شعبان يقول له ذماً فى محمد "عجباً لما أحدث محمد من هذا الدين (الإسلامى) المحدث، سب الآباء، وسفه أحلامهم". واستمر فى الحديث والمشى إلى أن وصلا إلى خيمة شعبان. ومضى رفاق شعبان إلى خيامهم، وبعد ذلك دعى شعبان عبدالله إلى داخل الخيمة ليستريح. وجلس عبدالله فى الخيمة إلى أن أحس أن الجميع قد هدأوا وناموا فأنقض على شعبان وقتله وأخذ رأسه إلى محمد. فلما وصل عبدالله إلى المدينة ورآه محمد من بعيد، صاح محمد فرحاً "أفلح الوجه". فرد عبدالله التحية بقوله " أفلح وجهك يا رسول الله".
من المبادئ الإسلامية الشائعة التى تبيح للمسلم الكذب: الضرورات تبيح المحرمات. إذا وقع أحد الضررين يختار أقلهما.
فى القرءآن، على حسب زعمهم ، يدعو الله المسلمين أحياناً إلى الكذب و يستشهدون بآيات ثلاثة من القرءآن الكريم:
" لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ " (سورة المائدة 89
" لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ " (سورة البقرة 225
" مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ " (سورة النحل 106
ويقول الشيخ الطبرى فى شرحه للآية السابقة أن هذه الآية نزلت على محمد بعد أن سمع أن عمار بن ياسر كفر بمحمد لما أخذه بنى المغيرة وأجبروه على ذلك. فقال له محمد "إن عادوا فعُد". ( أى إذا أخذوك مرة أخرى فاكذب مرة أخرى).
وفى الحديث، يؤكد محمد "عليه السلام " هذا المفهوم فى أحاديث لا تعد ولا تحصى:
عن كتاب إحياء علوم الدين للشيخ الغزالى - المجلد 4 صفحة 284 -287. عن أم كلثوم (إحدى بنات النبى) أنها قالت: "ما سمعت رسول الله يرخص فى شئ من الكذب إلا فى ثلاث: الرجل يقول القول يريد به الصلاح، والرجل يقول القول فى الحرب، والرجل يحدث امرأته، والمرأة تحدث زوجها ".
وحديث آخر نُسب إلى النبى "كل الكذب يُكتب على إبن آدم إلا رجل كذب بين مسلمين ليصلح بينهما".
. وحديث آخر يقول: "يا أبا كاهل اصلح بين الناس". أى ولو بالكذب
وفى حديث آخر جمع النبى كل المواقف التى يحل فيها الكذب فقال: "كل الكذب يٌكتب على إبن آدم لا محالة إلا أن يكذب الرجل فى الحرب فإن الحرب خدعة أو يكون بين الرجلين شحناء فيصلح بينهما أو يحدث امرأته فيرضيها.
وحسب مبدأ " التقية " فى كتب الدين الأرضى، فمبدأ التقية فى الإسلام هو أن يكذب المسلم بلسانه ليقى نفسه أو يقى المسلمين من الضرر. هذا المبدأ يعطى المسلم الحرية أن يكذب فى ظروف يظن فيها أن حياته مهددة. فيمكن للمسلم أن يكفر بالإيمان طالما يقول ذلك بلسانه ولا يعنيه فى قلبه. هذا المبدأ مبنى على ما ورد فى هذه الآية القرآنية:
" لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ " (سورة آل عمران 28
بناء على هذه الآية يمكن للمسلم أن يتظاهر بمصادقة الكفار ويتظاهر بمراعاة كفرهم حتى يتقى شرهم " إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ".
وبناء على هذا المبدأ فإن المسلم من حقه أن يقول أى شئ بل ويرتكب الكثير من المحرمات طالما أنه لا يقتل إنساناً آخراً. وهذه أمثلة لما يحل للمسلم تحت مبدأ "التقية". فيمكن للمسلم أن يشرب الخمر، ويترك الصلاة، ويتوقف عن صوم رمضان. و يعلن كفره بالله، و يسجد لغير الله، ويحلف اليمين كذبا.
والآن نعود إلى القرءآن الكريم الذى ليس فيه كذب ولا يُحابى أحد على حساب الآخر وهو الحق من ربنا ...
أبدأ أولا بما قاله رب محمد عن محمد عليه السلام:
مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) (سورة القلم 2 - 4
فمن هم الكاذبون فى القرءآن الكريم، فلنقرأ سويا هذه الآيات الكريمات:
إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ " (سورة النحل 105"
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ " (سورة الأَنعام 21"
" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْء وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللهُ ...... تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ " (سورة الأَنعام 93
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " (سورة الأَنعام 144
" فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ ......" الأَنعام 157
لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ " النور 13"
" لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (17) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ (18) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ " (سورة المجادلة 17 - 19
نستنتج من هذه الآيات الكريمات بعض صفات الكاذبون الذى ذكرهم الله سبحانه:
الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ، افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا، كَذَّبَ بِآيَاتِهِ، قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْء، سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللهُ، عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ، وَصَدَفَ عَنْهَا، إستحواذ الشيطان فأنساهم ذكر الله.
النفاق ملازم للكذب والكذب ملازم للظن:
إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ" المنافقون 1
وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ " (سورة الأَنعام 116
وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ " (سورة يونس 36"
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ "(سورة الحجرات 12
ماذا يحدث لو إجتمع الكذب مع الظن فى شخص واحد : هذا هو اللئيم وهو من أخطر أنواع البشر، فالكذب يلازمه الظن والسارق يلازمه الكذب وهكذا .....
أن فى التعامل مع المسلمين يجب أن نعلم أن هناك من المسلمين من يمكن أن يقول شيئاً بلسانه بينما يخفى فى قلبه شيئاً آخر.
فى مجال التعامل مع الغرب، هل يمكن تصديق المسلمين فى أنهم سينفذون ما إتفقوا عليه مع الدول غير الإسلامية ؟
سؤال إفتراضى: هل لو سألنى صديق لمقابلته فى مقهى غدا فكان ردى عليه أنا مشغول وأعتذر عن المقابلة، مع العلم أنى لم أكن مشغول ولكن لا أود مقابلته. فهل هذا يُعتبر كذب أعاقب عليه؟
ومثل هذا يحدث كثيرا فى حياتنا اليومية فهل هذا الكذب يدخل ضمن صفات المكذبون فى الآيات السابق ذكرها؟
أقول والله أعلم ، هذا كذب ولكن لا يدخل فى الصفات التى ذكرت سابقا ولكن يدخل تحت مظلة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. هذا رأى الشخصى ويحتمل أن أكون مخطئا.
من رحمة الله : وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ " النور 14
وما زال السؤال قائما، هل الإسلام يبيح الكذب ولو فى حالات خاصة كما يقولون؟
وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ...