ج1 ب2 ف 2 : بعض أقاويل الصوفية فى تزكية أنفسهم وأوليائهم بالصفات الالهية

آحمد صبحي منصور في الأحد ١١ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .

  الباب الثانى :  تقديس الولي الصوفي في مصر المملوكية

الفصل الثانى : التزكية بين الاسلام والتصوف

بعض أقاويل الصوفية فى تزكية أنفسهم وأوليائهم بالصفات الالهية

أولا :

1 ــ صار عادة سيئة عند محققي الصوفية ـ حتى من يزعم الاعتدال منهم ــ  أن يفتتح الحديث بتزكية الأولياء الصوفية . يقول القشيري في مقدمة رسالته الشهيرة ( أما بعد رضي الله عنكم ، فقد جعل الله هذه الطائفة صفوة أولياءه ، وفضلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبياءه صلوات الله وسلامه عليهم ، وجعل قلوبهم معادن أسراره ، واختصهم من بين الأمة بطوالع أنواره فهم الغياث للخلق والدائرون في عموم أحوالهم مع الحق بالحق ، صفّاهم من كدورات البشرية ، ورقاهم إلى مجال المشاهدات بما تجلى لهم من حقائق الأحدية ، ووفقهم بالقيام بآداب العبودية ، وأشهدهم مجاري أحكام الربوبية فقاموا بأداء ما عليهم من واجبات التكليف وتحققوا بما منّه سبحانه لهم من التقليب والتصريف ..) ، فالقشيري المعتدل تطرف في مدح الصوفية إلى أن أسبغ عليهم الألوهية فقال عنهم ( فهم الغياث للخلق ) أي من يغيثون الخلق عند النوازل ، ونفى عنهم صفات البشر في قوله (  صفاهم من كدورات البشرية ، ورقاهم إلى مجال المشاهدات بما تجلى لهم من حقائق الأحدية ) ، ووصفهم بالتصريف في ملك الله باعتبارهم آلهة مع الله ، يقول: ( وأشهدهم مجاري أحكام الربوبية فقاموا بأداء ما عليهم من واجبات التكليف وتحققوا بما منّه سبحانه لهم من التقليب والتصريف ..).

2 ــ  ويقول الطوسي في مقدمة كتابه ( اللمع) ( الحمد لله الذي خلق الخلق بقدرته ودلهم على معرفته .. واختار منهم صفوة من عباده وخيرة خلقه خصَّ منهم من شاء بما شاء كيف شاء ..) ، وهو وصف عام جعله خاصاً بالصوفية حين قال ( إن هذه العصابة – أعني الصوفية – هم أمناء الله جل وعز في أرضه ، وخزنة أسراره وعلمه ، وصفوته من خلقه ، فهم عباده المخلصون ، وأولياءه المتقون ، وأحباؤه الصادقون المخلصون )، وقال (الصوفية هم محل جميع الأحوال المحمودة، والأخلاق الشريفة، سالفاً ومستأنفاً..)[1].

3 ــ  وفي (إحياء علوم الدين) بدأ الغزالي كتاب المحبة والشوق بقوله (الحمد لله الذي نزه قلوب أوليائه من الالتفات إلى زخارف الدنيا ، وصفّى أسرارهم من ملاحظة غير حضرته، ثم استخلصها للعكوف على بساط عزته، ثم تجلى لهم بأسمائه وصفاته حتى أشرقت بأنوار معرفته ، ثم كشف لهم عن سبحات وجهه..)[2]. فالغزالي يحمد الله لأنه اتخذ من الصوفية أولياء ليتحدوا به ويتجلى عليهم بأسمائه وصفاته. وبدأ كتاب الآداب والألفة بقوله ( الحمد لله الذي غمر صفوة عباده بلطائف التخصيص طولاً وامتنانا)[3]. وقد يقال أن هذا القول عام ، وينطبق على الصوفية وغيرهم ، ولكن الغزالي يقول في المنقذ من الضلال ونقله عنه العيدروس (إني علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله خاصة، وأن سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق..) بل أن الغزالي يقول عن الصوفية الراقصين في حفلات السماع والمستمعين للغناء (أولئك الذين اصطفاهم الله لولايته، وأستخلصهم من بين أصفيائه وخاصته)[4].

4 ــ   ويقول السهروردي في (عوارف المعارف) في المقدمة (..فسبحان من عزت معرفته لولا تعريفه.. ثم ألبس قلوب الصفوة من عباده ملابس العرفان، وخصهم من بين عباده بخصائص الإحسان، فصارت ضمائرهم من مواهب الأنس مملوءة، ومرائي قلوبهم بنور القدس مجلوة، فتهيأت لقبول الإمداد القدسية، واستعدت لورود الأنوار العلوية.. واستفرشت بعلو همتها بساط الملكوت وامتدت إلى المعالي أعناقها، وطمحت إلى اللامع العلوي أحداقها، واتخذت من الملأ الأعلى مسافراً ومحاوراً، ومن النور الأغر الأقصى  مزاوراً ومجاوراً ،أجساداً رصينة بقلوب سماوية، وأشياخ فرشية بأرواح عرشية .. لأرواحهم حول العرش تطواف، ولقلوبهم من خزائن البر إسعاف..).. وهو تلميح بالإتحاد الصوفي بالله، تعالى عن ذلك علواً كبيراً.

5 ــ  ويقول اليافعي في العصر المملوكي في مقدمة كتابه (روض الرياحين ) ( الحمد لله الذي خص بفضله العظيم من اصطفاه للحضرة القدسية، وصفاه من كدورات الصفات النفسية..ونور قلوب أوليائه بنور معرفته وسقاهم بكأس محبته، تجلى لهم فشاهدوا جمال المحبوب ..وأجلسهم على بساط الأنس مقربين في حضرة القدس وصرفهم في ملكه، فهم الملوك في الحقيقة في جميع البلاد..أما بعد فإني لما كنت محباً للأولياء الصالحين وعاشقاً للصوفية العارفين ..)  إلخ  .

6 ــ  ويقول ابن عطاء السكندري في مقدمة كتابه ( لطائف المنن ): ( الحمد لله الذي فتح لأوليائه باب محبته، وأنشط نفوسهم من عقال القطيعة .. وأمد عقولهم بنوره.. متّع أسرارهم بقربه بخطفات جذبه فتتحققوا بشهود أحديته، أخذهم منهم وأفناهم عنهم،غرقوا في بحار هويته ..)..

ويقول أيضاً في مقدمة كتابه (التنوير فى إسقاط التدبير ): ( الحمد لله الذي خلع على أولياءه خلع أنعامه .. واختصهم بمحبته وأقامهم في خدمته .. وفتح لهم أبواب حضرته ورفع عنهم قلوبهم حجاب بُعده .. ولاطفهم بوده ، وآمنهم من إعراضه وصدّه , ونور بصائرهم بفضله وطهر سرائرهم وأطلعهم على السر المصون ..) .

7 ـ  ونقل الشعراني مقالة ابن عطاء السابقة في صدر كتابه ( الطبقات الكبرى ).

ثانيا :

1 ــ  ويلاحظ أن عبارات الإتحاد أوضح وأصرح في وصف الصوفية في العصر المملوكي ،  حتى أن عبد الصمد الأحمدي – فيما بعد – استغرق همه وتطرّف فى مدح البدوي ، فقال في مقدمته عن مناقب البدوي : ( الحمد لله الذي أطلع الأنوار الأحمدية في سماء الشهود ، وجلا جمالها في مرآة الوجود، فأشرقت أنوارها حتى اقتبس منها كل موجود، واكتسب من كمال جمالها من هو من أهل الكلام والكمال والقبول والإقبال معدود،أحمده أن أوانا إلى ركن شديد قوي ، وأنهلنا من المنهل العذب الأحمدي الروي..، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة عبد آمنَ بكرامات الأولياء، وتغالى في التقاط فرائد الأصفياء..). فصاحبنا يحمد الله لأنه أطلع أنوار البدوي الإلهية ليقتبس منها كل موجود النور والكمال، ثم يعيد الحمد لله أن جعله يركن للبدوي من دون الله، ثم يصرح بشهادة أن لا إله إلا الله مع المفهوم من كلامه أنه تأليه للبدوي مع الله، أي أنه جمع بين المتناقضات!

 2  ــ وقلنا إن الصوفية قاموا بتأليف كتب خاصة تحوي تمجيد أشياخهم وسرد مناقبهم وقص كراماتهم والتنويه بألوهيتهم ، فعرف العصر المملوكي كتب المناقب الصوفية مثل (لطائف المنن في مناقب أبي العباس وشيخه أبي الحسن) لابن عطاء،  ومناقب الرفاعي ومناقب البدوي ألفوا فيها ثلاث كتب أو أكثر ، وهكذا. بل إن بعض الصوفية كالشعراني أراد أن ييسر الأمر على من يأتي بعده ، فألف في مناقبه وهو حي كتاب (لطائف المنن) وليعلم أهل عصره بدرجته في العلم والعمل كما صرح في مقدمة (لطائف المنن) وله (المنن الصغرى) وهو مخطوط على نسق (المنن الكبرى).

ثالثا : 

1 ــ  واعتبار الصوفية أنفسهم أولياء الله وأصفياءه يدخل في نطاق التمني علي الله.. ودعاوى التمني على الله عرفها بعض أهل الكتاب قبل الإسلام (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ .. البقرة111) وحذر الله المؤمنين وأهل الكتاب من هذا التمني (لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً ..النساء123) فقد وقع المنافقون في التمني على الله ففوجئوا بالنار وحرموا من الجنة (يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ ؟ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاء أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ...الحديد14) .

2 ــ  وواضح من النصوص القرآنية السابقة أن الأماني السابقة تمثلت في الفوز بالجنة والنجاة من النار، أي أماني بشرية، أما أمنيات الصوفية فهي أكبر من الجنة والنار. إن أمنتياتهم هي الاتحاد بالله والترفع عن جنته والاستهانة بناره. يقول أبو سليمان الداراني (إن لله عباداً ليس يشغلهم عن الله  خوف النار ولا رجاء الجنة..)[5]. وقالت رابعة العدوية (ما عبدته خوفاً من ناره ،ولا حباً لجنته، فأكون كالأجيرة السوء)[6]. وقال أبو يزيد البسطامي (لو أن أهل الجنة في الجنة يتنعمون وأهل النار في النار يعذبون ثم وقع بك تمييز بينهما خرجت من جملة التوكل )(أي التصوف) . ويعلق الغزالي على مقالته بقوله ( وأبو يزيد قلما يتكلم إلا عن أعلى المقامات وأقصى الدرجات)[7]. وقال الجنيد (حرم الله تعالى المحبة – أي الاتحاد الصوفي – على صاحب العلاقة، كل محبة تكون بعوض فإذا زال العوض زالت المحبة) [8]. والعوض مقصود به الجزاء.. أي الجنة.  وقال ذو النون المصرى :( أرواح العارفين جلالية قدسية فلذلك  اشتاقوا إلى الله تعالى ، وأرواح المؤمنين روحانية فلذلك حنوا إلى الجنة)[9].

3 ــ فالصوفية يفضلون أنفسهم على المؤمنين الذين يدعون ربهم خوفا من النار وطمعا فى الجنة : ( تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً )السجدة 16). ويفضل الصوفية أنفسهم على الملائكة التي تخشى عذاب ربها، يقول رب العزة عنهم:( يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) النحل50) (وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) الأنبياء28). ويفضل الصوفية أنفسهم على الأنبياء عليهم السلام ، فقد قال تعالى عن رسله المذكورين في سورة الأنبياء ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ) الأنبياء90)  أي رغباً في الجنة ورهباً من النار. وخاتم النبيين عليهم السلام أمره ربه جل وعلا أن يعلن خوفه من عذاب يوم عظيم:( أنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )الأنعام 15 ، يونس 15 ) ، ومعنى ذلك أن الصوفية يجعلون من أنفسهم أنداداً لله ، ويرفعون أنفسهم فوق مستوى الأنبياء والملائكة المقربين .

رابعا : ماذا يعنى زعم الصوفية أنهم وحدهم أولياء الله جل وعلا ؟       

 واتخاذ أولياء لله من دون الله - أي بلا اختيار منه ولا تعيين – فيه افتراء على الله تعالى العلي القدير، وظلم عظيم له جل وعلا : .

1 ـ  فهو اجتراء على علم الله تعالى .. فالصوفية يدعون أنهم قد اطلعوا على علم الله وعلى ما يختاره من بين عباده ,وزعموا أنه أختارهم دون غيرهم , مع أن الله لم يطلعهم على علمه .. وليس معهم برهان على هذا الزعم.                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      

2 ـ وهو تدخل في اختيار الله تعالى، وادعاء بالتسلط على إرادته، وفرض لأهوائهم على مشيئته حيث يختارون بأنفسهم الأولياء ويجعلون أنفسهم الأصفياء لله ثم يدعون أن ذلك هو اختيار الله تعالى وأنها  إرادته، فيسلبون اختيار الله  تعالى في شيء يتعلق بذاته وجلاله، ولله تعالى مطلق الإرادة: ( إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ ). المائدة 1 )( إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ) هود 107 ),( إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ ..الحج 14). والله تعالى بإرادته المطلقة يمُنُّ على من يشاء من عباده , ويستحيل عليه عقلاً أو نقلاً أن تملي عليه طائفة من خلقه إرادتها ، ولكن فضل الله وهداية الله جل وعلا هى لمن يشاء من الناس ، يقرر أن يهتدى ويسعى للهداية متقيا عاملا على تزكية نفسه وتطهيرها ، فيستحق يوم القيامة فضل الله ورحمة الله جل وعلا وجنته :( قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{73} يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{74} آل عمران )، ( وَلَـكِنَّ اللّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ ِعبَادِهِ )إبراهيم11 ) ( نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مِّن نَّشَاء.) يوسف 76 ) فالمشيئة راجعة إليه وحده في الاختيار والتخصيص فهو الخالق والمسيطر على خلقه( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) القصص68) . وقد شاء جل وعلا أن يكون البشر أحرارا فى مشيئة الهدى أو الضلال ، الطاعة أو المعصية الايمان أو الكفر . ومن شاء منهم الهداية زاده الله جل وعلا هدى ، ومن كان فى قلبه مرض زاده مرضا، ومن يختار الهداية ويطيع الله جل وعلا يزكى نفسه بالتقوى حتى الموت يتمتع بفضل الله جل وعلا فى الآخرة ويكون فى معية الأنبياء ، يقول جل وعلا : ( وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً (70) النساء )

3 ــ  ثم إن الصوفية لم يكتفوا بتزكية نفوسهم بالتقوى والولاية وإنما اشتطوا فادعوا الألوهية ودعوا الناس لتقديسهم والاعتقاد فيهم، والتوسل بهم في الدنيا والآخرة، والتماس بركاتهم، مع أن مجرد تقديس الوالي الصوفي أو غيره فيه ظلم عظيم لله تعالى وافتراء عليه ووصف له بالعجز والظلم.. تعالى عما يصفون.

 فكأنهم وصفوا الله تعالى – بالعجز – حيث أوكل للصوفية مهمة اختيار أولياء له يتحكمون في ملكه من دونه، فلم يجعلوا له شأناً في الاختيار ولا في التصريف، تعالى عن ذلك علواً كبيراً . وكأنهم وصفوا الله تعالى بالجهل ، حيث لم يستطع أن يميز بين مخلوقاته من يستحق الولاية منهم ومن لا يستحق، فلجأ إليهم وإلى علمهم ليختاروا له . ثم رضي باختيارهم  لأنفسهم – تعالى عن ذلك . وكأنهم وصفوه – تعالى – بالظلم ، حيث فضل نفراً من خلقه بدون استحقاق وجعل لهم اختصاصات ومميزات  وحرم منها الآخرين ، بل وجعلهم مسخرين لأولئك الأولياء، وإن فاقوهم في الإيمان والتقوى. 

ويعبر عن ذلك اليافعي الصوفي في العصر المملوكي بقوله : ( قيل مثل الصالحين وما زينهم الله به دون غيرهم مثل جند قال لهم الملك تزينوا للعرض علىَّ غداً فمن كانت زينته أحسن كانت منزلته عندي أرفع، ثم يرسل الملك في السر بزينة من عنده ليس عند الجند مثلها إلى خواص مملكته وأهل محبته فإذا تزينوا بزينة الملك فخروا على سائر الجند  عند العرض على الملك..)[10]. فالأتقياء من غير الصوفية هم الجند في نظر اليافعي , والصوفية هم خواص الملك وأهل محبته , والملك يخدع الجند المخلصين ويؤثر الصوفية عليهم .. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

أخيرا

1 ــ شاء الصوفية بإرادتهم الحُرّة أن يزعموا لأنفسهم الألوهية وأن يزاحموا رب العزة فى مُلكه ، وأن يزعموا مشاركته فى حكمه ، وأن يعلوا بأنفسهم على صفوة خلقه من الملائكة والأنبياء ، وأن يظلموا رب العزة فى كل ما إفتروه من الأكاذيب . وهم بهذا تطرفوا فى الكفر وفى الغلو فى الضلال .

2 ــ  إن رب العزة جل وعلا وصف بالغلو فى الكفر من زعم أن المسيح ابن لله جل وعلا، فقال يعظهم  فى خطاب مباشر لهم : ( يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً (171)) النساء ) ، وقال أيضا (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) المائدة ) الى أن يقول جل وعلا:( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (77)  ) المائدة ).

هم موصوفون بالغلو بسبب زعمهم أن المسيح ابن لله جل وعلا . فكيف بالصوفية ؟

3 ــ ومع هذا يعتقد بعض السفهاء من المحمديين بوجوب نشر الاسلام بين المسيحيين . أليس من الأولى نشر الاسلام بين المحمديين ؟ .!!

 



[1]
- اللمع 19 ، 40 .

[2] - إحياء جـ4/ 252 ، جـ 2 / 138 .

[3] - تعريف الإحياء 47 على هامش الإحياء.

[4] - إحياء  جـ2 / 226 :227 .

[5] - إحياء جـ4 / 266 .

[6] - إحياء جـ4/ 266 .

[7] - إحياء جـ4 / 227 ، 228 .

[8] - إحياء جـ 4 / 308 .

[9] - إحياء جـ4 /301 .

[10] - رياض الرياحين 36 .

اجمالي القراءات 10320