تدوين الحديث
مدخل لاعادة التركيب المنهجي لدور السنة
طرحت سابقا موضوع السنة بين البحث والمسلمات،، فتناول موضوع السنة النبوية ليس من قبيل التسلية أو المخالفة العبثية ، فعندما نقوم بتفكيك مرتكزات السنة فاننا نسعى بذلك لإعادة التركيب على أسس معرفية أخرى تستجيب لحاجاتنا، وبهذا التفكيك وإعادة التركيب فاننا نسعى للصعود بالواقع تجاه النص القرآني المطلق، على عكس ما يفعله البعض من محاولة انزال &Ccave;ال النص القرآني على الواقع فيستعين بإنزاله بالسنة وبما يتبعها من إجماع وقياس وغيره، وعندما لا يستجيب الواقع لهذا الانزال يقوم بتبرير وتاويل للنص ليتوافق مع ما يريد فيخرج بتبريرات عوجاء يقوم بتغطية عوجها بالأسلوب الخطابي الانفعالي والتحريضي، ويقوم بعزل نفسه ايديولوجيا عن الآخرين بأسلوب التشكيك والطعن والتسفيه.
بداية لم يكن الطعن أو التجريح هدفي وإنما انطلقت من المحددات التالية:
اولا- لا يوجد كتاب غير كتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ثانيا- لا نطعن بالسلف المجتهدين والعلماء ولا ننتقص من قدراتهم العقلية أو نشكك في نواياهم حاشا لله ذلك أنهم قد اجتهدوا وأبدعوا في إطار شروطهم الفكرية و ظروفهم الاجتماعية والثقافية.
ثالثا – لم يكن البحث في عدالة الصحابة دعوة للتجريح بهم ولا نتطاول على أحد أبدا، ولكن مجتمع الصحابة كباقي المجتمعات يوجد فيه الصالح والطالح،وهذا لا يمنع من خيريته، ويوجد فيه بعض المنافقين وهذا ثابت بالنصوص القرآنية، والتقول على رسول الله(ص) كان موجودا أثناء حياته لذلك كان موضوع الإشكال يتعلق في تحديد مصطلح الصحابي فليس كل من رأى الرسول أو عاشره يصبح عدلا، وعندما تناولت شخصية أبي هريرة اتهمني البعض بأنني قلت فيه كلاما كبيرا مع أنني أوردت أقوال الصحابة الكبار أمثال عمر وعلي وعائشة و الزبير رضوان الله عليهم، ثم طلبت حديثا واحدا عن الصحابة يمتدح أبا هريرة أما الأحاديث التي تشيد به وتمتدح قوة حفظه لم ترو إلا عن طريقه، ثم أثبتنا تأثره بالثقافة الكتابية ، والمتتبع لأحاديث أبي هريرة يدرك ذلك بشكل واضح.
رابعا – تطرقت لموضوع الضبط وقلت: ( لو كان الضبط ثابتا للجميع لما احتاج الرسول أن يعين من يكتب القرآن ومن يحفظه، ومعلوم أنه كان حول الرسول أشخاص حددت لهم هذه المهمة، فالضبط إذا غير ثابت ومن البديهي أن تغيير كلمة أو نسيانها أو اقتطاع الحديث من سياقه أو أي تقديم وتأخير يخل بالمعنى ويغيره، وهذه نقطة هامة لابد من مراعاتها.) وقد رأينا في رد السيدة عائشة على أبي هريرة كيف أن اقتطاع الحديث من سياقه غير معناه (راجع حديث ولد الزنا شر الثلاثة) وقد تنبه لذلك الصحابي الجليل الزبير حيث قال لدى سماعه لبعض أحاديث أبي هريرة(صدق كذب فقلت ما هذا قال صدق أنه سمع هذا من رسول الله ولكن منها ما وضعه في غير موضعه) راجع الحلقة الأولى
خامسا – عندما ناقشت موضوع الجرح والتعديل لم أتخذ من علوم الجرح والتعديل وتفاصيلها إطارا مرجعيا، ولم أدخل في نطاق التبريرات والتأويلات والمدافعات التي أوردها ابن حجر في مقدمة شرحه لصحيح البخاري، ولم أدخل في إطار المناقشات كالتي دارت بين الشيخ المليباري وأحد الأساتذة في الجامعة الإسلامية أو الدراسات التي صدرت لإعادة إحياء منهج المتقدمين كالتي طرحها الشيخ حاتم الشريف أو مراجعات الشيخ الألباني مع أهمية هذه الحوارات في إطار مرجعية التراث، حيث أنني:
توجهت في بحثي لفصل التدقيق في السند عن التدقيق في المتن فإذا اتجهنا لدراسة الأسانيد لوجدنا أن أسانيد البخاري لم تخل من علل، ناهيك عن إيراده لأكثر من ألف وأربعمائة حديث دون سند ، واعتبار صحيح البخاري ومسلم أصح الكتب من حيث السند جاء لا حقا وليس من المعاصرين له
لذلك نظرت لأسانيد البخاري حسب منهج النقد عند المتأخرين،
وأوردت قول البروفيسور فؤاد سزكين والنتيجة التي خلص إليها (فقد اعتبر أن علم الإسناد لم يتطور على يد البخاري واستنتج بعد دراسة قام بها على مصادر صحيح البخاري أن البخاري لم ينصب اهتمامه على الأسانيد كما هو شائع وإنما على المتون ) راجع فؤاد سزكين تاريخ التراث العربي،
وبعد ذلك انتقلت لمناقشة المتون في ضوء التاريخ والقرآن ولكن الردود والتعقيبات لم تتجرأ على مناقشة مضمون هذه الأحاديث وإنما اكتفت بالطعن وطلب التوبة أو بوجود أخطاء لغوية وإملائية وتحولت بعض الردود إلى دروس نحوية.
واستندت في رد بعض الأحاديث إلى مرجعية القرآن التي وصفت النبي بأنه على خلق عظيم فكيف أقبل بعد ذلك أن ينسب إليه بأنه هم بطلاق زوجة له قد شاخت؟؟؟ أو أن امرأة ليست من محارمه تفلي رأسه أو ينام في حجرها حتى لو كان سند الحديث من اصح الأسانيد وفي أصح الكتب كما يقال.
أقبل بالنقاش والحوار والنقد والرفض ولكن عندما يغلب تعظيمنا للتراث والرواة على تعظيم الله لخلق النبي فهذا يعني أننا نعاني من مشكلة نفسية قبل أن تكون فكرية .
ولنا أن نتساءل ما هي القيمة المعرفية للحديث الصحيح سندا الضعيف متنا؟ ألا يعني ذلك أن الراوي العدل الضابط يمكن أن يخطئ أو أن لا يكون عدلا ضابطا كما تبدى ظاهره لعلماء الجرح والتعديل؟
أو أن يكون الوضع له دوافع أخرى كما في الحديث التالي:
عن ابن عباس قال كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه ، فقال للنبي (ص) يا نبي الله ثلاث أعطينهن قال نعم:
قال عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها
قال : نعم
قال ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك
قال : نعم
قال : وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين
قال : نعم .
يقول النووي في شرحه على صحيح مسلم ان هذا الحديث فيه إشكال ووجه الإشكال أن أبا سفيان إنما أسلم يوم فتح مكة سنة ثمان للهجرة .... والرسول تزوج أم حبيبة سنة ست-
صحيح مسلم بشرح النووي.
الحديث السابق لا يثبت إلا شيئا واحدا: فضيلة لمعاوية وأبيه، والحديث مردود متنا لأن واضع الحديث اختلطت لديه التواريخ ونسي أن النبي (ص) تزوج أم حبيبة قبل أن يسلم أبو سفيان.
إشكاليات التدوين:
أنتقل الآن إلى قضية التدوين فلدى اطلاعي على الكتب والمقالات والآراء حول تدوين الحديث وجدتها محصورة في الخلاف بين النهي والإباحة واستقر قول السلف على أن النهي منسوخ بالإباحة ، و المخالفون لهذا القول قد انتهوا إلى أن الرسول قد نهى عن تدوين الحديث وتبعه في ذلك الصحابة، أما الشيعة فقد اتخذوا من أحاديث الإباحة حجة بأن النهي عن تدوين الحديث إنما افتعل من قبل بعض الصحابة الكبار رضوان الله عليهم ولكن لا يخفى للمحقق أن هذا الموقف إنما هو أحد تجليات الموقف السياسي للشيعة ولهذا مقام آخر للنقاش لا يتسع له موضوعنا فباختلاف المنطلقات الفكرية تختلف النتائج ،
لن أدخل في هذا الجدل وإنما سأعمد إلى تحليل هذه الروايات والآثار بعيدا عن إشكاليات النسخ وتبريرات النهي مع التعريج قليلا على أهم تبريرات النهي لتعلقها بمنهجية القرآن وبنائيته:
الحديث الأول: في صحيح مسلم 7702 عن أبى سعيد الخدرى عن النبي أنه قال لا تكتبوا عنى ومن كتب عنى غير القرآن فَلْيَمْحُهُ وحَدِّثوا عنى ولا حرج ومن كذب عَلَىَّ متعمدا فَلْيَتَبَوَّأْ مقعدَه من النار
الحديث الثاني: روى الإمام أحمد وأبو داود عن عبد الله ابن عمرو قال : كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد حفظه ، فنهتني قريش عن ذلك ، وقالوا : تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بشر يتكلم في الغضب والرضا ؟ فأمسكْتُ عن الكتابة حتى ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ بإصبعه إلى فيه ( أي فمه ) فقال : ( اكتب .. فو الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق ) .
الحديث الثالث: ومن ذلك أن رجلاً من أهل اليمن قال في فتح مكة : اكتب لي يا رسول الله ، فقال عليه الصلاة والسلام :
( اكتبوا لأبي شاة ) كما عند أبي داود .
في الحديث الأول كان نهي الرسول عن الكتابة وليس التحديث ونهى عن الكذب عليه فالكذب على رسول الله كان واردا كما جاء في القرآن {ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيت طائفة منهم قولاً غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلاً} كما أوضحت في الحلقة الأولى نقلا عن الأستاذ أبو القاسم حاج حمد النساء 83
أما في الحديث الثاني فقد أباح رسول الله(ص) الكتابة .
وبالنظر إلى تصرف الصحابة نجد أنهم لم يهتموا بتدوين الحديث أو كتابته ولا سيما كبار الصحابة وجاء في بعض الآثار ما يلي:
الرواية الأولى:(أن الصديق جمع الناس بعد نبيهم ، فقال إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها ، والناس من بعدكم أشد اختلافا ، فلا تحدثون عن رسول الله شيئا ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه) تذكرة الحفاظ 1: 32
الرواية الثانية: (عن عروة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنن فاستشار في ذلك أصحاب رسول الله ص فأشاروا عليه أن يكتبها فطفق عمر يستخير الله شهرا ثم أصبح يوما وقد عزم الله له: فقال إني أردت أن اكتب السنن وذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها فتركوا كتاب الله وإني والله لا ألبس كتاب الله في شيء أبدا ) تقييد العلم
الرواية الثالثة:(أن عمر بن الخطاب بلغه انه قد ظهرت في أيدي الناس كتب فاستنكرها وكرهها وقال انه قد بلغني انه قد ظهرت في أيديكم كتب فاحبها إلى الله أعدلها أقومها فلا يبقين أحد عنده كتابا إلا أتاني به فأرى فيه رأيي
قال فظنوا انه يريد أن ينظر فيها ويقومها على أمر لا يكون فيه اختلاف فأتوه بكتبهم فأحرقها بالنار
ثم قال أمنية كأمنية أهل الكتاب
وفي الطبقات الكبرى مثناة كمثناة أهل الكتاب)
و بتحليل هذه الروايات على ضوء المصادر التاريخية وبتفكيكنا لها نجد أن أبا بكر وعمر لم يحتجا بأحاديث النهي بل إن أبا بكر جمع خمسمائة رواية والواضح أنه لم يسمعها من الرسول لأنه خشي أن تكون مكذوبة أو أنه ائتمن أحدا ولم يكن كما ظن، فلو كان سمعها من الرسول بنفسه لما ورد عليه مثل هذا التخوف.
والنتيجة الثانية المستخلصة من هذه الرواية أن الرسول لم يحثهم على تدوين الحديث أو الاستعانة به وإلا كان يمكن لأبي بكر أن يمحص هذه الروايات، ثم يقوم بتدوينها وإثباتها.
أما الرواية الثانية فتشير إلى أن الصحابة كانوا مختلفين في الحديث وخاف أبو بكر من تعاظم هذا الاختلاف لاحقا،
أما عمر فقد كان سبب منعه لكتابة الحديث هو أن تشكل هذه الأحاديث مرجعية أخرى غير القرآن الكريم ومن ثم تنسى المرجعية الأساسية واستشهد بما حل بأهل الكتاب،
ولو أخذنا الحديثين الأول الوارد بالنهي والآخر المشتمل على الإباحة وأضفنا إليهم نتائج تحليل فعل الصحابة لخلصنا إلى أن الرسول لم يأمر أو يحث على تحفيظ أو كتابة السنة بل لم يهتم بها ، واضعف الإيمان أن يحث رسول الله صحابته على كتابة الحديث ومذاكرته حتى لا ينسى أو يضيع ، هذا إن افترضنا أن الله أراد لأحاديث الآحاد أن تشكل مرجعية.
وهذا يقودنا إلى أن الرسول (ص) كان يسعى لإثبات مرجعية واحدة فقط وهي القرآن، لذلك لم ينه عن تداول الأحاديث كما أنه لم يقم بتوثيقها وإثباتها لئلا تشكل مرجعية تشريعية أو كما قال عمر بن الخطاب (ر) ((وذكرت قوما كانوا قبلكم كتبوا كتبا فأكبوا عليها فتركوا كتاب الله وإني والله لا ألبس كتاب الله في شيء أبدا))
أما دعوى أن علة النهي كانت خشية الاختلاط بالقرآن ، فهي دعوى لا تجد لها مرتكزا منطقيا أو شرعيا:
حيث غاب عن المحتجين بذلك أن القرآن متفرد ببنائيته، فصياغة القرآن الخاصة وبلاغته ونظمه تجعل من المستحيل أن يختلط كلام الله بكلام النبي.
فالقرآن وحدة موضوعية واحدة وآياته منظومة في سور فكيف يمكن أن يختلط ، بل إن هذا الكلام يطعن بخصوصية القرآن اللغوية وإعجازه اللغوي الذي طالما تغنى به السلف وعلماء اللغة، وقد جاء في القرآن الكريم أنهم كانوا يصفون القرآن بقولهم(سحر مستمر) وفي سورة المدثر
( إن هذا إلا سحر يؤثر)
فعجبا كيف يخاف الرسول أن يختلط القرآن بغيره والكفار و المشركون يصفونه بأنه كلام مفارق في نظمه لأي كلام آخر حتى ادعوا بأنه سحر، فكيف بالمسلمين الذين آمنوا بهذه البنائية المتفردة والمفارقة لأسلوبهم البلاغي والشعري، وهل تستقيم دعوى الخوف من الاختلاط.
قضية أخرى أود أن اشير إليها وهي أن تدوين السنة يختلف عما حصل في جمع القرآن فهناك جمع للقرآن وليس تدوين ، حيث أن القرآن كان مكتوبا وما حدث هو جمع للصحف، أما السنة النبوية فتدوينها أو كتابتها لم يتعد في العصور الهجرية الخمسة الأولى كتابة المحدثين لمروياتهم الخاصة (راجع دراسة نقدية ومقارنة بين الجانب التطبيقي لدى المتقدمين والجانب النظري عند المتأخرين- الشيخ حمزة المليباري)
النتائج المعرفية:
هناك فارق منهجي وفارق بالأسس المعرفية بين أحاديث الآحاد والقرآن:
- القرآن مرتب بشكل توقيفي ولا يمكن استبدال آية مكان أخرى ولا يحق حتى للرسول أن يقوم بذلك.
- أما السنة فهي مرتبة بأشكال توفيقية مختلفة .
- القرآن أعيد ترتيب آياته بشكل مفارق لبنية الواقع والكيفية التي تنزل بها.
- أما السنة فهي متلبسة بلبوس الواقع.
- القرآن وحدة موضوعية واحدة
- السنة أجزاء مقتطعة من سياقاتها ومجزأة.
- القرآن أمر الله بكتابته وتحفيظه .
- أما السنة فلم يأمر الله ولا رسوله بكتابتها أو مذاكرتها أو تحفيظها.
إشكالية التدوين تمس عمق القضية فإذا كانت سنة الآحاد على هذا القدر من الخطورة ولها هذا الوزن التشريعي الذي أصبح مهيمنا على القرآن فلماذا لم يهتم بها الرسول، وكيف يلزمنا الله بأحاديث لم يطلع عليها سوى صحابي واحد فمثلا صحيفة الصادقة المنسوبة لعبد الله بن عمرو يقول عنها: فيها ما سمعته من رسول الله وليس بينى وبينه فيها أحد وتضم صحيفة عبد الله بن عمرو ألف حديث كما يقول ابن الأثير في أسد الغابة ،
و أغلب أحاديث الآحاد مدارها على صحابي واحد فكيف يتم إلزام الأمة بها بحيث لو مات هذا الصحابي أو نسي لضاع الحكم!!
هناك أحاديث لا أدري ما الغاية منها ففيها قدر كبير من التسفيه والاستخفاف بالعقول وتشويه صورة النبي وأزواجه وأذكر هنا الحديث المفترى على أم المؤمنين عائشة:
حدثني أبو بكر بن حفص قال سمعت أبا سلمة يقول دخلت أنا وأخو عائشة على عائشة فسألها أخوها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم فدعت بإناء نحوا من صاع فاغتسلت و أفاضت على رأسها وبيننا وبينها حجاب قال أبو عبد الله قال يزيد بن هارون وبهز والجدي عن شعبة قدر صاع.
أولا ما الفائدة من اغتسال السيدة عائشة وراء الحجاب ولماذا تغتسل هل نسي واضع الحديث أنه لا يمكن الرؤية من وراء حجاب، وهل من عاقل يتعلم بهذا الشكل؟؟؟
وقد حاول ابن حجر فض الإشكال بأن قال أنهم رأوا ما يراه المحارم من بعضهم كالقسم العلوي فقط وأنا أتعجب من هذا التأويل وما الفائدة أصلا من أن تفيض الماء على رأسها ألا يمكنها قول ذلك لهم أم أنها تحتاج لدخول الحمام وإفاضة الماء على الرأس؟!! هل كان الدرس كله حول إفاضة الماء على الرأس؟؟؟
أم أن في الحديث غمز من طرف خفي بالسيدة عائشة مثل اختلاق عدة أخوة لها من الرضاعة وفي بعض هذه الأحاديث من الإشكاليات ما ليس له تأويل يليق بحرمة أزواج النبي ومقامهم ؟؟
الطعن بالنص القرآني ومصدره الإلهي:
لقد أوقعتنا الأحاديث التي تم التسليم بصحتها نظرا لصحة أسانيدها بمطبات لا يخرج منها المرء إلا بإيمانه الفطري أما إذا أعمل التحليل العقلي فسيحصل لديه شرخ نفسي عميق، وعندما عمدوا لتأويل هذه المختلفات دخلنا في دوامة أخرى.
ولم يقف الدس عند هذا الحد بل ذهب إلى المساس بقضايا منهجية وبالأسس التي تبنى عليها معرفية القرآن كعصمته من التحريف ومصدره الإلهي وبنائيته المتفردة كالروايات التي تشير إلى تحريف القرآن مثل القول بوجود آية الرضاع ورجم الكبير وأن هناك سورا كاملة نسخت
روى مسلم في صحيحه أن عائشة قالت : كان فيما أنزل من القرآن
( عشر رضعات معلومات يحرمن ) ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن .
فإذا كانت العشر رضعات منسوخة فأين آية الخمس رضعات ومن نسخها؟؟؟
وفي سنن ابن ماجة عن عائشة : ( لقد نزلت آية الرجم ، ورضاعة الكبير عشراً . ولقد كان في صحيفة تحت سريري ، فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته ، دخل داجن فأكلها) .
فإذا كانت آية الرضاعة والرجم منسوخة وأكلها داجن ، فبماذا نسخت الخمس رضعات ؟؟
أما آية الرجم المزعومة:
الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة
فقد تحلى الشيخ الجزيري بجرأة ورد بقوله:
( أما ما نقله البخاري تعليقاً من أن الذي كان في كتاب الله و رفع لفظه دون معناه ، فهو – الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة الخ – فإنني لا أتردد في نفيه لأن الذي يسمعه لأوّل وهلة يـجزم بأنه كلام مصنوع لا قيمة له بجانب كلام الله الذي بلغ النهاية في الفصاحة و البلاغة )
الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري الجزء الرابع ص257
وكذلك تصدى لمثل هذه الأقاويل الإمام ابن حزم ولم يقم أي وزن لوجود مثل هذه الأقاويل في البخاري أو غيره فقال:
وذكروا حديثا عن زيد بن ثابت أنه قال : ( افتقدت آية من سورة براءة هي {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم) التوبة - 128 فلم أجدها إلا عند رجل واحد . وذكروا في ذلك أكاذيب وخرافات أنـهم كانوا لا يثبتون الآية إلا حتى يشهد عليها رجلان ! وهذا كله كذب بحت من توليد الزنادقة.
الأحكام لابن حزم ج6 ص 256
والرواية في صحيح البخاري هي: عن خارجة بن زيد أن زيد بن ثابت قال : نسخت الصحف في المصاحف ففقدت آيةً من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بـها فلم أجدها إلا مع خزيمة بن ثابت الأنصاري الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين وهو قوله (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)
أما الموضوع الثاني المتعلق بتحريف القرآن فهو الزعم القائل بأن القرآن أنزل على سبعة أحرف والروايات في ذلك متضاربة جدا لن أذكرها هنا خشية الإطالة ،حتى أن الأقوال في هذه المرويات التي ادعى البعض أنها متواترة وصلت إلى أربعين قولا ولكن أذكر هنا إحدى هذه الروايات التي جعلت البعض يجيز رواية القرآن بالمعنى:
وقال السيوطي : ( وإلى هذا ذهب سفيان بن عيينة وابن جرير وابن وهب وخلائق ، ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء ، ويدل له ما أخرجه أحمد والطبراني من حديث أبي بكرة إن جبريل قال : يا محمد اقرأ القرآن على حرف . قال ميكائيل : استزده حتى بلغ سبعة أحرف قال : كل شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب ، نحو قولك : تعال وأقبل و هلم و اذهب وأسرع وعجل ، وهذا اللفظ رواية أحمد ، وإسناده جيد .
وأخرج أحمد والطبراني أيضا عن ابن مسعود نحوه ، وعند أبي داود عن أبي: قلت سميعاً عليماً عزيزاً حكيماً ما لم تخلط آية عذاب برحمة ، أو آية رحمة بعذاب ، وعند أحمد من حديث أبي هريرة : أنزل القرآن على سبعة أحرف عليماً حكيماً غفوراً رحيماً ، وعنده أيضا من حديث عمر : إن القرآن كله صواب ما لم تجعل مغفرة عذابا أو عذابا مغفرة ، وأسانيدها جياد ) الإتقان في علوم القرآن ج1 ص 148
وفي ذلك يقول الجزري:( والنبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى جميع الخلق أحمرهم وأسودهم عربيهم وعجميهم، وكان العرب الذين نزل القرآن بلغتهم لغاتـهم مخـتلفة وألسنتهم شتى ويعسر على أحدهم الانتقال من لغة إلى غيرها ومن حرف إلى آخر بل قد يكون بعضهم لا يقدر على ذلك ولو بالتعليم والعلاج لاسيما الشيخ والمرأة ومن لم يقرأ كتابا كما أشار إليه صلى الله عليه وسلم فلو كلفوا العدول عن لغتهم والانتقال عن ألسنتهم لكان من التكليف بما لا يستطاع وما عسى أن يتكلف المتكلف وتأبى الطباع به) راجع تاريخ القرآن للكردي .
لا أريد أن أعلق على هذه التأويلات الفاسدة فنحن نرى اليوم عشرات الملايين من المسلمين ومنهم الأعاجم يتلون القرآن على حرف واحد .
ولكن بعد أن عجزوا عن إيجاد الروايات الستة الأخرى قالوا أنها نسخت في عهد النبي مع العلم أنه لا يوجد دليل على نسخها ولكن استدعاء النسخ كان لفض الإشكال بين هذه الروايات والحقائق التاريخية .
لا يجب أن نتساهل مع مثل هذه الأكاذيب لأنها ترتبط بقضايا جد خطيرة وحساسة فمن له المصلحة بالطعن بحفظ القرآن وأخلاق الرسول وتشويه صورته وعصمة الكتاب ومصدره الإلهي؟؟؟
الخطورة تكمن في أن مثل هذه الروايات كانت وستكون مادة دسمة للطعن بالقرآن .
لقد قام المستشرق د آرثر جفري بدراسة حول تطور الرواية القرآنية معتمدا على ما ذكر في كتب السلف والخلف حتى أنه حقق وطبع كتاب المصاحف لابن أبي داود السجستاني، وهو كتاب يفيده في إثبات تطور الرواية القرآنية وهو أحد الكتب التي ألفها السلف في هذا المضمار، وبتطور بحوث التحليل التاريخي وبفضل إصرار التقليديين على صحة الحديث بناء على صحة السند فسوف يجد المبطلون في هذه الروايات مادة دسمة لتفكيك أصل الدين الإسلامي.
ولكن هل نلومهم أم نلوم أنفسنا.
السنة النبوية الصحيحة هي الصحيحة متنا وكل ما يخالف الأصول القرآنية لا عبرة فيه، والقضية تحتاج إلى تحديد معرفي لدور السنة النبوية وعلاقتها بالقرآن.
الدور المعرفي للسنة في اطار المرجعية القرآنية:
هناك سؤالين مطروحين :
هل الأحاديث السليمة سندا حجة أم لا؟
وما هو دور وقيمة الأحاديث السليمة متنا وسندا؟
هناك جهد كبير يجب أن يبذل في هذا المجال ولا عذر لنا في التكاسل أو مواصلة الدفاع العاطفي الممل.
البداية تبدأ من تحديد موقفنا من روايات الآحاد ككل،
وبعد ذلك نتجه إلى الروايات الصحيحة سندا ومتنا لنحدد دورها وعلاقتها بالقرآن و هذا يترافق مع الجهود الرامية إلى تطوير منهج النقد عند المحدثين على ضوء أدوات التحليل التاريخي الحديثة وبوجود الأدوات المساعدة والتي تسهل عملية البحث والتنقيب فما ينجزه البخاري بسنوات يمكن إنجازه بساعات وجزى الله السلف عنا خير الجزاء للجهد الذي قاموا به برد قسم هائل وكبير من الروايات المدسوسة ، وبتأليف الكتب ومصنفات الحديث و علوم الجرح والتعديل وكتب الرجال فالجهد هنا مبني على العلوم الحديثة وعلى جهود السلف دون عصمة أو قدسية أو تخوف ، أما المتن فيحتاج إلى جهد أكبر يستخدم في دراسته علوم اللسانيات والبحث التاريخي والاجتماعي وقبل كل ذلك تتم دراسته في ضوء القرآن الكريم المأخوذ كوحدة موضوعية واحدة وليس بشكل مجزأ، وهذا يحتاج إلى بذل جهود مضنية لتأسيس أدوات معرفية جديدة للتعامل مع القرآن،
ولكن هل لدى المهتمين والمثقفين الهمة للقيام بذلك للدفاع عن القرآن الكريم، وتجريد سنة نبيهم من الدس الذي يطعن بأخلاق النبي الكريم و يطعن بحفظ وعصمة القرآن .
ما وجدته هو الهمة لدى الكثيرين بالتشكيك في النوايا والتكفير والمزايدات العاطفية التي نتعامل بها في كل قضايانا فأصابنا ما أصاب الأمم السابقة عندما نقضنا العهد وقد وردت الآيات القرآنية بتحليل هذا المرض يقول تعالى:
واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور* ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى)المائدة 7-8
وينبهنا الله إلى تبعات هذا الأمر ونتائجه على المستوى المعرفي من نسيان وتحريف للقول ومن ثم تجليات ذلك على المستوى الثقافي والاجتماعي فيقول تبارك اسمه عما أصاب الأمم السابقة بسبب نقض الميثاق:
(فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم فاعف واصفح إن الله يحب المحسنين * ومن اللذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون) المائدة.
الميثاق هو القيام لله والشهادة بالقسط دون زيادة أو نقصان وعدم البغي والتعدي ومقابلة السيئة بالجور والبغي ، ولنا أن نرى أن تبعات نقض الميثاق في الأمم السابقة يتجلى بتحريف الكلم عن مواضعه وهذا أصاب السنة عندنا ولم يصب القرآن لأن الله تولى حفظه ولعدم إمكانية الإتيان بمثل بنائيته ومنهجيته، وقد مر معنا كيف أن الآيات المدعى أنها منسوخة تلاوة مفارقة لنظم القرآن وبنائيته المتفردة، والقرآن لا ينسخ بداجن !!!!! وبحفظ الله القرآن من التحريف حفظ لنا المنهج الذي نسترجع على أساسه السنة النبوية ونمحصها .
هذه أمراض ابتليت بها الأمم فهل يمكننا أن نحدد أعراض مرضنا (الاختلاف والفرقة والعداوة والبغضاء) ثم نرجع إلى قرآننا لنشخص علة المرض الرئيسية .
وفيما يتعلق بتدوين السنة يشير الله في قرآنه إلى قضية هامة جدا بشأن تقييد المطلق بالنسبي عند تنزل القرآن، يقول تعالى( يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسئلوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم عفا الله عنها والله غفور حليم * قد سألها قوم من قبلكم ثم اصبحوا بها كافرين) المائدة 101-102
الآية جاءت هنا في سياق آيات تتحدث عما حرم الله وما أحل ثم نفى الله ما يفترى عليه من تحريم ورد المرجعية له وللرسول فقال ( وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون) المائدة 104
والقضية المشار إليها في الآية هو النهي عن السؤال ، فالسؤال هنا مرتبط بالمجتمع وثقافته وهمومه وهموم السائل المؤطرة بتركيبته الاجتماعية لذلك سيكون الجواب عنها خاصا بتلك المرحلة وأوضح الله سبب النهي :( قد سألها قوم من قبلكم ثم اصبحوا بها كافرين ). لذلك لم يأمر الرسول بكتابة السنة أو بتحفيظها ولم يأمره الله بذلك لأن ذلك يحيلنا إلى مشكلات وهموم منوطة بواقع اجتماعي معين ، وبذلك نفهم السنة الآحاد الصحيحة متنا والتي نسترجعها على ضوء المرجعية القرآنية فقط بأنها الارتقاء بالنسبي (الواقع) إلى المطلق(القرآن) فالقضية ليست تنزيل وإنما عروج بهذا الواقع إلى نور الإسلام والقرآن بالقرآن وبوحي السنة المطهرة ، وأرجو أن لا يخلط البعض بين الوحي والإطلاق، فليس كل وحي يكون مطلقا وفوق الزمان والمكان فالتوراة والإنجيل وحي ولكنه وحي نسبي وغير مطلق، الوحي المطلق هو القرآن فقط.
لذلك يمكننا أن نحدد دور السنة أو الدور المعرفي الأهم للسنة وهو اكتشاف الآلية والكيفية التي عرج بها المصطفى بواقعه وبصحابته الكرام إلى مستوى آخر من مستويات الحياة والتصرف المتلازم مع القول الإلهي.