ردّا على رسالة لقارىء ايرانى
فى معضلة الزمن

آحمد صبحي منصور في الخميس ٠٨ - يناير - ٢٠١٥ ١٢:٠٠ صباحاً

مقدمة :

يتابع هذا القارىء الايرانى لموقعنا ( أهل القرآنى ) أسئلته ، وأجيب عليها فى باب الفتاوى ( فإسألوا أهل الذكر ) . وعادة تكون الاجابة فى عدة أسطر . إذا بلغت الاجابة مبلغ المقال أنشرها مقالا .

يقول الاستاذ الايرانى : ( سلام عليکم يا دکتر احمد صبحي منصور انا ليس من اهل القرآن وانا لاعلاقه بمسائل سياسي ولکن اسئل منکم :بعض علمانيون يقولون في القرآن تضاد . في سبيل المثال يقولون بين هذة اية( يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّـهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ ۖ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ۖإِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴿109) المائدة ) ، وهذة اية تضاد: ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴿30﴾ الفرقان ). وفي سبيل المثال ايضا يقولون بين هذة آية ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۖ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ ۖ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ  وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴿5﴾ المائدة ) وهذة آية تضاد :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) المائدة ) ما هو موقفکم بما يقولون بعض علمانيون في تضاد بين آيات فوق. شکرا جزيلا لکم . ). وأقول ردا :

أولا :

1 ــ من السهل على من يريد الالحاد فى آيات القرآن الكريم متسلحا بالجهل والهوى المريض أن يفعل هذا ، والله جل وعلا هو الذى منح البشر حرية الضلال وحرية الهداية ، ومن شاء منهم الهداية هداه الله جل وعلا ، ومن شاء منهم الضلال أضلّه وتركه للشيطان يُزين له سوء عمله بحيث لا يُجدى معه وعظ ولا نُصح ، يقول جل وعلا : ( أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (8) فاطر ).وانظر الى الارهابيين المؤمنين بالجهاد السلفى الذين يسارعون فى قتل الأبرياء وقتل انفسهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا . أولئك الذين يستخدمون إسم الله جل وعلا أشد كفرا وضلالا من الملحدين المسالمين الذين يكتفون بالطعن فى كتاب الله الكريم . وعمّن يريد الالحاد فى آيات القرآن يقول جل وعلا يحذرهم مقدما : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) فصلت ). هم لا يخفون عن رب العزة وهو جل وعلا على كل شىء شهيد . والله جل وعلا يُخيرهم بين نوعين من المصير : مصير الى النار أو مصير الى الجنة . ثم يقول لهم مهددا أن يعملوا ما يشاءون وهو جل وعلا بصير بما يعملون .

2 ـ إن الراسخين فى العلم بالقرآن يتبعون منهج التدبر فيه ، أى يسيرون ( دُبُر الآيات ) أى خلف الايات الخاصة بالموضوع المراد بحثه قرآنيا ، يجعلون القآن إماما لهم ، يطلبون العلم والهداية دون هوى ودون غرض مسبق ، ثم يفهمون ألفاظ القرآن من داخل القرآن نفسه من خلال سياقها العام فى القرآن كله ومن خلال سياقها الخاص فى نفس السورة . أما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون المتشابه من الآيات ينتقون ما يريدون ليثبتوا لأنفسهم ولغيرهم ما يريدون . يقول جل وعلا : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (7)  ) آل عمران )

3 ـ ونعطى فى الاجابة على رسالة الاستاذ الايرانى نموذجا للتدبر القرآنى :

ثانيا : معضلة الزمن

1 ـ ( الزمن ) معضلة لا تزال قائمة فى علم الفيزياء الذى يتعامل مع المادة الكونية ، وهو من أسرار الإعجاز القرآنى ، حيث يعرض رب العزة إشارات عن موضوع الزمن فى عالم المادة وماوراء الفيزياء ( ماوراء الطبيعة ) فيما يكون غيبا لنا فى هذه الحياة الدنيا . مع ملاحظة أنّ التعبيرات القرآنية مرتبطة بمدلولات زمنية ، مثل اليوم ( اليوم الآخر ) و ( الساعة ) ( يوم القيامة ) ( يوم الحساب ) ( خالد ين فيها أبدا ) . وقد يأتى علماء قرآنيون متخصصون فى الفيزياء يكتشفون هذه اللمحات العلمية القرآنية فى موضوع الزمن فى هذه الدنيا ، ولكنهم لن يستطيعون فهم كينونة الزمن فى اليوم الآخر الذى لا يمكن تخيله على حقيقته فى هذه الدنيا ، لأن رب العزة يحدثنا عن اليوم الآخر بما يقرّبه الى مداركنا الأرضية .

2 ـ من بين الإشارات القرآنية عن الزمن الأرضى يأتى التعبير القرآنى الذى يؤكد أنه لله جل وعلا مصير البشر والخلق جميعا . هذا الملحد فى آيات الله جل وعلا لا يستطيع أن يجادل فى هذه الحقيقة . لقد وُلد فى زمن محدد ، وسيعيش عمرا محددا ، ثم يموت فى الوقت المحدد . هو لا يستطيع أن ينكر موعد مولده الذى لا إختيار له فيه ، ولا يستطيع الافلات من موعد ومكان موته الذى أيضا لا إختيار له فيه . أكثر من هذا لا يستطيع إيقاف الزمن الأرضى المتحرك الذى يحمله عنوة من موعد ميلاده الى موعد موته ، وبالتالى فمصيره الى لقاء رب العزة رغم أنفه ، أى الى الله جل وعلا مصيره ومحطته النهائية ، ولا يستطيع الافلات والهروب . يقول جل وعلا يدعونا للتفكر فى زمننا المتحرك الذى يمضى بنا ليلا ونهار يخلف الليل النهار والنهار الليل : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً (62) الفرقان )

3 ـ البداية أنه لا يستطيع إسترجاع الأمس ، بل لا يستطيع إرجاع الدقيقة أو الثانية التى تمر من عمره ، وهناك ماهو أقل من الثانية ، هناك الفمتوثانية ، وهناك عوالم من الزمن أضأل من ذلك لم يصل اليها علمنا الحالى ، أى مجرد أن تفكر فى شىء ما يكون قد مرّ وانتهى زمنه وانتقلت الى زمن جديد لا تستطيع ملاحقته . هذا الزمن هو أحد مظاهر قيومية الرحمن علينا وقيوميته علينا فى النوم واليقظة . الفرد منًا يركب قطارا فى الموعد المحدد لمولده ، شأن غيره  ممّن سبقه ، ممّن سيأتى بعده ، ويسير به القطار كما سار وكما سيسير بالآخرين ، وسيهبط من هذا القطار فى محطة موته شأن من سبقه ومن سيأتى بعده ومن يعاصره وقت حياته . هذا القطار لن يتوقف إلا عند ( الساعة ) أى تدمير هذا العالم . كل دقيقة تمر بنا ونحن فى هذا القطار يتم تسجيلها بملائكة الأعمال التى تسجل أقوالنا وأعمالنا وخطرات قلوبنا . وبعد الهبوط من قطار الحياة وفناء جسدنا الأرضى يكون قد تكون لنا جسد آخر مكوّن من كتاب أعمالنا ، تأتى به نفس كل فرد يوم القيامة ، وطبقا لهذا العمل يكون خلودنا فى النار أو فى الجحيم .

4 ـ هذا معنى أن مصيرنا الى الله جل وعلا القائل عن خلقه السموات والأرض طبقا لزمن متحرك ينتهى بنا اليه مصيرنا :( وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42) النور )، ويقول جل وعلا عن خلقنا وخلق السماوات والأرض: ( خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) التغابن )، ويقول يحذرنا : ( وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) آل عمران )، ويقول جل وعلا عمّن يزكى نفسه بالايمان الخالص وبالعمل الصالح : ( وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18) فاطر ). أى إن تعبير ( المصير لله جل وعلا ) يأتى فى معرض العظة بخطاب مباشر كما سبق ، أو بوعظ ضمنى كقوله جل وعلا للملحدين : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40) فصلت ).

 5 ـ الزمن المتحرك فى دنيانا والمختلف حسب الكواكب والنجوم والمجرات قد يمكن فهمه لأننا نعيش فى إطاره ، وقد يدخل بالتقدم العلمى القادم الى مستوى إدراكنا . أما الزمن الذى لا نستطيع تخيله فهو الزمن الخالد يوم القيامة . هو زمن باق راهن ثابت خالد ، لا نستطيع تفسيره لأنه لم يأت بعد ، ولا عهد لنا به ، وهو فوق إدراكاتنا . ولذا يأتى التعبير القرآنى عنه بصورة تقريبية ، تقترب من فهمنا للزمن المتحرك الدنيوى الذى نعيشه .  وبهذا نتصورما جاء فى القرآن عن أحوال اليوم الآخر . وتفاصيل مواقف الآخرة ستأتى بعون جل وعلا فى كتاب خاص . ولكن نقول بسرعة :

6 ــ بعد تدمير هذه الأرض والسموات وزمنهما المتحرك يخلق الله جل وعلا أرضا أزلية وسموات أزلية خالدة بزمن خالد ، تتحملان مجىء رب العزة جل وعلا، حيث يبرز الناس والملائكة والجن للقاء الخالق الواحد القهار : (  يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (48) ابراهيم ) . يقول جل وعلا عن تدمير هذه الأرض ومجيئه جل وعلا والملائكة : (كَلاَّ إِذَا دُكَّتْ الأَرْضُ دَكّاً دَكّاً (21) وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً (22) الفجر ).

7 ــ أرض الآخرة ستشرق بنور ربها وسيوضع الكتاب ويؤتى بالنبييين الرسل والشهداء على قومهم ، فى حسابهم الجماعى ويؤتى بكل نفس فى الحساب الفردى لكل نفس حسابا فرديا . فى نوعى الحساب الفردى والجماعى يقول جل وعلا :( وَأَشْرَقَتْ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (69) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ (70) لزمر ) .  

فى تفصيل عن الحساب الجماعى يقول جل وعلا عن سؤال الرسل : ( يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّـهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا ۖإِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴿109) المائدة ) ،ويقول جل وعلا عن الأمم ومجتمعاتها وكتاب أعمالها الجماعى : ( وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29) الجاثية ).

وفى تفصيل عن الحساب الفردى يجادل كل فرد عن نفسه : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111) النحل ). ويقول جل وعلا : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً (95) مريم ).

هذا الحساب الفردى يشمل كل نبى . عندها سيسأل رب العزة عيسى عما إفتراه أؤلئك الذين عبدوه ، وسيتبرأ منهم عيسى ويقطع صلته بهم : (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)المائدة). وسيسأل محمدا عليه السلام عما إفتراه أصحاب التراث الذين هجروا القرآن الكريم ، فيتبرأ منهم محمد بأنه لا شأن له بما نسبوه اليه من أحاديث  تمسكوا واتخذوا بها القرآن مهجورا : ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَـٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴿30﴾ الفرقان )

8 ــ قد يكفر بهذا الملحدون والضالون . ولنتعرف عن مشهد من مشاهدهم يوم القيامة . يقول جل وعلا عنهم وهم فى الجحيم : (تَلْفَحُ وُجُوهَهُمْ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ (104)المؤمنون ) ويقول لهم رب العزة مؤنّبا : ( أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105) ويردون معتذرين معترفين :( قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ (106). ويطلبون فرصة أخرى يخرجون بها من النار : ( رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ (107). ويأتيهم الرد باللعنة وتذكيرهم بسوء فٍعالهم فى الدنيا  : ( قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ (108) إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (109) فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ (110) إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمْ الْفَائِزُونَ (111) . ويسألهم رب العزة عن زمنهم الدنيوى المتحرك الذى عاشوه فى الدنيا ، فيتصورونه حينئذ يوما أو بعض يوم : ( قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (112) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ (113) قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (114) .وفى النهاية يٍسألهم رب العزة هذا السؤال الهائل الذى يغفل عنه معظم البشر فى الدنيا فى لهوهم وصراعهم حول حُطام الدنيا الزائل ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ (115) المؤمنون ). صدق الله العظيم .!!

ثالثا : الموالاة هى التحالف وقت الحرب

1 ـ : أهل الكتاب المسالمون المؤمنون ظاهريا بمعنى الأمن والإيمان يجوز أن نزوجهم بناتنا ، وأن نتزوج بناتهم ، وأن نأكل طعامهم وأن يأكلوا طعامنا ، ينطبق هذا على أقباط مصر بالذات، وهم أشهر المسالمين . وفى هذا يقول جل وعلا بالعدل المطلق بيننا وبينهم: ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ  وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴿5﴾ المائدة ).

2 ـ عندما يقوم أهل الكتاب بالاعتداء الحربى على دولة مؤمنة مسلمة مسالمة يحرم موالاتهم ، فالموالاة تعنى التحالف عند الحرب ، أى أن تكون ( مع ) هذا الجانب ( ضد ) الجانب الآخر ، والقاعدة القرآنية هو التعامل مع الدول المخالفة فى الدين بالبر طالما لا يعتدون على الدولة الاسلامية ، أما إذا قاتلوا الدولة الاسلامية المسالمة فيحرُم على المؤمنين المُعتدى عليهم ــ موالاتهم : (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة  ). 

3 ـ يسرى هذا على اليهود والنصارى عند الاعتداء على دولة مسلمة مسالمة ، كما لو إعتدت  إسرائيل أو أمريكا على مصر ، عندها يحرم على أى مصرى أن يوالى الجيش المعتدى . يقول جل وعلا  فى المنافقين الذين كانوا يوالون القبائل النصرانية واليهودية  المعتدية على المدينة فى مواقع حربية أهملت ذكرها كتب السيرة :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) المائدة ). وفى نفس المعنى يقول جل وعلا عن الكافرين المعتدين عموما : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً (144)   النساء ).

ودائما :  صدق الله العظيم 

اجمالي القراءات 9013