ج1 ب1 ف 4 : الشعراني يقول بعقائد التصوف

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٢٣ - ديسمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .

الباب الأول :  مراحل العقيدة الصوفية وتطورها في مصر المملوكية من خلال الصراع السنى الصوفى           

 الفصل الرابع : وحدة الوجود وصراع الفقهاء مع الصوفية في القرنين التاسع والعاشر الهجريين

  في القرن العاشر :  الشعراني ممثل الفقه والتصوف

: خامسا : الشعراني يقول بعقائد التصوف

1 ــ الشعراني يشيد بأساتذته الاتحاديين :

وفي الوقت الذي هاجم فيه الشعراني معاصريه من الاتحاديين فإنه أشاد بأساتذته منهم وأوسع لهم في طبقاته مشيداً ومفاخراً بعلمهم بعقائد الاتحاد ، كما يقول عن محمد الصوفي ( أنه كان يحل مشكلات ابن عربي بأفصح  عبارة ، ومن كلامه رضي الله عنه : أعلم أن السير في الطريق سيران ، سير إلى الله وسير في الله ، فما دام السالك في المسالك الفانية التي هي طريق العدم فهو في السير إلى الله ، فإذا قطع كرة الوجود صار إلى المعبود ، ولم تكن هذه الرتبة إلا من طريق الأسماء ، كما أشار إلى ذلك سيدي عمر ابن الفارض بقوله :-

      على سمة الأسماء تجري أمورهم         وإن لم تكن أفعالهم بالسديدة

ففي البداية أنت أنت والاسم الاسم ، وفي وسط الطريق تارة أنت وتارة الاسم ، وفي النهاية أنت ولا اسم فإن التخلق به يظهر فعله على ناسوتك لقوته فلا يرى منك إلا فعل الاسم ، فالمرئي أنت لا الاسم ، لقصور نظر الرائين ، وأما الناقد البصر فهو يعرف قوة الإكسير .. وأطال في ذلك بكلام يدق على العقل رضي الله عنه ) [1]. ويقول الشعراني عن (سيده) الشيخ دمرداش المحمدي أنه رتب على فقراء زاويته كل يوم ختماً يتناوبونه ( ويهدونه في صحائف سيدي الشيخ محيي الدين بن العربي ..) [2].

2 ــ  الشعرانى ينقل عبارات الاتحاد فى كتبه

وتتردد عبارات الاتحاد في تراجم أعيان الصوفية قبل وأثناء العصر المملوكي حتى أن كتاب (الطبقات الكبرى ) للشعراني أصدق مصدر يعبر عن العقيدة الصوفية. ومعنى ذلك أن الشعراني – كمعبٍّر عن عصره وشاهد على عصره – لم يجد في ذلك تحرجاً لأنه منطق العصر وعقليته التى تشرّبت عقيدة الاتحاد ، وكل ما هنالك أن القاعدة الصوفية في الإنكار مرعية تماماً ، وهي تقديس الأشياخ القدامى وقبول كلامهم وتأويل شطحهم بعبارات اتحادية أهدأ ، هذا مع قصر الإنكار على المعاصرين ، وهم بطبيعة الحال أقل شأناً من الشعرانى نفسه ، فلا يستحق الشيوخ المعاصرون للشعرانى الذين هم دون الشعرانى فى المكانة إلا إحتقار الشعرانى ، خصوصا وهم يزاحمونه على النذور وينافسونه على المريدين ، وينافسونه في ادعاء الولاية وهم – حسب اعتقاده – لا يستحقونها؟  ثم كيف يتشبهون بالأكابر السابقين من أئمة الشعرانى فى قول الشطحات ؟ .

وقد واجه الشعراني " قضية ابن عربي " باختصار مؤلفاته ، وتأويل كلامه ، وما استعصى على التأويل ادعى أنه مدسوس عليه ، ثم دعا إلى عدم مطالعة كلامه جملة وتفصيلا .. ولا ريب أن شخصية الشعراني – كصوفي فقيه يهدف للتقريب والتلفيق – قد أملت عليه هذا الطريق ، وجعلته في نفس الوقت يسلك طريق الاعتدال أو النفاق والتقية في تقريره لعقيدة الاتحاد الصوفية التي يؤمن بها ويدعو لها .

3 ــ تقية الشعراني فى موضوع الاتحاد الصوفي :

أ )  بالغ الشعراني في التقية والنفاق متابعة لأشياخه أحمد الزاهد ومدين الأشموني والغمري مع قيامه بالتوفيق بين الإسلام والتصوف . وقد حاول الشعراني – على عادته- أن يسبغ المشروعية على كتمانه لعقيدة الاتحاد بشتى السبل ، كالتعلق بأهداب السلف الصالح والخلط بين الفقه والتصوف والعلم والاتحاد ، كقوله ( ومما منّ الله تبارك وتعالى به على اقتدائي بالسلف الصالح في كتمان الأسرار التي مُنْحتُها بفضل الله تعالى ، فأعرف في كل آية أو حديث أو أثر من الأسرار ما لا يسطر في كتاب ) ، ويقول مستشهداً بروايات سابقة كاذبة ( وقد كان الإمام على رضي الله تعالى عنه يقول : آه ، بعد أن يضرب على صدره – إن هنا لعلوماً جمة ، لو وجدنا من يحملها ؟ وكان رضي الله عنه يقول : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم علماً لو أفشيته لخضبت هذه من هذه ، وأشار إلى لحيته وعنقه ، وكان أبو هريرة يقول : أخذت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جرابين من علم فأما واحد فبثثته لكم ، وأما الآخر فلو بثثته لقطع مني هذا البلعوم ) [3] .ومعلوم أن الرسول عليه الصلاة والسلام يستحيل عليه إخفاء شيء من رسالته وعلمه ، ومعلوم أن الإسلام قد تم وأكتمل بانتهاء الوحي ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً .. المائدة 3 ) .وتلك الروايات الكاذبة تتهم النبي بإخفاء جزء من الرسالة ، وعدم تبليغ الرسالة كلها ، وذلك ما يرفضه المؤمن بالله ورسله . إلا أن الصوفية حين عجزوا عن إثبات أصل لعقيدتهم في القرآن الكريم لجأوا إلى الإيهام بأن التصوف هو العلم الخفي الذي اختص به الرسول على الصوفية ، واستشهدوا بأحاديث كاذبة .

ب – ثم يلجأ الشعراني إلى القصص التي وجدت لها السوق الرائجة في عصره ليثبت بها مشروعية التقية .. يقول ( ونقل الشيخ عبد الغفار القوصي عن الشريف الكليمي أنه أخبره أنه كان ذاهباً في طريق العمرة ومعه فقير أعجمي ، فتكلم بشيء من الأسرار ، فقلعت رأسه من بين كتفيه فخفت أنهم يطالبونني به فهرولت وتركته ) [4]. ( وقد حكى الشيخ عبد العزيز المنوفي وكان من أصحاب الشيخ إلى عبد الله القرشي أنهم قالوا للقرشي مرة يا سيدي : لم لا تحدثنا بشيء من الحقائق . فقال لهم : كم أصحاب اليوم ؟ فقالوا : ستمائة رجل فقال : استخلصوا منهم  مائة فاستخلصوا ثم قال : فاستخلصوا منهم عشرين ، ثم قال : استخلصوا منهم أربعة فاستخلصوا له الشيخ قطب الدين العسقلاني والشيخ عماد الدين وابن الصابوني والقرطبي وكانوا أهل مكاشفات وخوارق فقال الشيخ : والله لو تكلمت بشيء من الأسرار والحقائق لكان أول من يفتي بقتلي هؤلاء الأربعة .. ) [5].ولا شك أن قصة الاضطهاد التي لازمت التصوف في بدايته ترسبت في عقل الصوفية اللاحقين، وظهرت في أقاصيصهم وكرامتهم حتى في عصر تمتعوا فيه بالحرية بل وسيطروا عليه ..

ج ــ  ثم وصل الشعراني إلى غرضه وهو فلسفة الإخفاء وتقعيد التقية ، وإسباغها بالمشروعية الفقهية يقول ( ووجه ذلك أن علم الحقائق والأسرار من علم سر القدرة والجبروت ، وإفشاء ذلك كفر بالله عز وجل ، ويجب على العلماء أن يفتوا بكفره ، لأن ذلك بما تعبدهم الله تعالى به ظاهراً صيانة للشريعة المطهرة .. وأيضا فإن الأسرار الإلهية المودعة في قلوب العارفين هي من أمانة الله عندهم ، وهي العهد والعقد وهم مطلوبون بالوفاء بالعهود والعقود وأداء الأمانات إلى أهلها دون غيرهم ، فلو قطع صاحب الأسرار إرباً إرباً لما أظهرها ، لكن إن أعطى الله تعالى عبداً قوة على التلويح دون التصريح كسيدي محمد البكري حفظه الله تعالى من عيون الحاسدين .. فعلم أن كُمّل العارفين لا يقع منهم إفشاء لسر الربوبية ، ثم لو تصور وقوع ذلك منهم في حضور أو غيبة أو غلبة حال حصل القتل ، إذ الغيرة الإلهية تقتضي ذلك كما مر في أسرار الملوك وفي رمزه تعالى فواتح بعض سور القرآن العظيم مع قدرته على إظهار تلك .. ) [6] .أي أن الشعراني وصل في فقهه إلى اعتبار أسرار التصوف كإحدى معجزات القرآن الكريم في فواتح السور...

د ــ والشعراني يعتبر نفسه من ( كُمّل العارفين ) الذين  ( لا يقع منهم إفشاء لسر الربوبية ) مخافة ( القتل ) .. فقد عد من منن الله تعالى عليه ( عدم إفشائي الأسرار المتعلقة بالتوحيد ودقائق الشريعة الشريفة لأحد من الخلق إلا بعد طول امتحانه وكثرة التنكرات – أي الاختبارات – والتغريات عليه ، وإغضابه المرة بعد المرة ، وسبّه بين من يُستحي منهم عادة ، المرة بعد المرة .. وقد جاءني مرة شخص من دهاة فحول الرجال من معلمي دار الضرب بالقلعة يطلب مني أن أطلعه على شيء من أسرار الطريق وألح في ذلك فتنكرت عليه وتغربت مدة وصرت أكلمه بالكلام المؤذن بنقص مرتبته .. فزهقت نفسه مني ونفرت .. وتقدم في هذه المنن أن شخصاً دخل على أبي عبد الله القرشي فرآه يتكلم في الأسرار فلما شعر به قطع الكلام فقال له الشخص: أنا من المعتقدين في أهل الطريق لا تخافوا منّى .. ) [7] . ففي عصر الشعراني اكتملت سيطرة التصوف على الحياة الدينية عقيدة وسلوكاً وشريعة .. ومع ذلك أضحت ( دقائق الشريعة ) من الأمور الملحقة بالعقيدة الصوفية في وجوب إخفائها عمن هم خارج الإطار الصوفي ، ليس خشية من الفقهاء ، ولكن لإظهار تميز الأشياخ الصوفية عن غيرهم من الأوباش ، أو من الفقهاء الملتحقين بالتصوف ، الذين يتمتعون بكراهية الشعراني وعدم ثقته فيهم ..                                                                                                                                 

4 ــ  من أقوال الشعراني في الاتحاد :

ومع شدة تمسك الشعراني بالتقية كما مر فإن لسانه سبقه فأورد عن نفسه بعض عبارات الاتحاد ، ومعلوم أن عبارات الاتحاد التي أوردها الشعراني لأشياخ التصوف السابقين تحظى برضى الشعراني بل وتقديسه ، وإلا فما الذي دعاه للإتيان بها في معرض الفخر بأولئك الأشياخ وتعداد مناقبهم .. إلا أننا نقصر القول عما قال به الشعراني عن عقيدته وآرائه الشخصية لتكتمل الصورة ..وقد أوردنا بعض عبارات الاتحاد التي قالها محمد الصوفي المعاصر للشعراني والجديد هنا أن ذلك الصوفي الذي ( كان يحل مشكلات ابن عربي بأفصح عبارة ) كان في نفس الوقت أستاذاً ومعلماً للشعراني أخذ عنه دقائق عقيدة ابن عربي يقول الشعراني في ترجمته لمحمد الصوفي ( .. صحبته نحو خمس وثلاثين سنة وانتفعت بكلامه وإشاراته ..) [8].

يقول الشعراني مفتخرا جاعلا سجوده فى الصلاة إتحادا بالله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا :( ومما منّ الله تبارك وتعالى به على : شهودي لقرب الحق تبارك وتعالى مني في حال سجودي كحال قيامي على حد سواء ، بالنسبة إليه سبحانه وتعالى ،لأن الله تعالى يقول (واسجد واقترب ) لم يقل قم واقترب )[9] . أي أن الشعراني يشهد الله في قيامه كما في سجوده – ويمتاز بذلك عن بقية البشر ومعروف أن عبارة الشهود إحدى صفات الصوفي المتحد بالله .. فالشعراني يعلن بطريق غير مباشر – أن اتحاده بالله ليس قصراً على السجود وإنما يشمل القيام أيضاً ، ولا يكتفي بتفضيل نفسه على النبي الذي قال له ربه (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) العلق ) ولكنه أيضاً يجعل الاقتراب شهوداً للحق بالمفهوم الاتحادي للعقيدة الصوفية .

وجعل الشعراني من الذكر الصوفي طريقاً آخر للاتحاد يقول أن غرض الذكر ( هو نفي كل موجود من القلب سوى الله تعالى)[10] . وقد فصل مراحل الاتحاد حال الذكر الصوفي بقوله (الذاكر ينسى أفراد العالم شيئاً بعد شئ إلى أن يحجب عن شهوده ويصير لا يرى إلا الله ، ثم أنه يحجب عن شهود نفسه كذلك بأن يرق ويدق حتى يصير كالذرة ثم يغيب ، فإذا تحقق بالمقام قيل له ارجع إلى شهود أفراد العالم وانظر إلى ما انطوت عليه من الحقائق فإنها كلها دلائل على ذلك ،فإنك حجبت عن معرفتي بقدر ما حجبت عن شهود العالم ، ثم يرجع بعد معرفة الله إلى أفراد العالم له،  شيئاً بعد شئ إلى أن لا يغيب عنه من العالم ذرة إلا ما كان فوق دائرته ) [11] .

فقوله ( الذاكر ينسى أفراد العالم شيئاً بعد شئ ) تدرج في الاتحاد ، وقوله ( إلى أن يحجب عن شهوده ) اتحاد بالله وفناء عن الطبيعة البشرية ، وقوله ( ويصير لا يرى إلا الله ) يعني وحدة الوجود فقد أصبح الشاهد والمشهود هو الله تعالى عن ذلك علواً كبيراً .. ثم أكد ذلك بقوله ( ثم إنه يحجب عن شهود نفسه كذلك بأن يرق ويدق حتى يصير كالذرة ثم يغيب ) ومعنى ذلك أن الوجود قد أصبح واحداً كاملاً بتحقيق فناء غير الله في الله .. ( فإذا تحقق بالمقام ) أي إذا عرف حقيقة الأمر وهو وحدة الوجود الإلهي المتمثلة في كل الأعيان الموجودة ( قيل له ارجع إلى شهود أفراد العالم وانظر ما انطوت عليه من الحقائق فإنها كلها دلائل على ذلك ) ، أي إذا عرف أن الحقيقة الكبرى هي وحدة الوجود عاد يتمثل إلهه في كل أفراد العالم من شجر وحجر وحيوان فكلها انطوت على الحقائق الدالة على ذلك ، بل وأصبحت دليلاً على معرفته بإلهه ( فإنك حجبت عن معرفتي بقدر ما حجبت عن شهود العالم ) ثم يرى ألهه في كل أفراد العالم ( .. ثم يرجع بعد معرفة الله إلى أفراد العالم له شيئاً بعد شئ ، إلا أن لا يغيب عنه من العالم ذرة إلا ما كان فوق دائرته ) ..

فابتدأ الشعراني بأن الذاكر ينسى أفراد العالم شيئاً فشيئاً إلى أن يتحد بالله ، وحينئذ يعرف الحقيقة الكبرى عندهم وهي أن الله عين العالم ، فيرجع إلى تذكر أفراد العالم حتى لا يغيب عنه منه شيئاً ففي الحالة الأولى نسى كل شئ عن نفسه وعن العالم حتى صار ( كالذرة ) ثم غاب في الحقيقة الإلهية ، وفي الحالة الأخيرة عاد يتذكر كل شئ بعد أن عرف أن العالم هو الله فلم تغب عنه أي ( ذرة ) من العالم وقد قال أيضاً ( لا يزال العبد إذا وصل إلى شهود الوجود في عينه كالذرة ، فتكبر عنده أفراد الوجود شيئاً فشيئاً ، حتى يرجع إلى الحالة الأولى التي كانت له قبل الترقي ، ويصير يعظم الوجود بتعظيم الله تبارك وتعالى )[12].لأن الوجود عنده هو الله جل وعلا عن ذلك علوا كبيرا.!!.

ومن خلال  وحدة الوجود ــ  الحقيقة الكبرى عند الشعراني والصوفية والتي تنتظم في إطارها عقيدة الاتحاد – نظر الشعراني إلى الولي الصوفي فجعله متمتعاً بصفات الله تعالى أو على حد قوله ( أعلى مراتب التقليد من قلد ربه ) [13] . وفي العصر المملوكي وعصر الشعراني على الأخص كان التطبيق العملي لعقيدة الاتحاد حيث تقديس الولي الصوفي وكانت مصنفات الشعراني وكتب المناقب خير دليل على ذلك .وهكذا وقع الشعراني بلسانه فأبان عن عقيدة الاتحاد ووحدة الوجود وأثبت إخلاصه لأشياخه محمد الصوفي وابن عربي والغزالي وغيرهم .. وقد يكون المستحسن أن تسترجع وصف الشعراني للاتحاديين ( .. وبعضهم رأى أن كل شئ في الوجود هو الإله ، وأن عين هذا الوجود الحادث هي عين الله من الجماد والنبات والعقارب والحيّات والجان والأنس والملك والشيطان ، ويجعلون الخلق هو عين المخلوق من خسيس ونفيس ومرجوم وملعون ورائس ومرءوس حتى الأباليس ، وهذا كلام لا يرضاه أهل الجنون ولا من كان في حبه مجنون ، وقد نقلت هذا الكلام في زماننا عن جماعة بالصعيد ، فيعقدون هذه الأمور في ما بينهم وبين أصحابهم من الملاحدة وينكرون ذلك في الظاهر خوف القتل ، بل الذي أقوله أن أبليس نفسه لو ظهر ونسب إليه هذا المعتقد لتبرأ منه واستحيا من الله تعالى، وإن كان هو الذي يلقي إلى نفوسهم بذلك .. وقد حكيت لسيدي على الخواص عن بعض صفات هؤلاء فقال : هؤلاء زنادقة وهم أنجس الطوائف لأنهم لا يرون حساباً ولا عقاباً ولا جنة ولا ناراً ولا حلالاً ولا حراماً ولا آخرة ، ولا لهم دين يرجعون إليه ولا معتقد يجتمعون عليه وهم أخس من أن يذكروا لأنهم خالفوا المعقولات والمنقولات والمعاني وسائر الأديان التي جاءت بها الرسل عن الله تعالى ، ولا نعلم أحداً من طوائف الكفار اعتقد اعتقاد هؤلاء ) [14] .

أخيرا :

1 ــ لا أدل على تسيد التصوف وعقيدته في هذا القرن من انعدام ثورة من الفقهاء على مثال حركتي البقاعي وابن تيمية .. بل حدث العكس وهو تصوف الفقهاء أو نفاقهم للتصوف ، وذلك ما أخاف الشعراني – خير من يفطن لخطورة النفاق - وهو سيد هذا الميدان ..ويعنينا أن التاريخ يعيد نفسه وأن الكراسي قد تبدلت .. فالجنيد كان يتستر بالفقه في زمن كان فيه الفقه هو المسيطر والصوفية مضطهدون في القرن الثالث ثم أصبح بعض الفقهاء في القرن العاشر ينافقون التصوف وينتحلون عقائد الصوفية ويواجهون الإنكار من الشعراني لأنهم غير مخلصين في تصوفهم أو بتعبيره ( متفعلون) .

2 ــ وعرف هذا القرن طوائف شتى من الاتحادية .. المبتدئون الذين تمتعوا بكراهية الشعراني وطالب برءوسهم ، والمعلمون الذين تلقى عنهم الشعراني عقائد الاتحاد ، والمنافقون الموفٍّقون الملفٍّقون الذين جمعوا بين الفقه والتصوف لخدمة التصوف ويتزعمهم الشعراني . وأولئك أسهبوا في تأويل عبارات الاتحاد للسابقين وأحياناً كانوا يشرحونها بأسلوب اتحادي أخف وقعاً من سابقه . ثم هم جميعاً أخلصوا لعقائدهم ودافعوا عنها رغم سطحية الإنكار الفقهي وتفاهته .



[1]
الطبقات الكبرى جـ2/ 168 .

[2] الطبقات الكبرى جـ2/ 133 .

[3] لطاف المنن 488 .

[4] لطائف المنن 488 : 489 .

[5] لطائف المنن 488 : 489 .

[6] لطائف المنن  448 : 489 .

[7] لطائف المنن 545 : 546 .

[8] الطبقات الكبرى جـ2/ 168 .

[9] لطائف المنن 543 .

[10] لبس الخرقة : مخطوط ورقة 12 .

[11] لواقح الأنوار 113 .

[12]  لطائف المنن 276 :  277 ) .

[13] الجواهر والدرر 170 .

[14] لطائف المنن 486 : 487 .

اجمالي القراءات 7579