ج1 ب1 ف 4: الشعراني الصوفى الفقيه يهاجم الصوفية فى عصره حماية لدين التصوف

آحمد صبحي منصور في الأحد ٢١ - ديسمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .

الباب الأول :  مراحل العقيدة الصوفية وتطورها في مصر المملوكية من خلال الصراع السنى الصوفى           

 الفصل الرابع : وحدة الوجود وصراع الفقهاء مع الصوفية في القرنين التاسع والعاشر الهجريين

  في القرن العاشر :  الشعراني ممثل الفقه والتصوف

الشعراني الصوفى الفقيه يهاجم الصوفية فى عصره حماية لدين التصوف

مقدمة : ماهية الشعرانى بين التصوف والفقه : صوفى تسلح بالفقه ليخدم التصوف ..

1 ـ عبد الوهاب الشعراني  ( 898 : 973 ) صوفى فقيه مخضرم عاش فى أواخر العصر المملوكى وبداية العصر العثمانى ، وصار أكبر فقيه وأشهر صوفى فى القرن العاشر الهجرى وطيلة العصر العثمانى بسبب كثرة مؤلفاته فى التصوف والفقه والمناقب الصوفية . كان فقيها شافعيا  وشاذليا صوفيا وله كتب فى الحديث ، وعاصر أكابر الأولياء الصوفية فى نشأته ، وتتلمذ على يديه معظم من عاش بعده من الفقهاء والصوفية المشهورين فى القرن العاشر ، ولا يزال حتى الآن يتمتع لدى الصوفية بلقب ( القطب الربانى ) .

2 ــ والشعراني صوفي تسلح بالفقه ليخدم التصوف كشأن الغزالي في القرن الخامس . وتحت لواء التصوف السنى عرف العصر المملوكي أنواعا من الفقهاء والصوفية : هناك الفقيه الصٍّرف ( الحنبلى ) المؤمن بالتصوف السّنى المُنكر على صوفية عصره كابن تيمية والبقاعى . ويقابله الصوفى الصٍّرف الذى يُعلن عقيدة التصوف فى الاتحاد والحلول ووحدة الوجود مثل ابن عربى وابن الفارض وشيوخ الطرق الصوفية كأحمد البدوى والشاذلى والدسوقى والمرسى وابن سبعين . وهناك الصوفية الفقهاء الذين تخصصوا فى الفقه السّنّى لإخضاع السنيين لدين التصوف وكتبوا فى الفقه لخدمة التصوف كما فعل الغزالى قبل العصر المملوكى ، والشعرانى فى القرن العاشر بعد خمس قرون من عصر الغزالى . ثم بسيطرة التصوف وإزدياد عدد الداخلين فقيه تحول كثير من الفقهاء الى التصوف وظهر منهم نوع جديد هو الفقيه الصوفى . يبدأ فقيها سنيا ثم يتصوف ، أى فالفقيه الصوفى هو عكس الصوفى الفقيه من أمثال الغزالى والشعرانى .وانتشرت هذه الفئة فى عصر الشعرانى حيث تسيد التصوف وانتشر.

  3 ــ وقد رأى الشعراني فيهم خطراً على التصوف خوفا أن يظهر منهم أمثال ابن تيمية والبقاعى ، فولاؤهم للسنة ويمكن لهم بمعرفة التصوف أن يدركوا خطر عقائده وتناقضها مع دين السنة ومع القرآن الكريم ، وهكذا فالشعراني ( كصوفي فقيه) تخوف من ( الفقيه الصوفى ) خشية أن يكون منهم من يعمل لصالح الفقه كما يعمل الشعراني لصالح التصوف . لذا نرى الشعراني يفضل الفقيه الصرف الصريح – كابن تيمية رغم إنكاره على الصوفية – على الفقيه الصوفي لاحتمال أن يكون الأخير منافقاً في تصوفه وخطراً على الطريق الصوفي ، فيقول ( إن الفقيه الصٍّرف الذي لم يدخل طريق القوم مقدم على الفقيه المتفعٍّل فيها من غير إتقان علومها والمشي على طريقها ، لأن الفقيه الصٍّرف سالم من النفاق الذي وقع فيه المتفعٍّل مع زيادة  علمه بالعلوم الشرعية ) ، والشعرانى هنا من حيث لا يقصد يفضح نفسه لأنه صوفى يتلاعب بالسنة لصالح التصوف ، وينافق كى يحفظ دينه الصوفى من الانكار ، وهو لا يريد أن يحاربه السنيون بنفس الطريق . بل تطرف الشعراني فاعتبر العامي المعتقد في الصوفية خيراً من ذلك الفقيه الصوفي ( بل تقول العامي الذي يعبد الله تعالى ويسأل العلماء – يقصد الصوفية – عن كل شيء أشكل عليه في دينه ، أحسن حالاً من هؤلاء المتفعلين في طريق القوم ) [1]. ( مصطلح القوم مقصود به أرباب التصوف ). إلى هذا الحد بلغ حرص الشعراني على الطريق الصوفي الذي يدافع عنه بشتى الوسائل .

4 ــ وطبيعي أن تمثل صيانة العقيدة الصوفية أهم مشكلة تواجه الشعراني كصوفي فقيه يحاول ربط التصوف بعقيدة الإسلام ( لا إله إلا الله ). ومع التسليم بمهارة الشعراني فإنه لم يوفق – كالغزالي – في عملية  التوفيق بين الإسلام والتصوف ، إذ يستحيل ذلك التوافق بين عقيدتين متناقضتين ، وكلاهما يستعمل أسلوب القصر فى نفى العقيدة المخالفة ، عقيدة الاسلام ( لا إله إلا الله ) وعقيدة التصوف الكبرى ( لا موجود إلا الله ).ويعنينا أن الشعراني انتهى إلى النتيجة التي وصل إليها الغزالي قبلاً ، وهي نجاحه فى حصر الإنكار على المتطرفين الاتحاديين في أشخاص الصوفية المعاصرين ، مع تقرير المذهب الصوفي الاتحادي في نفس الوقت ، فلم ينج من التناقض مثله .. ونحلل موقف الشعراني من هذه القضية على النحو التالي :-

أولا : هجومه على معاصريه من الصوفية :

1 ــ فالشعراني يهاجم أوباش الاتحادية في عصره .. يقول فيهم ( استحكم في غالبيتهم الضلال والفساد .. ويعضهم رأى أن كل شيء في الوجود هو الإله ، وأن عين هذا الوجود الحادث هي عين الله من الجماد والنبات والعقارب والحيّات والجان والإنسان والملك والشيطان ، ويجعلون الخلق هو عين المخلوق من خسيس ونفيس ومرجوم وملعون ورائس ومرءوس حتى الأباليس ، وهذا كلام لا يرضاه أهل الجنون ولا من كان في حبه مجنون .. وقد نقلت هذا الكلام في زماننا عن جماعة بالصعيد ، فيعتقدون هذه الأمور فيما بينهم وبين أصحابهم من الملاحدة ، وينكرون ذلك في الظاهر خوف القتل ، كل الذي أقوله:  أن إبليس نفسه لو ظهر ونسب إليه هذا المعتقد لتبرأ منه واستحيا من الله تعالى ، وإن كان هو الذي يلقي إلى نفوسهم بذلك . وقد حكيت لسيدي على الخواص بعض صفات هؤلاء فقال : هؤلاء زنادقة وهم أنجس الطوائف لأنهم لا يرون حساباً ولا عقاباً ولا جنة ولا ناراً ولا حلالاً ولا حراماً ولا آخرة ، ولا لهم دين يرجعون إليه ، ولا معتقد يجتمعون عليه ، وهم أخس من أن يذكروا لأنهم خالفوا المعقولات والمنقولات والمعاني وسائر الأديان التي جاءت بها الرسل عن الله تعالى ، ولا نعلم أحداً من طوائف الكفار اعتقد اعتقاد هؤلاء ، فإن طائفة من النصارى قالت : المسيح ابن الله وكفرهم القوم الآخرون ، وطائفة من اليهود قالت العزير ابن الله وكفرهم القوم الآخرون ، فلم يجعلوا الوجود عين الله تعالى .. [2] .)

2 ــ وقال عنهم ( وكان أخي الشيخ أفضل الدين يقول : لو كنت حاكماً لضربت عنق كل من قال : لا موجود إلا الله ونحو ذلك من الألفاظ لأنه لم تأت بذلك شريعة ) [3] .. ويقول الشعراني أنه سمع بعض الاتحاديين يقول ( ما ثم موجود إلا الله ، فقلت له ايش أنت ؟ فقال كلاماً لو كان معي شاهد آخر يشهد لذهبت به إلى حكام الشريعة يضربون عنقه ) [4].

3 ــ وينصح الشعراني بعدم الاجتماع ( بهؤلاء الجماعة الذين تظاهروا بطريق القوم في النصف الثاني من القرن العاشر من غير إحكام قواعد الشريعة : فإنهم ضلوا وأضلوا بمطالعتهم كتب توحيد القوم من غير معرفة مرادهم ، وقد دخل علىّ منهم شخص وأنا مريض ولم يكن عندي أحد من الناس فقلت له : من تكون ؟ قال أنا الله .! فقلت له كذبت. فقال أنا محمد رسول الله فقلت له كذبت . فقال : أنا الشيطان وأنا اليهودي فقلت له صدقت ، فو الله لو كان عندي أحد يشهد عليه لرفعته إلى العلماء فضربوا عنقه بالشرع الشريف ..) [5]. فالشعراني يستعدي السلطة عليهم ، ولا شك أنهم يتمتعون بكراهية الشعراني وحقده لذا لم يترجم لأحد منهم في طبقاته الصغرى أو الكبرى ..

ثانيا : النهي عن مطالعة كتب الاتحاد الصوفية :

1 ــ وحين يقول الشعراني عن أصحاب الاتحاد في عصره ( أنهم ضلوا وأضلوا بمطالعتهم كتب توحيد القوم من غير معرفة مرادهم ) فهو بذلك يحقق غرضه بالهجوم على أوباش الاتحادية ، وفي نفس الوقت يبرئ فيه ابن عربي وغيره من مقالة الاتحاد ، وقد قال في ترجمة ابن عربي ( وما أنكر عليه من أنكر إلا لدقة كلامه،لا غير) ، وقرر أن مذهب الصوفية أنهم ينكرون ( على من يطالع كلامه من غير سلوك طريق الرياضة ، خوفاً من حصول شبهة في معتقده يموت عليها ولا يهتدي لتأويلها على مراد الشيخ ) [6] .

2 ــ ويقول الشعراني ( أخذ علينا العهود ألا نمكن أحداً من إخواننا يطالع في كتب الشيخ ابن عربي في التوحيد المطلق ، ولا في كتب غيره من غلاة الصوفية ، وذلك لعدم الفائدة وشدة الإنكار على من تفوه بما ذكروه فيها مما يخالف عقول الناس ، وما كل ما يُعلم يُقال ، وربما فهموا منها أموراً تخالف صريح السنة فيموتون على اعتقادها فيخسرون مع الخاسرين ) [7]. فهو مع اعترافه بأن ابن عربي من غلاة الصوفية وأن كلامه يقابل بشدة الإنكار إلا أنه يوحي بأنها لا تخالف صريح السنة ويلجأ إلى التهديد بالخسران لمن يجرؤ على مطالعة كتبه ..

3 ــ ثم يلجأ الشعراني إلى تعميم تحذيره لتشتمل مواضع التصوف في المصنفات القديمة الشهيرة لمعتدلي الصوفية ( وليحذر من العمل بمواضع من كتاب الإحياء ، ومن كتاب النفخ والتسوية له وغير ذلك من كتب الفقه فإنها إما مدسوسة عليه أو وضعها أوائل أمره ثم رجع عنها ، وكذلك يحذر من مواضع في كتاب قوت القلوب لأبي طالب المكي نحو قوله ( الله تعالى قوت العالم ) ومن مواضع في تفسير المكي ، ومن مواضع كثيرة من كلام ابن ميسرة الحنبلي ، وقد صنف الناس في الرد عليه ، وليحذر من مطالعة كلام منذر بن سعيد ، وكذلك يحذر من مطالعة كتاب خلع النعلين لابن قسي .. وكذلك تائية سيدي محمد وفا .. وليحذر أيضاً من مطالعة كتب الشيخ محيي الدين بن العربي رضي الله عنه لعلو مراقيها ولما فيها من الكلام المدسوس على الشيخ لا سيما الفصوص والفتوحات المكية ) [8]. ( وأخذ علينا العهود ألا نمكن أحداً من إخواننا يشتغل قط بأسماء السهروردي ولا سماه البوني ولا علم الحرف الأعلى ..)  [9].



[1]
لطائف المنن 606 – مكتبة عالم الفكر .

[2] لطائف المنن 486 : 487 . ط. قديمة .

[3] لطائف المنن 486 : 487 . ط. قديمة .

 

[4] لواقح الأنوار 71 .

[5] لطائف المنن 395 .

[6] الطبقات الكبرى جـ1/ 163 ط . صبيح .

[7] البحر المورود 274 .

[8] لطائف المنن 294 .

[9] البحر المورود 278 .

اجمالي القراءات 10785