بسم الله الرّحمن الرّحيم.
السّلام عليكم.
الطالب محمد البرقاوي.
بحث قرآني بخصوص دلالات إسم محمد في القرآن الكريم.
* مقدمة البحث :
الحمد لله تعالى الذي منّ علينا بنعمتي العقل و حب تدبر القرآن الكريم، إذ نحن نسعى جميعا (جميعاً) لنكون جندا ( جنداً) من جنود الإسلام المسالمين اللّذين ( الّذين) وهبوا حياتهم بإخلاص لخدمة هذا الدين العظيم بتنقيته من شوائب الزيف و الجمود، و الله تعالى هو الوحيد (وحده) الأعلم بصدق نوايا عباده أجمعين. (،)
بتكليف من الدكتور أحمد صبحي منصور، سأسعى جاهدا ( جاهداً) لإقامة بحث أتدبر من خلاله دلالات إسم ' محمد ' في القرآن الكريم. و قد ذُكر إسم محمد أربع مرات متفرقات في كتاب الله الحكيم ، و في كل مرة يقترن إسم محمد بمحور معين يدل دلالة واضحة على وجود إعجاز رباني بليغ بكشف حال المسلمين سواء اللّذين ( الّذين) عاصروا النبي محمد( محمداً) عليه السلام أو اللّذين ( الّذين) جاؤوا من بعده عليه السلام. (،) في البداية سأذكر الآيات القرآنية التي يقوم عليها بحثي ثم الشروع مباشرة في الحديث عنها. (،) و الله تعالى الموفق.
* جوهر البحث :
ورد إسم محمد في : - سورة آل عمران ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِى ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِينَ – 114 ).
- سورة الأحزاب ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيماً – 40 ).
- سورة محمد ( وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ – 2 ).
- سورة الفتح ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْئهُ فَئآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً – 29 ).
- في البداية نلاحظ جميعا (جميعاً) أن إسم النبي محمد عليه السلام في هذه الآيات البينات قد اقترن بصفتين أساسيتين هما النبوة و الرسالة، و لئن كانت لكل صفة منهما دلالة معينة إلا أنهما يتفقان جميعا في كون أن شخص محمد عليه السلام هو رسول مبعوث من عند الله تعالى و أن الّذي يجادل في رسالة محمد هو في الحقيقة يجادل في قدرة الله تعالى على أن يبعث بشرا رسولا ( بشراً رسولاً) يكون وسيلة لهداية الناس لطريق الله تعالى من بعد أن فرقهم الشيطان اللّعين بأن جعلهم يسلكون سبلا ( سبلاً) متفرقة مصداقا ( مصداقاً) لقوله تعالى ( وَمَا مَنَعَ ٱلنَّاسَ أَن يُؤْمِنُوۤاْ إِذْ جَآءَهُمُ ٱلْهُدَىٰ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَرًا رَّسُولاً – الإسراء – 94 ) و ( وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَٰلِكُمْ وَصَّـٰكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ – الأنعام – 153 ).
بالتأمل في سورة آل عمران نجد ترابطا وثيقا ( ترابطاً وثيقاً) بين نوع السورة أو مكان نزولها – في العهد المدني – و بين موضوع الآية رقم 114 التي ذكر فيها إسم محمد عليه السلام. (،) فبحسب فهمي للآية الكريمة استنتجت أن المسلمين لما هاجر بعضهم للمدينة و بعضهم الآخر للحبشة قد اختلطوا بأصحاب رسالات سماوية أخرى التي من أبرزها اليهودية و المسيحية. (،) و الكل يعلم أن هاتين الديانتين قد تلاعبت بهما أيادي التحريف إلا قليلا( قليل) ، مثل تأليه و تقديس الأنبياء و الأولياء و الأحبار كما أعلمنا الخبير العليم عز و جل فقال ( ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَـٰرَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَٰحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَـٰنَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ – التوبة – 31 ). و قد تأثر بعض المسلمين بهذه العقيدة الفاسدة التي تؤله الأنبياء، فبدؤوا يقدسون النبي محمد ( محمداً) عليه السلام إلى أن جاءت غزوة أحد و ظن بعض المسلمين آنذاك أن النبي محمد ( محمداً) عليه السلام قد مات فصدموا، و من بعدها جاء الوحي الكريم بدرس عظيم يبين للمسلمين الأوائل و الأواخر أن محمد ( محمداً) عليه السلام ما هو إلا بشر تفرد عن غيره بالرسالة و النبوة فقط ، و إن مات محمد عليه السلام فإن ذلك الأمر يعتبر عاديا ( عادياً) لأن جميع الرسل و البشر اللّذين ( الّذين) سبقوه قد فنوا و هلكوا لقوله ( لقول) الله عز و جل في سورة الأنبياء ( وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ ٱلْخُلْدَ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ ٱلْخَـٰلِدُونَ – 34 ) و كذلك في سورة الزمر ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ – 30 ) و كما قال الشاعر ( على تعمير نوح مات نوح ).(,) و لأثبت أن تلك الآية الكريمة من سورة آل عمران ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِى ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِينَ – 114 ) (،) جاءت لتيقظ بعض المسلمين من غفلتهم في تأليه شخص خاتم النبيين من بعد أن تأثروا ببعض العقائد الفاسدة، نجد أن هذه الآية الكريمة جد متطابقة مع قوله تعالى في سورة المائدة ( مَّا ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ ٱلآيَاتِ ثُمَّ ٱنْظُرْ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ – 75 ). و لئن طال الموت نفس عيسى عليه السلام الذي هو في الحقيقة كلمة الله تعالى التي ألقاها في ( إلى) مريم ، فإن نفس عامل الموت قد طال محمد ( محمداً) عليه السلام فمات كما يموت الناس و الرسل أجمعون من دون أي مجال يدعو للتفرقة بين رسل الله عز و جل الكرام. (،) و صدق الله سبحانه و تعالى عندما قال ( ... لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ – البقرة – 285 ). و لنعطي الآية الكريمة حقها من التدبر بخصوص إسم النبي محمد عليه السلام نجد أن هذه الآية الكريمة ترتبط كذلك بقول الله تعالى في سورة محمد ( وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ – 2 ) لنجد هذه العلاقة الآتية. (،) في سورة آل عمران نجد أن العبرة من الهدي الرباني هو اتباع من سيبقى دائما ( دائماً) أي الله تعالى ، لأن المسلم الحقيقي هو من أسلم وجهه و عقله و نفسه لله تعالى فقط و لن يضره موت الأنبياء و العباد و لذلك قال الله تعالى ( أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِى ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِينَ – 114 ). و لم نسمع قط أن الشمس أو القمر أو الكون جميعا ( جميعاً) قد توقف أو تعطل لموت نبي من الأنبياء و إن كان محمدا عليه السلام، لأن كل الخلق قد أسلم لسنن الله تعالى جميعا مثل الموت و الحياة، و لذلك فإن كل مسلم ينقلب على أعقابه ( عقبيه) من بعد وفاة النبي محمد عليه السلام هو في الحقيقة إنسان يعبد الظاهر المحسوس أي شخص النبي فقط و هو في نفس الوقت في ريب من الجوهر الحقيقي أي الرسالة السماوية الباقية إلى أن يرث الله تعالى الأرض و من عليها، و قد أرشدنا الله تعالى للعقيدة الصحيحة في الإيمان الصادق لمّا قال ( وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ – 2 ) أي أن الإيمان هو أن نؤمن بما أنزله الله تعالى على قلب نبيه محمد عليه السلام من هدي قرآني تعهد الله تعالى بحفظه و تنزيهه عن التحريف ، و بما أن الله تعالى حي لا يموت فإن هديه و كلامه حيان لا يموتان مصداقا ( مصداقاً) لقوله تعالى ( ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَـٰبَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا – الكهف – 1 ). و في هذه الآية الكريمة حمد الله تعالى نفسه قبل أن يحمده خلقه على أن نزل إليهم كتابا ( كتاباً) مثاني تقشعر منه جلود اللذين ( الّذين) يخشون ربهم، مع العلم أن بعض اللغويين يؤيدون تفسير كلمة – عوجا ( عوجاً) – بكلمة – هرما ( هرماً) – أي الكبر و الشيخوخة. (،) و سبحان الله الذي نزه كتابه عن الكبر و الخرف و سبحان من أمات و أحيى (( أحيا) الناس أجمعين بمن فيهم الرسل و الأنبياء أجمعين.(،) بالإضافة إلى ذلك التدبر نتساءل هل انطبق مفهوم تلك الآيتان الكريمتان ( الآيتين الكريميتن) من سورة آل عمران و محمد على المسلمين في عصر التنزيل أم أن البعض مازال لم يستشعر نظرة الله تعالى لشخص النبي محمد عليه السلام في القرآن الكريم؟. (،) عندما نشاهد حال المسلمين اليوم فإننا نتحسر جدا على ما وصلوا إليه من انحطاط عقدي ( عقيدى) في شخص نبيهم الكريم محمد عليه السلام.(،) و لكي لا نظلم أحدا ( أحداً) فلنضع قول الله تعالى ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِى ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِينَ – آل عمران – 114 ) في كفة و بقية أحاديث القوم في كفة أخرى و لنلاحظ جميعا ( جميعاً) ذلك الفارق الشاسع بين الحق و الباطل. (،) يؤمن معظم المسلمين أن من صلى صلاة أو سلم سلاما ( سلاماً) على محمد عليه السلام إلا و عادت روحه إليه و رد السلام، و بعملية حسابية بسيطة نجد أنه بتعاقب الليل و النهار و اختلافه في الكرة الأرضية لن ينقطع المسلمون عن السلام على محمد عليه السلام و لن ينقطع محمد عليه السلام من استرجاع روحه و رد السلام عليهم. (،) و بالتالي فإن أكد الله تعالى موت النبي محمد عليه السلام فالمسلمون يؤكدون عدم موته. (،) و لئن تساهل بعض المسلمين في عقائدهم و قالوا أن النبي محمد عليه السلام حي في قبره فإن الصوفية قد أجمعوا على أنه (أن) محمد ( محمداً) عليه السلام مازال حيا ( حياً) و يتجول بجسده المادي خاصة في حفلات الموالد و مناسبات الحضرة عندما يقف الصوفيون صفين متوازيين و ينتظرون أن يمشي النبي محمد عليه السلام بينهم و يبارك سعيهم و بدعهم و تخلفهم العقدي ( العقيدى) الذي يتبنونه و صدق من قال ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِٱلأٌّخْسَرِينَ أَعْمَـٰلاً * ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا – الكهف ). و يبقى التناقض شاسعا ( شاسعاً) بين الدين السماوي و الدين الأرضي الخرافي و لكن لا يسعنا إلا أن نقول – بدون تعليق – و كما يقال ( اللبيب من الإشارة يفهم ) نقول ( اللبيب من الآية الواحدة يفهم ).
نمر الآن لقول الله تعالى في سورة الأحزاب ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَآ أَحَدٍ مّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ ٱللَّهِ وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ وَكَانَ ٱللَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيماً – 40 ). (،) في هذه الآية الكريمة عبر الله تعالى صراحة عن أن محمدا ( محمداً) عليه السلام ليس أبا أحد من المؤمنين أي بعبارة أوضح لن ينفع النبي محمد عليه السلام أحدا ( أحداً) من المسلمين لا في الدنيا و لا في الآخرة، و هو كذلك خاتم النبيين أجمعين أي أن كل من يحاول إدعاء النبوة و الرسالة من بعده فهو كاذب لا ريب فيه، و قد نفى الله تعالى كون النبي محمد عليه السلام أب أحد من المسلمين حتى لا يظن أحد أن مقام النبوة مثل مقام الممالك يرث فيها الإبن أباه و يصبح بذلك ملكا من بعده. (،) و لكي لا يتفلسف المتحذلقون كثيرا ( كثيراً) ختم الله تعالى تلك الآية الكريمة بقوله ( وَخَاتَمَ ٱلنَّبِيِّينَ ) حتى لا يقاس على ذلك بواقعة النبيين سليمان و داوود عليهما السلام لما قال الله تعالى ( وَوَرِثَ سُلَيْمَـٰنُ دَاوُودَ وَقَالَ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَىْءٍ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ – النمل – 16 ). و مع ذلك لم يعتبر أحد من قوله تعالى في سورة الأحزاب و ادعى الكثير من المنحرفين النبوة و الرسالة مثل مسيلمة الكذاب و سجاح، و كل من يقرأ جرائد اليوم يتأسف من فعل بعض الحمقى اللّذين ( الّذين) يدعون النبوة بسبب جهلهم القرآني. (،) كذلك فإن عالم الإنترنت العجيب يحفل بعديد المواقع لمن يدعون الرسالة من بعد النبي محمد عليه السلام و قائلين أن النبوة قد انقطعت بموت النبي محمد عليه السلام بينما الرسالة هي أمر آخر و أضلوا كثيرا ( كثيراً) من الناس. (،) و لم يضلوا الناس فقط بل تناقضوا مع أنفسهم أيضا ( أيضاً) و قال أحدهم أنه جاء ليوفق بين السنة و القرآن و أن الله تعالى ألهمه خطبا ( خطباً) إلهامية تتحدث باسم السنة و القرآن معا ( معاً) ليوضحا للناس جميعا ( جميعاً) أكثر الّذي كانوا فيه مختلفين.(،) و يأتي رسول آخر مزعوم و يقول إن الله تعالى بعثه ليقضي على السنة جميعا ( جميعاً) و ليبرهن على صدقه يقول أن إسمه جاء مشفرا ( مشفراً) في القرآن الكريم و حاشا القرآن الكريم أن يكون كتاب ألغاز و أحاجي و إن صدق قول ذلك الرسول لذكرت فيه آية تبشر بمقدمه كما بشر عيسى عليه السلام بمقدم النبي أحمد أو محمد عليه السلام ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ يٰبَنِى إِسْرَٰءِيلَ إِنِّى رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ ٱلتَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى ٱسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ – الصف – 6 ) و صدق الله تعالى الذي قال في سورة النحل ( وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِّنْ أَنفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَىٰ هَـٰؤُلآءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ – 89 ). فالنبي محمد عليه السلام آخر الأنبياء و أمته آخر الأمم و سيأتي محمد عليه السلام شهيدا ( شهيداً) عليهم لوحده و سيحكم عليهم بما تركه فيهم من قرآن كريم، لأن كل نبي سيحكم على أمته التي عاصرها لوحده فقط و ما أظن أن موسى عليه السلام مثلا ( مثلاً) سيشهد على أمة محمد عليه السلام يوم القيامة لأنه لم يعاشرها بداهة كما قال الله تعالى ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً – النساء – 41 ) و ( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَـٰكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَـٰنَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ – البقرة – 143 ) و يبقى الله تعالى هو خير شهيد على الأمم كلها ( هُوَ ٱلَّذِىۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً – الفتح – 28 ). أخيرا إن صدق مدعو النبوة لكانوا على الأقل على قلب رجل واحد أو لصدقت فيهم فطرة النجاشي الذي قال ( إن الذي جاء به محمدا ( محمد) و عيسى ليخرج من مشكاة واحدة ).
- أخيرا نمر لقوله الحق عز و جل في سورة الفتح ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَـٰهُمْ فِى وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِى ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِى ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْئهُ فَئآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً – 29 ). (،) نحن نعلم جميعا ( جميعاً) أنه من المستحيل أن تقنع كفيفا ( كفيفاً) بوجود الشمس، فإنه من المستحيل أيضا ( أيضاً) أن تقنع حاقدا جحودا ( حاقداً جحوداً) برسالة محمد عليه السلام.(،) و لكن أحكام الله تعالى و كلامه جد مختلفين ( مختلفان) عما نحن عليه، لأن الله تعالى أعلم الجاحدين ( بالجاحدين) بحقيقة رسالة محمد عليه السلام لا خوفا ( خوفاً) منهم – تعالى الله عن ذلك الأمر علوا كبيرا( علواً كبيراً) – و لكن ليقيم الحجة على المكذبين، مع علمي المحدود أنه قد سبق في علم الله تعالى أن من الناس المعاصرين للوحي و المتخلفين عنهم سيحاول جحد كون محمد عليه السلام رسول ( رسولاً) من عند الله تعالى. (،) و يروي لنا التاريخ واقعتين متقاربتين لما حاولت هند بنت ( عتبة) في أيام الجاهليه أن تحرف إسم محمد عليه السلام و قالت ( محمد جافينا و دينه قلينا و أمره عصينا )، و لكن غيب الله تعالى يغلب ظلم الإنسان و تأتي سورة الفتح المكية لتؤكد أن ذلك الرجل الذي جافاه القريب و البعيد و الذي أخرجه قومه من داره و من معه من الضعفاء ما هو إلا رسول مرسل من عند الله تعالى و أنه ستمر الليالي و الأيام و الأعوام و الشهور و سيدخل محمد عليه السلام مكة مسالما و ظافرا ( مسالماً وظافراً) و يصدق الله تعالى رسوله بالحق لما قال في سورة الفتح ( لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّؤْيَا بِٱلْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحاً قَرِيباً – 27 ). ثانيا راجت في العصور وسطى ( الوسطى) كلمة خبيثة تسعى لتشويه رسالة محمد عليه السلام و هي – ماهون – أي النبي الكذاب و بالرغم من كذب قائليها إلا أن كلمة – ماهون – تبقى شاهدة على أن محمدا ( محمداً) عليه السلام الذي اصطفاه ربه عز و جل من القوم الكافرين سيبقى إسمه خالدا ( خالداً) لأنه اتبع هدي الله تعالى و لأن كل إنسان ناجح يبقى دون شك إنسانا محسودا ( إنساناً محسوداً) من طرف الحاقدين. (،) و بالعودة لسؤالنا الكلاسيكي حول ما إذا كانت هذه الآية تنطبق على مسلمي اليوم أم لا، نقول و الله أعلم أن هذه الآية تنطبق على مسلمي اليوم للأسف الشديد. (،) لأن من أهم خصائص الرسول محمد عليه السلام و أتباعه كذلك هو توفيقهم بين العبادة و العمل، إذ نشاهد اليوم بعض دعاة السوء اللذين ( الّذين) ( لم) يفهموا من الدين إلا ما يتناغم مع أهوائهم فلحسوا عقول الشباب و أقنعوهم أن الحياة هي للعبادة فقط و أوهموهم أن النبي محمد ( محمداً) عليه السلام كان عاطلا ( عاطلاً) عن العمل و بالتالي أصبحت البطالة – عدوة الأمم جميعا ( جميعاً) – سنة مباركة تباركها أكاذيب عمائم عظيمة و لحى طويلة جعلت من أي شيء سخيف لا يستسيغه العقل عبادة في شكل سنة يتقربون بها لله زلفى و صدق من قال عن رسوله الكريم محمد عليه السلام ( وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ – الضحى – 8 ) و متناسين أنه في الأثر و السير النبوية كيف كان محمد عليه السلام يرعى شياه أهل مكة مقابل ثمن. (،) و لعل سنة البطالة خير دليل على ما حذرنا منه الله تعالى لما قال ( رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَٱغْفِرْ لَنَا رَبَّنَآ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ – الممتحنة – 5 ). و تكون الفتنة هنا لما يصدح المسلمين ( المسلمون) عاليا أنهم خير أهل الأرض و هم عمار الجنة بينما يعيش معظهم ( معظمهم) في الواقع في العالم الثالث أو النامي و بلغ بعض المسلمين درجات ما تحت خط الفقر. (،) و في المقابل يعيش الغرب الكافر كما يقول السلفيون في نعمة و رغد العيش و تراهم دائما ( دائماً) لا ينقطعن ( ينقطعون) عن الإختراع و التجديد، و بالتالي تكون الفتنة للكافر عندما يرى المسلمين اللّذين يسفهونه و يكفرونه دائما يعانون من شظف العيش و هو الكافر المغلوب على أمره يعيش حياة جيدة. (،) و لعل المعادلة الصحيحة في هذه الحياة أن المسلم و الكافر يتقاسمون نعم الحياة سواء بسواء و الغلبة في الآخرة للمتقين كما قال الله تعالى ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِىۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَـٰتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِى لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلأَيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ – الأعراف – 32 ). و ليتذكر مسلمو اليوم أن الحياة عمل و عبادة و أن الحياة الآخرة ملك لله تعالى وحده فقط ليجزي المؤمنين و يجازي الكافرين.
* خاتمة البحث :
يبقى الحديث عن دلالات إسم محمد في القرآن الكريم طويلا ( طويلاً) و لكن خير الكلام ما قل و دل. (،) و أشكر الله تعالى كثيرا ( كثيراً) أن وفقني لأكون واحدا ( واحداً) من اللّذين ( الّذين) يشاركون بأقلامهم و أفكارهم في عبادة تدبر القرآن الكريم قصد النهوض بالأمة الإسلامية من جديد و السعي لجعلها خير أمة أخرجت للناس و بالله التوفيق. (،) كما أشد على أيادي قراء أهل القرآن الكريم أن يناقشوا بحثي المتواضع لإسداء النصائح لي، لأن الباحث في رأيي هو كالسفينة التي تشق عرض البحر مهتدية بنور النجوم و المنارات. (،) و الله تعالى هو الموفق.