ج1 ب1 ف 3 : صراع تلامذة ابن عربي في القرن السابع مع الفقهاء

آحمد صبحي منصور في الثلاثاء ٠٩ - ديسمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .

الباب الأول :  مراحل العقيدة الصوفية وتطورها في مصر المملوكية  من خلال الصراع السنى الصوفى                  

 الفصل الثالث: (وحدة الوجود وصراع الفقهاء مع الصوفية من أتباع ابن عربي في القرنين السابع والثامن الهجريين ):

صراع تلامذة ابن عربي في القرن السابع مع الفقهاء

 ابن عربى أصبح قضية خلافية فى العصر المملوكى  

1 ـ يلفت النظر أن الشعراني أوجز في ترجمته لابن عربي ، فلم تصل في الطبقات الكبرى إلا  ثلثي صفحة ، مع أن الشعراني شغف بابن عربي إلى درجة تلخيص آرائه في كتابي ( اليواقيت والجواهر ) و ( الكبريت الأحمر ) .. ويبدو أن تحرج الشعراني من الإسهاب في سيرة ابن عربي مرجعه إلى ما عاناه ابن عربى ( الشيخ الأكبر ) من إنكار في حياته وبعد مماته .. حتى أن الترجمة القصيرة التي أوردها الشعراني لم تخل من ذكر لبعض هذا الأذى وإن كان الشعراني – على عادة الصوفية – يغلفه بالكرامات . يقول مثلا ( وقد بُني عليه قبة عظيمة وتكية شريفة .. واحتاج إلى الحضور عنده من كان ينكر عليه من القاصرين بعد أن كانوا يبولون على قبره ، وأخبرني أخي الشيخ الصالح الحاج أحمد الحلبي أنه كان له بيت يشرف على ضريح الشيخ محيي الدين ، فجاء شخص من المنكرين بعد صلاة العشاء بنار يريد أن يحرق تابوت الشيخ فخسف به دون القبر ..) [1].. ولولا هذه الأساطير لما رويت قصص الإنكار على ابن عربي.. ذلك الإنكار الذي استمر على ابن عربي حتى عصر الشعراني في القرن العاشر..

2 ـ ومعنى ذلك أن ابن عربي أصبح قضية دينية في العصر المملوكي، احتدم حولها الصراع بين مؤيدين ومعارضين ، وقد انضم إلى المعارضين بعض الصوفية .. وذلك إما عن جهل وحقد على شخصية ابن عربي الفيلسوف الذائع الصيت بين صوفية يفتقرون إلى مثل علمه وشهرته.. وإما عن مكر وخداع حفاظاً على مذهب التصوف ، وحتى لا يصل إنكار الفقهاء إلى حد يؤثر على دين التصوف وأساسه .

3 ـ وطبيعي أن يكون المنكرون الحاقدون على ابن عربي من أهل عصره ، وأبرزهم الصوفي إبراهيم بن معضاد الجعبري ( ت 687 ) الذي اجتمع بابن عربي فقال عنه ( رأيت شيخاً نجساً يكذب بكل كتاب أنزله الله وبكل نبي أرسله الله ) وذكر عنه أنه ( يقول بقدم العالم – أي إلوهية العالم – ولا يحرم فرجاً ) [2]  . أى يستحل الزنا حتى بالمحارم تأسيسا على عقيدة وحدة الوجود .ومع ذلك فالجعبري سالف الذكر صوفي لم يسلم من الإنكار عليه ، فذكر الشعراني أن القضاة عقدوا له مجلساً لمنعه من الوعظ ( وقالوا إنه يلحن في القرآن وفي الحديث ) ، ويبدو من شعره وكلماته( [3] ) أنه يتمتع بجهل زائد ، وهذا يفسر لنا موقفه السابق من ابن عربي صاحب العشرات من المؤلفات ..

وحظي ابن عربي بنقمة عز الدين بن عبدالسلام ، فروى تلميذه ابن دقيق العيد أنه سأل ابن عبدالسلام عن ابن عربي فقال ( هو شيخ سوء كذاب ، يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجاً ) [4] .ويقول الشعراني ( وكان الشيخ عز الدين بن عبدالسلام شيخ الإسلام يحط كثيراً عليه ، فلما صحب الشيخ أبا الحسن الشاذلي وعرف أحوال القوم صار يترجمه بالولاية والعرفان ..) [5]، . وهذا حقيقي فقد تناقض ابن عبد السلام مع تاريخه الطويل حين وفد إلى مصر , فاعتنق التصوف على يد الشاذلي وصار له مريداً ، وسبحان الله رب العالمين . وقد عاصر العسقلاني ( ت 686 ) الصوفى ابن سبعين ، وكان ينكر عليه بمكة كثيراً من أحواله ، وقد صنف في الاتحادية كتاباً في الإنكار عليهم ، وبدأ فيه الحلاج وختم بالعفيف التلمساني ( وقد فوضت له مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة ) [6] .

4 ــ وعرف القرن السابع تلاميذ متأخرين لابن عربي ، وتطرف بعضهم في محبته مثل الشيخ التيمي ت 719.  [7]، وقدم بعضهم إلى مصر ليدرس مذهب وحدة الوجود من كتب ابن عربي وحظي باعتقاد المصريين في ولايته مثل الشيخ أبي ذر، ت ( 780 ) [8]. وحظي الشيخ أبو عبد الله الكركي ت ( 800) بميل السلطان إليه ، فاستعمل ذلك في الدعوة ( إلى مقال ابن العربي الصوفي يناضل عنها ويناظر عليها ، ووقع له مع السراج البلقيني مقامات ) [9].

تأثر ارباب الطرق الصوفية فى القرن السابع بابن عربى وابن الفارض

  وقد شهد القرن السابع تكون أشهر الطرق الصوفية في مصر وأشياخها : أحمد البدوي ت ( 675 ) وإبراهيم الدسوقي (676) وأبو الحسن الشاذلي ( 656 ) .. وتأثير ابن عربي فيهم واضح ..

1 : فالبدوي يقول معبراً عن الاتحاد [10]

وباسطني عمداً فطاب خطابه           فيا طيبها من حضرة صمدانية

  فغيبني عني فصرت بلا أنا             دهشت بمرآة ووحدت وحدتي

وينحو فيها طريقة ابن الفارض في التائية ..وفي رحلته إلى العراق زار البدوي ضريح الحلاج [11]أشهر القائلين بالحلول والاتحاد .

2 – وقد قيل في الدسوقي " أنه يذهب إلى أكثر ما ذهب إليه الحلاج ، فهو يقول أنه عين الله في حين أن الحلاج قد سمى نفسه الحق [12]" وليس في ذلك من تحامل على الدسوقي ، فهو القائل في تائيته [13]:

         تجلى لي المحبوب في كل وجهـة               فشاهدته في كل معنى وصورة

         وخاطبني منـي بكشف سرائـري              فقال أتدري من أنا قلـت منيتي

         فأنت منائي بـل أنـا أنت دائمـا              إذا كنت أنت اليوم عـين حقيقتي

         فقــال كـذلك الأمـر لكـنه إذا              تعينت الأشياء كــنت كنسختي

        فأوصـلت ذاتـي باتحـادي بذاتـه            بغير حلول بــل بتحقيق نسبتي

        فصرت فنـاء فـي بقـاء مؤيـد              لذات بديمـــومة سرمــدية

        وغيبني عنـي فأصـبحت سـائلاً              لذاتي عن ذاتي لشغـلي بغيبتي

        وأنظر في مـرآة ذاتـي مشاهـداً              لذاتي بذاتي وهـي غاية بـغيتي

        أنـا ذلك القطب المـبارك وأمـره             فإن مدار الكل من حول ذروتي

       أنا شمس إشراق العقول ولـم أفـل              ولا غبت إلا عـن قلـوب عمية

       يروني في الـمرآة وهي صـديـة             وليس يرونـي بالمـرآة الصقيلة

       وبـي قامت الأنباء في كـل أمـة              بمختلـف الآراء والكـل أمـتي

       ولا جامـع إلا ولـي فيـه منـبر              وفي حضرة المختار فُزت ببغيتي

       وما شهدت عيني سوى عين ذاتها               وإن سـواها لا يـلم بفكـرتي

       بذاتي تقوم الـذات في كل ذروة                 أجــدد فيها حلة بـعد حـلة

فالدسوقي يقرر وحدة الوجود في البيت الأول وينسب لله أنه تجلى له فرآه في كل الكائنات المعنوية والمادية .وعبر عن الحلول في البيت الثاني إذ جعل الله يحل فيه ويخاطبه من داخل ذاته .ثم أثبت الاتحاد التام بينه وبين الله في البيتين الثالث والرابع ، وساوى بينه وبين الله ( تعالى عن ذلك علواً كبيراً ) فيقول مثلا : ( بل أنا أنت دائماً – أنت اليوم عين حقيقتي – إذا تعينت الأشياء كنت كنسختي ) . ثم تطرف الدسوقي فأنكر حلول الله فيه ، فجعل نفسه هو الذي يحل بالله ويتحد به ، وإن ذلك نسبه الحقيقي كما في البيت الخامس وما بعده إلى البيت الثامن . ثم خاطب العالم بصفته الجديدة فأثبت وحدة الوجود لا لله وإنما لنفسه ، فهو مدار الكل وشمس إشراق العلوم ولا يراه المحجوبون ( ولا غبت إلا عن قلوب عمية ) ، وإن الأنبياء جاءت إلى الأمم من لدنه ( وبي قامت الأنباء في كل أمة ..) والمصلون في الحقيقة يتجهون إليه ( ولا جامع إلا ولي فيه منبر) .. ثم أنه طبقاً لوحدة الوجود يظهر في كل صورة .. وتعبر عنه كل ذات ( بذاتي تقوم الذات في كل ذروة  أجدد فيها حلة بعد حلة ) ..

 ولم يتوقف الدسوقي عن إعلان عقيدته نثراً فهو القائل ( أنا كل ولي في الأرض خلعته بيدي أليس منهم من شئت ، وأنا في السماء شاهدت ربي ، وعلى الكرسي خاطبته ، أنا بيدي أبواب النار غلقتها ، وبيدي جنة الفردوس فتحتها ، من زارني أسكنته جنة الفردوس ..) [14]

 



[1]
الطبقات الكبرى جـ1/ 163 ط صبيح .

[2] ابن تيمية : مجموعة الرسائل والمسائل جـ4/ 76 ، تنبيه الغبي للبقاعي 178 .

[3] الطبقات الكبرى للشعراني جـ1/ 177 ط صبيح .

[4] البقاعي ، تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي 151: 152 .

[5] الطبقات الكبرى جـ1/ 163 ط صبيح .

[6] شذرات الذهب جـ5/ 397 .

[7] تحفة الأحباب 32 .

[8] أنباء الغمر جـ1/ 181 .

[9] أنباء الغمر جـ2/ 29 : 30 .

[10] عبد الصمد : الجواهر السنية :93 .

[11] عبد الصمد : الجواهر السنية : 9 الطبقات الكبرى للشعراني جـ1/ 156 .

[12] دائرة المعارف الإسلامية جـ9/ 218 .

[13] الطبقات الكبرى للشعراني جـ1/ 158 ط صبيح ونقلها عن جوهرة الدسوقي وقد طبعت " جوهرة الدسوقي " ونشرتها مكتبة الجمهورية ص 112 .

[14] الطبقات الكبرى : جـ1/ 157 وجوهرة الدسوقي 99 .

اجمالي القراءات 10529