فى التاريخ الأموي ثلاث نساء كل منهن حملت لقب أم البنين ، وكلهن أميرات فى البيت الأموي ، وقد تزاحمن بين سطور التاريخ بحيث يخيل للقارئ غير المتخصص أنهن امرأة واحدة ولسن ثلاث نسوة .
ــ أم البنين الأولى:هي عائكة بنت يزيد بن معاوية بن أبى سفيان ، وقد تزوجها الخليفة عبد الملك بن مروان فأنجبت له يزيد بن عبد الملك الذي تولى الخلافة ، فهي زوجة خليفة وأم خليفة وأبوها خليفة وجدها خليفة وأخوها خليفة وهو معاوية بن يزيد بن معاوية ، ثم إنها عاشت حتى رأت حفيدهاا يتولى الخلافة وهو الوليد بن يزيد ، وقد رأت مصرعه فى حياتها. وجميع خلفاء بني أمية محارم لها سوى أثنين وهما عمر بن عبد العزيز ومروان بن محمد ، أي كان محارمها من الخلفاء الأمويين اثني عشر خليفة .
وتوفيت أم البنين عائكة فى حدود سنة 130 هجرية . وكان لها قصر بمنطقة الجابية بدمشق ، وإليها تنتسب أرض عائكة ،وكانت تملكها ودفنت فيها ، وظلت المنطقة تحمل اسمها قرونا بعدها.
أم البنين الثانية:وهى بنت عبد العزيز بن مروان بن الحكم ’ وهى أخت الخليفة عمر بن عبد العزيز ، وجدها الخليفة مروان بن الحكم ، وعمها الخليفة عبد الملك بن مروان ، وأبناء عمها الذين تولوا الخلافة هم الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك ويزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك ..
وأبوها عبد العزيز بن مروان كان واليا لمصر لأبيه ثم لأخيه ، وكان ولى العهد إلا أنه مات قبل أخيه الخليفة عبد الملك ..
ولقد تربت أم البنين مع أخيها عمر بن عبد العزيز فى ضاحية حلوان بمصر حيث أقام أبوها فى ولايته تلك الضاحية للاستشفاء ، وبني له فيها قصرا ، كانت أم البنين تشبه أخاها عمر بن عبد العزيز فى الورع والتقوى ، واشتهرت مع ذلك بالكرم الشديد .ومن أقوالها : أف للبخل ولو كان قميصا ما لبسته ولو كان طريقا ما سلكته ..
واشتهر فى أيامها الشاعر ( كثير ) وحبه لعزة حتى حمل لقب " كثير عزة " وقد دخلت عزة على أم البنين وسألتها عن قول الشاعر كثير فيها :
قضي كل ذي دين علمت غريمه
وعزة ممطول معنى غريمها
وسألتها أم البنين عن ذلك الدين الذي يتحدث عنه( كثير ) حبيبها ، فقالت عزة باستحياء : كنت قد وعدته قبلة فلم أف له بها ، فضحكت أم البنين .. وقالت أنجزى له وعدك وعلى الإثم ..
وأفاقت أم البنين فيما بعد وندمت على هذه الكلمة واعتبرتها تحريضا على الإثم ، وأعتقت لكلمتها هذه أربعين رقبة من العبيد تكفيرا عنها ’ وكانت إذا ذكرتها بكت وقالت يا ليتنى خرست ولم أتكلم بها ..
أم البنين الثالثة:وليست من الأمويين ولكن من قبائل حمير اليمنية ، وقد تزوجها الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك . ومشهور قصتها مع وضاح اليمن ..
ووضاح هذا أسمه عبد الرحمن بن إسماعيل الحميري ، ولقبوه بوضاح بسبب وسامته الشديدة . وكان من حسنه يضع القناع على وجهه حتى لا يفتن النساء بوجهه وحتى لا يصيبه الحسد . ونشأ مع وضاح أم البنين وكانت بنت عمه ولا تفترق عنه ، وكبر معهما الحب ، فلما بلغ مبلغ المسئولية حجبوها عنه ، فأشتد حنينها له وحنينه لها ، ونطق شعرا سارت به الركبان ، فاشتهرت بهذا الشعر أم البنين ووصلت شهرتها إلى دمشق . وعندما حج الخليفة الوليد بن عبد الملك بلغه جمال أم البنين وأدبها وعقلها فتزوجها ونقلها إلى دمشق . وطار عقل وضاح وخشي إن أفصح عن حبه الضائع لحبيبته التي صارت زوجة للخليفة أن يقتله الخليفة ، فكتم أحزانه فى حب جديد حاول أن يلهى به قلبه وان يعبر من خلاله عن مشاعره ..وأختار حبيبة بديلة اسمها روضة ، وصارت الركبان بشعره الجديد فى روضة ، ومنه قوله :
قالت ألا لا تلجن دارنا
إن أبانا رجلا غائر
قلت فإني طالب غرة
وإن سيفي صارم باتر
قالت فإن القصر عالي البنا
قلت فإني فوقه طائر
قالت فإن البحر من دوننا
قلت فإني سابح ماهر
قالت فحولي أخوة سبعة
قلت فإني لهم حازر
قالت فليث رابض دوننا
قلت فإني أسد عاقر
قالت فإن الله من فوقنا
قلت فربى راحم غافر
قالت فقد أعييتنا حجة
فأت إذا ما هجع السامر
وأسقط علينا كسقوط الندى
ليلة لا ناه ولا آمر .
وأدى هذا الشعر إلى اشتعال الغيرة فى قلب أم البنين ، فعزمت على زوجها الخليفة أن تذهب للحج على أمل أن ترى وضاح ، وكان الخليفة يعرف غرامها القديم ، ويخشى أن يذكرها وضاح فى شعره فبعث يتوعد الشعراء جميعا إن ذكروها فى أشعارهم .. وبعث بالحراس والجواسيس حول ركب أم البنين فما أتت برحلتها بفائدة للحبيبين .
وطال البلاء بوضاح فذهب إلى دمشق ، وقد أصابه النحول وأخذ يطوف بقصر الخلافة يتنسم عبير الهواء الذي تستنشقه حبيبته ، وتعرف إلى جارية صفراء من جواري القصر ووثق علاقته بها عندما علم أنها خادمة أم البنين ، وحملها رسالة إليها ، وفرحت أم البنين بوجوده واحتالت حتى أدخلته فى صندوق إلى القصر .. فمكث عندها حينا ، فإذا أمنت ذهبت إليه وجلست معه ، فإذا خافت من شيء دخل الصندوق .
ثم حدث أن أهدى الخليفة الوليد بن عبد الملك جواهر لزوجته أم البنين ، وبعثه لها مع خادم ، ودخل الخادم بغتة عليها ، فوجدها تجلس مع وضاح ، وفى غمرة الارتباك دخل وضاح الصندوق أمام الخادم ، وحاول الخادم أن يستثمر الموقف فطلب منها أن تعطيه جوهرة من الجواهر ، فرفضت وطردته وعزمت على التخلص منه ، ولكن الخادم كان أسرع منها فذهب للخليفة واخبره بالرجل المختفي فى الصندوق فأمر الخليفة بقتل الخادم سريعا ، ثم ذهب إليها وجلس على الصندوق وطلب منها أن تعطيه ذلك الصندوق ، فاعتذرت فألح عليها فرضيت باكية ، فأمر الخليفة بحفر بئر فى الحجرة ، ثم وضع فمه على الصندوق وقال : أيها الصندوق قد بلغنا عنك شيء ، فإن كان حقا فقد دفنا خبرك وسرّك ، وإن كان كذبا فما علينا من دفن صندوق خال .. ثم أمر بإلقاء الصندوق فى الحفرة وردم الحفرة . ووضع البساط فوقها .. ونطر لأم البنين نظرة طويلة .. كانت هي النظرة الأخيرة بينهما ، فلم يلتق وجهاهما إلا أن ماتا ..
وظلت أم البنين تبكى فى هذه الحجرة ... إلى أن دخلوا عليها يوما فوجدوها ميتة .. فوق موضع الصندوق .. فوق قبر وضاح .
التعليقات (1) |
[52727] تعليق بواسطة نورا الحسيني - 2010-11-12 |
وهناك أم بنين أخرى وهى فاطمة بنت حزام
|
كما تقول المصادر التاريخية أن فاطمة بنت حزام الكلابي العامري تلقب بأم البنين، زوجة علي بن أبي طالب بعد فاطمة الزهراء،
|