الشباب العربى وثقافة القهر!!
مسعد حجازى
لكل شعب من الشعوب روحه العامه وخصائصه التى تميزه عن باقى الشعوب والأمم ، وهذه الروح تكشف عن نفسها فى اللغة والدين والتراث الشعبى والأساطير والفن والأدب وقواعد الأخلاق السائدة والعرف الإجتماعى والقانون . وهذه الروح العامة لأى شعب تدخل فى نطاق بحث ما يسمى بـ " علم نفس الشعوب" ـ Folk Psychology والذى يعنى بدراسة الخصائص النفسية للشعوب المختلفة ، وهى الخصائص التى تجعل المواطن النلنرويجى مثلا ينظر إلى الأمور نظرة تختلف عن نظرة الإيطالى أو اليابانى أو الصينى أو الكندى أو الأمريكى أو الإنجليزى أو الفرنسى ....الخ ، وتجعل المواطن المصرى والعربى يختلف فى نظرته للأمور عن باقى خلق الله فى سائر أنحاء المعموة على الرغم من أن كل ما يصبو إليه ويطمح لا يختلف كثيرا عن أبسط الحقوق والطموحات التى يصبو إليها ويحصل عليها أى مواطن فى كل المجتمعات المتحضرة : حياة آدمية كريمة ـ مسكن مناسب وتعليم جيد ورعاية طبية لاتقل فى مستواها عن مستوى أى مستشفى أو عيادة حيوانات فى كندا أو أمريكا أو إنجلترا أو فرنسا ، وحقه فى فرصة عمل تتناسب مع قدراته الشخصية وكفاءته العلمية وليس لأنه إبن فلان الوزير أو قريب علان الأمير ، أو شقيق "كوافير" الست الهانم حرم سعادة السفير ، ولا يحرم من وظيفة مرموقة لأنه والعياذ بالله "غير لائق إجتماعيا" .
حق المواطن المصرى والعربى فى أن يعبر عن نفسه وهو طفل أولا فى البيت وفى المدرسة ثم فى الجامعة وفى مكان العمل ، ثم حقه فى أن ينتخب كل من يتحدث باسمه ويهيمن على مصالحه من أول عمدة القرية لنائب الدائرة فى البرلمان والوزير وحتى رئيس الجمهورية .
نعم تختلف نظرة المواطن فى مجتمعاتنا العربية للأمور عن نظرة أى مواطن آخر فى الكرة الأرضية لسبب رئيسى فى غاية الأهمية والخصوصية ولا يمكن تجاهله ألا وهو أنه يعيش فى هذه المنطقة من العالم التى نسميها نحن مجازا العالم العربى وكأنه كتلة واحدة وموحده ويطلق عليها العالم إسم " الشرق الأوسط" . منطقة شاءت الأقدار الإلهية ـ لحكمة ما ـ أن تكون هى وحدها دون غيرها مهد الحضارات البشرية ومهبط الوحى والأديان السماوية ومطمع الغزاة والمستعمرين عبر آلاف السنين ، وأن يتواجد فيها أكبر مخزون وإرث فى العالم من التراث الشعبى والأساطير والخرافات والدراويش والتاريخ المزيف فى معظمه ، وأكبر كم من الأعراف وترسانات القوانين ... كلها انتجت لنا فى النهاية ثقافة القهر والتخلف والخنوع والتكاسل والتواكل وبعد أن ساد التفكير الخرافى وضربت جذوره فى الأرض منذ قرون ، وبعد كل هذا هل يحق لنا أن نلوم شبابنا التائه الضائع إذا ما جرى يلهث وراء فيديو كليب لنانسى عجرم أو روبى!!.
وماذا عساه أن يفعل وهو يعانى من آثار إنهيار العملية التعليمية ، ومن جشع دراكولات ومافيا الدروس الخصوصية من المرحلة الإبتدائية وحتى الدراسة الجامعية، وشبح البطالة المتفشية ، وإعلام معظمه حكومى موجه يعتمد على التضليل والتخدير والتقليد الأعمى ؟!!
ماذا عساه أن يفعل وهو لم يجد القدوة والمثل الأعلى ووجد العامة والخاصة يتحدثون عن ضرورة نهضة الأمة!! ... شعار من ضمن آلاف الشعارات التى يعلم رافعوها أنها لن تتحقق بينما هم فى حقيقة الأمر يهربون من المواجهة الحقيقية لجبل المشكلات التى تراكمت عبر السنين والعقود والقرون بحلول علمية عملية وواقعية فى إطار منظومةواستراتيجية كاملة ومتكاملة.
ماذا عساه أن يفعل وقد ولد وعاش وسط قوانين الطوارئ التى تحولت فى كثير من بلداننا العربية إلى قاعدة بدلا من أن تكون إستثناءا ؟!!
كيف يستقيم العمل بقوانين الطوارئ لسنوات وعقود كثيرة مع التشدق بدعاوى الحرية واليمقراطية التى يسمعها شبابنا صباحا ومساءا ؟!! إنهما ضدان وقطبان متنافران لا يجتمعان .
ماذا عساه أن يفعل وهو يرى الرئيس الليبى معمر القدافى يلقى محاضرة عن الديقراطية على الملوك والرؤساء العرب ، ويصف الفلسطينيين بالغباء؟!! . . , القذافى رمز الدكتاتورية فى العالم العربى أصبح يحاضر فى الديمقراطية!!
وماذا عساه أن يفعل بعد أن خذله الكبار أصحاب القرار وأهل الحل والعقد من كل التيارات السياسية والدينية والمذهبية السياسية والمذهبية الدينية والمثقفين الذين غرقوا جميعا فى بحيرة المصطلحات والنظم السياسية من دينية وعلمانية وديمقراطية واشتراكية ، واستغرقوا فى مناقشات نظرية سفسطائية وحوارات جدلية لا طائل من وراءها وتفتقد إلى أسس وبديهيات الحوار البناء المثمر والجدل المنهجى بدلا من أن يركز رجال الأمة وحكماؤها ومفكروها وعلماؤها جهودهم فى إجراء عمليات فض إشتباك لكثير من الإشكاليات الدينية والسياسة والإقتصادية التى تعوق نهضة الأمة وتقدمها.
إننى أشفق على الجيل الحالى من الشباب العربى ـ مستقبل الأمة ـ وأرثى لحاله وهو المعنى أساسا بموضوع مقالى . هذا الشباب الذى يمثل نحو نصف عدد سكان العالم العربى (تحت سن العشرين) ويجد نفسه ضحية الحوار والجدل القديم الذى لا ينتهى بين تيار " النصوصيون/السلفيون " والتيار العلمانى فى وقت يتعرض فيه ابناؤنا لكل مؤثرات الحضارة والمدنية الغربية والثورة التكنولوجية الهائلة فى عالم الإتصالات التى حولت العالم بالفعل إلى قرية كونية .
أن عالم اليوم الذى تقلصت فيه المسافات وأصبح قريبا جدا من تحقيق الوحدة الجغرافية بعد أن تحققت نبوءة المفكر الكندى العالمى هربرت مارشال مكلوهان فى " القرية الكونية" هو فى طريقه إلى تحقيق الوحدة الفكرية ويسير فعلا فى هذا الإتجاه ، وفكرة الأمم المتحدة رغم كل ما شابها من عيوب ويواجهها من صعاب هى خطوة كبيرة فى سبيل تحقيق الوحدة الفكرية . لا أعرف على وجه اليقين متى ستتحقق؟ ، قد لا تتحقق فى حياتى أو حياتكم أو فى هذا القرن ، لكننى متأكد أنها لابد وأن تتحقق يوما ما . إنها حركة التاريخ وتأثير قوانين الطبيعة التى هى من خلق الله سبحانه وتعالى . أنا لست قلقا على الإسلام أو على القرآن الذى تعهد المولى عز وجل بحفظه حين قال فى سورة النجم :
" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"
وفى قوله تبارك وتعالى :
" وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهى تملى عليه بكرة وأصيلا ، قل أنزله الذى يعلم السر فى السماوات والأرض انه كان غفورا رحيما ". صدق الله العظيم.
ولهذا أنا لا أخشى على القرآن أو الإسلام وإنما أخشى على المسلمين.
هل نما إلى علم أى مؤسسة رئاسة فى أى بلد عربى أو إسلامى أنه توجد فى الغرب ـ منذ أكثر من ربع قرن ـ دراسات تتنبأ بأنه فى نهايات القرن الحالى الحادى والعشرين سوف يبلغ تعداد سكان العالم الإسلامى فقط نحو ثمانية مليارات نسمة!!!!! بالله عليكم كيف ومن أين سيتوفر لهذه المليارات الثمانية الغذاء والمسكن والملبس والمدارس والجامعات والمستشفيات وفرص العمل؟؟؟!!!!!!!!!
إن هذه ياسادة ياأفاضل هى القنبلة الإسلامية الحقيقية التى يخشاها العالم وليست قنبلة بن لادن القذرة، وانفجارها سيكون كارثة على العالم بأسره ... إن العالم لا يخشى رسالة الإسلام السمحة وإنما يخشى الفهم الخاطئ للإسلام من جانب بعض المسلمين الذين ابتعدوا عن الوسطية والإعتدال وجنحوا إلى العنف والتطرف ولا يرون العالم إلا من خلال ثقب الإبرة...
إن الخطر الحقيقى يأتى من جانب قوى التعصب البغيض ... اليهودى والمسيحى والإسلامى ، ويكمن الحل ـ فى رأينا ـ فى إئتلاف وتكاتف كل القوى المعتدلة والمحبة للسلام فى جميع أنحاء العالم للتصدى لخطر قوى التعصب والإنعزالية .
العصر الآن هو عصر الشعوب لا الحكام .
كاتب وصحفى مصرى ـ كندى