ذكرُ الله تَعالى أحبَّتي بالنِّسبَة للإنسان؛ كالبِنزين بالنِّسبَة للسَّيَّارَة تمامًا! يفترقان فقَط في أنَّ الأوَّل وقُودٌ غيبي للقَلب، والثَّاني وقُود مادي جعله الله سببًا لحركَة المراكِب والأشياء!! :idea:
هَل يُتصوَّر مِن عاقلٍ حصيف أن يأخُذ كأسَ شاي صَغير مِن البنزين؛ يصبُّه في صِهريج سيَّارتِه؛ يبتَغي أن يَقطَع بِه مسافَة - غرداية العاصمَة - مثلا (حوالي 600 كلم)؟!
لا غَرو أنَّ كُلَّ مَن رأى هذا الأبلَه؛ سيَضحك ملئ شِدقيه على غبائِه، وسُوء تَقديرِه للأُمور كَما يَنبغي أن تكُون، ولا يخالُه إلا ممسُوسًا في عقلِه أو مازحًا! ولَكن هَل دَرينا أنَّ هُنالِك مَن يَفعلُ مِثل ذَلك وأسوأ تُجاهَ وقُود قلبِه، وزادِه الغَيبي!!
إنَّ خطَّ سيرِنا إلى الله، والوُصولَ إلى مرضاتِه، والفَوز بالجنَّة، والنَّجاة مِن النَّار، طَويل وشَاقّ، تعتريه عَقبات كؤُود، وأشواك في الطَّريق؛ ومُعوِّقات مُختلفَة ومُتنوِّعَة؛ فمَن تهيَّأ للسَّير عليه بزادٍ نُوراني غَيبي قليل، وبضاعَة مِن ذِكر الله مُزجاة؛ فليَعلم أنَّه سُرعان ما ستخُور قُواه، ويَنقطِع مِنه الجَهد، وتقعُد بِه همَّتُه في قارِعَة الطَّريق لا يستَطيعُ أن يُواصِل ويتولَّى القَهقرى! كما سيحدُث لصاحبِنا السَّاذِج؛ الذي لَم يُعدَّ للرِّحلة عُدَّتَها مِن البِنزين الكافي، ما إن يسيرَ كيلُومترات قليلَة، وينحسِرَ الوقُود عَن المُحرِّك، وينتَهي المخزُون، حتَّى يبقَى أقطَعَ في متاهات الصَّحاري والقفار، وقَد يكُون في ذَلك هلكتَه! حقًّا إنَّ عالَم الشَّهادَة يُقرِّب حقائِق الغَيب!!
مِن أجل ذَلك لَم يأمُرنا الله أن نذكُرَه فَحسب؛ بَل أمرَنا أن نذكرُه ذكرًا كثيرا ونُسبِّحَه كثيرًا؛ بالعشي والإبكار، في ناشئَة اللَّيل وبالأسحار! آناء الليل وأطراف النَّهار! واعتبَر الذِّكر القليل مِن صفات المُنافقين كَما نقرأ في سُورة النِّساء. ولَم يكُن ذَلك كذلك؛ إلا لأنَّ أفئدتَنا بحاجَة إلى طاقَة كبيرَة تُخوِّلُ لَنا مُواصلَة المسير بصدقٍ وإخلاص، بقُوَّة وعَزم للإتيان بالطَّاعات واجتناب المَنهيَّات! ولا تأتي تِلك الطَّاقَة إلا مِن الله وحدَه بذكرِه وتسبيحِه. ( وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ) [النور : 40].
فلنستَعن على هذا أحبًّتي بمزيدِ أوقاتٍ لقراءَة كِتاب الله بتدبُّرٍ وتَحقيق، والمُحافظَة على الأوراد والأذكار اليَوميَّة، وتعاهُد حِلق الذِّكر في بيُوتِ الله، ومُجالسَة الصَّالحين بالغُدو والعَشي، والإتيان بالنَّوافل والتَّطوُّعات مِن الصَّلاة والصِّيام، وبرمَجة زيارات إلى بيتِ الله الحرام ما استَطعنا إلى ذَلك سبيلا، وزيارَة المرضى، وصلَة الأرحام، والكلام الطِّيب، ونَفع الخَلق ماديًّا ومَعنويًّا..الخ. فإنَّ كُلَّ ذَلك لعَمري - ممَّا ذكرتُ في هذه العُجالَة وما لَم أذكُر - طاقاتٌ مُتجدِّدَة تُغذِّي القَلب بالنُّور، وتُشرق فيه شمسَ الضِّياء والطُّمأنينَة، وتبثَّ فيه القُوَّة والعَزم، وتُزيح عَنه الظُّلمات والوساوس، وتُثبِّتُه على الهِداية والرُّشد، والعَطاء الدَّائم، وتجعل صاحبَه مُباركًا أينَما كان؛ وفَّقني الله وإيَّاكُم إلى العَمل بأحسَن ممَّا أقُول، وأن يجعلني وإيّاكُم ممَّن يستمعُ القَول فيتَّبعُ أحسَنه؛ أولئك الذين هداهُم الله وأولئك هُم أولوا الألباب. وتحيَّة صباحيَّة عَطرَة!!