محمد رسول الله
الرسول الحق هو من يدعوا الناس إلى كتاب الله وحده ، إن كان حقا رسولا(حقاً رسولاً) من عند الله ، فهو يدعوا إلى الله بما أنزل الله ، فهكذا قال الرسول القرآني الأول وخاتم النبيين محمد عليه السلام ، قال للناس هذه طريقي أدعوا إلى الله وحده على بصيرة بالقرآن الحكيم ، ومن أتبعني ( إتبعنى) ومن بعدي فهو يدعوا ( يدعو ) بهذا الكتاب ، ولا يمكن أن أشرك كتاباً أخر مع كتاب رب العالمين ( إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ )( سورة يونس الاية 15 ).
في هذا البحث سنتناول لفظ وأسم ( إسم) رسول القرآن محمد والذي جاء في عدد أربعة مواضع بالكتاب المبين الذي نزل عليه ، وسنحاول توضيح مدلول كل أية ، ونسأل العلي القدير التوفيق ( وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ )( سورة هود الاية 88 )
1 – يقول تبارك وتعالى ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ )( سورة آل عمران الآية 144 ).
جاء محمد ذو الخلق العظيم بالكتاب العظيم من رب العالمين ؛ لينذر الناس بأنهم مبعوثون ليوم عظيم ، هذا الرسول الكريم قد أصطفاه الله من بيننا نحن البشر ، فأصبح نبياً رسولاً مبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، وهذا الرسول قد خلت أي ماتت من قبله الرسل ، فكل المرسلين لم يخلد منهم أحداً ( أحد) ، وهنا يسئل ( يسأل) الحي القيوم سؤلاً ( سؤالاً) يعلم إجابته مسبقاً ، حيث أن سنتة لن تتبدل ولن تتحول ، فهو يعلم ماذا سوف يفعلون بعد موت أو قتل هذا الرسول ، وهذا السؤال ليس لنا الأن ، فهذا السؤال كان موجهاً إلى من كان في عصر الرسول وهو بينهم ( أي الرسول ) في أرض الدنيا حياً يرزق ، والدليل على ذلك هو أفإن مات أوقتل فهو حي معهم ولايعلم ولايعلمون هل سوف يموت أو يقتل؟.، فهذا كله يقصه علينا ربنا كموعظة وعبرة يقول تبارك وتعالى ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ )( سورة يونس الاية 57 ).
وبما أن هذه هي الرسالة الخاتمة على ( إلى) النبي الخاتم فجاء هذا التساؤل ليؤكد جزاء من يرتد عن دينه ، فهذا المرتد لن يضر الله شيئاً ، ولايوجد هنا إي ( أى ) دعوة لمحمد وأصحابه بقتل هذا المرتد بالعكس وعّد الله بجزاء الشاكرين.
2 – ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا )( سورة الفتح الآية 29 ).
هذه الاية توضح بعض صفات خاتم النبيين والذين كانوا معه ، فلقد ذكرها ربنا لتكون لنا عبرة وعظة ، فلقد كانوا أشداء أقوياء على الكفارين عصاة أوامر الله ، وكانوا ذو ( ذوى) عزيمة وإيمان ورحماء فيما بينهم ، وخاشعين و مطيعين ومنفذين أوامر الله العلي الحكيم ، وحيث كانوا يسعون إلى رضاه تبارك وتعالى فترى في وجوههم علامات طاعة وتنفيذ أوامر الله فهكذا كان مثلهم في التوراة ، ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج أوراقه أو أزهاره ثم اصبح ( أصبح) قوي ( قوياً) وغليظ البنيان مستوي ( مستوياً) على سيقانه ، هذا الزرع يعجب من قام بزراعته ليغيظ به أعدائه ( أعداءه) ، هذا مثل عظيم لقوم يعقلون فهو يتحدث عن القوة المستمدة من الله وطاعته ومن وحدة الصف وروح الجماعة التي كانت متوافرة في من كانوا مع رسول الله ، ويذكر لنا القوي العليم كل هذا ليعلمنا كيف نكون ، ووعد الله الذين أمنوا ( آمنوا) وعملوا الصالحات ونفذوا وأطاعوا الله وهم خاشعين ( خاشعون) ، وعدهم بمغفرة وأجر عظيم.
3 – ( مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا )( سورة الأحزاب الآية 40 ).
من يؤمن بالقرآن وحده يسمع كلام الله فيصدقه ولا يعترض ولا يسقط الأحداث و الأقوال على حديث أعظم القائلين ، جائت ( جاءت) كلمة – ماكان – هنا لتؤكد نفي شئ مهم ومن الممكن أن يأتي بعد هذا النفي تأكيد لشي أخر مهم ، وكما في قوله تعالى ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )( سورة ال عمران الاية 67 ) أو قوله تعالى ( مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ )( سورة مريم الاية 35 ).
أكد الله أن محمد ( محمداً) لم يكن والد أحد من الرجال الذين كانوا معه ، وجاء التأكيد بعد ذلك بأن محمد ( محمداً) رسول الله وخاتم أنبيائه ، فالموعظة هنا جاءت لتبين أمر الله في قوله ( مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ . ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا )( سورة الأحزاب الاية 4 و 5 ) أدعوهم لأبائهم هو أقسط عند الله ، فهكذا أمرنا الله.
4 – ( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ )( سورة محمد الآية 2 ).
لا يكفي الايمان بالله وباليوم الأخر ( الآخر) ، فلابد أن يصحب هذا الايمان أيمان بكتبه ورسله ، وايمان بما نزل على محمد ، فالذي نزل على محمد هو الحق من الله ، فالذين أمنو وعملوا الصالحات وأمنوا بما سبق كفر الله عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم.
5 – ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ )( سورة الصف الاية 6 ).
يتسائل البعض هل خاتم النبيين محمد عليه السلام ، هل هو الرسول الذي أسمه ( إسمه) أحمد ، والذي بشر بمجيئه عيسى ابن مريم بعد وفاته ؟
الحمد لله رب العالمين ( هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )( سورة غافر الاية 65 ) ، أمرنا الله بكثرة الحمد له وحده ، وصفة الحمد لابد من توافرها في كل المؤمنيين بالله ، وكل المؤمنيين بما أُنزل على خاتم أنبيائه ( محمد ) أو ( أحمد ) ، فأسم ( فإسم) محمد أو أحمد مشتقان من ( حمد ) وهو الثناء بالجميل مرة بعد الأخرى ، فكلنا بما فينا محمد علينا الثناء بالجميل مرة بعد الأخرى لما أنعم الله به علينا من فضله ، والثناء بالجميل ليس بالقول فقط بل بالفعل أيضاً ، ودائما لابد وأن نختم أعمالنا وأقوالنا ودعوائنا بحمد الله ( دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )( سورة يونس الاية 10 )
هذا والله تعالى أعلى وأعلم ...