ق 3 ف 4 : الرد على دعوة المسعري لإقامة الدولة الاسلامية

آحمد صبحي منصور في الإثنين ١٠ - نوفمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )

القسم الثالث المعارضة الوهابية التى أنجبت أسامة بن لادن 

 الفصل الرابع :  وجهة نظر قرآنية  نقدية للجنة الشرعية السلفية 

 الفرع الأول  :نقد عقيدة اللجنة فى التبري والتولي في العلاقة مع الغرب والعمل علي اقامة الدولة الاسلامية الموحدة في مواجهة الغرب

الرد على دعوة المسعري لإقامة الدولة الاسلامية

1 ــ أما عن اقامة الدولة الاسلامية فقد افرد لها المسعرى الباب الحادي عشر من كتابه (الادلة القطعية ) عن قواعد الاحكام السلطانية تأثر فيه بكتاب الماوردى ( الأحكام السلطانية ) المتوفى فى عام 450 هجرية ، وعاش المسعرى عصره العباسي حيث سيطر الحنابلة على الشارع العباسى العراقى باسم تغيير المنكر. وحاول المسعرى ان يفرض هذا العصر العباسي علينا ،واذا رفضنا اصبحنا في نظره كفارا . وفيه يؤكد علي أُكذوبة كبرى تزعم ان المسلمين امة واحدة تجمعهم عقيدة واحدة، وهو ينسى تفرق المسلمين الى سُنّة وشيعة وصوفية ، وفى داخل كل طائفة تتعدد الفرق والمذاهب والطُّرُق والملل والنّحل ، فكيف يكونون أمة واحدة ؟ وهو نفسه ينتمى الى فصيل صغير من المعارضة الوهابية ، والوهابية هى فصيل من الحنبلية التى هى مجرد مذهب بين المذاهب السنية ؟ بل إنه فى لجنته التى تتألف من عدة أشخاص لم تسلم من الانشقاق بين المسعرى والفقيه . أفلا يعمل أولا على توحيد لجنته قبل توحيد ( بليون ونصف بليون مسلم ) ؟

ونتابع المسعرى فى أوهامه وإحتكاره الحديث عن ( الأمة الاسلامية ) وهو يرى فى أحلام يقظته أنه يجب أن ينبثق عنها نظامهم السياسي الواحد وهو الرابطة التي تجمعهم ، وبهذه العقيدة الاسلامية تحصل الاخوة الاسلامية ،وهو يستدل في ذلك كله بالنصوص القرآنية والاحاديث السلفية.

2 ــ وينسي المسعرى أن آيات القرآن الكريم تتحدث عما ينبغي ان يكون فيما يخصّ العقائد والعبادات التى يؤكد رب العزة على حساب البشر عليها هو يوم الدين وليس الآن . فإن مهمة الدولة فى الاسلام ليس هداية الناس وإدخالهم الجنة ، لأن الهداية مسئولية فردية شخصية ، وأن من إهتدى فقد إهتدى لنفسه وأن من ضلّ فقد ضل على نفسه ، وأن النبى نفسه لا يستطيع أن يهدى من أحب . إن مهمة الدولة الاسلامية هى كفالة الحرية الدينية والسياسية لكل الأفراد فيها على قدم المساواة ، وتحقيق العدل والتكافل الاجتماعى للمحتاجين . كما إن السياسة لا شأن لها بالمثاليات وما ينبغي ان يكون بل هي فن التعامل مع الواقع ومحاولة تغييره حسب المصلحة .

3 ــ وصحيح ان المسلمين ( حسب تسميتهم مسلمين ) ينبغي ان تجمعهم عقيدة واحدة وهي لا اله الا الله التي تمنع التقديس لغير الله تعالي ،ولكن واقع المسلمين يؤكد علي ان المسلمين ( محمديون ) يتفقون فى تقديس النبى محمد ، وقد رسموا له شخصية إلاهية تنازع رب العزة فى مُلكه فى الدنيا والآخرة ، ويحجون الى القبر المنسوب اليه و يقدمون له العبادة فى صور مختلفة . كلهم يتفقون فى تقديس النبى محمد ، وتفضيله على كل الأنبياء والرسل والتفريق بين الرسل عصياتا لله جل وعلا الذى نهى عن التفريق بين الرسل واعتبره كفرا حقيقيا ( البقرة 136 ،  285 آل عمران 84  النساء 150 : 152 )، بعدا يتنوع ( المحمديون ) الى شيعة وسنة و صوفية ، وكل طائفة لها أئمتها المقدسون ، وهم فى كل ذلك رفاق متشاكسون ، مهما تنوعت أساليب تقديسهم للقبور وكتب وأسفار الائمة والاولياء . وبالمناسبة ، فلا يهتم المسعرى بهذا المظاهر الشركية ــ مثل الاخوان المسلمين ـ لأن الأهم عنده وعندهم هو الوصول للحكم ، وبأى وسيلة .

4 ــ ولو رجع المسعري للقرآن الكريم مخلصا لفهم المقصود. ان الله تعالي خاطب الرسل والانبياء جميعا بما ينبغى يكون،فقال لهم (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92)) ( وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93)   ) ثم قال بعدها عما حدث فى الواقع وما يحدث فى الواقع من اختلاف وتمزق وضلال : ( وتقطعوا امرهم بينهم كل الينا راجعون :الانبياء 92 :93 ) ومعنى قوله جل وعلا (كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ  ) هو مرجعية الحكم عليهم اليه جل وعلا يوم القيامة ، وجاء هذا فى الآية التالية : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94) الأنبياء ). ويتكرر هذا فى سورة ( المؤمنون ) . يقول جل وعلا لكل الرسل بما ينبغى أن يكون : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51) وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52)) ويقول جل وعلا عما حدث ويحدث حتى الآن  ( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) ) هل يقوم الرسل والأنبياء بحربهم وإرغامهم على تكوين دولة تُجبرهم وتُكرههم فى الدين ؟ الاجابة فى الاية التالية ، يقولها جل وعلا لخاتم المرسلين عليهم جميعا السلام :( فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54)(المؤمنون 51 : 53 ) .

5 ــ ان كل التشريع الالهي وحده في اساسياته (وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحي اليه انه لا اله الا انا فاعبدون :الانبياء 25 )(النساء 163 )(الزمر 65 )(فصت 43)(الشوري 14) وكما سبق فالاسلام هو دين الله تعالي لكل البشر في كل رسالة سماوية ،ومن هنا جاء الخطاب للانبياء جميعا بهذه الوحدة في التشريع ،فالتشريع الواحد يجعلهم امة واحدة يعبدون الاها واحدا لا شريك له ،ويأكلون الطيبات ويعملون الصالحات ويتقون الله عز وجل .اذن فوحدة الامة هنا في الدين مع اختلاف الزمان والمكان .اما القول بأن الوحدة هنا تعني الوحدة السياسية فذلك لابد فيه من الاشتراك في الزمان والمكان ،أي ان نعيش في مكان واحد وزمن واحد داخل اطار سياسي موحد ، فكيف يتأتي هذا في خطاب للرسل والانبياء علي اختلاف الزمان والمكان ؟وهل يمكن قيام وحدة سياسية بين مؤمني قوم نوح ومؤمني قوم شعيب ؟ومؤمني قوم المسعري ؟!! .

وحتي اذا طبقنا الايات علي وضعنا الحالي ،حيث يوجد المسلمون اليوم بنفس الزمن وفي قرية كويتية انمحت فيها المسافات ،فالآية الكريمة تتحدث عما ينبغي ان يكون ،وهو ينبغي ان يكون المسلمون امة واحدة ولكن ذلك يدخل في اطار التمني ،ويخالف الواقع ،فأن الاية بعدها تتحدث عن الواقع العملي الذي حدث سابقا ويحدث لاحقا ،وهو (وتقطعوا امرهم بينهم )(فتقطعوا امرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون ..) أي ان القرآن الكريم تحدث عما ينبغي ان يكون ،ثم ماهو واقع كائن ،ثم حساب الاخرة بعدئذ (كل الينا راجعون ..) (فذرهم في غمرتهم حتي حين ..).

6 ــ يتجاهل المسعرى أن ما حدث للامم السابقة بعد الانبياء عليهم السلام حدث بعد موت خاتم النبيين عليه السلام .تفرق المسلمون بسبب الحكم والسياسة ،و قامت لهم دول متفرقة متقاتلة،  وتحول الاختلاف السياسي الي خلاف فكري وعقيدي وفقهي وحروب وشقاق بين المذاهب والطوائف ،واعتنق المسعري احد هذه المذاهب وتطرف ويطالب ان يحكم المسلمين في العالم كله علي اساس هذا المذهب.

7 ـ المسعرى تجاهل أنه يجب عليه في البداية ان يؤمن بحقائق الاسلام أولا وهى تتناقض مع ملته السنية الوهابية . كما يتجاهل أن التقوى الاسلامية تمنع صاحبها من الطموح السياسى بمفهومه العملى السائد ، وهو طلب العلو فى الأرض والتحكم والسيطرة ، وهذا لا يتحقق إلا بالكذب والخداع والنفاق ، أى بالفساد فى الأرض ، وهذا ما يترفع عنه المتقون ، الذين يريدون الآخرة ، يقول جل وعلا :(تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)  ) القصص )، وشرّ الفساد أن تستخدم دين الله جل وعلا فى سبيل الوصول الى العلو فى الأرض والوصول للسيطرة والثروة والسلطة . 

8 ــ المسعرى تجاهل واقع المسلمين وان الاغلبية العظمي التي يزعم انه يتحدث بإسمها لا تعلم عنه شيئا ولا شأن لها بمشكلته مع الحكومة السعودية وان هذه الاغلبية مهمومة بأوطانها وتفهم الاسلام من خلال ثقافتها الوطنية والقومية ، ومن هنا يختلف الاسلام المصري عن الاسلام البدوي عن الاسلام الايراني .الخ .

9 ــ ثم يتجاهل المسعري اهم ما يخصه شخصيا ،وهو ان التمسح بالدين في الصراعات السياسية يجعل الاختلافات مستحيلة الحل ،فالخلاف السياسي قابل للحلول الوسط لأنه ببساطة يعترف بالمصالح بوضوح ، ويلعب فى المناطق الرمادية . أما الذى بلعب السياسة ويتخفي خلف شعارات ترفع الدين والشرع وتضمر المكاسب السياسية  فلا يرى للآخر حقا ، بل المصادرة لحقه في الحياة ولحريته في الرأي والفكر ،بل ولحقه في الحياة مع زوجتة ( بالتفريق بينه وبين زوجته )، وبالتالي فإن الخلاف يتفاقم داخل هذه الطوائف الدينية السياسية حتي ينعزل قادتها عن الحياة ،وتلك تجربة المسعري مع لجنته الي ان انشق عنه رفيقه د سعد الفقيه ، ولكنه يزال يتحدث عن اقامة دولته الاسلامية الموحدة علينا نحن المسلمين جميعا بالاكراه في الدين في عالم تقعدت فيه حقوق الانسان وحقوق الدول ..

10 ــ المسعرى ترك العلم النافع الذى تخصص فيه وفشل فيه وهو الفيزياء النووية ، وتفرغ للهجص السلفى . المسعرى يجب علاجه فورا على نفقة الأسرة السعودية ، فهى المسئولة عما وصلت اليه حالته العقلية .!!

اجمالي القراءات 8417