* مدخل:
الإسماعيلية هي أحدى الفرق التي تنسب نفسها للإسلام, وهي طائفة شيعية منحدرة من الإمامية. وتعد الإسماعيلية ثاني أكبر جمهور الشيعة بعد الاثني عشرية. ومعظم جمهور الإسماعيلية يتركز في: شبه القارة الهندية، الشام - سوريا، العربية السعودية، اليمن، وجنوب افريقيا ووسطها. وفي الآونة الأخيرة، انتشرت الإسماعيلية في: القارة الأوربية, وأمريكا الشمالية؛ نتيجة هجرات الإسماعيليين لتلك الأماكن. وقد كان للإسماعيلية دول: فالفاطميون في مصر والشام كانوا منهم, والقرامطة الذين سيطروا وقتا على عدة أقاليم كانوا منهم أيضاً.([1])
هناك مسميات كثيرة تطلق على فرق أصلها كلها الإسماعيلية, ومن هذه الأسماء: الباطنية, القرامطة, الفاطمية, الصليحية, اليامية, المكارمة, النصيرية, العلوية, الحشاشين, والبهرة ..الخ.([2]) وقد سموا بالباطنية أو الباطنيين, لقولهم: بالإمام الباطن أي المستور.([3]) وكذلك لقولهم: بأن لكل ظاهر باطناً, ولكل تنزيل تأويلاً. ويسميهم العراقيين: القرامطة, ويطلق عليهم في خرسان: التعليمية والملحدة. والإسماعيليين لا يحبون أن يعرفوا بهذه الأسماء, وإنما يقولون: نحن الإسماعيلية, لأننا تميزنا عن باقي الشيعة بهذا الاسم.([4])
وتشترك الإسماعيلية مع الاثنا عشرية بمفهوم الأئمة, المنحدرين من الحسين بن فاطمة بنت خاتم الأنبياء محمد (عليه السلام). ولكن انشق الإسماعيليون عن جمهور الشيعة الاثنا عشرية, بعد إمامهم السادس (جعفر الصادق)؛ فيمن سيخلفه من ابنائه. فجنح الإسماعيليون مع أبنه الأكبر (إسماعيل). بينما تبنى الاثنا عشريون أبنه الأصغر (موسى الكاظم). وتجدر الإشارة أن (الدروز) تفرعوا من الإسماعيلية.([5])
أما متى ظهر مذهب الإسماعيلية؟ فقد اختلف المؤرخون في ذلك, فبعضهم قال: سنة 205ه, والبعض الآخر يراه: سنة 250ه. والحقيقة أنه يتعذر التحديد الدقيق لزمن ظهورهم؛ نتيجة السرية المفروضة على أتباع هذا المذهب. فقد روج دعاة الإسماعيلية لمذهبهم, على أساس الدعوة السرية, وهذه الدعوة تنطوي على تعاليم تدريجية, يتلقاها الراغبون في الالتحاق بالجماعة على مراتب متتالية.([6])
* النشأة:
نشأ هذا المذهب كغيره من المذاهب, بالعراق في عهد العباسيين, وقد اضطهدته الدولة العباسية, كما اضطهدت غيره من المذاهب التي لا تروق لها. لذا فر المعتنقون لهذا المذهب - بتأثير الاضطهاد - إلى بلاد فارس وخرسان وما وراء ذلك من الأقاليم, كالهند والتركستان. وهناك خالط مذهبهم بعض آراء من عقائد الفرس القديمة, والأفكار الهندية, وتحت تأثير ذلك انحرف كثيرون منهم, وقام فيهم ذوو أهواء, اتصلوا ببراهمة الهنود والفلاسفة الاشراقيين والبوذيين, وبقايا ما كان عند الكلدانيون والفرس من عقائد وأفكار, حول الروحانيات والكواكب والنجوم وغيرها. وقد اخذ بعضهم من كل هذه المخارف, وأوغل فيها, وكان بمقدار إيغاله, يبتعد عن القرآن الكريم.([7])
وقد تم تأسيس هذا المذهب, في اجتماع لقوم من أولاد المجوس والمزدكية, من الثنوية الملحدين, وطائفة كبيرة من ملحدة الفلاسفة, وبقايا الخرمية واليهود.. اجتمعوا للتفكير في حيلة يدفعون بها العرب, وقالوا: (إن العرب قد غلبوا علينا, وابطلوا ديننا, واتفق لهم من الجموع ما لا نقدر على مقابلتها, ولا مطمع لنا في نزع ما في أيدي العرب من الملك بالسيف والحرب, لقوة شوكتهم وكثرة جنودهم, فلم يبق إلا اللجوء للحيل والدسائس). ثم اتفقوا على وضع حيل وخطط مدروسة, يسيرون عليها لتحقيق أهدافهم, ولينفسوا عن أحقادهم - وهذا هو سبيل الأمم المهزومة – فدخلوا في الإسلام, ليتستروا بالانتساب اليه ظاهرا, للوصول إلى اضعاف العرب, فكان ظاهرهم الإسلام, وباطنهم الشرك والكفر.([8])
لقد كانت السرية التي أحاطوا أنفسهم بها مدعاة لانقطاعهم عن جماهير الأمة, فلم يستأنسوا بما كان عند العامة, وكلما اشتد الكتمان اشتد معه البعد عن الناس. لقد بلغ بهم الكتمان درجة أن كانوا يكتبون الكتب والرسائل, ولا يعلنون عن أسماء كاتبيها, فرسائل إخوان الصفا التي اشتملت على علم غزير, وفلسفة عميقة هم الذين كتبوها, ولم يعرف حتى اليوم من هم العلماء الذين اشتركوا في كتابتها. لقد كان اتجاههم إلى الاستخفاء عن الناس وليد الاضطهاد أولا, ثم صار حالة نفسية عند الكثير منهم, وفي الجملة كانوا يسترون كثيرا من آرائهم, ولا يعلنون إلا ما تسمح الأحوال بإعلانه.[9]
ادعت الفرقة الإِسماعيلية أن إمام الشيعة الحسينية, جعفر الصادق, نص على إمامة ابنه إسماعيل. والمعروف أن إسماعيل مات في حياة ابيه سنة 145ه, وأن والده جعفر أقام عليه محضراً واشهدَ الشهود لذلك، وقيل غير هذا. وكان إسماعيل قد خلف ولداً يدعى محمد بن إسماعيل, لم ينص جعفر الصادق, على إمامة حفيده محمد, ونص على إمامة ولده موسى الكاظم, حسب مزاعم الجعفرية. ومنذ ذلك الحين, أعلن رجال الإسماعيلية مخالفتهم, وقالوا: (أن الإمامة من حق إسماعيل, وأن انتقالها إلى موسى الكاظم, يخالف عقيدتهم التي تنص على أن الإمامة تكون في سلالة علي عن طريق ابنه الحسين, وأنها لا تنتقل من أخ إلى أخ بعد أن انتقلت من الحسن إلى الحسين, ولا تكون إلا في الأعقاب).([10]) وفسر الإسماعيليون, مسألة الإشهاد على وفاة إسماعيل, بأنها (تقية) أي: عملية تغطية, لستره عن أعين العباسيين, الذين كانوا يطاردونه, بسبب نشاطه المتزايد في نشر التعاليم, التي اعتبرتها الدولة العباسية منافية لقوانينها.([11])
* المعتقدات :
إن المتتبع لأخبار الإسماعيلية وفرقها, يلاحظ تناقضا واضحا في آراءها ومعتقداتها - شأنها شأن غيرها من الفرق والمذاهب – ويرجع ذلك إلى أهل هذه الفرق الخبيثة, إذ أرادوا ذلك لكي تتضارب الأقوال فيهم عند الناس, وبذلك ينفون ما يريدون, ويثبتون ما يريدون, وأصل مذاهبهم مبني على الكذب والحيل والخداع, وهذا يقتضي - لا محالة - أن يكون النقل عنهم مختلفا مضطربا, كونهم لا يخاطبون الخلق بمسلك واحد, فلذلك تختلف كلماتهم ويتفاوت نقل المذهب عنهم.([12])
والإسماعيلية قائمة على عقيدة فلسفية متطورة, كما يصفها اتباعها. وهي تعتمد الباطن على الظاهر, وتعتبر الباطن هو الحقيقة, وهو ما يحيا به الخواص, والظاهر هو الشريعة, وهو ما يسير عليه العوام, وأنه لا ظاهر إلا وله باطن. إن الغوص في عقائدهم, واعتمادا على ما جاء في كتبهم المعتمدة عندهم, يخرج الباحث بأنهم يحملون عقيدة خاصة بهم. هذه العقيدة شاملة لل: ألوهية والتوحيد والوحي والنبوة والرسالة والإمامة سواء أئمة الستر أو أئمة القيامة ( أي قيامهم وظهورهم ) وعصمتهم واليوم الآخر والبعث والحساب والجنة والنار ونظرتهم لشيوع المال والنساء. أما دعواهم بالرجوع إلى القرآن, فلا يعني شيئا يفيد التزامهم به, فليست تعاليم القرآن - حسب فهمهم - إلا صورا للحض على طاعة الإمام طاعة تامة. والمؤمنون الحقيقيون - في نظرهم - هم أولئك الذين يؤولون الوحي الإلهي على هذا النحو. وأما من يأخذون آيات القرآن والروايات, على ظاهرها الحرفي, فلا يستحقون أن يسموا مسلمين بل حمير كافرون.([13])
والإسماعيلية من أكثر الفرق عناية بالقبور, فهي حريصة على إنشاء المشاهد, والقباب والتُرب الفخمة, وسنّ العوائد المالية والرسوم لزيارتها, ثم أنهم يسرجونها بالقناديل, فقد جعلوا لقبور أئمتهم قداسة دونها كل قداسة - شأنهم في ذلك شأن كثير من الفرق الأخرى.([14]) كما بالغوا في الاحتفالات بالمواسم والأعياد, وأشهر احتفالاتهم ومناسباتهم هي: المولد النبوي, الغدير, عاشوراء, وليلة النصف من شعبان... الخ.([15])
وقد بنيت الآراء التي يعتنقها المعتدلة منهم, على ثلاث شعب, يشاركهم في أكثرها الاثنا عشرية:
أولا- الفيض الإلهي من المعرفة التي يفيض الله بها على الأئمة, فيجعلهم بمقتضى إمامتهم فوق الناس قدرا وعلما, فهم قد اختصوا بعلم ليس عند غيرهم, وأن عندهم علما بالشريعة قد أوتوه فوق مدارك الناس.
ثانيا- أن الإمام لا يلزم أن يكون ظاهرا معروفا, بل يصح أن يكون خفيا مستورا, ومع ذلك تجب طاعته, وأن المهدي المنتظر لا بد ظاهر, وأنه لن تقوم القيامة حتى يظهر, ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما.
ثالثا- أن الإمام ليس مسئولا أمام أحد من الناس, وليس لأحد أن يخطئه, مهما يأت من أفعال, بل يجب عليهم أن يصدقوا أن كل ما يفعله خير لا شر فيه, لأن عنده من العلم ما لا قبل لأحد بمعرفته, ومن هذا قرروا أن الأئمة معصومون, لا بمعنى أنهم لا يرتكبون الخطايا التي نعلمها, بل على معنى أن ما نسميه نحن خطايا قد يكون عندهم من العلم ما ينير السبيل لهم فيه, ويكون سائغا لهم, وليس بسائغ لسائر الناس.([16])
* وإذا أردنا توضيح عقيدة الإسماعيليين كنقاط, فهي كالتالي:
1- يعد الإمام المظهر الأول والمثل الأعلى، وللأئمة درجات ومقامات, ولهم صلاحيات محدودة لا يتجاوزونها وهي: الإمام المقيم والإمام الأساس والإمام المستقر والإمام المستودع.
2- أن للقرآن ظاهراً وباطناً, وأن الاعتماد على الظاهر دون الباطن, مخالف لروح العقيدة الإسماعيلية.
3- اعتقد فرع منهم بأن أدوار الإمامة سبعة, وأن الانتهاء إلى السابع, هو آخر الدور, وهو المراد بالقيامة. أما الإسماعيلية التعليمية - وهي فرع آخر - فمبدأ مذهبهم ابطال الرأي, وابطال تصرف العقول, ودعوة الخلق إلى التعلم من الإمام المعصوم, وانه لا مدرك للعلوم إلا بالتعليم.
4- أن الأرض لا تخلو من إمام حي قائم, إما ظاهر مكشوف, وإما باطن مستور، فاذا كان الإمام ظاهراً, يجوز أن تكون حجته مستورة, وإذا كان الإمام مستوراً, لابد أن تكون حجته ودعاته ظاهرة.
5- نفَوْا جميع الصفات عن الله سبحانه وتعالى، لأن كل صفة وموصوف مخلوق، بل ذهبوا إلى نفي التسمية عنه, وأنه لا موجود ولا غير موجود.
6- ينقسم العالم إلى اثني عشر قسماً, مثله مثل السنة الزمنية، وسَّموْا كل قسم جزيرة، وجعلوا على كل جزيرة داعياً، وسموه داعي دعاة الجزيرة أو حجة الجزيرة.
7- ينبغي ان يكون المرشد قد بلغ حد الأربعين, ولا يجوز لمن هو دون ذلك أن يفاتح أو يسلم إلى أحد المواعظ والارشادات والهداية.
8- الوحي ما قبلته نفس الرسول (ع) من العقل, وقبله العقل من أمر باريه, ولم يخالفه علم تؤالفه النفس الناطقة بقواها.
9- أن الله لم يخلق العالم خلقاً مباشراً, وإنما أبدع العقل الكلي, بعمل من أعمال الإرادة وهو ( الأمر ). وأن العقل الكلي محل لجميع الصفات الإلهية, وهو عندهم الإله, ممثلاً في مظاهره الخارجي.
10- الجنة رمز إلى حالة النفس التي حصلت العلم الكامل, ويرمز إلى الجحيم بحالة الجهالة.
11- أن الله تعالى لم يحكم على نفس قط بالجحيم الأبدي، ولكن النفس تعود إلى الأرض ثانية بالتناسخ, إلى أن تعرف الإمام الموجود في العصر الذي عادت فيه, وتأخذ عنه المعارف الدينية.
12- أن النبي (ع) انقطعت عنه الرسالة, في اليوم الذي أُمر فيه بنصب - علي بن ابي طالب - إماما للناس بغدير خم.
13- ضرورة وجود الإمام المعصوم المنصوص عليه, من نسل الحسين بن علي بن ابي طالب، والنص على الإمام يجب أن يكون من الإمام الذي سبقه, بحيث تتسلسل الإمامة في الأعقاب, أي ينص الإمام الأب على إمامة أحد أبنائه.
14- على رأس الثلاث مائة, تطلع الشمس من مغربها، واوّلوا هذا بخروج المهدي، وقالوا يكون بين محمد بن إسماعيل, وظهور المهدي, ثلاثة أئمة من أهل الستر .([17])
هذا ومن الله التوفيق
[1]- محمد أبو زهره, تاريخ المذاهب الإسلامية في السياسة والعقائد وتاريخ المذاهب الفقهية, دار الفكر العربي, القاهرة, د.ت. ص: 52
[2]- عبدالرحمن الشجاع, تاريخ اليمن في الإسلام في القرون الأربعة الهجرية, ط/6, مكتبة الإحسان, صنعاء,2006. ص: 162
[3]- ابن خلدون, المقدمة, ج/1, دار الكتاب المصري – دار الكتاب اللبناني, القاهرة – بيروت, 1999. ص: 356
[4]- علي الصلابي, الدولة العبيدية في ليبيا, دار البيارق, عمان – بيروت, 1998. ص: 41
[5]- محمد جمال الدين, تاريخ الدولة الفاطمية, دار الفكر العربي, القاهرة, د.ت. ص: 20
[6]- علي الصلابي, مرجع سابق, ص: 43
[7]- محمد أبو زهرة, مرجع سابق, ص: 53
[8]- علي الصلابي, مرجع سابق, ص: 44
[9]-محمد أبو زهرة, مرجع سابق, ص: 53
[10]- محمد جمال الدين, مرجع سابق, ص: 20
[11]- أيمن فؤاد سيد, تاريخ المذاهب الدينية في بلاد اليمن حتى نهاية القرن السادس الهجري, الدار المصرية اللبنانية, القاهرة, 1988. ص: 91
[12]- علي الصلابي, مرجع سابق, ص: 45
[13]- عبدالرحمن الشجاع, مرجع سابق, ص: 163
[14]- أحمد بن حسن المعلم, القبورية في اليمن, مركز الكلمة الطيبة, صنعاء, 2003. ص: 176
[15]- إبراهيم أحمد العدوي, مصر الإسلامية درع العروبة ورباط الإسلام – نحو وعي حضاري معاصر – سلسلة الثقافة الاثرية والتاريخية 17, د.م, د.ت, ص: 141
[16]- محمد أبو زهرة, مرجع سابق, ص: 54
[17]- علي سالم النجفي, المذهب الإسماعيلي, الكويت, نت http://www.mesopot.com/old/adad9/44.htm. ؛ أحمد بن حسن المعلم, مرجع سابق, ص: 159