كيف أتعرف على " الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ " ؟
رضوان الله أكبر من طلب الجنة "2"

محمد صادق في السبت ٠١ - نوفمبر - ٢٠١٤ ١٢:٠٠ صباحاً

 

رضوان الله أكبر من طلب الجنة  "2"

بسم الله الرحمن الرحيم.........

هذا هو الجزء الثانى نبدأ بإذن الله تعالى...

ختمت الجزء الأول بسؤال موضوع النقاش، وما زال السؤال قائما: كيف أتعرف على " الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ " ؟ ما هى مواصفاتهم وأخلاقهم وأعمالهم حتى يتسنى لى اللحاق بهم "يُرِيدُونَ وَجْهَهُ".

مقدمة:

هذه مقدمة كمدخل لمحاولة الإجابة على هذا السؤال والله المستعان. إن كان لديك صديق تتعامل معه على فترة من الزمن ليست بالقصيرة، هل تستطيع أن تؤكد بأنك فعلا تعرفه حق المعرفة أم لا...فى معظم الأحيان الإجابة بنعم أعرفه حق المعرفة، هذه الإجابة تتنافى مع منطق القرءآن الكريم. يجوز أن أقول أنك تعرفه من أعماله وطريقة كلامه وتصرفاته، لكن هل تعرفت عليه حقا حين تكون أنت فى مأزق وتراقب تصرفاته، أو هذا الشخص وُضع فى موقف شهادة هل تجزم أنه سيكون صادقا... والأمثلة كثيرة فى هذا الصدد. ما فى الصدور لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. ونستعرض بعض الأمثلة من كتاب الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه نأخذ هذه الآيات كوسيلة ننتقل منها إلى محاولة الإجابة على السؤال موضوع المناقشة.

يقول  الله سبحانه فى سورة التوبة وهى سورة مدنية الآية 101 

وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ .... "التوبة 101

من هم الذين حول الرسول وهو لا يعلمهم، بمعنى ،أنه لا يعلم ما فى صدورهم. هؤلاء الذين كانوا حوله هم جزء من الذين آمنوا معه فى مكة وتحركوا معه إلى المدينة وأيضا من المدينة ممن آمنوا وإلتفوا حوله. هؤلاء كانوا معه بصفة مستمرة وللأسف لم يعلم ما فى صدورهم من نفاق. فكيف بنا نحن ونعتقد أنى أعلم كل شيئ عن هذا الصديق منذ أعوام.

يقول سبحانه فى موضع آخر على نفس السياق: فى سورة آل عمران وهى مدنية ايضا:

وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) } (سورة آل عمران 101 - 102

أنظر معى إلى السياق كيف بدء " وكيف تكفرون " هذا يدل على أنهم كانوا مؤمنين ثم تغيرت نفوسهم وكفروا أو أعرضوا... والله سبحانه يعطيهم الدليل عليهم بكفرهم فيقول " وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ" أدلة داحضة تدل على أنهم كانوا مع الرسول ويستمعون إلى آيات الله تتلى عليهم والرسول بينهم ومع ذلك لم يتقوا الله حق تقاته لذلك عقب فى الآية التى تليها بـــ " أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ".

هل تستطيع أن تقول بعد عشرة طويلة، أنك تفهم فلان معرفة حقيقية مع العلم أن الإنسان بطبيعته متغير. ماذا نستنتج ...

الله سبحانه وتعالى لم يتركنا فى ظلمات التيه ولكن هو المعلم الأول والأخير، فلم يتركنا نتخبط يمينا وشمالا ولكن أعطانا من فضله آليات نستخدمها لحل مشاكلنا فى هذه الدنيا الفانية. فمنها جعل لنا السمع والبصر والفؤاد وهى كلها نعم من الله، كى نُــفَعِلْها ونستخدمها، وأعطانا أمثلة فى القرءآن الكريم حتى ندرسها ونأخذ منها الدروس المفيدة لحل مشاكلنا بالطريقة التى هو يرتضيها.

من هذه الدروس التى يجب أن نستفيد منها ونستنتج منها الحلول والدلالات التى تؤكد لنا مسيرتنا فى هذه الحياة فمنها ما يلى على سبيل المثال لا الحصر.

إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا  (سورة النساء 142

هنا يبين الله سبحانه وتعالى كيف نتعرف على هؤلاء المنافقين فقال : " وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى" و" يُرَاءُونَ النَّاسَ" و  " وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا ".

يقول سبحانه وتعالى: الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ " (سورة هود 1

ويقول أيضا: "..... وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا " (سورة الإسراء 12

نحن نؤمن بكل ذلك إيمانا راسخا لا يتزعز بأن الله أعطانا تفصيل كل شيئ فى هذا الكتاب المبارك. فأين هذا التفصيل الذى يناسب السؤال موضوع المناقشة؟

لنتدبر معا بعض من هذا التفصيل ....

  فَاسِقٌ

49:6 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين

فى هذه الآية الكريمة " إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ " لم يوضح الله سبحانه كيف أتعرف على هذا الفاسق، لم توضح لنا الآية كيف أتعرف عليه ولكن الله سبحانه بعلمه المطلق قرر أن هذا فاسق، فهل أعتبر كل من جائنى بنبأ أنه فاسق وحسب هذه الآية، فإن فعلت ذلك فقد وضعت نفسى فى مرتبة علم الغيب. لكن الله سبحانه أعطانا الحل السريع لعدم الوقوع فى مالا يُحمد عقباه، فقال : فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ.  هنا أعطانا الله الحل المبدئى أن نتبين أولا من صحة هذا النبأ قبل التعامل معه أو إتخاذ قرار سريع يمكن أن " تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِين". فسواءا علمت أم لم تعلم بفسق هذا الشخص فإتخاذ الحذر هو الأساس قبل أن تقوم بالتصرف العشوائى.

وبما أن هذا القرءآن فُصِّل تفصيلا وتبيانا لكل شيئ فنرى بعد التدبر الثانوى نجد أن الله سبحانه قد فصل لنا معنى الفسق وكيف نتعرف على الفاسق، فقال سبحانه:

إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (27) } (سورة البقرة 26 - 27      ونفس المقطع ذكر فى سورة الرعد 25

هنا نستطيع أن نتعرف على من هم الفاسقين: 1- يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ، 2- وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، 3- يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ".

وفى موضع آخر :

وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ ......(83) } (سورة آل عمران 81 - 83 (82)

أضاف الله سبحانه صفات أخرى غير الذى سبق، فجاء بوصفهم " فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ " ثم وصفهم بأنهم يريدون غير دين الله" أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ".

  الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67: 9

واضح من هذه الآية الكريمة أن الفاسقون يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ، وتعريف آخر " يقبضون ايديهم " و " نسوا الله " .

ولننظر فى هذه الآية الكريمة : " وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)المائدة

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ   (سورة النور 4

الخلاصة:  ملخص صفات الفاسقون....

1-  الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ

2- وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ

3- وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ

4- آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ

5- أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ

6- وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

7- إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ

8- وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ

9- الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ..... وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ 

 

من هذه المواصفات، أخبرنا الله سبحانه بمن هم الفاسقون فلا نستعجل فى الحكم بمجرد سماع خبر من أى شخص حتى نتأكد من صحة النبأ وإلا سنقع فى المحذور...

هذا جزء بسيط يعلمنا الرحمن كيف نتعرف على أخى الإنسان ولا نعتمد على طول العشرة أو الصداقة أو ما شابه ذلك لأن الله سبحانه وتعالى هو الوحيد الذى يعلم ما فى الصدور. من هنا نبدأ بإذن الله تعالى فى تدبر آخر والغرض منه هو تنقية وتصفية ممن حولنا حتى يوفقنا جل جلاله للتعرف على الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى.

والسؤال ما زال قائما للنقاش :

كيف أتعرف على " الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ " ؟

نلتقى بإذن الله تعالى مع الجزء الثالث، إن كان فى العمر بقية.....

اجمالي القراءات 11154